في الـ16 ديسمبر/كانون الأول 2020 طالبت 18 جمعية حقوقية، محلية وإقليمية ودولية، في بيان لها، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالضغط على العاهل البحريني، حمد بن عيسى، لإطلاق سراح المعارضين في سجون المملكة واحترام الديمقراطية ووقف حملات الانتهاكات الممنهجة ضد النشطاء والحقوقيين.
الجمعيات دعت بايدن لإعادة النظر في سياسة بلاده الخارجية تجاه المنامة في ظل سجلها الحقوقي المشين، مناشدين إياه باتخاذ خطوات جادة في هذا الشأن، منها – كما ذكر البيان – إظهار استعداد واشنطن لنقل الأسطول الخامس من العاصمة البحرينية، إذا استمرت في انتهاكات حقوق الإنسان، مع تعزيز خطوات فرض عقوبات على المتورطين في جرائم حقوقية من مسؤولي المملكة أيًا كانت مناصبهم.
ومع الأيام الأولى لتولي الإدارة الديمقراطية مقاليد الحكم يناير/كانون الثاني الماضي، كشف بايدن نيته إعادة ضبط وتقييم العلاقات مع السعودية، على خلفية سلسلة الانتهاكات الممارسة في الداخل والخارج، معلنًا أن عهد “الشيك على البياض” الذي منحه الرئيس السابق دونالد ترامب لولي العهد محمد بن سلمان قد ولّى إلى غير رجعة.
التوجه الأمريكي نحو إعادة ضبط العلاقات مع الدول ذات السجل الحقوقي المشوه دفع البعض إلى الحديث عن انضمام البحرين إلى قائمة تلك الدول التي من المتوقع أن تعيد واشنطن تقييم العلاقات معها خلال المرحلة المقبلة في ظل ما تواجهه من انتقادات دولية واسعة، لا سيما منذ 2011 وحتى اليوم، بسبب ارتفاع وتيرة أحكام الإعدام خلال السنوات الماضية، إضافة إلى تعذيب معارضين واعتقال حقوقيين بارزين.
المنامة وواشنطن في عهد ترامب
العلاقات بين البحرين وأمريكا في ولاية ترامب كانت تقوم في الأساس على العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة، وهو ما كان يأتي على حساب الملف الحقوقي، فكان شاغل الرئيس الجمهوري الأول هو كم المليارات التي سيحققها من خلال تلك العلاقة، سواء في صورة استثمارات أم صفقات تسليح.
وكان انخراط المنامة داخل تلابيب الرياض عاملًا مهمًا في تعزيز العلاقة مع واشنطن، الأمر الذي دفع لإقامة علاقات قوية بين العاهل البحريني والإدارة الأمريكية في ذلك الوقت، وعليه ما كانت إدارة ترامب تلتفت كثيرًا لدعوات الإصلاح والديمقراطية التي كانت تطالب بها المعارضة في الداخل والخارج، فضلًا عن التقارير الحقوقية التي كانت تكشف عشرات الانتهاكات الممارسة بحق المعارضة البحرينية.
وعلى الجهة المقابلة عرف البحرينيون من أين تؤكل الكتف، فعززوا علاقاتهم العسكرية مع الإدارة الأمريكية، عبر أسلوب المقايضة، صفقات تسليح بالمليارات في مقابل غض الطرف عن الاستخدام المتجاوز لتلك الأسلحة، سواء في قمع المعارضة في الداخل أم الاشتراك في حرب اليمن.
وفي الوقت الذي كانت تستخدم فيه قوات الأمن المناهضة للشغب الأسلحة الأمريكية للتنكيل بالنشطاء والزج بهم في السجون والمعتقلات واستهداف أي مظاهر إصلاحية أو احتجاجات شعبية، كانت واشنطن تتعاطى مع ما يحدث على أنه أحد أدوات تعزيز الاستقرار الإقليمي وفرض الأمن في المنطقة، واستئصال تيار الإسلام السياسي، وهي الشعارات التي كانت تروق لأسماع ترامب وإدارته.
آمال الإصلاح.. ولكن
مع تعيين ولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، رئيسًا جديدًا للوزراء، خلفًا لرئيس الحكومة الراحل، خليفة بن سلمان، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استبشر المهتمون بالشأن الحقوقي والإصلاحي البحريني خيرًا، لا سيما أن خليفة كان يتمتع بسمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان، وله تاريخ طويل في التنكيل بالمعارضين والنشطاء.
ومع الأيام الأولى لولاية سلمان رئاسة الحكومة طالبه الكثيرون بطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة، يكون للإصلاح السياسي فيها المكان الأبرز، بما يمهد الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة، تلتئم فيها الجراح وتتوحد التيارات والقوى على أرضية مشتركة واحدة تُعلي من شأن المملكة.
لكن الأيام مرت تلو بعضها دون أي مؤشرات تذهب في هذا الاتجاه، بل على العكس من ذلك، واصلت المملكة حملاتها المناهضة للمعارضين والناشطين السياسيين، مستغلة جائحة كورونا المستجد “كوفيد 19” لتضرب بيد من حديد، وبروح انتقامية بحتة، ضد كل من طالب بالإصلاح أو انتقد أداء السلطات الحاكمة.
وكان نتيجة لذلك أن قدمت 20 منظمة حقوقية (على رأسها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية) رسالة إلى مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان إيمون جيلمور حذروا فيها من تدهور حقوق الإنسان في المملكة، متهمين الحكومة بانتهاج سياسات قمعية خلال الفترة الماضية.
