ترجمة وتحرير نون بوست
يُصنّف فيلم “القدوم إلى أمريكا” الصادر في سنة 1988 ضمن الكوميديا الرومانسية، وقد حقق مبيعات هائلة في شباك التذاكر بالنسبة لنجم هوليوود والممثل الكوميدي إيدي ميرفي. ومع حبكته المبدعة وقصته الخرافية الجياشة، كان هذا العمل السينمائي إلى حد ما ذا طابع ثوري بطريقته الخاصة.
يروي الفيلم، الذي لا يزال أحد أكبر نجاحات ميرفي، قصة أكيم جوفر، وهو أمير دولة زاموندا الإفريقية الخيالية الذي توجه إلى الولايات المتحدة للعثور على زوجة وتجنب الزواج المدبّر. في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، تألق الفيلم من بين الأفلام الغربية السائدة بسبب طريقة تصويره لزاموندا: دولة أفريقية غنية كانت معتمدة على نفسها تمامًا، وبعيدة كل البعد عن الصور النمطية البائسة الموجودة في أفلام أخرى. الآن، بعد إصدار الجزء الثاني للفيلم بعنوان “القدوم إلى أمريكا 2” بعد 33 عاما، من المدهش التفكير في أنه لم يحصل الكثير من التغيير. في غضون ذلك، وحده فيلم واحد لقي شعبية واسعة في الولايات المتحدة قام بتصوير مجتمع أفريقي متمكن بنفس الأسلوب، وهو فيلم “النمر الأسود” الصادر في سنة 2018 من إنتاج مارفل، الذي تحدث أيضا عن مملكة خيالية تسمى واكاندا.
في الجزء الثاني من الفيلم الكوميدي “القدوم إلى أمريكا 2” يعود إيدي مورفي في دور أكيم ملك زاموندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن وريثه (جرماين فاولر).
تلقى فيلم “القدوم إلى أمريكا” الدعم فقط بفضل النجومية الكبيرة التي حظي بها إيدي ميرفي بعد سلسلة من النجاحات من بينها “شرطي بيفرلي هيلز” (1984) و”48 ساعة” (1982). لقد قام باستئجار المخرج جون لانديس من خلال شركة الإنتاج الخاصة به وتحدى استوديو باراماونت فيما يتعلق بفريق التمثيل، حيث ظل الاستوديو مشككا في إمكانية قبول الجمهور السائد لفيلم أبطاله شخصيات أفريقية. خلال هذا الأسبوع، كشف ميرفي في برنامج “جيمي كيميل لايف!” أنه قيل له “يجب أن يكون هناك شخص أبيض في الفيلم”، مما أدى إلى انضمام الممثل الكوميدي لوي أندرسون إلى فريق التمثيل الأسود.
كيف غير فيلم “القدوم إلى أمريكا” نظرة هوليوود لأفريقيا
للسينما الغربية تاريخ طويل ومستمر في استبعاد الأفارقة من الأفلام التي تتمحور حول إفريقيا، واستخدام القارة كخلفية لرحلات الشخصيات البيضاء لاكتشاف الذات أو الحساب الأخلاقي، بما في ذلك أفلاما مثل “الملكة الأفريقية” (1951) و”خارج أفريقيا” (1985) وصولا إلى أفلام أكثر إثارة مثل “الألماس الدموي” (2006) و”البستاني المخلص” (2005). أما إذا كانت الأفلام تركز على الشخصيات الأفريقية، فقد فعلت ذلك في الغالب في قصص تتسم بالضيق والمعاناة، مثل مسرحيات الإبادة الجماعية “فندق رواندا” (2004) و”وحوش بلا وطن” (2015).
لكن مورفي كان مصمما على تصوير الأفارقة على أنهم أثرياء ومتساوون مع البيض ومفتخرون بجذورهم. لقد قام بتجميع فريق من النجوم، بما في ذلك المواهب السوداء الناشئة مثل أرسينيو هول وإريك لا سال، جنبا إلى جنب مع مشاهير مثل جيمس إيرل جونز وجون أموس.
