يواجه حزب العمال البريطاني مأزقا قانونيا بعد قرار تعيين ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ضمن طاقمه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب موقع “ميدل إيست آي”، فإن مكتب محاماة كبير في لندن، هدد برفع دعوى قضائية ضد الحزب بعد تعيين أساف كابلان، الذي عمل سابقا مع الوحدة 8200، وهي الوحدة المسؤولة عن التجسس الإلكتروني في الجيش الإسرائيلي.
وتعتبر الوحدة 8200 نظيرا للوكالات المدنية في الدول الغربية، على غرار وكالة الأمن القومي الأمريكية ومكاتب الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة، لكنها تواجه انتقادات واسعة النطاق لتورطها في مراقبة المدنيين الفلسطينيين بشكل غير مشروع.
وفي رسالة إلى حزب العمال، تزعم شركة المحاماة بيندمانز أنه “من المحتمل جدًا أن يكون كابلان متورطًا في ممارسات المراقبة القسرية غير القانونية” ضمن الوحدة 8200، أو كان على علم بهذه الممارسات على أقل تقدير. وفي “كلتا الحالتين فإنّ تعيين السيد كابلان غير مقبول”.
توجهت بيندمانز بسؤال للحزب عما إذا كان كابلان جنديًا احتياطيًا في جيش الدفاع الإسرائيلي حتى الآن.
تنوب الشركة عن عضو حزب العمال البريطاني من أصل فلسطيني، عدنان حميدان، الذي يقول إنه قلق بشأن تعيين كابلان في منصب “مدير الإصغاء الاجتماعي والتنظيم”، أي بعبارة أخرى مراقبة المحادثات عبر الإنترنت، بما في ذلك المحادثات بين أعضاء الحزب.
بدورها، تعاطت صحيفة “الغارديان” مع هذه القضية، ونقلت عن عدنان حميدان، تساؤله عن ما إذا كان الحزب قد قام بتقييم مخاطر قبل تعيين كابلان، وعن المعلومات التي كانت لديه عن الجاسوس السابق.
قوانين حماية البيانات
يشعر حميدان بالقلق لأنّ هذا التعيين قد يعرّض حقوقه للخطر بموجب قوانين حماية البيانات في المملكة المتحدة، وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات.
حزب العمال ملزم بتطبيق مبادئ الإنصاف والعدالة على أعضائه، فضلا عن التصرف بشكل متوافق مع القيم المعلنة للحزب
ويقول في هذا الصدد: “أنا قلق للغاية من أن حزب العمال جنّد جاسوسًا إسرائيليًا سابقًا في منصب يسمح له بمراقبة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للأعضاء، بما في ذلك البريطانيون من أصل فلسطيني، والمؤيدون للقضية الفلسطينية ومناهضو الاحتلال”.
ويضيف: “حزب العمال لم يقدم أي ضمانات تثبت أن التعيين يتماشى مع موقفه المعلن بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو التزامه باتفاقية جنيف الرابعة، أو إدانته العلنية لسياسات الاستيطان الإسرائيلية”.
ويتابع قائلا: “فشل الحزب أيضًا في تأكيد الخطوات التي تم اتخاذها للحد من المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الأعضاء أو لضمان عدم مراقبة بياناتنا دون موافقتنا”.
ويقول جيمي بوتر، الشريك في بيندمانز، إن “حزب العمال ملزم بتطبيق مبادئ الإنصاف والعدالة على أعضائه، فضلا عن التصرف بشكل متوافق مع القيم المعلنة للحزب”.
ويضيف: “بالنظر إلى الخلفية الواضحة للسيد كابلان، فإن ما يدعو للقلق هو حقيقة أن حزب العمال قد عيّنه دون تقديم أي ضمانات من أي نوع لأعضائه الفلسطينيين وغيرهم، ولم يفعل ذلك حتى الآن رغم إدانة شخصيات بارزة داخل الحزب لهذا التعيين”.
وتابع قائلا: “هذا الأمر يبعث على الدهشة بسبب إدانة حزب العمال العلنية لسياسات الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية. لهذا نأمل أن يتعامل الآن مع عميلنا، وأن يرد بشكل كامل على تساؤلاته المتعلقة بقرار التعيين”.
ويعمل كابلان في مكتب زعيم حزب العمال كير ستارمر، الذي يقع في مباني البرلمان، وليس في مقر الحزب، ويقال إن بعض الموظفين قلقون للغاية بشأن الدور الذي يضطلع به. يُذكر أن عددا من الشخصيات البارزة أدانت تعيينه داخل الحزب.
ابتزاز الفلسطينيين
تتركز أغلب المخاوف على تصريحات جنود من الوحدة 8200 كشفوا أن عمليات المراقبة السرية أدت إلى ابتزاز الفلسطينيين وتجنيدهم كمخبرين لدى الحكومة الإسرائيلية. ويقال إن المثليين الفلسطينيين كانوا عرضة لهذه الممارسات بشكل خاص.
