تشهد مدينة بنغازي منذ ليلة الثلاثاء اشتباكات دامية، كان عنصر المفاجأة هو سيد الموقف، إذ هاجمت مجموعات مسلحة تنتمي لكتيبة 17 فبراير معسكر 204 دبابات ومعسكر 21 مشاة الواقع في نطاق منطقة قاريونس ببنغازي، وذلك بتنفيذ عمليات انتحارية لتفكيك دفاعات المعسكرين.
وكان من المقرر حسب السيناريو المعُد من قبل قادة عملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” بحسب ما أعلنه أمس الثلاثاء أثناء كلمة ألقاها ونقلتها بعض القنوات الليبية المحلية، أن تتحرك انتفاضة مسلحة داخل مدينة بنغازي، لضرب وقتل كل من ينتمي لمجلس شورى ثوار بنغازي، والتحرك إلى خطوط التماس بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومجلس شورى الثوار بمنطقة بنينا، وكان من المفترض أن تتحرك الكتيبة 204 دبابات، و21 مشاة للضغط على مقاتلي المجلس فيما يشبه ضغط أفعى “الأنكوندا” من عدة محاور.
إلا أن مباغتة كتيبة خصصها قادة مجلس شورى ثوار بنغازي للعناصر التي تنوي التحرك المسلح منذ ساعات الليل الأولى وتنفيذ عمليات انتحارية وسحب قوات وآليات الكتيبة 204 دبابات، و21 مشاة إلى خارج تحصيناتها وجرها إلى حرب شوارع، أربك خطة قادة عملية الكرامة، وجعلها محل شك كبير من ناحية نجاحها وتنفيذ أهدافها.
وبحسب المراقبين فإنها قد تكون الفرصة الأخيرة للواء المتقاعد خليفة حفتر لإثبات قدرته العسكرية في السيطرة على مدينة بنغازي، والتي استعصت عليه رغم الإمدادات الهائلة التي تحصل عليها من مصر والإمارات والغطاء الجوي المصري المرافق لأغلب عملياته العسكرية.
وإذا ما أخفقت محاولة قوات اللواء المتقاعد في الدخول إلى بنغازي وتفكيك خطوط دفاع قوات مجلس شورى ثوار بنغازي، فإنه من المتوقع بحسب خبراء عسكريين أن تتوقف الإمدادات العسكرية التي تأتيه من الإمارات ومصر، وأن تضغط الولايات المتحدة باتجاه وقف عملية الكرامة بعدما فشلت في تحقيق أهدافها.
ثمة عوامل محلية هي الأخرى تهدد مستقبل عملية الكرامة في قلب حواضنها بمناطق ومدن الشرق الليبي خاصة بنغازي والبيضاء وطبرق، إذ بحسب المعلومات الواردة من مدينة المرج فإن حالة من التململ من الاستمرار في مد حفتر بمقاتلين من قبائل المرج، خاصة وأن هذه القبائل بدأت تشعر بالحرج بعد ارتفاع عدد قتلى وجرحى أبناءها في الأونة الأخيرة بسبب العمليات الانتحارية التي نفذها منتسبو مجلس شورى الثوار.
في ذات السياق بدأت بوادر مبادرة تخرج من مدينة طبرق دعا إليها شيوخ قبائل من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي ومعقل مؤيدي حفتر ومقر مجلس النواب الليبي المؤيد لعملية الكرامة، تقوم على محاولة إزالة المشاكل العالقة بين المكونات الاجتماعية بمدينة طبرق وبين باقي مدن ليبيا المعارضة لعملية الكرامة التي يتزعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك بسبب – حسب مصادر محلية من مدينة طبرق – الحصار الذي بدأ يشعر به سكان المدينة وصعوبة تحركهم بسهولة بمدن شرق ليبيا، وتعريض مصالحهم التجارية وعلاقاتهم الاجتماعية للخطر بسبب التأييد والاحتضان غير المشروط لحفتر بها.
ثمة حسابات سياسية تضغط على قادة عملية الكرامة وداعميها في حال فشلهم في السيطرة على مدينة بنغازي، وبقاءهم فيما يشبه الكنتونات المقطعة الأوصال؛ مما يجعل مواقفهم التفاوضية ضعيفة جدًا في أية مفاوضات برعاية دولية أو أممية، كما أن قادة عملية الكرامة يحاولون مسابقة الزمن فيما يتعلق بحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية، في حالة أن فقد مجلس نواب طبرق وكل ما نتج عنه من حالات سياسية أو أمنية شرعيته، بسبب الحكم بعدم شرعيته ومخالفته للإعلان الدستوري، وكأن عملية الكرامة تريد أن تخلق على الأرض واقعًا مشابهًا لواقع فجر ليبيا التي أحكمت سيطرتها على أغلب مدن الغرب الليبي، وفي طريقها لضرب آخر معقل مؤيد لحفتر بالزنتان، أي خلق حالة أمر واقع وسلطة فعلية بشرق ليبيا، تقابل أمر واقع وسلطة فعلية بشرق ليبيا ذات مركز يساعدها على التفاوض وتحقيق مكاسب سياسية محلية.
وبحسب المراقبين فإن فشلت محاولة اقتحام بنغازي والسيطرة عليها من قبل الموالين لحفتر، فإن الاهتمام الدولي والدعم الإقليمي لهؤلاء القادة والاعتراف بشرعية مجلس النواب الليبي بطبرق، ستكون كلها محل شك، وقد يُطلب منهم التراجع خطوات إلى الخلف أو الانسحاب نهائيًا، والدفع بقادة جدد، فليس المصير مصير اللواء المتقاعد خليفة حفتر فقط، بل هو مستقبل قادة الصف الأول لعملية الكرامة سواء السياسيين منهم أو القادة الميدانيين.
إلا أن ثمة متابعين آخرين يرون أن المعركة ببنغازي الآن سياسية رغم حجم المعارك والاشتباكات المسلحة بين طرفي الصراع بها، وستستمر حتى يوم 20 من أكتوبر/ تشرين الجاري أي يوم فصل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية في شرعية مجلس النواب الليبي.
ويرون أنه في حالة استطاع حفتر السيطرة على بنغازي، فإنه سيدعو مجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق، إلى الانعقاد بمدينة بنغازي، ومن ثم يصبح حكم الدائرة الدستورية بتأييد شرعية مجلس النواب الليبي أو الحكم ببطلانها غير ذي قيمة من الناحية العملية، في محاولة من حفتر حصر أصل الخلاف حول المخالفات الدستورية والإجرائية التي شابت انعقاد مجلس النواب، وذلك سيعطي عملية الكرامة وقائدها اللواء المتقاعد خليفة حفتر زخمًا محليًا ودوليًا جديدًا وبُعدًا يجعل من مسألة الانقلاب أو الثورة المضادة التي يُتهم بها حفتر مجرد دعاوى لا أرض لها.