تناهض ناشطات الحركة النسوية جميع أشكال اضطهاد المرأة، وعلى رأسها القوانين المجحفة بحق النساء، لكن محاولة التغيير عبارة عن رحلة طويلة وشاقة لكثرة التشريعات القانونية التعسفية الموجودة على امتداد الوطن العربي، التي تسمح باضطهاد المرأة من خلال التقليل من درجة مواطنتها والتساهل مع المعنفين وإبطال بقية حقوقها أو عدم تطبيقها على أرض الواقع.
وتكمن صعوبة النضال في هذا الاتجاه بغياب الديمقراطية في معظم بلدان الشرق الأوسط التي تسّهل العمل الحقوقي من جهة، وسيطرة الفكر الذكوري وتجذره في المجتمع من جهة أخرى. نستعرض في هذا التقرير أمثلة عن هذه القوانين في مجموعة من البلدان العربية.
التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات
يوجد عدد كبير من القوانين التي تميز ضد المرأة في قانون العقوبات بمختلف الدول العربية، وتتضارب هذه القوانين نفسها مع قوانين أخرى تنص على عدم التمييز بين المواطنين على أساس الجنس، ما يوضح اختلال النظام القانوني في تلك البلاد. فيما يلي نذكر بعض الأمثلة من مجموعة من الدول العربية:
-
اليمن
ينص القانون اليمني على رفع صفة التجريم عن الفعل الناتج عن استعمال الحق، ويقصد به حق الزوج دون غيره من الأقارب فيما يعرف بتأديب الزوجة، استنادًا إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، وذلك رغم أن قراءات مختلفة في فقه التجديد أوردت أكثر من 17 معنى لكلمة الضرب التي وردت لها سياقات متعددة في النصوص القرآنية.
وبما أن أغلب الدول العربية اعتمدت الشريعة الإسلامية مصدرًا لسن قوانين الأحوال الشخصية، يعزي البعض أي إجحاف بحق المرأة إلى النص الديني نفسه، وهنا تقول أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر، الدكتورة سعاد صالح، إن سوء فهم الأحكام الشرعية – السماوية – هو ما جعل قانون الأحوال الشخصية – الوضعي – مدعاة للانتقاد الدائم من المرأة، فقد بني على أساس اجتهادات ذكورية تسعى لتأمين مكاسب ومآرب ضيقة وبعيدة عن جوهر الإسلام الذي لم يبق بندًا أو احتمالًا إلا وعالجه بإنصاف المرأة.
أما ما يعرف بـ”جرائم الشرف في القانون الجنائي اليمني” تنص المادة 232 من قانون الجرائم والعقوبات على تخفيف عقوبة الزوج الذي يرتكب جريمة قتل أو اعتداء يفضي إلى موت أو عاهة بحق زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسها بالزنا، بمبرر الهياج الشديد وهو سبب قوي للانفعال بدعوى الاستفزاز والغيرة، حيث يصل هذا التخفيف إلى الحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة بدلًا من الإعدام قصاصًا، ويسري الحكم ذاته على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه متلبسة بجريمة الزنا.
لكن في حال تبادل الأدوار بحيث تكون الزوجة التي قتلت زوجها بعد أن ضبطته متلبسًا بجريمة الزنا، فلا تحصل على تخفيف، وتعاقب على جريمة القتل دون النظر إلى الظروف وتحصل على حكم الإعدام قصاصًا.
وتتعارض هذه الأحكام مع الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية للقضاء على التمييز ضد المرأة، كما تشكل خرقًا واضحًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
-
العراق
قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي من المفترض أن يكون مشرعًا لحماية الحقوق والحريات الفردية والعامة، ورد في المادة 41 منه أنه لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالًا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالًا للحق، كما جاء في تلك المادة أن تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرر شرعًا أو قانونًا أو عرفًا يعتبر أمرًا قانونيًا.
