في غياب نواب الشعب، نتيجة حل البرلمان قبل أيام، تتجه الحكومة الجزائرية نحو استحداث إجراء للتجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية أو المكتسبة يطبق على كل جزائري يرتكب عمدًا أفعالًا خارج التراب الوطني، من شأنها أن تلحق ضررًا جسيمًا بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية.
خطوة تشريعية مفاجئة أثارت جدلًا كبيرًا في البلاد، ففضلًا عن كونها انتهاكًا مباشرًا لحقوق الإنسان وتطاولًا على حق المواطنة، فهي أداة جديدة لقمع كل من يعارض النظام في البلاد، وفق العديد من الجزائريين.
الفئات المستهدفة
مشروع القانون الجديد في حال تم المصادقة عليه سيدخل تعديلات على قانون الجنسية الذي يعود تاريخ صدوره إلى 15 من ديسمبر/كانون الأول 1970، تسمح بسحبها ممن يثبت بحقهم المساس بوحدة البلاد أو ممارسة نشاط إرهابي بالخارج، أو التعاون مع دولة عدو، وفق تصريح لوزير الإعلام عمار بلحيمر عقب اجتماع للحكومة نقله عنه التليفزيون الرسمي.
وفق بلحيمر يخص سحب الجنسية “الجزائري الذي يقيم خارج التراب الوطني، ويتورط في أفعالٍ تُلحق عمدًا ضررًا جسِيمًا بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية” دون تحديد طبيعتها، وأضاف “الحال نفسه بالنسبة لمن يقوم بنشاط أو انخراط في الخارج بجماعة أو منظمة إرهابية أو تخريبية أو يقوم بتمويلها أو بالدعاية لصالحها”.
شهدت مدن الجزائر أمس الجمعة تجدد المظاهرات في الجمعة الثانية على التوالي، حيث شارك عشرات الآلاف في مسيرات كبرى ضد النخبة السياسية والعسكرية
أما الفئة الثالثة المستهدفة وفق نص المشروع التمهيدي الذي اقترحه وزير العدل بلقاسم زغماتي، فهي كل شخص تعامل مع دولة معادية للدولة الجزائرية لكن دون تفصيل بشأن مكان إقامته وهل يشمل الأمر من يقيمون داخل البلاد.
التضييق على الحراك الشعبي
التعريف الفضفاض للفئات التي ينطبق عليها المقترح الحكومي الذي يأتي مع تجدد الحراك الشعبي، جعل العديد من الجزائريين يعبرون عن خشيتهم ورفضهم لمشروع هذا القانون، خاصة أن النظام وحده له الحق في تفسير وتقييم نشاط الجزائريين بالخارج.
يرى الإعلامي الجزائري رياض المعزوزي أن سن قوانين تُسحب من خلالها الجنسية هي سابقة عالمية وسقطة من سقطات النظام الذي لم يستطع احتواء غضب الجزائريين، ويُخشى من أن تتحول إلى أداة في يد السلطات لقمع من يعارضها وإسكات كل منتقد والزج به في دائرة التجسس والإرهاب والعدوانية.
يذكر محدثنا أن مشروع القانون يمس “المواطنين المتورطين في أفعال تلحق ضررًا جسيمًا بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية، وهي التهم التي اتهم بها أغلبية نشطاء الحراك الشعبي وأدين أغلبهم بالسجن النافذ، يعني ذلك أن أغلبية نشطاء الحراك مهددون بسحب جنسياتهم.
حزب العمال
⭕ مشروع القانون التمهيدي الخاص بنزع الجنسية الجزائرية يهدف إلى تخوين أي رأي يخالف الحكومة
⭕ الجنسية الجزائرية تسير في شريان الجزائريات والجزائريين لا يمكن نزعها
⭕ هذا القانون تمييزي يهدف الى ترعيب إخواننا في المهجر
⭕ نطالب بسحب القانون التسلطي الخاص بنزع الجنسية
— أنا الجزائر (@Analgeria) March 5, 2021
يبين المعزوزي في حديثه لنون بوست أن النظام يريد غلق كل المنافذ التي تدعو الشارع للخروج وتنظيم مظاهرات، فبعد أن استطاع نظام تبون لجم الإعلام المحلي، يريد الآن لجم الألسن المقاطعة خارج البلاد، خاصة أن هناك مؤسسات إعلامية عديدة خارج البلاد وسياسيين ونشطاء في الخارج لهم صفحات وحضور إعلامي مهم وتأثير على الشارع الجزائري، وهم داعمون للحراك الشعبي الذي أطاح بعبد العزيز بوتفليقة السنة الماضية.
وشهدت مدن الجزائر أمس الجمعة تجدد المظاهرات في الجمعة الثانية على التوالي، حيث شارك عشرات الآلاف في مسيرات كبرى ضد النخبة السياسية والعسكرية في عدة مدن بأنحاء البلاد وذلك في الوقت الذي عبرت فيه الأمم المتحدة عن قلقها إزاء ما وصفتها بحملة على المحتجين.
