شهدت الساحة الحوثية السعودية تصعيدًا كبيرًا خلال الساعات الماضية، حيث شنت قوات التحالف الذي تقوده الرياض، أمس الأحد الـ7 من مارس/آذار 2021، عملية عسكرية جوية في العاصمة صنعاء وبعض المناطق الملاصقة لها، ردًا على الطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون باتجاه المملكة.
وكانت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن قد قامت بعملية هجومية واسعة بـ14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية، استهدفت خلالها مواقع اقتصادية وعسكرية سعودية، فيما أشار الناطق العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في بيان له: “العملية استهدفت شركة أرامكو في ميناء رأس التنورة وأهدافًا عسكريةً أخرى بمنطقة الدمام في عملية توازن الردع السادسة”.
وأضاف “كما تم استهداف مواقع عسكرية أخرى في مناطق عسير وجيزان بـ4 طائرات مسيرة نوع قاصف تو كيه و7 صواريخ نوع بدر وكانت الإصابة دقيقة”، مبررًا هذه الخطوة بأنها تأتي في إطار حقهم الطبيعي والمشروع في الرد على تصعيد العدوان (التحالف الداعم للشرعية) وحصاره الشامل على اليمن”، متوعدًا “النظام السعودي بعمليات موجعة ومؤلمة طالما استمر في عدوانه وحصاره على بلدنا”.
وزارة الطاقة السعودية اعترفت بمحاولة استهداف ميناء رأس تنورة والحي السكني في مدينة الظهران، شرق المملكة، وهو أكبر موانئ شحن البترول في العالم، واصفة الهجمات بأنها “اعتداءات تخريبية وانتهاك سافر لجميع القوانين والأعراف الدولية”، داعية دول العالم للوقوف ضد هذه الأعمال التي تستهدف أمن واستقرار إمدادات الطاقة.
الوزارة في بيان لها كشفت عن تعرض مرافق شركة أرامكو السعودية، لهجومٍ بطائرةٍ مُسيرةٍ دون طيار، قادمة من جهة البحر، حيث سقطت شظايا صاروخٍ باليستي بالقرب من الحي السكني التابع للشركة، الذي يسكنه الآلاف من موظفي الشركة وعائلاتهم، من جنسياتٍ مختلفة، منوهة أن العملية لم تسفر عن أي إصابات أو خسائر في الأرواح أو الممتلكات.
استهداف رموز المملكة الاقتصادية وتهديد عمقها الداخلي بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، حتى إن لم يسفر عن خسائر، إلا أنه يحمل الكثير من الرسائل التي تبعث بها إيران، سواء للداخل السعودي أم الخارج الأمريكي، لا سيما أنها تأتي في وقت تسعى فيه طهران لكسب أكبر قدر من النقاط الميدانية قبيل الجلوس إلى مائدة المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015 مرة أخرى، وترميم الشروخات التي أحدثها الرئيس السابق دونالد ترامب بانسحابه الأحادي منه.
#وزارة_الدفاع : محاولة الاعتداء على إحدى ساحات الخزانات البترولية في ميناء رأس تنورة ومرافق شركة أرامكو السعودية بالظهران اعتداء إرهابي جبان استهدف إمدادات وأمن الطاقة العالمي.https://t.co/D2PQWvv05q pic.twitter.com/bKj28JFCvB
— وزارة الدفاع ?? (@modgovksa) March 7, 2021
تصعيد حوثي
لم يكن هجوم الأمس هو الوحيد للحوثيين خلال الأيام الأخيرة، ففي الـ10 من من فبراير/شباط الماضي، شنت الجماعة الحوثية هجومًا على مطار أبها السعودي (جنوب البلاد)، بزعم استهداف “مرابض طائرات حربية”، إذ تسبب في اشتعال طائرة مدنية في المطار.
