ترجمة وتحرير: نون بوست
أراد راشد الغنوشي، رئيس الحزب الإسلامي الرئيسي في تونس ورئيس البرلمان، أن يوضح أمرا ما مفاده أنه لا يزال بإمكان أي حزب ديمقراطي مدني ذو توجه إسلامي أن يلعب دورا مؤثرا في تونس والعالم العربي.
توافد الآلاف من أنصار حزب حركة النهضة إلى وسط العاصمة تونس يوم السبت في مشهد وصفه بعض المراقبون بأنه إحدى أكبر المسيرات التي وقع تنظيمها خلال العقد الماضي. لقد هبّ الرجال والنساء والأطفال الداعمين لحزب حركة النهضة، قادمين في حافلات من جميع أنحاء البلاد حيث كان يهتفون “وحدة وطنية” بالإضافة إلى شعارات أخرى مؤيدة للغنوشي، وهم حاملين للأعلام التونسية. من جهته، قال الغنوشي في مقابلة أجراها بعد المسيرة بيوم في منزله بتونس العاصمة: “أردنا أن نبعث برسالة مفادها أن الثورة لا تزال قائمة وقوية وفاعلة، حتى يُدرك كل طرف حجمه”.
يُذكر أن حركة النهضة دعت رسميا للمشاركة في مسيرة واسعة لدعم الوحدة الوطنية وحكومة رئيس الوزراء المستقل هشام المشيشي التي تعاني من الضغوط. وعند سؤاله عما إذا كان يهدف إلى إبراز قوة حزبه، أجاب الغنوشي قائلا: “بالطبع”. في منطقة سحقت فيها الحكومات الاستبدادية الحركات الإسلامية أو استغلتها، سعى حزب حركة النهضة إلى تقديم نفسه كنموذج للتوافق بين الإسلام والديمقراطية. فقد ظل القوة السياسية الأكثر مرونة وتأثيرا في تونس طوال العقد الماضي منذ قيام ثورات الربيع العربي.
في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد وتراجع شعبية حزب حركة النهضة في استطلاعات الرأي، أصبحت الحركة تناضل لإثبات جدارتها وأهميتها. في الحقيقة، يتزعّم الغنوشي، البالغ من العمر 79 سنة، الحركة منذ أربعة عقود. ففي سنة 1981، شارك في تأسيس حزب حركة النهضة باعتبارها جماعة إسلامية مسالمة تدعو إلى المشاركة في الديمقراطية. كما أمضى الغنوشي عدة سنوات في السجن في الثمانينات في عهد الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة قبل أن يفر إلى لندن، حيث عاش في المنفى لأكثر من 20 سنة.
بعد الثورة، عاد الغنوشي إلى تونس حيث حظي باستقبال الأبطال. في المقابل، اختار الغنوشي عدم الترشح لمنصب وطني. وبدلا من ذلك، عمل كوسيط للسلطة وقاد حزبه نحو بلوغ الصدارة، ودعم جهود الحزب لصياغة دستور تونس الجديد، كما سيّر تحالفاته مع الأحزاب العلمانية سعيا وراء تحقيق “ديمقراطية توافقية” يقودها الإسلاميون.
ساعدت التنازلات التي قدمها الحزب من أجل الديمقراطية التونسية، وبشكل أساسي من أجل صمودها السياسي، على ألا يُلاقي الحزب مصير الإخوان المسلمين في مصر
يوم الأحد، قال الغنوشي، وهو جالس في مكتبه المنزلي المليء بنسخ من القرآن الكريم وبعض الكتب على غرار كتاب “الدين والدولة في السياق الإسلامي المعاصر”: “لقد اقتنعنا بأنه ينبغي علينا العمل مع العلمانيين لمنافسة أي نوع من الأصولية، سواء على أساس الأيديلوجية الإسلامية أو العلمانية”.
أصر الغنوشي على أن حزبه يقدم نموذجا ليحذو حذوه الآخرون في المنطقة. عموما، ساعدت التنازلات التي قدمها الحزب من أجل الديمقراطية التونسية، وبشكل أساسي من أجل صمودها السياسي، على ألا يُلاقي الحزب مصير الإخوان المسلمين في مصر، الذين وصلوا إلى السلطة بعد ثورات الربيع العربي قبل أن يقع الإطاحة بهم بواسطة انقلاب عسكري في سنة 2013.
خوفا من مثل هذا التحول، نأى حزب حركة النهضة بنفسه عن الجماعات الإسلامية الأخرى وعن تصنيفه كحزب إسلامي. وفي سنة 2016، أعاد الحزب تسمية نفسه “بالمسلم الديمقراطي” ومنع الدعاة من الترشح للمناصب. حاليا، يرى الغنوشي أن مصطلح “الإسلامي” هو تسمية غير دقيقة وليست لها فائدة تُذكر، إذ اعتبر أن “هذا المصطلح يضع الأشخاص الذين يندّدون بالعنف والأشخاص المرتبطين بالإرهاب في فئة واحدة، كما أنه لا معنى له ولا يصلح سوى لتعكير الأوضاع”.
