ترجمة وتحرير: نون بوست
أصدرت منظمة غير حكومية دولية مكرسة لوقف انتشار الأسلحة النووية مؤخرًا صور أقمار صناعية تظهر أن إسرائيل منخرطة في أعمال بناء جديدة في موقعها النووي في ديمونا لأول مرة منذ عقود. هذا المفاعل، الذي بدأ نشاطه في منتصف الستينات، يصنع البلوتونيوم كوقود لمخزون إسرائيل الشهير المتكون من 80 رأسًا حربيا نوويًا.
أثار هذا الأمر فضول الخبراء النوويين ووكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم. وبما أن مفاعل ديمونا قد تجاوز عمره المتوقع منذ فترة طويلة، فقد توقع البعض أن إسرائيل ربما تقوم ببناء مفاعل جديد للبلوتونيوم. لكن هذا الاحتمال غير مرجح، لأن هذا العنصر طويل الأمد، وقد أنتجت إسرائيل بالفعل ما يكفي لتلبية الاحتياجات الحالية أو المستقبلية. في المقابل، تكهن البعض بأن المفاعل الحالي إما مغلق فعليًا أو سيقع إيقاف تشغيله.
إذا لم تكن إسرائيل بحاجة إلى مفاعل جديد ليحل محل المفاعل القديم، فما الذي يمكن أن تبنيه في ذلك الموقع؟ في مقابلة حديثة مع وكالة “أسوشييتد برس”، أشار داريل كيمبال، المدير التنفيذي لـ “رابطة الحد من الأسلحة” ومقرها واشنطن، إلى عنصر حاسم آخر في الرؤوس الحربية النووية: التريتيوم، وهو أحد نظائر الهيدروجين المستخدمة لزيادة إنتاجية الرؤوس الحربية النووية. كما أنه يجعل التفاعل الانفجاري أكثر فاعلية مع حاجة أقل إلى الوقود (في حالة إسرائيل، البلوتونيوم).
سمح التريتيوم بإحداث تقدم في تصميم الأسلحة، بما في ذلك الأجهزة الأصغر التي تضخمت قوتها التفجيرية. كما أن هذه المادة تُستخدم في القنابل النيوترونية المصممة لقتل البشر مع تقليل مساحة الانفجار. أخبر كيمبال وكالة أسوشييتد برس أن إسرائيل “قد ترغب في إنتاج المزيد من التريتيوم، وهو منتج ثانوي مشع سريع التحلل نسبيا يستخدم لتعزيز القدرة المتفجرة لبعض الرؤوس الحربية النووية”.
يقع تصنيع التريتيوم، مثله مثل البلوتونيوم والمواد الأخرى المستخدمة في إنتاج الأسلحة النووية، في مفاعل نووي ويمكن إنتاجه عن طريق تشعيع معدن الليثيوم. ويعتبر النظير أقل استقرارا من البلوتونيوم، مما يعني أنه يتطلب إعادة التفعيل بشكل متكرر لاستخدامه في ترسانة نووية. إذا وقع إيقاف تشغيل مفاعل ديمونا القديم، كما تكهن الخبير النووي البارز أفنير كوهين، فستحتاج إسرائيل إلى مصدر جديد لإنتاج التريتيوم. ربما يقع بناء مفاعل خصيصا لهذا الغرض.
الصور الحالية تشير بشكل أساسي إلى أعمال الحفر، ولكن لم يقع تشييد أي مباني بعد
وفقا لتحليل صور الأقمار الصناعية، يبدو أن أشغال البناء قد بدأت في وقت ما في أواخر سنة 2018 أو أوائل سنة 2019؛ وهذا يعني أن الأعمال جارية على الأرجح منذ حوالي سنتين. ويُذكر أن الصور الحالية تشير بشكل أساسي إلى أعمال الحفر، ولكن لم يقع تشييد أي مباني بعد. لماذا تسير العملية ببطء شديد؟ يمكن أن يشير هذا إلى عدم اتخاذ صانعي السياسات لقرار حول ما إذا كان سيقع إغلاق المفاعل القديم ومتى، أو إلى قيود الميزانية التي تمنع تسريع وتيرة البناء.
الخطر النووي الحقيقي
لكن لماذا أصبحت الصور متاحة للعامة الآن فقط بعد سنتين من الإنشاء؟ بالنظر إلى الصراع الذي يلوح في الأفق بين إسرائيل والرئيس الأمريكي جو بايدن حول إحياء المفاوضات النووية الإيرانية، فإنه من الممكن أن ترغب الإدارة الأمريكية في تذكير العالم بمكان الخطر النووي الحقيقي – وهو ليس في إيران.