كان الفيلم ناجحا للغاية حيث بلغت إيراداته 288 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، ولا يزال أحد أكثر الأفلام نجاحا تجاريًا على الإطلاق. كما أن طاقم التمثيل متكون من السود في الغالب ولا يزال العديد من الأشخاص الملونين يعتزون به حتى اليوم بسبب روح الدعابة والشخصيات القوية. لقد أظهر الفيلم بالتأكيد أن الجماهير العالمية أرادت رؤية المزيد من القصص حول أفريقيا مختلفة عن تلك التي اعتادوا مشاهدتها على الشاشة.
حسب غابرييل تيسفاي، وهي مخرجة أمريكية من أصول إثيوبية وجمايكية ترشح فيلمها الصادر في سنة 2019 بعنوان “حبيبتي، إثيوبيا” لجائزة فيلم أفريقيا، فإن “فيلم القدوم إلى أمريكا مهّد الطريق أمام بروز أفلام مثل النمر الأسد [ضمن السينما الغربية السائدة] من خلال الأقمشة الأفريقية والثقافة”. وأضافت أنه “كان أكثر فيلم أبطاله وشخصياته من السود تحقيقًا للإيرادات لأن السود كانوا يتوقون لذلك النوع من التمثيل. إنهم يريدون أن يروا أنفسهم أكثر من مجرد عمال في المزارع. ويريدون أيضا أن يروا أنفسهم ضمن دولة خيالية قائمة الذات ولكنها مرتبطة أيضا بالواقع، مثل فيلم النمر الأسود. لقد كان ذلك مثيرًا بالنسبة لنا ونحن نستحق أن نشاهد هذا النوع من المحتوى”.
كسر فيلم النمر الأسود القوالب النمطية من خلال تقديم مملكة أفريقية متقدمة تلعب فيها النساء أدوارا مهمة.
لا تتمحور قصة “القدوم إلى أمريكا 2” حول البحث عن زوجة، وإنما عن وريث جديد لزاموندا، حيث أن أكيم الذي عاد في نهاية الجزء الأول من الفيلم إلى زاموندا وتزوج حبيبته من نيويورك ليزا (التي تلعب دورها شاري هيدلي) أصبح الآن ملكًا ولكن التقليد ينص على أن التاج يجب أن ينتقل إلى الابن، في حين أن أكيم لم يُرزق سوى بالبنات. ومع ذلك، اكتشف أن لديه خليفته الذكر، لافيل (الذي لعبه جرماين فاولر)، الذي كان نتيجة علاقة وقعت عندما زار هو وصديقه المقرب سيمي (هال) نيويورك في الفيلم الأول. تتيح القصة الانتقال بين القارات أكثر من الفيلم الأول، الذي تم تصويره في الغالب في الولايات المتحدة، حيث قام أكيم بزيارة نيويورك ثم العودة مع ابنه الجديد إلى البلاط الملكي في زاموندا.
مشكلة التعميم المستمرة
أحد جوانب المتعة في الجزء المخصص لنيويورك في الفيلم الثاني هو رؤية تأثير الاستطباق على الأحداث. ومع ذلك، لا يزال صالون الحلاقة “ماي تي شارب” في كوينز صامدا بطريقة ما أمام قوى السوق ولا يزال الحلاق كلارنس في يتجادل حول الملاكمة مع الزبون اليهودي شاول. وما لم يتغير أيضًا في العقود التي تلت ذلك هو المواقف الرجعية للشخصيات من كوينز تجاه “إفريقيا”: لا يزالون يشيرون إليها على أنها كيان متجانس؛ ومرة أخرى تُخلق الكثير من الفكاهة من افتراضاتهم حول القارة. فعلى سبيل المثال، عندما استدعي الخدم في بلاط زاموندا لتنظيف ومساعدة الزائرين الأمريكيين على الاستحمام، تم تقبل ذلك على أنه “تقليد أفريقي” من قبلهم.
