في الوقت الذي تواصل فيه تركيا، إنقاذ اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين قبالة سواحلها وعلى حدودها البرية، تواصل السلطات اليونانية التضييق على هذه الفئات الضعيفة والدفع بهم نحو المخاطر وانتهاك حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي، ما يهدد حياة الآلاف منهم.
تشريد آلاف المهاجرين
شرّدت الحكومة اليونانية مؤخرًا، نحو 7 آلاف مهاجر يقيمون في مراكز الاستقبال وبعض الفنادق، بعد قرارها المفاجئ بوقف العمل ببرنامج “فيلوكسينيا” المتعلق بإسكان المهاجرين. هذا القرار دفع بعشرات اللاجئين والمهاجرين إلى التجمع في ميدان فيكتوريا في العاصمة أثينا، بعدما فشلوا في إيجاد أماكن يلجأون إليها.
عقب هذا القرار، بدأت السلطات اليونانية تنفيذ عمليات إجلاء الفئات الضعيفة – بما في ذلك العائلات التي لديها أطفال – من مراكز الاستقبال وبعض الفنادق التي تستأجرها الدولة، وتُرِك الناس في الشوارع في تسالونيكي وأثينا وكورنثيا.
كشفت تقارير عن تعرض مخيم للأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم، لاعتداءات من عنصريين
هذا الإغلاق نتيجته، وفق فاسيليكا مون، من فرع فيلوكسينيا في كورينثيا، “وجود نحو 7 آلاف شخص الآن في محنة في الشوارع، من بينهم العديد من العائلات والأطفال”، وأضافت المسؤولة “نحن نتلقى عشرات المكالمات من أشخاص يائسين يبحثون عن مكان للإقامة والطعام، ولا يزال معظمهم لا يملكون وثائق رسمية، لذلك لا يمكنهم السفر أو الانضمام إلى برامج المساعدة الأخرى”.
اللعب بحياة اللاجئين
لم تكتف سلطات اليونان – العضو في الاتحاد الأوروبي – بتشريد اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين فقط، بل تلعب أيضًا بحياة الآلاف منهم، حيث وضعت مخيم كارا تيبي للمهاجرين في أرض ملوثة بالرصاص، رغم تحذيرات المنظمات الحقوقية من عواقب ذلك.
ويقع كارا تيبي الذي يستوعب أكثر من 7000 شخص، في ميدان رماية عسكري سابق، وسبق أن حذرت هيومن رايتس ووتش في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي من أن “ميادين الرماية معروفة بتلوثها بالرصاص بسبب الطلقات والأغلفة التي تحتوي على الرصاص الموجودة في الأرض”، وأوضحت المنظمة في ذلك الوقت أنه يمكن أن ينتشر الرصاص بسهولة في الهواء، خاصة في الظروف الجافة والرياح، التي غالبًا ما توجد في ليسبوس.
نتيجة ضغط العديد من المنظمات غير الحكومية، أجرت الحكومة اليونانية مسحات في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني لعينات من التربة في المخيم من أجل اختبار تلوثه بالرصاص، وقد أثبتت الاختبارات أن جزءًا من المخيم يظهر به تركيزًا للرصاص أعلى من المعايير الدولية.
في 26 من يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت نحو 20 منظمة غير حكومية بيانًا مشتركًا دعوا فيه إلى إخلاء فوري للمخيم ونقل طالبي اللجوء إلى المرافق المناسبة، وانتقدت المنظمات غير الحكومية السلطات، قائلة: “توقفوا عن اللعب بحياة البشر، فمن الملح ضمان صحة السكان والعاملين في مخيم ليسبوس”.
تقول بلقيس ويلي، وهي باحثة في مجال الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “بنت الحكومة اليونانية مخيمًا للمهاجرين في ميدان للرماية رغم علمها بذلك، ثم غضت الطرف عن المخاطر الصحية المحتملة للسكان والعاملين”.
