في حركة مفاجئة، قررت المملكة المغربية، قطع علاقاتها مع السفارة الألمانية بالرباط، جراء خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية، دون أن يتم الكشف عن هذه الخلافات، ما جعل العديد من المغاربة يتساءلون عن ماهية هذه الخلافات التي أدت إلى قطع العلاقات بين الحليفين. في هذا التقرير لنون بوست سنحاول الإجابة عن هذا السؤال.
تعليق التعاون مع السفارة
قالت وزارة الخارجية المغربية في رسالة إلى أعضاء حكومة بلادها: “خلافات عميقة تهم قضايا المغرب المصيرية استدعت قطع العلاقات التي تجمع الوزارات والمؤسسات الحكومية مع نظيرتها الألمانية، بالإضافة إلى قطع جميع العلاقات مع مؤسسات التعاون والجمعيات السياسية الألمانية”.
يعد قرار الخارجية المغربية قطيعةً دبلوماسيةً لكن من الدرجة الثانية، حيث لم يطلب من السفير الألماني في الرباط الرحيل، ولم يسحب السفير المغربي من برلين بل لم يتم استدعاؤه للتشاور، وهذه أول مرة يقدم فيها المغرب على قطع العلاقات مع سفارة معينة معتمدة لديه.
تأمل الرباط في الضغط على برلين، حتى يتم التجاوب معها والرد على مختلف الأسئلة التي تم طرحها
إلى غاية الآن، لم يصدر المغرب بيانًا رسميًا في الموضوع، فالخبر جاء بناءً على تسرب رسالة موجهة من طرف وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يتحدث فيها عن تعليق العلاقات مع السفارة الألمانية المعتمدة في الرباط والهيئات المرتبطة بها، وتؤكد الرسالة عدم رفع الإجراء إلا بقرار من الدبلوماسية.
جدير بالذكر أن ألمانيا واحدة من أكبر الجهات المانحة للمملكة، فخلال الفترة 2015-2019، تم توفير نحو 490 مليون يورو سنويًا للمغرب، منها ما يقارب 92% للتعاون المالي (معظمها في شكل قروض) و8% للتعاون الفني.
وسيلة ضغط
صحيح أن المسألة لم تصل بعد إلى قطع العلاقات الكلية بين البلدين، فالمغرب اكتفى حتى الآن بوقف التعاون مع السفارة الألمانية وله في مرحلة قادمة أن يسحب سفيره في برلين أو يعبر عن عدم رغبته في بقاء السفير الألماني في الرباط، إلا أن هذا القرار يعتبر تنبيهًا مغربيًا لألمانيا.
يرغب المغرب، وفق العديد من المسؤولين، في الحفاظ على علاقته المهمة مع هذا البلد الأوروبي، لكنه في الآن ذاته يريدها علاقات مبنية على الاحترام، وما القرار الأخير سوى نوع من الاستنفار الذي عبر من خلاله المغرب عن عدم الارتياح إزاء العديد من القضايا بين البلدين.
تأمل الرباط في الضغط على برلين، حتى يتم التجاوب معها والرد على مختلف الأسئلة التي تم طرحها، وإلى ذلك الوقت لن يكون هناك اتصال بين السلطات المغربية والسفارة والمؤسسات الألمانية في المملكة.
الاقتصاد لا ينعكس على السياسة
مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، رحب وزير الخارجية المغربي في بيان بالتعاون الثنائي الممتاز بين البلدين، عقب محادثات هاتفية أجراها مع وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني غيرد مولر، وجاءت المحادثات بعيد موافقة ألمانيا على تقديم دعم مالي للمغرب بـ1.387 مليار يورو، بينها 202.6 مليون يورو هبات، على أن يقدم التمويل المتبقي على شكل قروض ميسرة، وذلك في إطار دعم إصلاح النظام المالي المغربي ومساعدة السلطات في التصدي لفيروس كورونا.
بعد أقل من 3 أشهر، عاد نفس الوزير المغربي وقرر وقف الاتصال مع السفارة الألمانية في بلاده، ليؤكد بذلك أن المملكة غير راضية عن التعاون السياسي بين البلدين وأن الاقتصاد والمنح والقروض ليست المحدد الرئيس للعلاقات بين البلدين.
يريد المغرب أن يقول إن كل شيء يجب أن يمر من الآن فصاعدًا بالضرورة عبر القناة الدبلوماسية فقط، فهي الضامن الوحيد لمصالح المملكة، فلا رغبة للمغرب في اتباع سياسة الانتقائية في علاقاته مع باقي دول العالم.
يتضح من هنا أن الدبلوماسية المغربية سئمت من رؤية أن الطبيعة النموذجية للتعاون بين المغرب وألمانيا لا تزال محصورة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية فقط، بينما على المستوى الجيوسياسي، تستمر الفجوة في الاتساع.