مع مرور الوقت، تضاءلت شعبية الحزب، حيث تحصّل في سنة 2019، على 52 من جملة 217 مقعدا في البرلمان، مقارنة بحوالي 89 مقعدا في سنة 2011. كما ظفر الغنوشي بمقعد خلال سنة 2019، وسُرعان ما انتُخب رئيسا للبرلمان. في الحقيقة، اتسمت فترة ولايته بكثرة الجدل، حيث تصاعدت التوترات تحت قبّة البرلمان المنقسم بسبب الخلافات السياسية المتعلّقة بتشكيل الحكومة.
كان المشيشي، المدعوم من حزب حركة النهضة وحزبين آخرين متحالفين، ثالث رئيس حكومة يقع ترشيحه منذ انتخابات سنة 2019، حيث يخوض في الوقت الراهن نزاعا دستوريا غير مسبوق مع الرئيس التونسي قيس سعيد، الأمر الذي من شأنه أن يُنذر بإسقاط الحكومة. في الأثناء، يواجه حزب حركة النهضة انتقادات متزايدة من جميع الأطراف. ففي شهر كانون الثاني/يناير، اجتاحت البلاد موجة من الاحتجاجات عبّر خلالها التونسيون عن غضبهم إزاء قمع الشرطة والصعوبات الاقتصادية التي تشهدها البلاد فضلا عن البرلمان.
في الواقع، ارتفعت الشعارات المناهضة لحزب حركة النهضة والغنوشي وتواترت الدعوات إلى حل البرلمان و”سقوط النظام”. وعلى الرغم من أن جماعات حقوق الإنسان أدانت ردّة فعل قوات الشرطة العنيف، إلا أن حزب حركة النهضة لم يُعر الأمر أهمية كبرى. وحول هذه الاحتجاجات، صرّح الغنوشي قائلا: “على الرغم من وجود بعض المظالم التي وقعت بالفعل، إلا أنني أعتقد أن بعض الأحزاب السياسية المتطرفة استغلّتها”. وأضاف الغنوشي قائلا: “إذا وضعتم تجربتنا في سياقها مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى.. فإنها تعدّ تجربة نموذجية للتحول الديمقراطي”.
مع ذلك، أقر الغنوشي بأن حزبه يتحمل بعض اللوم فيما يتعلّق بفشله في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية. وفي هذا الصدد، أفاد الغنوشي قائلا: “نحن نتحمل المسؤولية بشكل يتناسب مع حجمنا داخل الحكومة. كما أنه ليس هناك شك في أن تجربتنا في الحكم كانت محدودة، وأننا تعلمنا الكثير منها”. ونظرا لكونه الشخصية التي دائما ما تستقطب اهتمام الناس، شهد الغنوشي تراجعا في شعبيته بالتزامن مع قرب انتهاء حياته السياسية التي استمرت لمدة أربعة عقود.
في الوقت الراهن، تبلغ نسبة تأييده العام ثمانية بالمئة. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت الانقسامات داخل حزب النهضة فيما يتعلق بقيادته للحزب إلى العلن خلال الخريف، عندما وقّع 100 قيادي في الحزب على رسالة مفتوحة تحثه على عدم السعي إلى الترشح لولاية أخرى.
نجاح الديمقراطية في تونس لا يُعدّ في مصلحة تونس فحسب، وإنما في مصلحة العالم أيضا نظرا لأنها مثال على المكان الذي من شأنه أن يتوافق فيه الإسلام والديمقراطية
وفقا لأحد النواب الذي أدلى بتصريحات لوسائل الإعلام التونسية، يُعدّ موقع الغنوشي في البرلمان في خطر، حيث وقّع 103 نائب حتى الأسبوع الماضي على اقتراح يقضي بحجب الثقة عنه. في هذا الإطار، صرّح الغنوشي أنه لا يتوقع مرور هذا الاقتراح. وتابع الغنوشي حديثه قائلا: “إذا حدث ذلك، فلن تكون نهاية العالم”.
أدت الاضطرابات السياسية إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس وإثارة فزع المستثمرين. فضلا عن ذلك، كان لفيروس كورونا تداعيات على الاقتصاد التونسي المتعثر بالفعل، الذي انكمش بنسبة تقدر بنحو 8.2 بالمئة في سنة 2020، وذلك وفقا لصندوق النقد الدولي. وأملا في إنقاذ إدارة بايدن للوضع، تقدّم الغنوشي بمبادرات إلى الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك اجتماعه بالسفير الأمريكي، دونالد بلوم، وكتابته لمقال رأي في افتتاحية صحيفة “يو إس إيه توداي”.
يوم الأحد، أفاد الغنوشي قائلا إن “نجاح الديمقراطية في تونس لا يُعدّ في مصلحة تونس فحسب، وإنما في مصلحة العالم أيضا نظرا لأنها مثال على المكان الذي من شأنه أن يتوافق فيه الإسلام والديمقراطية، وهو ما يمثّل أفضل طريقة لمحاربة التأويلات المتطرفة والعنيفة”.
المصدر: واشنطن بوست