في السنوات الأخيرة، انتشر مفهوم العنف الإلكتروني ضد المرأة على نطاق واسع في ظل الانفتاح التكنولوجي الكبير، ومن أشكاله: الابتزاز، والتحرش الجنسي، والتهديدات بالعنف، وجمع الوثائق، ورسائل المضايقات، وتبادل المحتوى الإباحي، وذلك وسط جملة من العادات والتقاليد التي تضع حدودًا اجتماعية صارمة.
ولعل أبرز تلك الإساءات المنتشرة في المنصات الافتراضية هي الابتزاز الإلكتروني، إذ يهدد مثلًا أحدهم المرأة بصورها الشخصية أو سجلها الإلكتروني الخاص كي يحصل على مبتغاه سواء بغرض الانتقام والإهانة، أو لغايات مالية كما يحدث مع الكثير من الرجال في المقابل، ولكن في تقريرنا اليوم نحصر حديثنا عن الابتزاز الإلكتروني للنساء وتحديدًا في قطاع غزة.
العنف الإلكتروني
تقول عندليب عدوان مديرة مركز الإعلام المجتمعي في غزة: “العنف هو أي فعل يؤدي إلى إيذاء المرأة أو تهديدها أو الإضرار بها أو بحياتها أو سمعتها أو بكل ما يحيط بها، والعنف الإلكتروني يتخذ أشكالًا عديدةً منها التهديدات المباشرة أو غير المباشرة وانتهاك خصوصيتها أو إرسال أو تبادل صور جنسية أو انتحال شخصيتها والسطو على حسابها وتهكيره والسيطرة عليه”.
وتضيف: “تكمن خطورة العنف الإلكتروني في أنه يستخدم فضاءً واسعًا جدًا هو فضاء الإنترنت، فإذا الإساءة تم تعميمها أو انتهاك الخصوصية ونشر معلومات خاصة عن المرأة أو أي نوع أو شكل من العنف الإلكتروني يصعب السيطرة عليها على الإنترنت أو لملمة الأمر كما نقول”.
وتشير إلى أن خطورة العنف الإلكتروني تكمن في أن القوانين غير معروفة للجميع خصوصًا قانون الجرائم الإلكترونية، فهو قانون جديد نسبيًا والجمهور وخاصة النساء لا يعرفن عنه الكثير، إضافة إلى أن الفضاء الإلكتروني متجدد يوميًا وهناك تكنولوجيا حديثة تصدر كل يوم، وبالتالي القانون لا يستطيع الإلمام بكل جوانب العنف الإلكتروني.
وبخصوص الإحصاءات تؤكد أنه ليس هناك إحصاءات دقيقة، لكن هناك انتهاكات وهناك عنف إلكتروني ضد المرأة، وهناك شكاوى تقدم للمؤسسات وللشرطة ويتم متابعتها، إذ يوجد في الشرطة قسم الجرائم الإلكترونية ويمكن للنساء أن يقدمن شكوى ضد المتحرشين الذين انتهكوا خصوصية حساباتهن.
وتؤكد عدوان ضرورة تمكين المرأة من مواضيع الإنترنت خصوصًا تأمين حساباتها، فالنساء عمومًا غير مؤهلات أو لا يمتلكن الخبرة التقنية التي تمكنهن من محاربة هذا العنف أو من حماية أنفسهن منه وهو الدور الذي يجب أن تؤديه المؤسسات الأهلية وخاصة النسوية، فتقول:
“على سبيل المثال لدينا في المركز مشروع عن كيف تؤمن النساء حساباتهن الشخصية وأصدرنا فيلمًا وثائقيًا تعليميًا يشرح ذلك، كما أصدرنا كتيبًا كدليل تعليمي بالكلام والصور، وأقمنا كذلك عددًا كبيرًا من ورش العمل التي تهدف لحماية النساء والفتيات من الانتهاكات في الفضاء الرقمي”.
الاستخدام الآمن
يرى خبير السوشيال ميديا المهندس محمد عوض أنه في الغالب تكون ضحية الابتزاز الإلكتروني وصادفنا الكثير من نماذج الاختراق على مواقع السوشيال ميديا، فللأسف الفتيات يعتقدن أن تطبيقات مثل إنستغرام الصور فيها محفوظة، فقط يراها الأصدقاء وبالتالي هي تنشر كل شيء دون حدود، لكن الهكر لديهم أساليب في الاختراق ونسخ هذه الصور ومن ثم استخدامها ضد الضحية.
ننصح دائمًا الفتيات بتأمين الحسابات على أعلى مستوى وعدم استقبال رسائل أو صور أو فيديوهات من مجهولي الشخصية وتأمين الحساب بتغيير كلمات المرور كل فترة واستخدام كلمات مرور صعبة
ويقول: “الجهل في الاستخدام الآمن سبب في الوقوع بهذه الأخطاء، إضافة إلى إهمال الضحية، إذ تنسى حسابها مفتوحًا على أجهزة العمل مثلًا وهنا يسهل دخولها من أي شخص وسرقة بياناتها، إضافة إلى الجهل في التعامل مع الروابط الاختراقية وفي الأغلب يتم فتح الروابط دون التأكد منها وبالتالي يسهل اختراق الجهاز وسحب ما عليه من بيانات ثم استخدامها لابتزاز الضحية”.
مضيفًا: “لذلك ننصح دائمًا الفتيات بتأمين الحسابات على أعلى مستوى وعدم استقبال رسائل أو صور أو فيديوهات من مجهولي الشخصية وتأمين الحساب بتغيير كلمات المرور كل فترة واستخدام كلمات مرور صعبة”.
