أشهر معدودة تفصلنا عن انتخابات تشريعية مرتقبة في المغرب، وفي الوقت الذي يجري وضع اللمسات النهائية على القوانين الانتخابية الجديدة، تم أخيرًا اعتماد طريقة جديدة لحساب القاسم الانتخابي، وهي الطريقة التي من شأنها أن تقلب موازين القوى في المشهد السياسي.
إن اعتماد قاسم انتخابي جديد يضيق الخناق على حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ويجعل تصدره الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي ضربًا من المستحيل، كما يفتح الباب أمام أحزاب صغرى لولوج البرلمان للمرة الأولى.
المعارض الوحيد
منذ اقتراحه حتى صادق عليه البرلمان بعد جلسة تصويت علنية عشية يوم الجمعة 5 من مارس/آذار 2021، لقي القاسم الانتخابي الجديد معارضة شديدة من الحزب الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي، حيث عارض هذا المقترح بـ104 أصوات، بينما صوت 160 من أحزاب المعارضة (الأصالة والمعاصرة والاستقلال والتقدم والاشتراكية) والأغلبية (التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية) لصالح تمرير تعديل القاسم الانتخابي على أساس المسجلين بالدائرة البرلمانية وليس الأصوات الصحيحة، مع إلغاء العتبة بصفة نهائية، في إعلان الفائزين في الانتخابات التشريعية.
بالتالي تكون الأحزاب المنافسة للعدالة والتنمية قد اتخذت خطوةً كبيرةً نحو الإطاحة بالإسلاميين والحيلولة دون قيادتهم للمشهد السياسي لولاية تشريعية ثالثة، بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها 2011 وذلك بحصول الحزب على 107 مقاعد من أصل 395 مقعدًا بمجلس النواب، وخلال انتخابات 2016 بعد أن حصل على 125 مقعدًا، بينما حاز غريمه اللدود حزب الأصالة والمعاصرة على 102، لكن هذا الأخير اختار أن يصطف في المعارضة عوضًا عن الانضمام إلى الائتلاف الحكومي.
حكومة لا لون لها
أدى احتدام التنافس بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة إلى بروز قطبية ثنائية في المشهد السياسي، ما أحدث رجة داخل الأحزاب التاريخية خاصة حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لتراجعهما الذي وصف بالكبير.
هيمنة حزبين كبيرين لن يكون لها وجود بعد الآن، خاصة مع هذا القاسم الانتخابي الجديد وإزالة العتبة، ما سيقلص إمكانية حصول حزب معين على مقعدين في نفس الدائرة الانتخابية مع منح حظوظ أكثر للأحزاب الصغرى، فالمقعد الثاني الذي سيخسره الحزب الأول سيذهب في الغالب إلى لائحة لم تكن لها حظوظ للفوز بمقعد لو تم اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات المعبر عنها، كما كان معمولًا به في الانتخابات السابقة.
ومع استحالة حصول حزب معين على الأغلبية سيكون من الصعب تشكيل تحالفات، وهذا من شأنه أن يفرز ائتلافًا حكوميًا هشًا لا لون له، بضمه خليطًا هجينًا من الأطياف الحزبية المتجاذبة، كل طرف يحاول ترجيح كفة ميزان القوى لصالحه.
حزب بلا حلفاء
وفقًا لحزب العدالة والتنمية، يشكل تعديل القاسم الانتخابي “تراجعًا وانتكاسةً خطيرةً على الديمقراطية التمثيلية بالبلاد، ويخالف المنطق الانتخابي السليم ويعاكس التجارب المقارنة الفضلى”، لهذا رفع الفريق النيابي للحزب مذكرةً لرئاسة مجلس النواب، تتضمن دفعًا يقضي بأن المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي رقم 21-04 المتعلقة بتعديل القاسم الانتخابي، كما تم تعديلها تتضمن مقتضيات غير دستورية.
