قالت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها الثلاثاء، إنه بشأن المملكة العربية السعودية، فإن الغرب يتحمل بعضا من المسؤولية فيما يتعلق بموضوعي قتل الصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن.
وتطرقت الصحيفة في المقال إلى جريمة قتل خاشقجي وما صدر خلال الأيام الأخيرة من تقرير استخباراتي أمريكي يؤكد تورط ولي العهد السعودي ابن سلمان بالجريمة.
وقالت إن “ولي العهد ليس فحسب من يدير شؤون المملكة يوما بيوم، بل إنه وريث الملك المريض (..)، لقد تخلص بكل قسوة من خصومه، وسلفه في ولاية العهد الأمير محمد بن نايف الذي يقبع حاليا في المعتقل”، مضيفة أنه “رغم مناورات ابن سلمان زادت التوترات والانقسامات داخل العائلة الملكية الحاكمة”.
وتابعت: “تعلم واشنطن أنها قد تكون مضطرة للتعامل معه لعقود قادمة (..)، قد لا يبادر بايدن بالاتصال به، لكن المسؤولين التابعين له يقومون بذلك”.
وتاليا نص المقال كاملا
في الثاني من أكتوبر / تشرين الأول من عام 2018، مشى الصحفي جمال خاشقجي إلى داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول. وخلال دقائق أزهقت روحه ثم قطعت جثته، ولم يتم العثور على شيء من بقاياه حتى الآن. بينما صورت آخر رواية من الروايات العديدة التي خرجت بها الرياض الأمر على أنه “عملية مارقة”، خلصت وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي آي إيه) بسرعة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان أعطى موافقته على تنفيذ عملية القتل. إلا أن دونالد ترامب، الذي كان معجبا بالأمير الشاب الأرعن، أعلن خلاف ذلك واستنكف عن القيام بأي شيء.
حينما كان جو بايدن مرشحا رئاسيا تعهد بأنه سيرغم المملكة العربية السعودية على “دفع الثمن وتحويلها إلى دولة منبوذة كما هو عليه حالها.” ولكن أما وقد أصبح في الموقع الذي يؤهله لأن يفي بما تعهد به فيبدو أنه غير رأيه. كانت واشنطن يوم الجمعة قد رفعت السرية عن التقييم الاستخباراتي بخصوص جريمة القتل، وفاء بما تم الوعد به، وقرر الرئيس تجاهل ولي العهد مصرا على التعامل فقط مع الملك سلمان. ولكن بينما ترفض واشنطن القول ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان مشمولا ضمن “حظر خاشقجي” الذي ستفرض بموجبه حظرا على منح التأشيرات لستة وسبعين مسؤولا سعوديا، كانت الرسالة الواضحة هي أننا سنستأنف العمل كالمعتاد، مع تغييرات طفيفة فقط لا غير.
والواقع هو أن ولي العهد ليس فحسب من يدير شؤون المملكة يوما بيوم، بل إنه، وهو البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما، وريث الملك المريض. لقد تخلص بكل قسوة من خصومه، وسلفه في ولاية العهد، الأمير محمد بن نايف، يقبع حاليا في المعتقل. وعلى الرغم من أن مناورات الأمير محمد بن سلمان زادت التوترات والانقسامات داخل العائلة الملكية الحاكمة، إلا أنها أيضا أفضت إلى إحكام قبضته على السلطة. وتعلم واشنطن أنها قد تكون مضطرة للتعامل معه لعقود قادمة. قد لا يبادر السيد بايدن بالاتصال بولي العهد بنفسه، ولكن المسؤولين التابعين له يقومون بذلك.