الرسالة طالبت ممثلي الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في العلاقات الأوروبية بالبحرين، تعليقًا على زيارة وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، إلى بروكسل في 10 من فبراير/شباط الماضي ولقائه بعض مسؤولي الاتحاد، مناشدين أن توضع مخاوف حقوق الإنسان في المملكة على رأس جدول أعمال أي اجتماعات لاحقة بين الطرفين.
وقبيل الذكرى العاشرة للاحتجاجات بالبحرين في 14 من فبراير/شباط 2011 وجّه 11 نائبًا في مجلس العموم البريطاني رسالة إلى وزير الخارجية دومينيك راب طالبوا فيها باتخاذ إجراءات صارمة ضد المنامة، بسبب استهداف السلطات هناك كل من تجرأ على التعبير عن الرأي المعارض، سواء عبر الاعتقال التعسفي أم التشويه الإعلامي، فضلًا عن القتل خارج القانون، بحسب الرسالة.
النواب البريطانيون طالبوا بتسهيل عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، من خلال حكومة منتخبة ونزيهة، بجانب توقيع العقوبات بحق المتورطين في جرائم حقوقية كالتعذيب والتشويه وخلافه، إضافة إلى إعادة النظر في إستراتيجية تسليح المنامة وتشديد عملية تصدير الأسلحة لما وصفوه بـ”النظام القمعي”.
في سبتمبر/أيلول 2016 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا عن الأوضاع الحقوقية في البحرين جاء تحت عنوان: “لا أحد يستطيع حمايتكم: عام من قمع المعارضة في البحرين”، التقرير الذي حظي باهتمام إعلامي دولي كبير كان بمثابة وثيقة دامغة لحكومة البحرين التي تواجه احتجاجات سياسية متواصلة منذ 2011.
كما وثق بالأسماء والأحداث عشرات الحالات من “الاعتقال التعسفي والتعذيب وسحب الجنسية والاضطهاد على خلفيات سياسية ومذهبية، واستهداف نشطاء حقوق الانسان ومصادرة الحريات وغلق أهم جمعيتين سياسيتين”، ومن ناحية أخرى اتهم التقرير حكومتي أمريكا وبريطانيا بدعم السلطة القمعية في البحرين وغض الطرف عما تمارسه من انتهاكات بالجملة.
الوضع قد يتغير
الإستراتيجية الجديدة التي يتبعها بايدن مع الرياض دفعت البعض إلى ترجيح امتدادها للجارة البحرينية، لا سيما في ظل تشابه الظروف والملابسات وتوافر المبررات والدوافع، فكلاهما يعاني من ثياب حقوقي ممزقة، وجدران إصلاحية تعاني من شروخات عدة، وبناء ديمقراطي على قواعد هشة.
العديد من الخبراء والمحللين يتوقعون خلال المرحلة القادمة ضغوطًا أمريكية مشابهة لتلك الممارسة على السعودية، تتعلق بتقديم مبادرات حسن النوايا عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات التي تهدف إلى تخفيف القبضة الأمنية ومواربة الباب ولو قليلًا أمام مساعي الإصلاح، بجانب الإفراج عن المعتقلين على خلفية مواقفهم السياسية.
أصوات أمريكية ترى أن الكرة الآن في ملعب الأسرة الحاكمة في البحرين، فإن كان لديها النية نحو تعزيز روح الابتكار والديمقراطية لدى الشعب، فعليها أولًا أن تفك القيود المفروضة وتخفف من حدة السطوة التي أودت بسقف الحريات إلى الأرض، هذا بجانب تعزيز المسار الحقوقي، إن كان لديها الاستعداد لبناء علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي المقابل فإن التعويل على التوجه الأمريكي الجديد لإجبار المنامة على تغيير نمطها في التعامل مع المعارضين، ربما يحتاج إلى مزيد من الوقت للتقييم، في ظل البرغماتية التي تحكم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية، أيا كانت انتماءات ساكني البيت الأبيض، لكن المؤكد أن ما كان في عهد ترامب لن يعاد مرة أخرى، في ظل الظروف والتحديات الإقليمية والدولية التي تفرض على الجميع التراجع خطوة للخلف وإعادة النظر في العديد من الملفات، على رأسها الملف الحقوقي والإصلاحي.
وبالعودة إلى التاريخ نجد أن هناك تجارب عدة نجحت فيها المملكة في إجراء مصالحات شاملة بين مختلف التيارات المتناحرة، يمكن الاستناد إليها لبناء مصالحة آنية، أبرزها المصالحات التي حدثت خلال الفترتين 1971-1975 و2000-2003، حين اتخذ حكام البحرين العديد من الإجراءات لتحقيق المشاركة المجتمعية في العملية السياسية، أبرزها إجراء انتخابات نزيهة والسماح ببصيص من الحرية الإعلامية.
وبعد عشر سنوات من الانتفاضة الشعبية التي قادها الشارع البحريني ضد ديكتاتورية النظام وبطش سلطاته، ورغم جولات التنكيل بين الحين والآخر لوأد أي حراك محتمل، بمساعدة بعض القوى الحليفة، تبقى الأوضاع مهيأة لتكرار المشهد مرة أخرى، فالدوافع مستمرة والأهداف لم تتحقق بعد، مع الوضع في الاعتبار المستجدات الإقليمية والدولية التي قد تجعل مما كان بالأمس محالًا مقبولًا اليوم، لكن بشروط.