وفي سنة 2014، كتب 43 من أعضاء الوحدة الحاليين والسابقين إلى قادتهم، وإلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رسالة يشتكون فيها من ممارسات الرقابة الإلكترونية ضد الفلسطينيين، مؤكدين أنها لم تكن تستهدف الأشخاص المشتبه في تورطهم بأعمال العنف فقط.
حزب العمال أو أي طرف يعرّف عن نفسه على أنه ديمقراطي ويهتم بحقوق الإنسان، يتعين عليه أن يقوم بطرح بعض الأسئلة قبل أن يعيّن شخصا كان جزءا من نظام يروج لهذه السياسة ضد الفلسطينيين
وفي أعقاب تعيين كابلان، صرّح جندي إسرائيلي سابق خدم في الوحدة 8200 لموقع “ميدل إيست آي” بأن عمله كان يشمل جمع بيانات خاصة عن المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، والتي كان بالإمكان استخدامها للضغط عليهم من أجل التعاون مع إسرائيل.
وأضاف أنه خدم لمدة سنة في قسم كانت مهمته التنصت على محادثات الفلسطينيين قبل أن يقدم استقالته. وقال المجند السابق، شريطة عدم الكشف عن هويته: “إنه عالم مظلم بلا ضوابط. لقد استُخدمت هذه الوسيلة لاضطهاد الشعب الفلسطيني حتى لا يقاوم الاحتلال”.
وتابع قائلا: “أعتقد أن حزب العمال أو أي طرف يعرّف عن نفسه على أنه ديمقراطي ويهتم بحقوق الإنسان، يتعين عليه أن يقوم بطرح بعض الأسئلة قبل أن يعيّن شخصا كان جزءا من نظام يروج لهذه السياسة ضد الفلسطينيين”.
مقلق للغاية
عندما وقع الكشف عن تعيين كابلان في شهر كانون الثاني/ يناير، قال كريس مولين، النائب عن حزب العمال لمدة 23 سنة، والذي عمل بوزارة الخارجية في عهد رئيس الوزراء توني بلير، لموقع “ميدل إيست آي”: “لست متأكدا مما إذا كانت هذه الفكرة جيدة. هل سيعمل لصالح الإسرائيليين أم لصالح حزب العمال؟”.
ويقول جون ماكدونيل، المستشار السابق في حكومة الظل عن حزب العمال: “أعتقد أن معظم أعضاء الحزب سيشعرون بالحيرة عندما يرون أنه بالرغم من كل المواهب المتاحة لنا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قرر الحزب تعيين شخص لديه سجل في منظمة استخباراتية تمت إدانتها بشدة لدورها في انتهاك حقوق الفلسطينيين”.
ووصف نائب بارز آخر عن حزب العمال تعيين كابلان بأنه “مقلق للغاية” وأضاف: “يجب التراجع عن القرار على الفور ويجب عزله من منصبه”.
رفض المكتب الإعلامي للحزب مرارًا وتكرارًا الإفصاح عما إذا كان الحزب على علم بالخلفية المخابراتية العسكرية لكابلان قبل تعيينه. ورفض كابلان طلبًا للتعليق، تم إرساله عبر الحزب
وفي رسالته إلى حزب العمال، قال مكتب بيندمانز للمحاماة إن تعيين كابلان ينتهك لوائح الحزب ويتعارض مع سياساته المعلنة. وأضاف: “لا يمكن الدفاع عن هذا التعيين خصوصا في ظل انضمام بريطانيين من أصل فلسطيني إلى حزب العمال، وما يحدث في الأراضي الفلسطينية، ومشاركة السيد كابلان في ممارسات الاحتلال وما تقوم به قوات الدفاع الإسرائيلية”.
“شعر عميلنا بقلق شديد عندما علم بالتعيين. يعتبر عميلنا أن خلفية السيد كابلان ومؤهلاته تجعله غير مناسب بتاتا للمنصب، وهو متخوف من تداعيات تعيينه على أعضاء حزب العمال العرب والفلسطينيين”. ويضيف بيندمانز: “تتفاقم مخاوف عملائنا بسبب حقيقة أنه من المحتمل أن السيد كابلان كان متورطًا في ممارسات المراقبة السرية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والتي يمكن اعتبارها غير قانونية في المملكة المتحدة. هذا التعيين يدعو إلى التساؤل عن الاحتياطات التي اتخذها حزب العمال قبل القرار وبعده، للحد من المخاطر على أعضائه العرب والفلسطينيين”.
رفض حزب العمال التعليق على الدعوى المزمع رفعها، وقال متحدث باسم الحزب: “نحن لا نعلق على مسائل التوظيف”. وقد رفض الحزب الرد على أسئلة موقع “ميدل إيست آي” بشأن التعيين منذ الكشف عنه في كانون الثاني/ يناير.
وعلى وجه الخصوص، رفض المكتب الإعلامي للحزب مرارًا وتكرارًا الإفصاح عما إذا كان الحزب على علم بالخلفية المخابراتية العسكرية لكابلان قبل تعيينه. ورفض كابلان طلبًا للتعليق، تم إرساله عبر الحزب.
المصدر: ميدل إيست آي