قبل عام من الآن كان من الصعب أن تجد مقعدًا فارغًا داخل المطاعم والكافيهات بطول امتداد الواجهة البحرية المطلة على شارع الخليج العربي في الكويت، لكن سرعان ما تبدل الحال اليوم، فالمطاعم التي كانت تكتظ بالحضور تشكو الآن ندرة زوارها، فلا زبائن ولا عمال، وفي كثير من الأحوال لا أبواب مفتوحة.
عشرات المطاعم أوصدت أبوابها مرغمة أمام زبائنها منذ 14 مارس/آذار من العام الماضي حين أقرت الحكومة الكويتية سلسلة من الإجراءات الاحترازية الإضافية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) تضمنت إغلاق معظم التجمعات التجارية ومراكز التسوق والمطاعم.
وخلال الأشهر الـ 12 الماضية تكبدت معظم المطاعم في البلاد خسائر لا حصر لها، دفعت ملاكها إلى اتخاذ إجراءات قاسية، سواء بحق العمالة أو مستويات الأجور والرواتب، فيما اضطر بعضها – حين عجز عن الالتزام بالمتطلبات المادية المطلوبة منه – إلى غلق المحال وعرضها للبيع.
ويزخر السوق الكويتي بأكثر من 10 ألاف مطعم، بشتى أنواعها، فيما تتجاوز العوائد اليومية لها المليوني دينار (أكثر من ستة ملايين دولار)، أي ما يزيد على 730 مليون دينار سنويًا، بحسب وسائل إعلام محلية كويتية، الأمر الذي يدعوا للتساؤل حول مستقبل هذا القطاع الحيوي خلال الفترة المقبلة في ظل الأزمة التي يعاني منها طيلة العام الماضي، والمرجح أن تستمر لفترة قادمة.
إغلاق المطاعم
تسبب قرار مجلس الوزراء الأخير بمنع استقبال الزبائن لدى المطاعم والاكتفاء بخدمة التوصيل، في غلق 50% من المطاعم والمقاهي، وفق رئيس الاتحاد الكويتي لأصحاب المطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية فهد الأربش، الذي كشف في تصريحات لصحيفة “الأنباء” الكويتية أن “20% من المطاعم في الكويت رفعت عليها دعاوى قضائية بسبب التأخر في الايجارات وعدم قدرتها على الالتزام بالمطالبات المالية التي عليها خاصة في ظل تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار ما بين الفتح والاغلاق”.
وأضاف الأربش أن القطاع سجل خسائر قياسية تقدر بأكثر من 2.7 مليار دولار خلال 2020، بسبب الإغلاق المستمر والإجراءات الاحترازية بالإضافة إلى قرار عدم تقديم الأرجيلة “الشيشة” للزبائن، مطالبًا الحكومة والبرلمان اتخاذ إجراءات فورية لدعم أصحاب المطاعم والمقاهي وتعويضهم، على حد قوله.
وكان الاتحاد الكويتي لأصحاب المطاعم والمقاهي قد قدم كتابًا قبل أيام إلى مجلس الوزراء ومجلس الأمة، بجانب غرفة التجارة والصناعة الكويتية، طالب فيه بسرعة التدخل لإنقاذ القطاع قبل فوات الأوان، محذرًا من أن قرارات الحكومة الأخيرة قد “تعرض الكثير من المبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى السجن لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المادية”.
محللون كويتيون يحملون الحكومة مسؤولية ما وصل إليه الوضع المتردي الحالي لهذا القطاع، معتبرون أن الإجراءات المفروضة مؤخرًا كانت بمثابة “الضربة القاضية” لنشاط المطاعم والمقاهي، مطالبين أعضاء البرلمان بالتحرك وعدم الصمت على أداء مجلس الوزراء في هذا الملف الذي راح ضحيته مئات المستثمرين والآلاف من العمال والمستهلكين.
أوضاع مأساوية
” في زمن كورونا تغيرت الكثير من الأمور على وقع فرض حظر التجول الجزئي في الكويت، وهو ما أدى إلى هبوط إيراداتنا بما يزيد على 90% “.. هكذا وصف عبد المعز عثمان، المستثمر الشريك بمطعم زفير للمأكولات البحرية بالعاصمة الكويتية، أوضاع مطعمه خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن “عدم استطاعة الناس الخروج، وتراجع قدراتها المادية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أديا إلى كارثة بالنسبة للكثير من المطاعم، التي لا يشكل دخل طلبات التوصيل الخارجية لديها أكثر من 10% من إيراداتها” بحسب تصريحاته لـ “الجزيرة”، لافتًا إلى أن الكارثة الكبرى تتمثل في عدم قدرته على دفع إيجارات محله بجانب محل أخر شريك فيه كذلك، حيث تبلغ إيجارتهما الشهرية نحو 18 ألف دينار (58 ألف دولار) شهريا.