التصعيد لم يكن على المستوى الخارجي فقط، بل داخليًا أيضًا، ففي الـ9 من الشهر ذاته، أي قبل يوم واحد فقط من استهداف مطار أبها، كان الهجوم على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة المعترف بها دوليًا شرق العاصمة اليمنية صنعاء، أسفر عن سقوط عشرات القتلى من الطرفين.
اللافت للنظر أن التصعيد الحوثي – رغم هدوء الأوضاع منذ عدة أسابيع – جاء بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن وقف الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، ورفع اسم الجماعة من على قوائم الإرهاب، وهو القرار الذي اتخذه ترامب قبيل رحيله بأيام قليلة.
السياسة الجديدة التي اتبعها بايدن في التعامل مع الملف اليمني ذهبت بالبعض إلى ترجيح احتمالية تهدئة الأوضاع في البلد الذي مزقته الحرب لعدة سنوات، لا سيما في ظل ترحيب الأطراف المتنازعة بتلك التحركات الأمريكية الجديدة، لكن التطورات الأخيرة تنذر بعكس ما ذهب إليه المحللون.
الإدارة الأمريكية عبرت عن استيائها من استمرار هجمات الحوثيين ضد أهداف سعودية، وهي التي تعهدت بحمايتها ضد أي اعتداءات خارجية، الأمر الذي يضعها في موقف حرج أمام حلفائها في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يحرك ساكنًا لدى الميليشيات المدعومة إيرانيًا.. ما أثار الكثير من التساؤلات عن دوافع هذا التصعيد في هذا الوقت تحديدًا.
قراءة خاطئة لرسالة بايدن
يذهب فريق من الخبراء إلى أن رسالة أمريكا برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب قرأتها الجماعة بشكل خاطئ، فبدلًا من أن تثنيهم عن التصعيد، إذ بها تشجعهم على استهداف المدنيين، سواء داخل اليمن أم خارجه، وهو ما لم تهدف إليه إدارة بايدن حين اتخذت هذا القرار.
الكاتب السياسي سليمان العقيلي، يرى أن دافع واشنطن من وراء رفع اسم الحوثيين من قوائم الإرهاب، وهو تحسين الحالة الإنسانية، لم ولن يتحقق، لافتًا إلى أن الحوثيين يستخدمون ورقة الحالة الإنسانية من أجل إقرار وضعهم كسلطة أمر واقع في صنعاء، والمحافظات المجاورة.
وأضاف “نعتقد أن رفع الإدارة الأمريكية الجديدة للحوثيين من على قائمة الإرهاب، قد شجعهم لضرب مطار أبها ومدن أخرى، مثل مدينة مأرب كما استهدفوا أحياءً سكنيةً ومخيمات اللاجئين القادمين من صنعاء، الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نازح، جاءوا من محافظات يسيطر عليها الحوثيون، إن سياسة المهادنة التي أعلنتها إدارة بايدن لن تؤدي إلا لمزيد من الحروب في المنطقة”، وذلك خلال حديثه لموقع “الحرة” الأمريكي.
وفي المقابل لا يجد الباحث الأمريكي في شؤون الدفاع والأمن القومي بالجامعة الكاثوليكية بواشنطن، غيلمان بارندولار، أي ربط بين قرار رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب والتصعيد الأخير، قائلًا: “لا أعتقد أن إزالة التصنيف الإرهابي للحوثيين له تأثير ملموس على تحركاتهم التكتيكية، لكن، الإنهاء المعلن للدعم الأمريكي للعمليات الهجومية السعودية، وتجميد بيع الأسلحة أكثر أهميةً”.
وعن إستراتيجية التصعيد الحوثي في الأيام الأخيرة يرى الباحث الأمريكي أن “الحوثيين صعدوا في ساحة المعركة منذ فترة، لم يكن فيها السعوديون قادرين على الدفاع حتى عن أراضيهم وبنيتهم التحتية، بدعم من الولايات المتحدة أو دونها”، وهو نفس الرأي الذي ذهبت إليه الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج بمركز الدفاع عن الديمقراطيات “FDD” بواشنطن، فرشا كودوفايور، التي أشارت إلى أن الحوثيين ليس لديهم حافز يذكر لوقف الهجمات، هذا بخلاف عدم تغير ميزان القوى على أرض المعركة بالشكل الذي يدفعهم لإعادة النظر في سلوكهم العسكري.