إن الجدل مفتوح حول كيفية تأويل هذه النكات. فمن جهة، قد يبدو أنها تستغل الأفكار النمطية المبتذلة، ولكن ترى تيسفاي أن التصورات حول أفريقيا باعتبارها متجانسة يعكس بدقة وبشكل مثير للجدل جزءًا من النفسية الأفريقية الأمريكية عندما يتعلق الأمر بهذه القارة. وتقول تيسفاي أنه “بالنسبة للشتات الأسود، فإن أفريقيا باتت مجرد كلمة تشير إلى قارة بأكملها. من المهم فهم أن الأشخاص الذين يشكلون جزءًا من التاريخ تجارة العبيد عبر الأطلسي لا يعرفون إلى أي مكان في أفريقيا ينتمون. لهذا السبب، تعتبر كلمة أفريقيا كلمة عامة بالنسبة لهم لأنهم لا يعرفونها”.
مع ذلك، ترى تيسفاي أن “أفريقيا” لا تزال يُساء فهمها باستمرار وتعميمها في الأفلام وغيرها من الأعمال، لأنها لا تزال مكانا غير معروف لمعظم الغربيين. وهي توضح أنه “لم يسبق لهم أن رأوها شخصيًا، ولا يعلمون حقا مدى تنوعها. ولا تعد من وجهات السفر المعروفة بالنسبة للأمريكيين مثل آسيا وأمريكا الجنوبية أو حتى أوروبا”. ومن الواضح أن هذا الجهل هو ما يركز عليه فيلم “القدوم إلى أمريكا” بجزئيه، حيث يسخر من تحيزات الناس حول هذه القارة “الغامضة”.
لكنهم مع ذلك لازالوا هم أنفسهم يقعون في خطأ تبني هذه الرؤية المبتذلة “عن الآخر”. لعل ذلك يخبرنا أنه، على عكس فيلم “النمر الأسود”، تم تصوير فيلم “القدوم إلى أمريكا 2” – مثل الجزء الأول منه – بالكامل في الولايات المتحدة، حيث أن قصر زاموندا هو في الواقع قصر مغني الراب ريك روس في جورجيا. وتعتقد لينديوي دوفي، أستاذة السينما في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، أن مثل هذه الصور المعممة الزائفة لا يمكن الدفاع عنها في عام 2021، قائلة: “غالبا ما يتم تصوير إفريقيا على أنها متجانسة. ولا أعتقد أن هناك أي عذر لأي مخرج أن يتعامل مع القارة الأفريقية بهذه الطريقة”.
يعد فيلم بيونسيه الأخير “بلاك إيز كينغ” احتفالًا مرئيًا وموسيقيًا ملحميًا بالثقافات الأفريقية.
إلى جانب قضاء المزيد من الوقت في “إفريقيا” مقارنة بالفيلم الأول، يفتخر فيلم “القدوم إلى أفريقيا 2” أيضًا بأدوار نسائية وممثلين أقوى من القارة، مثل نومزامو مباثا وتريفور نواه، اللذين ولدا في جنوب إفريقيا. ومن الواضح أن فريق الكتابة (الذي تضمن هذه المرة الكاتب الأمريكي من أصول أفريقية ومؤلف سلسلة “بلاك – إيش” كينيا باريس، إلى جانب كتاب السيناريو البيض باري بلوستين وديفيد شيفيلد) حاول منح زاموندا مزيدا من العمق من خلال تضمين المزيد من التفاصيل عن المجتمع الأفريقي وكيفية حكمه.
للأسف، فإن هذه التفاصيل تصور المملكة على أنها رجعية، حيث لا تستطيع النساء امتلاك أعمال تجارية وتكون ملكية الذكور فقط إلزامية. وتقول دوفي أن “ذلك يبدو كما لو أن زاموندا تمثل أفريقيا ككيان متجانس. وأنا قلقة بشأن هذا النوع من الأفكار التي يمكن أن تترجم إلى إعادة تأكيد للأفكار النمطية عن القارة الأفريقية التي لا أساس لها من الصحة في الواقع”.