استحق بايدن ما وجه له من نقد بسبب تراجعه عن تعهده بمعاقبة السعوديين، وبدت بريطانيا خسيسة ومعزولة بشكل متزايد بسبب عدم اكتراثها بحياة اليمنيين
إلا أن الصرخة صدرت عن بعض السياسيين وعن شخصيات مثل المدير السابق للسي آي إيه جون برينان، وكذلك عن معارضين سعوديين، يشعرون بالغضب ويستبد بهم الخوف. فقط قبل أسابيع اختفى أحدهم بينما كان يزور السفارة في أوتاوا، ثم عاد وظهر بشكل غامض داخل المملكة العربية السعودية. ولذلك ما كان من أغنيس كالامار، التي حققت في مقتل خاشقجي لصالح الأمم المتحدة، إلا أن وصفت قرار الإعلان عن اسم ولي العهد دون فرض عقوبات عليه “خطير للغاية” لما يحمله ذلك من رسالة تفيد الحصانة من المساءلة. ولذلك لم يكن عجبا أن رجال الأعمال الذين نأوا بأنفسهم عن المملكة بعد جريمة قتل الصحفي باتوا الآن يتهيأون لإعادة التواصل.
لم تعد الولايات المتحدة معتمدة على النفط السعودي كما كانت من قبل، ولكنها ترى في البلد شريكا أمنيا أساسيا. بادرت الرياض إلى تقديم تنازلات رمزية للإدارة الجديدة، بما في ذلك إطلاق سراح الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة لجين الهذلول – وإن كانت ما تزال ترزح تحت قيود مفروضة عليها. في هذه الأثناء مازال كثيرون غيرها في الزنازين خلف القضبان. بالرغم من كل تبجحها بمشاريع “التحديث”، إلا أن المملكة غدت تحت الأمير محمد بن سلمان أكثر قمعا في الداخل وأكثر تهورا في الخارج.
كان ولي العهد هو من دفع باتجاه الحرب في اليمن، وهي الحرب التي باتت الرياض نادمة عليها وتسعى جاهدة للخروج منها. فبعد عشرات الآلاف من الهجمات الجوية، وما لا يحصى عدده من المدارس والمستشفيات والبيوت المدمرة، لم يتحقق سوى المزيد من المكاسب على الأرض للمتمردين الحوثيين الذين لا يقلون قسوة. إننا بصدد حرب أهلية معقدة ومتخندقة، فيها العديد من الأطراف المتصارعة، بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون، وكل له مصالحه المتضاربة، وكل لا يأبه بما يلحق بالمدنيين من دمار. وبينما بادر بايدن إلى تعيين مبعوث جديد، وأعلن أنه ينبغي إنهاء الحرب، إلا أن أولويات أخرى بدأت تلوح في الأفق وتحتل الصدارة من الأجندة.
إضافة إلى ذلك، قامت الولايات المتحدة أخيرا بوقف الدعم للجهود التي تقودها السعودية وأوقفت بيع الأسلحة الهجومية – على الرغم من أنها تقول إنها ستستمر في بيع الأسلحة التي تستخدم لأغراض دفاعية، وهنا يربض الشيطان في التفاصيل. في المقابل، قررت بريطانيا الاستمرار في شحن الأسلحة إلى الرياض وفي نفس الوقت تقليص المساعدات إلى اليمن بنسبة خمسين في المائة هذا العام، على الرغم من أن الكارثة الإنسانية تتفاقم باستمرار. وكما حذر أمين عام الأمم المتحدة فإنه بالنظر إلى حالة البؤس والشقاء التي يعيش فيها الملايين فإن قطع المساعدات عنهم يعد حكما عليهم بالموت.
إن قرار بريطانيا مخز ومخجل، ليس فقط لأنها حامل القلم في مجلس الأمن الدولي، ولم تفعل الكثير للدفع قدما بمساعي جلب السلام إلى البلاد، ولكن أيضا لأنها تؤيد التحالف الذي تقوده السعودية وتزوده باحتياجاته من السلاح. لقد استحق السيد بايدن ما وجه له من نقد بسبب تراجعه عن تعهده بمعاقبة السعوديين. ولكن بريطانيا تبدو خسيسة حقيرة – ومعزولة بشكل متزايد – بسبب عدم اكتراثها بحياة اليمنيين.