يلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد استنكار أشكال الاضطهاد التي تتعرض لها المرأة والمطالبة بحقوقها فيما يسمى بالحركة النسوية، وكأي تيار فكري آخر، يختلف تفاعل الناس بين مؤيد لهذه الحركة أو معارض لها يرى في المطالبة بحقوق المرأة مبالغة في تحريرها، ما قد يساهم في تدمير أخلاقيات المجتمع.
قد ينتج هذا النوع الأخير من التفكير كون الحركة النسوية وأهدافها لا تزال من المفاهيم غير الواضحة إلى حد ما عند البعض، فعلى سبيل المثال، هنالك من ينظر لها كحركة هدفها فقط تحريض النساء على كراهية الرجال، أو حتى كمؤامرة عالمية هدفها تحرير المرأة من مسؤولية الأمومة بغرض تفكيك الأسرة وبالتالي المجتمع لتحقيق أهداف مادية، فيما يراها البعض الآخر كحركة تسعى فقط الى مساواة المرأة بالرجل.
مراحل تطور الفكر النسوي وأهدافه
مرّ الفكر النسوي بثلاث مراحل ظهرت أولها في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة بين 1850 إلى 1945 وطالبت تيارات هذه المرحلة بالمساواة القانونية بين الجنسين ومنح المرأة كامل حقوقها كالرجل وأهمها الحق في التصويت.
وفي أواخر الستينيات ظهرت الموجة النسوية الثانية وانتشرت في العالم الغربي وركزت بشكل أولي على مكانة المرأة في العائلة وعلى حياتها الجنسية وعلى حالات تعرضها للعنف الأسري والاغتصاب.
ومن ثم قادت مجموعة من ناشطات الحركة النسوية اللاتي ينتمين إلى أقليات إثنية وثقافية المرحلة الثالثة من مراحل الحركة النسوية وذلك مع بداية الثمانينات، وتمثلت هذه المرحلة بمطالب سياسية وأعمال فنية وأدبية ظهرت بدايةً في الولايات المتحدة ومن ثم امتدت إلى باقي الدول الغربية للتأكيد من جديد على مطالب الموجات النسوية السابقة لكن بشكل أعمق.
يعتبر النسويون والنسويات الحراك الذي أخذ بالظهور مع حلول عام 2012 واتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر – على سبيل المثال – منبرًا للدفاع عن المرأة، كمرحلة رابعة للحركة النسوية خاصة أن هذا الحراك يناقش قضايا الاغتصاب والتحرش والاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء في العمل أو الشارع أو في أماكن الدراسة.
يمكننا تعريف الحركة النسوية على أنها مجموعة من الأفكار الفلسفية والسياسية والاجتماعية التي تهدف إلى تحرير المرأة ومساواة حقوقها وخاصة السياسية والتشريعية والاقتصادية
من خلال الحديث عن أهداف الموجات النسوية المختلفة نستطيع الملاحظة أن غرض الحركة النسوية بشكل عام هو المطالبة بإعطاء المرأة حقوقها بالكامل كالرجل وتعزيز مكانتها في المجتمع وإنهاء الظلم والاضطهاد الواقعين عليها فقط لكونها امرأةً، كما تطالب جميع هذه التيارات بإعطاء المرأة كامل حريتها.
تعريف الحركة النسوية
تعود تسمية الحركة النسوية إلى الكلمة اللاتينية “فيمينا” التي تعني باللغة العربية المرأة، ويمكننا تعريف الحركة النسوية على أنها مجموعة من الأفكار الفلسفية والسياسية والاجتماعية التي تهدف إلى تحرير المرأة ومساواة حقوقها وخاصة السياسية والتشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بحقوق الرجل، وذلك بهدف إنهاء جميع أشكال التمييز بين الرجل والمرأة وأيضًا من أجل تعزيز حقوق المرأة في المجتمع وفي حياتها الخاصة.
أهم التيارات التي ساهمت في تحقيق التغيير بمكانة المرأة منذ ظهور الحركة النسوية
التيار الليبرالي
يسمى هذا التيار أيضًا بتيار المساواة بين الجنسين ويعتبر من أول تيارات الحركة النسوية، ويرى أن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب إحداث إصلاحات جذرية بالمجتمع باستخدام القانون وذلك بإعطاء المرأة نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل إيمانًا بالمرأة كفرد مستقل قادر على إحداث التغيير.
وجاء هذا التيار أيضًا ليفنّد فكرة الاعتقاد بأن المرأة أقل كفاءةً من الرجل بالفطرة التي تبرّر تبعيتها له، إذ يعتبر رواد هذا التيار أن تبعية المرأة للرجل تعود لخلل في تركيبة المجتمع الذي يجب إصلاحه بالقانون، وأيضًا بأن كلًا من المرأة والرجل لديهم نفس القيمة لذلك وجب مساواتهم بالقانون وإعطاء المرأة جميع حقوقها وأهمها الحق بالتصويت والتعليم والاستقلال الاقتصادي، ومن أبرز نسويات هذا التيار البريطانيتان ماري وولستونكرافت وهيلين تايلور.