ولفتت الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج إلى أن الحوثيين يسيطرون الآن على المزيد من الأراضي مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، هذا بخلاف أن المنطقة التي يسيطرون عليها هي المكان الذي يعيش فيه غالبية اليمنيين، ما يضعهم تحت سيطرة توزيع المساعدات الإنسانية.
وعن التزامن بين هجمات الحوثيين والقرار الأمريكي وما إذا كانت هناك علاقة بينهما، ترى كودوفايور أن العمليات العسكرية الحوثية تعتبر عشوائية، حتى إن تزامنت مع أحداث سياسية، لافتة إلى أن تلك الهجمات “جزء من محاولاتهم المتفرقة، لمواصلة الضغط على التحالف الذي تقوده السعودية”.
تحسين الموقف التفاوضي
تقوم السياسة الإيرانية على نهج الضغط من خلال توظيف أذرعها العسكرية والأمنية والسياسية تحقيقًا لمكاسب محددة في بعض الملفات، وهو ما تكرر سابقًا في العراق ولبنان، واليوم يتكرر في اليمن، فالتصعيد الأخير الذي جاء بضوء أخضر إيراني بلا شك يحمل الكثير من الرسائل.
الرسالة الأولى موجهة بشكل كبير إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث تحاول طهران الضغط عسكريًا في ميدان الحرب اليمنية من أجل تحسين موقفها في التفاوض على الملف النووي، رغم التحذيرات الأمريكية من استمرار التجاوزات العسكرية من كل الأطراف.
السجال الدائر الآن بين طهران وواشنطن بشأن من يلقي بكلمة الافتتاح في مباراة العودة لمائدة المفاوضات، دفع كلا الطرفين إلى ممارسة الضغط لكسب أكبر قدر من النقاط قبيل الجلوس على طاولة التفاوض، فالهرولة الأمريكية لحث الإيرانيين على الدخول في عملية المفاوضات دون شروط مسبقة أغرت نظام الملالي بصورة جعلت البعض يعتقد أنهم من يملون شروطهم على واشنطن.
سياسة المد والجذر التي يتبعها الطرفان، ومعهما الطرف الأوروبي المشارك في الاتفاق والقائم الآن بدور الوساطة لتقريب وجهات النظر بعد تمسك كل طرف بشروطه المسبقة، كان لها دور في لجوء طهران لكسب المزيد من نقاط القوة على الساحة اليمنية من أجل تقوية موقفها، وإن كان ذلك سيتوقف على رد الفعل الأمريكي حيال التصعيد الأخير.
أما الرسالة الثانية فتوجه إلى السعودية وحلفائها، فليس معنى إقرار الإدارة الأمريكية بحمايتها ضد أي اعتداءات أنها باتت بمأمن عن صواريخ وطائرات الحوثيين، وهو ما يحمل نوعًا من الضغط السياسي والأمني ربما يكون عامل ردع للرياض حال تفكيرها في التصعيد مع طهران، من خلال إبرام تحالفات إقليمية مع “إسرائيل” وغيرها، هكذا يفكر الإيرانيون.
في الأخير فإن محدودية الضربة الإيرانية رغم تعدد الأدوات المستخدمة (14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية) يشير إلى أن العملية سياسية أكثر منها عسكرية، وأن الرسائل المراد توصيلها من خلال تلك الهجمات أقوى وأعمق من إيقاع الخسائر في صفوف التحالف، فكيف يتعامل الأمريكان والسعوديون مع تلك الرسائل؟.. هذا ما تكشفه الأيام القادمة.