كجزء لا يتجزأ من نضال الشعب الفلسطيني وحركته التحررية ضد الاحتلال الإسرائيلي وإيمانًا بضرورة دعم المرأة، ظهرت الاتحادات النسائية الفلسطينية منذ عشرينيات القرن الماضي وما زالت حتى اليوم تكافح من أجل وضع أفضل للنساء الفلسطينيات.
ثورة البداية
تقول الدكتورة مريم أبو دقة، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لـ “نون بوست”، إن ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة أدى إلى تشكيل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي كانت قواعده الرئيسية مجموعة اتحادات مهمة مثل اتحاد الطلبة واتحاد العمال وكانوا قاعدةً من قواعد منظمة التحرير وملتزمين بالميثاق الوطني وبرنامج المنظمة.
وتشير أبو دقة التي أسست جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية إلى أن المجتمع في تلك الفترة بعاداته وتقاليده لم يكن يسمح كثيرًا بانخراط المرأة في الحياة السياسية وكان الأمر مقتصرًا على نساء “العائلات المتنورة”، حسب وصفها.
وتضيف: “مع انخراط النساء في حركة النضال خصوصًا في ثورة الـ36 بدأ دورهن يتبلور أكثر في التنظيمات السياسية، لأن العمل المنظم أرقى أشكال النضال سواء للنساء أم للشباب أم للمجتمع بشكل عام”.
وتتابع قولها: “عانت المرأة خلال تلك الفترة وما زالت من الظلم والاحتلال وتعرضت للتهجير وعاشت الشتات، كما تعرضت للأسر وبعضهن استشهدن، إضافة إلى معاناتها كزوجة شهيد أو أسير أو مبعد وكعاطلة عن العمل بسبب الاحتلال، فقد دفعت كل هذه العوامل إلى أن تكون المرأة مشاركة بكل ساحات النضال من خلال انتظامها في العمل الفدائي والاجتماعي والوطني والتكافلي”.
وعن دور المرأة في الشتات تؤكد أبو دقة أنه كان لها دور عبر الاتحاد العام والأطر التابعة للفصائل الوطنية، إذ لعبت دورًا في شرح القضية للعالم على المستوى الدولي والعربي، وكانت وما زالت تمثل جزءًا من المنظومة السياسية ومن الحركة الوطنية الفلسطينية التي تهدف إلى الحرية والاستقلال والحقوق الطبيعية، فتقول: “المرأة الفلسطينية قاتلت بقيادة الاتحاد العام والأطر وأفرزت شخصيات نسوية وطنية مهمة مثل ليلى خالد وأم جهاد وربيحة ذياب وأم صبري صيدم، ووصل الاتحاد لمراكز قيادية نسوية عالمية مرموقة، فأصبحت فلسطين نائب رئيس اتحاد النساء العالمي والرئيس أيضًا في اتحاد النساء العربي”.
دور وطني ونضالي
إبان ثورة 1929 التي اشتعلت إثر حادثة البراق – التي قُتل وجُرح خلالها الكثير من العرب واعتقلت سلطات الانتداب البريطاني المئات من الشباب وأصدرت الأحكام المختلفة عليهم ومن بينها أحكام بإعدام 20 عربيًا -، بادرت النساء الفلسطينيات إلى عقد المؤتمر النسائي الفلسطيني في القدس، فكان الأول من نوعه من الناحية التنظيمية واشتركت فيه أكثر من 300 امرأة من مختلف أنحاء فلسطين، ما وضع قدرات الحركة النسائية الفلسطينية ضمن دائرة الحركة الوطنية النضالية العامة وكانت بدايات تأسيس الاتحادات النسوية.
تتحدث اعتدال أبو قمر، عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، لـ “نون بوست”، عن بدايات تكوين الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي تأسس عام 1965 وكانت انطلاقته في مؤتمره الأول، وتقول: “نلاحظ أن هذا التاريخ يتزامن مع انطلاق كل مؤسسات منظمة التحرير وهو مؤسسة من مؤسساته حمل على عاتقه أجندة وطنية عظيمة جدًا وهي أجندة تحررية ثورية تهدف إلى الارتقاء بواقع المرأة الفلسطينية أينما وجدت سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وصحيًا واجتماعيًا”.