يضاف إلى خطر التلوث بالرصاص، مخاطر أخرى كثيرة، فمخيم كارا تيبي أقيم على أرض معرضة للفيضانات ولرياح قوية، بعد أن دمر حريق مطلع سبتمبر/أيلول مخيم موريا، الذي كان الأكبر في أوروبا، ما جعل حياة الآلاف من طالبي اللجوء – بينهم أطفال وذوو احتياجات خاصة ومرضى – معرضة للخطر.
وضع مأساوي
فضلًا عن ذلك، تستقبل مخيمات الجزر اليونانية – ليسبوس وساموس وكوس وليروس وخيوس – عشرات آلاف اللاجئين، عدد كبير منهم من الأطفال، رغم أن تلك المخيمات مخصصة لإيواء 6 آلاف شخص فقط في أحسن الأحوال.
هذا الأمر، جعل الوضع في تلك المخيمات مأساويًا وكارثيًا، وفق ما تنقل المنظمات الإنسانية وموظفو المنظمات الإغاثية، ووصف وزير التنمية الألماني غيرد مولر، الوضع في مخيم موريا (حُرق نهاية السنة الماضية) بأنه “عار”، وقال في تصريحات لإحدى الصحف الألمانية: “لا يوجد مثل هذه الوضع في أي من مخيمات اللاجئين في إفريقيا”.
غالبًا ما تتحدث المنظمات الحقوقية عن وضع مأساوي في تلك المخيمات، خاصة في غياب العناية والرعاية الطبية والنظافة العامة والاكتظاظ، وتواصل انتشار فيروس كورونا بنسق كبير دون اتخاذ إجراءات فعلية لتجاوز هذه الإشكاليات، ويستوعب هذا المخيم الأشخاص الفارين من الصراع والفقر في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، الذين يصلون متسللين سرًا إلى الجزر اليونانية من الساحل التركي القريب.
ويُعامل اللاجئين في مخيمات الاستقبال الأولى في النقاط الساخنة بجزر إيجة اليونانية – التي يديرها اليونان بتمويل من الاتحاد الأوروبي – بطريقة وحشية ومهينة، حيث يُحتجزون في ملاجئ مكتظة غير مزودة بما يكفي من الغذاء، وفي ظروف صحية بغيضة.
اعتداءات عنصرية
إلى جانب ذلك، كشفت العديد من التقارير عن تعرض مخيم للأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم، في منطقة أوريوكاسترو القريبة من مدينة سلانيك باليونان، لاعتداءات من عنصريين في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفق الصحافة اليونانية، فقد اعتدى مجموعة من العنصريين، على المخيم، بالسكاكين وقطع الحديد والعصي، وأوضحت أن المعتدين، أطلقوا هتافات عنصرية أمام المخيم الذي يمارس نشاطه تحت حماية إحدى الكنائس.
هذه الاعتداءات ليست استثناءً ولا حالةً منعزلةً، فالمنطقة التي تضم المخيم، شهدت خلال عامي 2016 و2017، أحداث عنف قامت بها مجموعات عنصرية تعارض تشييد مخيمات لاجئين في المنطقة، كما أن العديد من المناطق الأخرى في اليونان شهدت اعتداءات عنصرية ضد اللاجئين.
عمليات طرد منهجية
عملت السلطات اليونانية على طرد وإعادة طالبي اللجوء قسريًا من حدودها، والعملية لا تتم فقط عبر خفر السواحل اليوناني، بل كذلك من طرف فرونتكس وسفن تابعة لحلف شمال الأطلسي، وفق دراسة لمنظمة ألمانية غير حكومية.
ووفق دراسة لمنظمة ماري ليبروم غير الحكومية في ألمانيا، فقد شهدت انتهاكات حقوق المهاجرين واللاجئين في اليونان تصاعدًا غير مسبوق عام 2020 مع تزايد عمليات الإعادة القسرية في بحر إيجه بمشاركة وكالة فرونتكس الأوروبية وسفن خاضعة لإمرة حلف شمال الأطلسي.