تصوير أكثر تقدمية
على النقيض من ذلك، تعامل فيلم “النمر الأسود” مع هذه الأنواع من الصور النمطية مباشرة وقلبها من خلال تصوير واكاندا كمملكة تقدمية للنساء فيها أدوار قوية في التسلسل الهرمي. لا يمكن اعتبار واكاندا أيضًا على أنها تمثل أفريقيا بأكملها. بدلا من ذلك، إنها دولة قام حكامها بقطع اتصالها ببقية القارة، بينما تتظاهر أمام العالم الخارجي بأنها فقيرة لمنع الدول الأخرى من سرقة مخزونها من المعدن الثمين الفايبرانيوم – وهي إشارة أخرى إلى التوقعات الغربية. في الوقت نفسه، وعلى عكس ملك زاموندا أكيم، فإن حاكمها تشالا – البطل الخارق – يفهم الدول الغربية ويعتبر نفسه لاعبا دوليًا.
كانت المحاولة الأخيرة البارزة الأخرى لكسر الصور النمطية حول إفريقيا هي فيلم بيونسيه “بلاك إيز كينغ” الصادر في 2020، الذي كان مشروعا عملت عليه إلى جانب الموسيقى التصويرية في النسخة الحديثة من فيلم “ملك الغابة”. يوظف الفيلم ببراعة أفضل المواهب من العديد من البلدان المختلفة في إفريقيا لنسج ملحمة موسيقية تحتفي بالهوية السوداء وتمكين المرأة، وليكون بمثابة بيان للأمريكيين السود لاستعادة تراثهم.
ومع ذلك، فإن فيلميْ “النمر الأسود” و”بلاك إيز كينغ” تصنف ضمن أفلام الخيال المجازي، مما يثير السؤال التالي: أين يمكنك العثور على تمثيلات ملهمة لأفريقيا في بيئة واقعية؟ يمكن الإشارة إلى فيلم “ملكة كاتوي” (الصادر في 2016) الذي يتناول معجزة الشطرنج الأوغندية الواقعية فيونا موتيسي، الذي تضمن طاقما أسود بالكامل. للأسف، على عكس فيلميْ “النمر الأسود” و”بلاك إيز كينغ”، لم يكتسب هذا الفيلم الرائع الكثير من الاهتمام العالمي.
إن الجواب الحقيقي هو النظر إلى السينما الأفريقية نفسها. كما تقول تيسفاي: “هناك الكثير من الأفلام التي تم تصويرها في أفريقيا من قبل صانعي الأفلام الأفارقة الفعليين الذين يصورون شعوبهم في بلادهم في مثل هذا الضوء المذهل الخيالي”.
إذا كان التمثيل الممنوح للسينما الأفريقية في المحافل الدولية لا يزال ضئيلا مقارنة بما تستحقه، فقد تتغير الأمور مع ظهور خدمات البث التي تسمح بتوزيع أوسع لأفلام جديدة رائعة من القارة مثل الأعمال الغانية “دفن كوجو” (من إخراج بازاوولي) و”أزالي”، والفيلم النيجيري “عامل التوصيل”، والفيلم السنغالي “أتلانتيكس”، المتوفرة جميعها على منصة “نتفليكس”.
ومن الإيجابي أيضًا توسيع عضوية التصويت على جائزة الأوسكار لتشمل المزيد من الأعضاء الأفارقة، مثل ترشيح الممثل والمخرج السينمائي والكاتب النيجري أكين أوموتوسو، ومخرج “أتلانتيكس” الفرنسي السنغالي ماتي ديوب السنة الماضية. مع اتخاذ مثل هذه الخطوات لتضخيم أصوات صانعي الأفلام الأفارقة، فإن الأمل هو أن التحريفات واسعة النطاق للقارة يمكن أن تصبح من الماضي.
المصدر: بي بي سي