وتضيف: “لذلك المرأة موجودة بقوة في كل الاتحادات مثل اتحاد العمال والاتحاد العام للشباب واتحاد الصحفيين وغيرها وكلها تحت جناح الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي ينطوي تحته عشرة أطر ما عدا القوى الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي)”.
وتؤكد أبو قمر أن أهداف الاتحاد العام هي أهداف ثابتة ومأخوذة من صلب القضية الفلسطينية ومن قلب المعاناة الفلسطينية بشكل عام ومعاناة المرأة بشكل خاص.
وعن علاقة الاتحاد بالاتحادات العربية تشير إلى أنها كانت وما زالت علاقة قوية جدًا بالاتحاد العام الديمقراطي والاتحاد العام العربي والاتحادات التونسية والجزائرية والمغربية، إذ يشارك الاتحاد الفلسطيني في كل الاجتماعات والمؤتمرات التي كان آخرها المشاركة في منصة إلكترونية عرضت فيها ورقة عن واقع المرأة الفلسطينية في القدس وعن معاناتها بسبب الجدار في الضفة والحصار من غزة.
وعن العقبات التي تقف في طريق تطوير الاتحادات النسوية تقول: “من بدايات الاتحاد العام إلى الآن ونحن في مرحلة مد وجزر ونحاول تطوير الحقوق التي حصلنا عليها خصوصًا تلك التي تتعلق بالوصاية والأحوال الشخصية والعديد من القوانين، رغم أننا منذ الانقسام عام 2007 ونحن نواجه مرحلةً صعبةً خاصةً من ناحية الحقوق، إذ توجد قوانين تصدر بمرسوم رئاسي بالضفة وقوانين يصدرها التشريعي في غزة، ونحن كاتحاد عاجزين عن الضغط على الطرفين لتحقيق مطالبنا الحقوقية”.
وتؤكد أبو قمر أنه قبل ذلك نجحت الحركة النسوية بقيادة الاتحاد العام في انتزاع الكثير من الحقوق، لكن اليوم الاتحاد العام يواجه صعوبة وانتكاسة في كثير من القوانين مثل قانون حماية الأسرة من العنف، فتقول: “هذا القانون الذي نطالب به على ضوء ارتفاع نسبة العنف في المجتمع الفلسطيني، لكنه لا يرى النور، حتى وثيقة سيداو التي وقع عليها السيد الرئيس عام 1990 وخرجت بعدها بروتوكولات والعديد من القوانين المرادفة أو القرارات الداعمة لها ووقع عليها السيد الرئيس، لكن للأسف هي غائبة في الخطة الوطنية وغير مطبقة”.
نهضة سياسية واجتماعية
من جانبه يؤكد غسان الشامي، الكاتب الصحفي الدكتور، في حديثه مع “نون بوست”، أن المرأة الفلسطينية عبر الاتحادات النسوية الفلسطينية كانت من أوائل النساء في العالم العربي بحركة النضال السياسي والنضال الاجتماعي والمطالبة بحقوقها وتحسين أوضاعها.
ويضيف: “في الحقيقة المرأة الفلسطينية لها سجل تاريخي نضالي كبير في مواجهة الاحتلال منذ بداية الاستيطان الصهيوني على فلسطين أواخر القرن التاسع عشر، فكان لها دور بارز في مقاومة الاحتلال البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي، وفي الثلاثينيات كانت تواجه ما يسمى الانتداب البريطاني من خلال الجمعيات والاتحادات النسوية قبل تأسيس اتحاد المرأة الفلسطينية (أحد أذرع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965)”.
ويؤكد الشامي أنه بعد عام النكبة واحتلال كامل أرض فلسطين عام 1976 واصلت المرأة الفلسطينية نشاطاتها العسكرية والسياسية ومع تأسيس الاتحاد العام للمرأة ولجان المرأة في الفصائل الفلسطينية، برز دور أكبر للمرأة على الصعيد الاجتماعي والفكري والسياسي وشاركت في كل المسيرات والمظاهرات خلال الانتفاضة الأولى والثانية، كما تطور العمل المؤسساتي للمرأة الفلسطينية في التسعينيات من القرن الماضي تحت مظلة الاتحادات النسائية.