وتنتهك هذه المادة حق المرأة في السلامة الجسدية وتهدر كرامتها وآدميتها، فهي تسمح للزوج أن يضرب زوجته لتأديبها، وقد يصل حدود هذا التأديب إلى درجة شديدة من الإيذاء الجسدي والنفسي، إذا كان العرف السائد في منطقة أو عائلة أو عشيرة الزوج أو الزوجة يسمح بذلك.
كما افترض القانون في هذه الحالة أن الزوجة وحدها من يستحق التأديب، كأنها هي دائمًا المخطئة والعاصية، ولو أن الزوجة أدبت زوجها فإنها سوف تعرض أمام المحكمة ويحكم عليها بجريمة الإيذاء بموجب المواد (410-416) لأن القانون لم يعطها هي أيضًا حق تأديب زوجها مهما بلغ سوء طباعه وسلوكه.
وتتعارض هذه الأحكام مع المادة 14 من الدستور العراقي التي تقرر “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس”، كما أنها تتعارض وأحكام المادة 29 من الدستور العراقي التي تقرر في فقرتها الرابعة “تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع”.
أما المادة 377-2 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 تنص على ما يلي: “تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها، ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية”.
أي أن الزوج إذا زنا في مكان آخر غير منزل الزوجية فلا يعد جانيًا أو مرتكبًا لجريمة، في حين أن الزوجة أينما زنت تعد جانية ومرتكبة لجريمة الزنا، وهذا يعد انتهاكًا لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون المقرر في المادة 14 من الدستور العراقي والمادة 2 من الدستور التي تقرر في الفقرة (أولًا/أ) أن “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام”، ومن الثوابت الواضحة والصريحة في الدين الإسلامي ما ورد في القرآن الكريم بشأن عقوبة جريمة الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، أي أن الحكم الشرعي لم يميز في عقوبة جريمة الزنا بين المرأة والرجل.
تقول الكاتبة والناشطة الحقوقية العراقية، عواطف رشيد في واحدة من مقابلاتها: “تجار الدين هم سبب اضمحلال الحقوق المكفولة شرعًا والاستعاضة عنها بقراءات مغلوطة واجتهادات مبهمة تهدف لإرضاخ المرأة لسلطة الرجل”، وتضيف “ما اقترح مؤخرًا في العراق من اعتماد ما يعرف بالقانون الجعفري سيعمق الطائفية في المجتمع العراقي، وترى أنه يجب العودة لقانون الأحوال الشخصية الذي صدر في العراق في الخمسينيات والبناء عليه وتطويره”.
-
ليبيا
في القانون الجنائي الليبي يتم تخفيف عقوبة القتل إذا كان القاتل رجلًا وقتل زوجته أو أخته إن وجدها متلبسة بواقعة الزنا، تحت بند المادة 375 من قانون العقوبات الليبي، تحت عنوان القتل أو الإيذاء حفظًا للعرض، وتنص المادة على “من فوجئ بمشاهدة زوجته أو بنته أو أخته أو أمه في حالة تلبس بالزنا أو في حالة جماع غير مشروع فقتلها في الحال هي أو شريكها أو هما معًا ردًا للاعتداء الماس بشرفه أو شرف أسرته، يعاقب بالحبس، وإذا نتج عن الفعل أذى جسيم أو خطير للمذكورين في الظروف ذاتها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين، ولا يعاقب على مجرد الضرب أو الإيذاء البسيط في مثل هذه الظروف”.
التمييز ضد المرأة في قوانين الطلاق وحضانة الأطفال
حضانة الأطفال مضمار آخر تواجه فيه المرأة ويلات التمييز برعاية القانون، ففي لبنان مثلًا، الذي تنظم أمور الأسرة فيه محاكم روحية تتبع للطوائف الموجودة، تعتمد القوانين الطائفية الشيعية والسنية والدرزية عمر الطفل وليس مصلحته العليا معيارًا يُحدّد بموجبه الجهة التي سيقيم معها بعد طلاق الأبوين، وذلك وفقًا لما جاء بأحد تقارير “هيومن رايتس ووتش”.