قضية الصحراء الغربية
أبرز الخلافات بين البلدين، تتعلق بملف الصحراء الغربية، فالمغرب يستنكر على ألمانيا دعمها لجماعة البوليساريو ووقوف برلين في صف المعادين لوحدة المملكة الترابية، وقد تفاقم هذا الوضع نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد موقف برلين تجاه قرار الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
في ذلك الوقت، انتقد مسؤولون ألمان، بمن فيهم عضو في الحكومة الفيدرالية، الخطوة الأمريكية علنًا، وذهبت ألمانيا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، إلى حد الدعوة لاجتماع مغلق، نهاية السنة الماضية، لمجلس الأمن الذي ترأسه بشأن قضية الصحراء.
فضلًا عن ذلك، غالبًا ما يتحدث الإعلام الألماني الرسمي وغير الرسمي عما يصفه “نهب” المغرب للثروة السمكية في الصحراء الغربية، كما كانت برلين عقبة أمام تجديد الاتحاد الأوروبي لاتفاقيات التي تخص شراء المنتجات الزراعية والسمكية القادمة من أقاليم الصحراء.
يؤكد القرار المغربي الأخير، أن قضية الصحراء كانت وما زالت محدد السياسية الخارجية المغربية، فهي على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة باعتبارها القضية الوطنية الأولى للمغاربة، رغم أن الدبلوماسية المغربية بدأت تتحرر شيئًا فشيئًا من ثقل هذه القضية.
وتعرف علاقات المغرب ببعض الدول تذبذبًا انطلاقًا من تفاعلات معينة كانت محددًا للسياسة الخارجية المغربية التي تقوم إجمالًا على أساس احترام سيادة الغير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام مبدأ الشرعية الداخلية والقانون الدولي، لذلك كانت قضية الصحراء المغربية محددًا أساسيًا لتفاعلات المغرب الخارجية.
يؤكد القرار المغربي أن الرباط أصبحت تتعامل مع عواصم الدول الكبرى بمنطق الند للند
تجدر الإشارة إلى أن الصحراء الغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، تعتبر أمميًا أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وفيما تطالب الأخيرة، باستفتاء لتقرير المصير، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.
وبدأ النزاع بين الطرفين منذ العام 1975، أي بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وقد تحول الصراع إلى مواجهة مسلحة بين المغرب والجبهة استمرت حتى العام 1991، وتوقفت بتوقيع الطرفين اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة.
الملف الليبي
إضافة إلى مسألة الصحراء الغربية، يعتبر الملف الليبي أحد المواضيع الخلافية بين الطرفين، خاصة بعد تهميش برلين لمكانة الرباط وأهميها في هذا الشأن، وعدم دعوة المغرب للمشاركة في مؤتمر دولي بشأن ليبيا في يناير/كانون الثاني 2020.
وترى السلطات المغربية أن ألمانيا تجاوزت المملكة التي كانت دائمًا في طليعة الدول الساعية لحل الأزمة الليبية، وسبق أن احتضنت مدينة الصخيرات المغربية، قبل 5 سنوات، مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا على طاولة واحدة، لبحث حل لأزمة بلدهم المنكوب، فكان أن توصلوا لاتفاق سياسي لتسوية الأزمة الليبية في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.
كما استضافت مدن المملكة جولات عدة من المفاوضات بين مختلف الفرقاء الليبيين، ما يجعل دورها مهمًا في حل الأزمة الليبية، إلا أن ألمانيا اختارت عدم استدعائها واستدعاء تونس والجزائر، ما يؤكد سعي ألمانيا لتهميش المغرب.
تجسس
شدد قرار الخارجية الأخير على وقف التعامل مع الهيئات والجمعيات المرتبطة بالسفارة الألمانية في المغرب، يفهم من ذلك وجود شبهات تتعلق بأنشطة استخباراتية تقوم بها جهات مرتبطة بهيئات ألمانية تنشط في المغرب.
ويقول بعض المغاربة، إن بعض الجهات الألمانية ارتكبت أعمالًا لا علاقة لها بالدبلوماسية والتعاون، فعادة ما ينطوي التعاون الظاهر على التجسس وأعمال غير ودية بشكل عام، ذلك أن هذه المنظمات، لديها إمكانية الذهاب إلى كل مكان وجمع معلومات مهمة، بحكم طبيعة مهامها.
يؤكد القرار المغربي أن الرباط أصبحت تتعامل مع عواصم الدول الكبرى بمنطق الند للند، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، فالمملكة الآن تضغط على الدول من أجل الاعتراف بسيادتها على الأقاليم الجنوبية ومن أجل احترام قوتها في شمال إفريقيا والمنطقة العربية ككل.