قالت المنظمة الحقوقية الألمانية: “أكثر من تسعة آلاف شخص حاولوا بلوغ اليونان، أعيدوا بعنف إلى تركيا وحرموا حقهم في اللجوء، وذلك استنادًا إلى 321 واقعةً موثقةً”، ووفق المنظمة فإن “عمليات الإعادة القسرية لا تعكس حالات منعزلة (…) وإنما أسلوب عمل متكرر ويومي عند حدود الاتحاد الأوروبي”.
إزاء الأعمال الوحشية التي ترتكبها اليونان ضد المهاجرين، تحث السلطات التركية نظيرتها في اليونان على وقف هذه الممارسات
يحظر القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي عمليات الإعادة والطرد الجماعي، كما تدين المنظمة الدولية للهجرة بأشد العبارات إساءة معاملة المهاجرين واللاجئين على أي حدود، لكن الحكومة اليونانية المحافظة مواصلة في ذلك، بل وتفتخر بالأمر وتتعهد بمزيد من الصرامة بشأن الهجرة.
دائمًا ما تورد تقارير عن قيام أفراد من السلطات اليونانية بأعمال عنف وأنشطه غير مشروعه ضد المهاجرين العابرين للحدود، وشملت هذه الادعاءات بحق أفراد الأمن، المطالب بإلقاء القبض على المهاجرين وضربهم وسرقتهم وحرق وثائقهم ومقتنياتهم الشخصية واحتجازهم قبل نقلهم باتجاه الحدود وتسليمهم إلى أشخاص مسلحين وإعادتهم قسرًا إلى تركيا.
محاولات تركية للتقليل من وجع اللاجئين
في مقابل ذلك، تحاول السلطات التركية التقليل من وجع هؤلاء المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء عبر تقديم المساعدة لهم والإحاطة بهم لتجاوز الممارسات الوحشية التي يتعرضون لها من السلطات اليونانية.
ومؤخرًا، أنقذت فرق خفر السواحل التركية 55 مهاجرًا قبالة ولايتي جناق قلعة وموغلا بعدما أرغمتهم اليونان على العودة إلى المياه الإقليمية لتركيا، وأفاد الإعلام التركي، مطلع هذا الأسبوع، أن الفرق التركية أنقذت 33 مهاجرًا قبالة سواحل قضاء أيواجيك بولاية جناق قلعة شمال غرب.
كما أنقذت فرق خفر السواحل التركية 32 مهاجرًا كانوا على متن قارب مطاطي قبالة سواحل قضاء بودروم بولاية موغلا (جنوب غرب) بعدما أرغمتهم اليونان على العودة، وجرت إحالة المهاجرين إلى مديرية الهجرة في موغلا، عقب اتخاذ الإجراءات الرسمية.
قبل أيام، أعربت أسرة أفغانية طردتها السلطات اليونانية من مخيم للاجئين بجزيرة ميديللي نحو الأراضي التركية، عن امتنانها للشرطة والجيش التركيين، بعد إنقاذها من الموت، وعقب إخراجها من المخيم بحجة إجراء اختبار فيروس كورونا، أجبرت السلطات اليونانية الأسرة على العودة إلى المياه الإقليمية عبر قارب مطاطي.
وفي تصريح للأناضول، قال دستغير دولتي أحد أفراد الأسرة الأفغانية: “كنا 13 شخصًا في الخيمة، وأجبرونا على الخروج إلى خارج المخيم بحجة إجراء اختبار فيروس كورونا، لكنهم اقتادونا إلى شاطئ البحر”، وتابع “هناك انهالوا علينا بالضرب وسلبوا هواتفنا وأموالنا ومقتنياتنا الثمينة، وبعد ذلك وضعونا في قارب مطاطي ودفعونا باتجاه المياه الإقليمية لتركيا”.
إزاء هذه الأعمال الوحشية التي ترتكبها اليونان ضد المهاجرين، تحث السلطات التركية نظيرتها في اليونان على وقف هذه الممارسات والعمل على تصحيح السياسة، غير أن أثينا لا تعترف بحدوث أي ممارسات عنيفة بحق اللاجئين، وتصر على حقها في حماية حدودها.