إذا كان البناء مرتبطا بإنتاج التريتيوم، فإن هذا يشير إلى أن إسرائيل لا تبني فئة جديدة من الأسلحة النووية، مثل الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي تفاخر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – على الأقل ليس في ديمونا. بدلا من ذلك، من المرجح أن تقوم إسرائيل بتحسين قوة ترسانتها الحالية.
المفارقة الأهم في مشروع ديمونا هي أنه لا أحد يشكك في حق إسرائيل في صنع أسلحة نووية أو تحسين القدرة الفتاكة لترسانتها. هل يحفرون حفرة بحجم ملعب كرة قدم لبناء شيء ما؟ لهم الحرية في ذلك. ولكن في حالة سقوط جزيء واحد من اليورانيوم على الأرض في مكان لا ينبغي أن يكون فيه في إيران، يبدأ المجتمع الدولي بأسره في التأكيد على أن طهران على بعد أسابيع قليلة من صنع قنبلة نووية والتحذير من كارثة وشيكة.
لماذا هذه الازدواجية في المعايير؟ لماذا يعتقد العالم أن لإسرائيل الحق في امتلاك مثل هذه الترسانة الهائلة وأنها ستحافظ عليها بشكل مسؤول، بينما لا يحق لإيران حتى الحصول على سلاح واحد – وأنها ستفجر العالم إذا ما تمكنت من صنعه؟ ما الذي فعلته إسرائيل لتستحق مثل هذه المصداقية، وما الأمر الشنيع الذي فعلته إيران حتى تستحق هذا المستوى من الانتقاد؟
السيطرة على الأعداء
في حوار معه على فيسبوك، وصف كوهين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه “الأكثر حرصا على الطاقة النووية” منذ دافيد بن غوريون، الذي أسس البرنامج النووي للبلاد. لقد أبدى نتنياهو اهتماما أكبر بكثير بالمشروع النووي وألقى العديد من الخطب، في كل من ديمونا وبجانب قبر بن غوريون في سدي بوكير، مهدّدا إيران بالتدمير النووي.
هذا لا يعني بالضرورة أن نتنياهو أكثر عرضة لاستخدام مثل هذه الأسلحة من رؤساء الوزراء السابقين، بل أنه يرى حاجة ماسة لإسرائيل لامتلاك قوة ردع نووي موثوق بها لإبقاء أعدائها تحت السيطرة. هذا عنصر أساسي في استراتيجية إسرائيل الجيوسياسية ووسيلة لإبراز القوة وضمان الهيمنة الإقليمية للدولة. كما يساعد ذلك إسرائيل على التصدي لتهديدات القوى المعادية في إيران وسوريا والعراق.
الولايات المتحدة لم تكن أبدا مستعدة للانضمام إلى هجوم على إيران، على الرغم من ضغط نتنياهو
في الماضي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن بشن هجوم على مفاعل نووي عراقي، وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بشن هجوم على مفاعل سوري كان يجري بناؤه في الصحراء الشرقية. في المقابل، قد ينبع هوس نتنياهو ببرنامج إيران النووي من كرهه لأن يكون أول زعيم إسرائيلي يسمح لعدو عربي بأن يكون من بين البلدان التي تملك أسلحة نووية.
على مدى العقد الماضي، لعبت الولايات المتحدة وإسرائيل دور الشرطي الصالح والشرطي الفاسد فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني. استخدم الرؤساء الأمريكيون مزيجا من التخريب السري والدبلوماسية العامة لتعزيز سياسة تقييد إيران، بينما دعت إسرائيل في بعض الأحيان إلى شن هجوم عسكري صريح. وقد تعاون كلا البلدين في البرمجيات الخبيثة السرية “ستوكسنت” التي دمرت أجهزة الطرد المركزي لليورانيوم.
لكن الولايات المتحدة لم تكن أبدا مستعدة للانضمام إلى هجوم على إيران، على الرغم من ضغط نتنياهو. هل سيتحلى الزعيم الإسرائيلي بضبط النفس أم أنه سيختبر عزيمة بايدن والتزام إيران بالمفاوضات من خلال الاستمرار في اغتيال العلماء النوويين وتقويض النهج السياسي الدبلوماسي لحل الأزمة؟ لقد تعلم بايدن من التجارب السابقة للرئيس السابق باراك أوباما ألا يثق في نتنياهو. إنه وضع لا يُحسد عليه، حيث أنه لا يستطيع الثقة في كل من عدوه (إيران) وحليفه (إسرائيل).
المصدر: ميدل إيست آي