الوضع ذاته يعاني منه صاحب مطاعم و مقاهي “أوفال وأرجون” بالعاصمة، إسماعيل وهبي، الذي أشار إلى أن المصاريف الشهرية لمطعمه، شاملة الإيجارات ورواتب العمال، تقترب من خمسين ألف دينار (أكثر من 160 ألف دولار)، في حين لم يعد الدخل الشهري يتعدى ألفي دينار (نحو ستة آلاف دولار) فقط.
وعن الخروج من هذا المأزق الكارثي، الذي أفقدهم الصمود أكثر من ذلك على حد قوله، عن طريق الاقتراض، ذهب إلى أن ” اللجوء إلى البنوك والاقتراض ليس بالأمر اليسير، إذ إن الشروط صعبة جدا رغم الحديث عن تقديم تسهيلات للمتضررين من أزمة كورونا” هذا بجانب الخوف من عدم القدرة على السداد ما يعني ماراثون من الجلسات أمام المحاكم وربما يصل الأمر في النهاية إلى الزج داخل أحد السجون.
علاء مسعد، عامل مصري في إحدى مطاعم الأسماك المطلة على شارع الخليج العربي، يقول إن صاحب المطعم الذي يعمل به اضطر خلال الأشهر الست الماضية إلى تسريح 18 عاملا من بين 25 عاملا، وأن العدد مرشح للزيادة في ظل تفاقم الأوضاع، إذ لم يعد إيراد المطعم كافيًا حتى لمصروفاته اليومية العادية.
وأضاف العامل المصري في تصريحات لـ “نون بوست” أن المحل فقد أكثر من 90% من دخله اليومي خلال الأشهر العشر الماضية، الأمر الذي أرغم معه صاحب المطعم إلى تخيير العاملين بين البقاء على أن تخفض رواتبهم بنسب تترواح بين 30-50% وبين ترك العمل والبحث عن عمل في مكان آخر.
كما أشار إلى أن الوضع يزداد صعوبة ليس على مستوى المستثمرين وفقط، بل حتى على مستوى العاملين، حيث أدت تلك الإجراءات إلى غلق العشرات من المطاعم والكافيهات، فضلا عن المحال الأخرى، وهو ما زاد من نسب البطالة بين الكويتيين والوافدين، وهو ما أحدث أزمة كبيرة داخل الشارع الكويتي خلال الفترة الماضية.
ويقسم الخبراء المطاعم الكويتية من حيث تأثرها بإجراءات كورونا إلى ثلاثة أقسام، الأول تلك التي تكبدت خسائر فادحة بسبب الغلق وتشمل المطاعم البحرية على وجه التحديد، الثاني المطاعم التي تقدم أنواع محددة من الأطباق والوجبات ولديها زبونها الخاص، وتأثرت بشكل نسبي لكن لم تصل بعد لدرجة الغلق أو الإفلاس كالنوع الأول.
أما النوع الثالث فهي تلك المطاعم التي استفادت من الأزمة بشكل أو بأخر، وتتعلق بنوعية المحال التي نجحت في التعاقد مع الحكومة وشركات القطاع الخاص لتأمين آلاف الوجبات بشكل يومي، ما يضمن له دخلا ثابتًا، لا يتأثر بالإجراءات الأخيرة، إن لم يزد بالفعل، وهي مطاعم ليست بالعدد الكبير قياسًا بالأخرى التي تأثرت بشكل لافت.
وفي الأخير يبدو أن إنقاذ قطاع المطاعم والكافيهات الكويتية بات في ملعب الحكومة في ظل الأوضاع المتردية التي يعاني منها خلال العام الماضي، فبعيدًا عن الأثار المجتمعية الناجمة عن الإجراءات الاحترازية التي أقرها مجلس الوزراء، فإن ترك قطاع بهذا الحجم دون إسعاف عاجل سيكون له ارتداده العكسي على الاقتصاد الوطني ككل، في وقت لا يتحمل فيه جدار الدولة الاقتصادية أي شروخات جديدة.