يؤخد على هذا التيار نظرته الفردية لقضية المرأة دون النظر إلى عوامل أخرى قد تساهم في تحديد مكانة المرأة مثل انتمائها الطبقي أو العرقي على سبيل المثال، ويرى النقاد أيضًا أن هذا التيار لا يضمن تحقيق العدالة بين الجنسين بشكل كامل وذلك لأن القانون وحده غير قادر على إلغاء السلطة الذكورية في السياقات غير الرسمية بل المرور بإصلاحات اجتماعية وثقافية إلى جانب الإصلاحات القانونية لضمان عدالة كاملة بين الجنسين.
تيار الاختلاف
ظهر هذا التيار خلال الموجة الثانية من الحركة النسوية ويؤمن بدوره بوجود اختلافات فطرية بين الرجل والمرأة، ما يفرض وجوب التعامل مع كلٍ منهما على أنهما مختلفان بالأساس، ويطالب تيار الاختلاف بتعزيز مكانة الصفات الأنثوية حتى يكون لها نفس مكانة الصفات الذكورية ذلك لأن اضطهاد المرأة نابع من التقليل من قيمة كفاءاتها الطبيعية.
ما يعني أن هذا التيار لا يعطي أهمية إلى المكانة الاجتماعية، بل إلى الاختلافات الموجودة بين الجنسين وتلك الاختلافات هي من تعطي قيمة لجنس دون الآخر، لذلك يرفع هذا التيارمكانة الأمومة في المجتمع على سبيل المثال كوسيلة لمنح السلطة للمرأة.
ومن نسويات هذا التيار الفيلسوفة البلغارية الفرنسية جوليا كرستيفا والكاتبة الفرنسية البلجيكية لوسي إيريجاري والناشطة الفرنسية أنطوانيت فوك.
من المآخذ على هذا التيار أنه يعزز الاختلافات بين الرجل والمرأة من خلال دعم فكرة وجود هوية أنثوية مختلفة عن الهوية الذكورية، ما يحول دون الوصول للمساواة بين الجنسين.
التيار المتطرف
يسمى هذا التيار أيضًا بالتيار الراديكالي ويعود ظهوره إلى فترة السبعينيات أي أنه من تيارات الموجة الثانية للحركة النسوية، ويرى أن الرجل هو العدو الأول للمرأة.
جاء هذا التيار ليحارب بشكل أساسي البطريركية وهي كلمة مشتقة من اليونانية وتعني السلطة الأبوية، حيث يرى أن السبب الأساسي للاضطهاد الذي تتعرض له المرأة هو تركيبة المجتمع القائمة على السلطة الأبوية التي يتمتع بسببها الرجل بالسيطرة الكاملة، ما يلغي كيان المرأة.
لذلك يرى هذا التيار أن إقامة العدالة بين الرجل والمرأة تقوم بالأساس على هدم نظام السلطة الأبوية وإقامة نظام آخر قائم على المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، ومن أبرز نسويات هذا التيار الكاتبتان الأمريكيتان كيت ميليت أندريا دوركين والكاتبة الأسترالية جيرمين جرير.
التيار الماركسي والتيار الاشتراكي
ظهر كلا التيارين خلال الموجة الثانية من الحركة النسوية، ويرى التيار الماركسي ضرورة إنهاء النظام الرأسمالي والملكية الفردية من أجل التخلص من اضطهاد المرأة والوصول إلى حريتها، أي أن هذا التيار يرى أن النظام الاقتصادي الرأسمالي هو العدو الأول للمرأة.
النسوية الاشتراكية نظرية متداخلة بين التيار النسوي الاشتراكي والتيار النسوي المتطرف، فترى أن اضطهاد المرأة قائم على كلٍ من النظام الرأسمالي ونظام السلطة الأبوي
حيث يقسم النظام الرأسمالي العمل بناءً على الجنس وإعطاء الرجل الوظائف القائمة على الإنتاج الاجتماعي والعمل مدفوع الأجر، بينما تتولى المرأة الأعمال المنزلية والمادية غير المدفوعة والبعيدة أيضًا عن الإنتاج الاجتماعي، ويرى الاشتراكيون كذلك الزواج في ظل الرأسمالية كوسيلة لقمع المرأة، حيث يتزوج الرجل للحفاظ على ممتلكاته وضمان بقاء الميراث داخل العائلة مجبرًا المرأة على العمل المنزلي غير المدفوع، ما يبقيها تحت سلطته ويقلل مكانتها الاجتماعية.
ومن أبرز الشخصيات النسوية الماركسية الروسية ألكسندرا كولونتاي والأمريكية أنجيلا ديفيس.