ويرى أن “المرأة استطاعت انتزاع حقوق النساء وتغيير أوضاعهن القانونية والحقوقية، ونهضت بواقعها السياسي والفكري والاجتماعي، فعلى صعيد العمل السياسي وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني حققت إنجازات كبيرة في تطبيق نظام الكوتا بانتخابات عام 2006 لتكون امرأة بين الثلاثة أسماء الأولى في كل قائمة، وهذه تحققت بعد جهود ومناشدات الاتحادات النسوية، كما استطاعت في انتخابات 2006 أن تتقلد مناصب برلمانية وتشارك في اللجان البرلمانية”.
ويعود الشامي بالذاكرة إلى أول انتخابات فلسطينية جرت عام 1996، حيث لم تنجح إلا 3 مرشحات، وهذا يعود لنظرة المجتمع الفلسطيني والالتزام الديني والعادات والتقاليد التي كانت تحجم دور المرأة إلى حد ما ونظرة الناس سابقًا عن المرأة، أما اليوم وبعد كفاح وجهد الاتحادات النسوية، حققت المرأة إنجازات كبيرة وأصبح لها دور بارز وكبير فلسطينيًا وعربًيا.
وعن تجربة خاصة له يذكر الشامي أنه أعد دراسة تاريخية توثيقية لدور المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الصهيوني منذ عام 1976م وحتى عام 1994م رصد فيها الدور السياسي والدور العسكري والدور الاجتماعي والدور الثقافي والفكري ورصدت الدراسة دور مؤسسات المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال.
تراجع بسبب الانقسام
ترى اعتماد أبو جلالة، عضو اللجنة التنفيذية ومنسقة دائرة المرأة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أن الحركة النسوية كانت وما زالت في الطليعة بالدفاع عن حقوق النساء والعاملات، فلو تتبعنا تطور الاتحادات النسوية ومنها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الذي أُسس عام 1965 فقد مرت بالعديد من الصعوبات والتحديات التي كانت تعصف بها على صعيد بنيتها ومدى قدرتها على أداء واجباتها ودورها لتحصيل حقوق النساء وتحقيق مصالحهن.
وتقول: “ليس فقط على صعيد تأسيس الاتحادات النسوية وعلى رأسها الاتحاد العام للمرأة، لكن بشكل عام على مدار سنوات عديدة حاولت النقابات العمالية بناء أجسام نقابية قادرة على حمل المسؤولية والدفاع عن العاملات وتحسين شروط وظروف عملهن في المجالات كافة، فتم تشكيل دائرة خاصة بالمرأة والنوع الاجتماعي في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين وتم تمثيل النساء في مجالس إدارة النقابات ومن ثم باللجنة التنفيذية، وتم العمل على تثقيف آلاف العاملات بشأن قانون العمل والتنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية إلى أن جاء الانقسام البغيض في عام 2006 وبات العمل النقابي وحتى نشاطات الاتحادات النسوية في تراجع عن ذي قبل”.
وتضيف: “للأسف، كان للانقسام الفلسطيني آثار وانعكاسات سلبية على تطور كل مناحي الحياة ومن ضمنها العمل النسوي في الاتحادات والمراكز النسوية كافة وخاصة المؤسسة النقابية، وتجلى ذلك من خلال سيطرة حكومة الأمر الواقع على مقر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين وحتى على مقر الاتحاد العام للمرأة”.
والمتتبع لتاريخ الحركة النسوية بشكل عام والاتحاد العام للمرأة يدرك جيدًا حجم التضحيات التي قدمتها النساء لنيل حقوقهن، لذلك يظل المطلوب اليوم إعادة بناء أجندة العمل التحرري والوطني وإنهاء الانقسام لتستعيد المرأة مكانتها وتحافظ على ما حصلت عليه من حقوق وتطالب بالمزيد في جو سياسي واجتماعي يدعمها ويدعم حقوقها كاملة على المستويات كافة.