وتخالف هذه الممارسات المعايير المكرّسة في اتفاقية حقوق الطفل التي تُلزم الدول الأطراف ضرورة أن يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى، لكن سجّلت الطائفة السنية تطورًا حديثًا في هذا المجال، إذ بات بمقدور القضاة، بموجب سلطتهم التقديرية، اعتبار مصلحة الطفل العليا في قضايا الحضانة.
أما في الأردن، تنص المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية الأردني على أن الأم أحق بحضانة ولدها، إلا أن حقها في حضانته يسقط إذا تزوجت.
وعن فكرة سقوط حضانة الأم بمجرد زواجها، علقت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس على المادة 172، موضحة أن هناك حالات عنف سجلت من زوجة الأب، وصلت إلى موت طفل قبل عامين، وبالتالي فإن الفرضية التي تقول إن الأم لا تستطيع حماية طفلها في حال تزوجت هو أمر مرفوض.
وفي النهاية إن كان هناك رجل مريض قد يؤذي الطفل، فهو قد يكون أبًا أو زوج أم أو خالًا أو جدًا، إلخ، إذًا لماذا نفترض دائمًا أن زوج الأم هو الذي يشكل هذا الخطر.
جدير بالذكر أن معظم الدساتير العربية تقوم على المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء ومن دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين
لا تختلف قوانين بقية الدول العربية فيما يتعلق بالحضانة عن الأردن ولبنان كثيرًا، ومن المعروف انحياز القانون للرجل في حالات النزاع على الحضانة، حيث تفقد المرأة حقها في الحضانة لأبسط الأسباب، بينما يبقى احتمال الحكم على الرجل بعدم الأهلية أقل بكثير، إلا في الحالات التي يعجز فيها عن رعاية الأطفال بسبب إدمان الكحوليات أو المخدرات مثلًا.
وغالبًا ما تؤدي هذه الإشكالية إلى امتناع المرأة عن طلب الطلاق بسبب تخوفها من فقدان حضانة أطفالها، فتختار الاستمرار بعلاقة زوجية مسيئة تهدد صحتها النفسية والجسدية وحتى حياتها في بعض الأحيان.
حق المرأة بمنح جنسيتها لأبنائها
هذا من الحقوق المرفوضة قطعًا في معظم البلدان العربية، وخصوصًا في الأردن ولبنان، ونوقش قانون جديد في لبنان يقترح إعطاء الأم اللبنانية حق منح جنسيتها لأطفالها بشرط ألا يكون الزوج من إحدى دول الجوار، وفي سوريا لا تمنح الولادة لأم سورية الشخص الحق التلقائي بالجنسية السورية، لكن القانون يسمح بانتقال الجنسية من الأم إذا تمت الولادة في سوريا وكان الأب مجهولًا، وهو قانون شكلي لا يتم تطبيقه إلا بحالات نادرة.
أما بالنسبة للدول العربية التي منحت هذا الحق للمرأة، كانت شروط تطبيقه صعبة وتعجيزية في بعض الأحيان، مثلما هو الحال في العراق وتونس ومصر التي من ضمن شروطها أيضًا ألا يكون الزوج فلسطينيًا.
جميع ما ذُكر يمكن اعتباره نبذة عن القوانين والأنظمة الراسخة في منطقتنا العربية التي تعمّق التمييز بين الجنسين واحدًا على حساب الآخر، فتزيد هذه القوانين من صعوبة حياة المرأة من جهة وتطيل أمد مشوار النضال الحقوقي من جهة أخرى، لكنها تبقى مطالب محقة في وجه القوانين الجائرة والموجودة حاليًّا، التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية والاتفاقات الدولية، لكنها تتوافق مع الأعراف الذكورية السائدة.
جدير بالذكر أن معظم الدساتير العربية تقوم على المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء ومن دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين، وبالتالي أي قانون يصدر فيما بعد يميّز على أساس الجنس أو الدين أو غيره، غير دستوري بطبيعة الحال.