أما النسوية الاشتراكية فهي نظرية متداخلة بين التيار النسوي الاشتراكي والتيار النسوي المتطرف، فترى أن اضطهاد المرأة قائم على كلٍ من النظام الرأسمالي ونظام السلطة الأبوي، وبالتالي للوصول إلى تحرير المرأة يجب أن يكون هناك اتحاد بين العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الجنسين، وقد تبنى هذا التيار عدد كبير من الناشطات النسويات منهن الأمريكية الإيطالية سيلفيا فيديرتشي والبريطانية أنجيلا إيغل.
تيار نسوية ما بعد الاستعمار
ظهر هذا التيار خلال الموجة الثالثة من الحركة النسوية كوسيلة للاحتجاج على تركيز الحركة على تجارب النساء الغربيات دونًا عن غيرهن، ما أدى بدوره إلى تمثيل النساء غير المنتميات لهذه الثقافات بشكلٍ خاطئ.
وتعود تسمية هذا التيار إلى مفهوم نظرية ما بعد الاستعمار التي تدرس تأثير الاستعمار على ثقافة الشعوب المُستَعمَرة وبالتالي نستطيع الفهم أن نسوية ما بعد الاستعمار تسعى إلى توضيح الكيفية التي قد تؤثر بها العنصرية والنتائج السياسية والاقتصادية والثقافية طويلة الأمد للاستعمار على النساء وكذلك على النشاط النسوي.
ومن نسويات هذا التيار الأمريكية من أصول هندية تشاندرا تالباد موهانتي التي تحدثت عن تهميش الحركة النسوية لهوية نساء العالم الثالث وذلك عن طريق إظهارهن فقط بدور ضحية مجتمع السلطة الأبوية دون الرجوع إلى الخلفية الثقافية والتاريخية لهذه النساء.
تيارات الحركة النسوية ليست محصورة في التيارات التي ذُكرت في المقال، فقد ظهرت تيارات نسوية مؤخرًا كالتيار النسوي الإسلامي والتيار النسوي البيئي
ويؤخذ على نسوية ما بعد الاستعمار أنها تضعف الحركة النسوية وذلك بتقسيمها إلى عدّة قضايا في آن واحد.
تيار النظرية التقاطعية
يرى هذا التيار وجوب الأخد بعين الاعتبار إمكانية تداخل مجموعة من أشكال الاضطهاد التي قد تعاني منها المرأة في آن واحد لضرورة فهم حالتها، فقد يؤدي تعدد أشكال الاضطهاد إلى تشكيل ضغوطٍ كبيرةٍ على الأشخاص، فلو نظرنا على سبيل المثال إلى امرأة ذات بشرة سوداء في مجتمع أبيض أو فقيرة في مجتمع استهلاكي أو مسلمة في مجتمع لا ديني أو كلها مجتمعة في نفس الوقت لرأينا أنها تعاني من العديد من العقبات في حياتها.
وعلى النقيض فإن المرأة التي لا تواجه هذا النوع من القيود المذكورة تتمتع بمزايا في المجتمع، ما يعزز مكانتها ويشكل مصدر قوة لها، ومن هنا نرى أن هذه الفروقات تخلق نوعًا من عدم المساواة بين النساء أنفسهن.
ومن أجل تحقيق الحرية لجميع النساء يجب الأخذ بعين الاعتبار الأشكال المتعددة للاضطهاد التي تتعرض لها البعض والمزايا التي تتمتع بها البعض الآخر بالمقابل وذلك للاهتمام بالنساء الأكثر تهميشًا.
تعد أستاذة القانون الأمريكية كيمبرلي ويليامز كرينشو من أبرز ناشطات هذا التيار النسوي، فكانت أول من نشر عن النظرية التقاطعية عام 1989 ثم طورت عالمة الاجتماع الفرنسية كريستين ديلفي النظرية من خلال أبحاثها ودعت كلتاهما إلى التضامن بين جميع النساء من أجل تحقيق العدالة والحرية للجميع.
من الجدير بالذكر أن تيارات الحركة النسوية ليست محصورة على التيارات التي ذُكرت في المقال فقد ظهرت تيارات نسوية مؤخرًا كالتيار النسوي الإسلامي والتيار النسوي البيئي على سبيل المثال، فالحركة النسوية تتطور كذلك بشكل مستمر لتتناسب مع مكانة ووضع النساء في ظروف معينة.
يجب النظر إلى الحركة كمجموعة أفكار ونظريات متراكمة جاءت لتحسين ظروف النساء تشريعيًا واجتماعيًا وما زالت تسعى لتحسين ظروف الكثير من النساء التي تعاني من أنواع مختلفة من الاضطهاد في بقاع مختلفة من العالم إيمانًا بأن القضية النسوية قضية النساء جميعًا.