تأتي هذه المظاهرات استئنافًا للحراك الشعبي الذي علق مسيراته الأسبوعية قبل نحو عام بسبب جائحة فيروس كورونا، ويدعو الحراك الجزائري إلى رحيل النظام السياسي القديم، كما يطالب الجيش بالابتعاد عن السياسة.
نظام يفتقر للعقلانية السياسية
يكشف مشروع هذا القانون، وفق الناشط السياسي عبد الله كامل، بشكل جلي أن النظام السياسي الجزائري يفتقر لأي قدر من العقلانية السياسية، كما لديه أزمة في الأخلاق والمفاهيم، فهو يعتبر أن هذه الجنسية مزية يتكرم بها على رعاياه، وليست حقًا طبيعيًا لكل جزائري وجزائرية.
يؤكد كامل في حديث لنون بوست أن “حالة الجزائر نفسها وتطورها التاريخي تجعل هذا المقترح الحكومي شديد الخطورة، إذ إن خروج الدولة الجزائرية للنور كان من خلال تضحيات شعبها بالدم ضد الاحتلال الفرنسي، وليست مثلًا مرتبطة بعائلة حاكمة يمكنها منحك أو نزع الجنسية عنك”ً.
في الوقت الذي كان فيه الجزائريون ينتظرون إصلاحات وعد بها نظام عبد المجيد تبون، بادر هذا النظام إلى الدفع بقانون مخالف لكل التوقعات
يضيف محدثنا “بالتالي هذا المقترح هو ردة عن قيم الثورة التحريرية، ناهيك بمخالفته كل القوانين والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، وهي انحراف خطير سيؤدي إلى التأزم أكثر فأكثر”.
قانون اسقاط الجنسية ليس سوى فعل مخز وهروب للامام من نظام فاشل عجز عن ايجاد الحلول لمشاكل الجزائر و الجزائرين على مدار عشرات السنين ..
نظام رغم فشله المزمن رفض ان يتغير او يتجدد او يتبدد..
ماذا عسانا نقول سوى لك الله يا جزائر..#الجزائر.
— رشـــــيد (@Bouazo_Rachid) March 5, 2021
يرى الناشط السياسي الجزائري أن هذا المقترح تكفير من نوع آخر، بحيث يظن صانع القرار أنه يملك الحق في إعطاء صكوك الوطنية ونزعها عمن يشاء، مضيفًا “كنا نتمنى أن يلجأ النظام السياسي للحوار والانفتاح وإيقاف القمع والاعتقال، فإذا به يفاجئنا بمقترح يزيد الطين بلة ويجعل الثقة بينه وبين الحراك الشعبي تتدهور أكثر فأكثر”.
قمع الحريات والرأي المعارض
بدوره يؤكد النقابي والناشط السياسي حمزة خروبي المقيم في الخارج، في حديث لنون بوست، أن مشروع قانون سحب الجنسية الذي اقترحه وزير العدل ينافي كل الأعراف المواثيق الدولية بما فيها المادة 15 من العهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان الذي يقر بعدم جواز سحب الجنسية تعسفًا.
وفق خروبي فإن حكومة بلاده تتجه إلى القضاء على كل معارضي النظام الحاليّ من خلال خلق قوانين قمعية تمس مختلف مكونات المجتمع الجزائري، ويخشى محدثنا من أن يتم تطبيق هذا القانون بعد المصادقة عليه على أرض الواقع تطبيقًا تعسفيًا.
قضية الجنسية وصكوك الغفران هي العودة للقرون الوسطى في الجزائر الجديدة…
نضحك ولا نبكي على بلادي?
— الشاب الشهم ? ESS ?? (@mounir19setif) March 4, 2021
يرى محدثنا أن هذا المشروع مس حقيقي وانتهاك لكل مبادئ حقوق الإنسان، خاصة لحق المواطنة وتجاوز لمواد الدستور الجديد، كما أنه بداية لقمع الحريات والرأي المعارض سواء داخل أم خارج الجزائر خاصة إذا نظرنا للأحداث الأخيرة والسياق الذي جاء فيه مشروع القانون.
ويؤكد حمزة خروبي أن مشروع قانون سحب الجنسية هو تهديد حقيقي لوحدة الجزائريين وتمسكهم المجتمعي الهوياتي الذي حافظ عليه الجزائريون طيلة عقود من الزمن وبالتالي هو قانون لا يمكن السكوت عنه لأنه ينازع جميع الجزائريين في حقوقهم الوجودية.
في الوقت الذي كان فيه الجزائريون ينتظرون إصلاحات وعد بها نظام عبد المجيد تبون، بادر هذا النظام إلى الدفع بقانون مخالف لكل التوقعات ويؤكد رفضه للإصلاح والقيام بمراجعات تستجيب لتطلعات الجزائريين الذين خرجوا ضد بوتفليقة قبل سنتين، وهو ما يعني أن تبون لم تصله بعد رسائل الحراك ولم يفهم شعاراته ومطالبه.