ويشير عوض إلى طبيعة العادات والتقاليد والمجتمع المحافظ الذي يجعل الفتيات غالبًا في حالة من الخوف والخجل ولا يلجأن لأحد لطلب المساعدة إذا تعرضن للابتزاز، موجهًا نصيحة لكل الفتيات بسرعة التوجه لإبلاغ الشرطة وعدم التهاون لأن مسايرة المبتز وإعطائه ما يطلبه سواء مال أم مقابلته لن تنتهي عند حد معين وسيستمر الابتزاز طالما تشعر هي بالخوف، وهذا ما أثبتته الوقائع مع كثير من الفتيات اللواتي تعرضن للابتزاز وخضعن في البداية لمطالب المبتز ثم لم يجدن أمامهن إلا إبلاغ الجهات المسؤولة أو العائلة حتى لا يتورطن أكثر.
الحلول الودية
يرى المحامي بكر التركماني أن القوانين الفلسطينية لم تصل بعد للحد المطلوب من قوة ردع المبتز أو المعنف إلكترونيًا، ففيما يتعلق بموضوع الجرائم هناك قانون العقوبات في قطاع غزة رقم 74 سنة 1936 وما أضيف إليه من تعديل 2009 بالنسبة لسوء استخدام التكنولوجيا، وهذا القانون يعالج موضوع الابتزاز وموضوع الشتم والتشهير، لكن التطور التكنولوجي وحجم الانتهاكات والاختراق يتطلب أن يكون لدينا منظومة قانونية أكثر وضوحًا فيما يتعلق بمواجهة هذا العنف الإلكتروني الذي تعاني منه النساء بشكل خاص.
ويقول: “هذا النوع من العنف قد يتعرض له الجنسان، لكن الرجل له طرقه في التعامل، أما المرأة فقد تشعر بالحرج والخوف والضعف أمام المبتز خصوصًا أن هناك الكثير من قصص قتل النساء على خلفية ما يسمى بالشرف لمجرد شكوك عند الأب أو الأخ أو الزوج أنها تتحدث إلى رجل آخر عبر الإنترنت”.
مضيفًا: “للأسف لدينا بعض الدوافع التي تكون مرتبطة بتخفيف العقوبة عندما يكون الأب أو الزوج قد قتل الضحية لمجرد أنه نظر إلى تليفونها وشاهد محادثة أو رسالة، وهنا يكون هنالك تنازلات من الأهل عن دم المغدورة وبالتالي يتم تخفيف العقوبة”.
ويؤكد التركماني أن المشكلة الأساسية تكمن في آليات المتابعة لشكاوى الجرائم الإلكترونية، فهي في الغالب وحسب متابعتنا يتم حلها في دوائر العلاقات العامة وبما يسمى “قعدة العرب” والحل الودي والاكتفاء بالاعتذار دون توجيه أي تهمة رسمية لمن يمارس العنف الإلكتروني.
شرطة إلكترونية
يؤكد العقيد أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة في غزة أن قسم الشرطة الإلكترونية يستقبل شكاوى المواطنين في قضايا الابتزاز الإلكتروني والأخلاقي ومنها نوعين: الأول من قطاع غزة وفتحنا فروعنا في كل قسم لاستقبال هذا النوع من الجرائم خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وأيضًا قسم عبر الموقع الخاص بالشرطة الفلسطينية من الخارج لكل من يتعرض لهذا النوع من الابتزاز.
من الضروري أن تتحلى الفتيات بالشجاعة لكشف المبتزين والمعنفين إلكترونيا ولمن يخترقون خصوصياتهن على الإنترنت ولا يترددن في إبلاغ الجهات المختصة لأخذ حقهن وحماية غيرهن
يقول: “نستقبل هذه الشكاوى ونحولها لقسم المباحث العامة ونقوم بحل القضايا وبعض الأشخاص يستكملون إجراءاتهم عبر النيابة، فعندما نتأكد من شخص فعلًا ابتز فتاة وتقدمت لنا بشكوى نقوم بتوقيفه بشكل رسمي عبر النيابة ونوجه إليه التهمة”.
ويضيف: “بعض الفتيات للأسف يرسلن صورهن للشباب ثم يتعرضن للابتزاز بطلب المقابلة الشخصية أو دفع مبلغ مالي، نحن نتابع هذه القصص ونعيد لهن المال ونقاضي المجرم”.
ويشير إلى أن معظم هذه الشكاوى لمواضيع الابتزاز الإلكتروني يتم حلها ومعالجتها بشكل سري حفاظًا على خصوصية الفتاة، فخصوصية مجتمعنا المحافظ تتطلب منا هذا النوع من سرية المعلومات حيث يتم ضمان السرية التامة لكل متقدم للشكوى حتى إن بعضهن يتواصلن فقط عبر الهاتف ويقدمن الشكوى ونحن نتابعها ونحل الإشكالية دون حتى أن نعرف هوية الفتاة لأن هدفنا هو الحماية فقط وهذا غالبًا ما يحدث مع النساء المتزوجات، فبعضهن تعرضن للابتزاز وخافت من زوجها وقمنا بحل المشكلة بعيدًا عن العائلة ودون استدعائها”.
وأمام كل حالات العنف الإلكتروني سواء التي وصلت للشرطة أم تلك التي لم تصل، من الضروري أن تتحلى الفتيات بالشجاعة لكشف المبتزين والمعنفين إلكترونيًا ومن يخترقون خصوصياتهن على الإنترنت ولا يترددن في إبلاغ الجهات المختصة لأخذ حقهن وحماية غيرهن من الفتيات من أمثال هؤلاء المجرمين.