وذهب قياديو حزب “المصباح” بإلحاق أوصاف شتى بهذا القرار، مثل “الإساءة للوطن الذي شهد له الجميع بتميز مساره الديمقراطي في المنطقة” كما قال عزيز رباح وزير الطاقة والمعادن، أو كما قال عبد الرحيم بعلي، نائب رئيس اللجنة المركزية للانتخابات لحزب العدالة والتنمية، عن الصيغة الجديدة للقاسم الانتخابي، أنها “اغتيال للديمقراطية المغربية الناشئة وإجهاز مفضوح على مكاسب الربيع الديمقراطي المغربي، وإفراغ للعملية الانتخابية من مضمونها السياسي”، والعديد من عبارات الشجب صاح بها هذا الحزب الذي انزوى وحيدًا معارضًا وغير راضٍ.
ما يؤكده هذا التصويت أن (1) هناك أغلبية حزبية أكبر من الأغلبية الحكومية، الجامع بينها مصلحة تأمين البقاء وتفادي تكرار ما وقع في 2015 و2016. (2) بالمقابل هناك حزب معزول تفوق بمنطق عددي كمي في الانتخابات السابقة، لكنه فشل في إيجاد حلفاء دائمين له بمقدورهم تأمين خلفيته النيابية.
— Mostafa YAHYAOUI (@YahyaouiMostafa) March 6, 2021
بدا حزبًا معزولًا، تفوق بمنطق عددي كمي في الانتخابات لكنه فشل في إيجاد حلفاء دائمين له بمقدورهم تأمين خلفيته النيابية، وفقًا لأستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العامة مصطفى اليحياوي، توجد أغلبية حزبية أكبر من الأغلبية الحكومية، الجامع بينها مصلحة تأمين البقاء وتفادي تكرار ما وقع في انتخابات 2015 و2016.
جدلية الدين والمال
ما وقع هو بروز قطبية ثنائية بأطروحتين متنافرتين، احتكرت المشهد السياسي ورفعت منسوب المواجهة السياسية والأيديولوجية، في حين لم يُظهر أي طرف نيته في اتجاه المصالحة وتقديم تنازلات، إنها قطبية ثنائية حزبية مصنعة مبنية على جدلية الدين والمال، في بلد سار في اتجاه التعددية الحزبية.
قبل اعتماد القاسم الانتخابي الجديد، عاش في البدء حزب الأصالة والمعاصرة على وقع خلاف حاد بين أعضاء مكتبه السياسي بشأن مقترح تعديل القاسم الانتخابي، بعد أن تخوف قياديون في حزب “الجرار” من أن يؤدي اعتماد القاسم الانتخابي على أساس قسمة مجموع المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، من تراجع مقاعدهم في الانتخابات القادمة بفقدانهم نحو 20 مقعدًا.
غير أن تيارًا في الأصالة والمعاصرة بقيادة أمينه العام عبد اللطيف وهبي دعم مقترح القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، رغم احتمال تراجع مقاعدهم، فهو “يرد الاعتبار للأحزاب الوطنية التي تقلص عدد نوابها بشكل كبير”، وأصبح حزبان مهيمنان على مجلس النواب، بينما تحولت أحزاب وطنية كبيرة إلى أقلية.
وأخيرًا حسمت معركة تعديل القاسم الانتخابي بانتصار أول لمنافسي العدالة والتنمية، الذي سيجد نفسه أمام عقبة جديدة تفقده حظوظ الفوز في المعترك الانتخابي، بعدما توالت هزاته الداخلية التي أدت إلى تصدع بيته، وهو الآن متخوف من تراجع ثقة الناخبين به، ومن التصويت العقابي ضده خلال الانتخابات القريبة، وهو أحد السيناريوهات المحتملة نتيجة عدم وفاء الإسلاميين بالتزاماتهم منذ توليهم الحكومة العام 2011، وعلى الرغم من خيبة الأمل، اختار المغاربة تجديد الثقة ومنحوا العدالة والتنمية فرصةً ثانيةً لعله يتعلم من أخطائه ويتمكن من تنفيذ وعوده الانتخابية.