يحتفل العالم سنويًا في الثامن من مارس/آذار، بيوم المرأة العالمي، الذي جاء تقديرًا لكفاحها ودورها في دعم مسيرة التنمية المجتمعية، ويشكل مناسبة شبه دورية للمطالبة بتعزيز حقوق النساء في مواجهة التمييز وغياب المساواة في العديد من المجتمعات التي تقبع – في الغالب- تحت قبضة أنظمة حكم ديكتاتورية.
وتعكس أحوال المرأة في بلدانها، ملامح العقلية التي تسيطر على المنظومة الثقافية والفكرية والسياسية في تلك المجتمعات، وهو ما يمكن قراءته في واقع النساء العربيّات الذي يشكل بصورة كبيرة حجم ما تعانيه مجتمعاتهن في مجملها من استبداد واضطهاد.
ومن أكثر النماذج الصارخة وأحدثها على الارتباط الجدلي بين الاستبداد والإساءة لحقوق المرأة، قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش هذه الأيام في مصر، والذي يتعرض لانتقادات جمًة، وصلت إلى اتهام نشطاء حقوقيين له بأنه يعيد المرأة المصرية 200 عام للوراء.
يذكر أن أول مبادرة لتخصيص يوم من أجل قضايا المرأة تعود إلى عام 1909، بقيادة الحزب الاشتراكي الأمريكي، لكن إقرار يوم عالمي للمرأة بصورة رسمية تم خلال المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات في أغسطس 1910 في كوبنهاجن، لكن من دون تحديد تاريخ محدد لذلك.
جدل في الشارع المصري
أثار القانون المكون من 45 صفحة حالة من الجدل داخل الشارع المصري بعد نشر وسائل إعلام محلية تسريبات عن بعض بنوده، لاسيما المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق والميراث، وهي الملفات التي تمس الأسرة المصرية بشكل مباشر، وتثير الكثير من اللغط وتباين الأراء في معركة المدنية والدين.
مشروع القانون قدمته الحكومة إلى مجلس النواب “البرلمان” لمناقشة ما جاء فيه من تعديلات، فيما اعترضت منظمات نسوية وحقوقية عليه بصورة أولية، بدعوى أنه لم يلتزم بالاتفاقيات الدولية في مجال حقوق المرأة، كما أنه استبعد منظمات المجتمع المدني من المشاركة فيه أو صياغته، وهو ما أثار غضبها.
شهد المجتمع المصري جدلا واسعا بعد تناول وسائل إعلام محلية مسودة مشروع جديد للأحوال الشخصية مقدم من الحكومة إلى مجلس النواب، يتضمن عددا من المواد الخاصة بأحكام الزواج والطلاق، وهي قضية تمس الأسر المصرية بشكل مباشر.
مصادر حكومية بررت تقديمها لهذا المشروع للبرلمان بأنها وجدت نفسها مضطرة لذلك بعدم عدم تقديم المجلس القومي للمرأة بأي مشروع مشابه رغم النداءات المتتالية، كما أن القانون المقدم من الأزهر عليه الكثير من علامات الاستفهام، ما دفع الحكومة للقيام بذلك بنفسها، وفق المصادر.
الكثيرون يشيرون إلى احتمالية رفض المشروع برلمانيًا، خاصة بعد معارضة غالبية النواب له بزعم أن مايزيد عن 37 مادة فيه مخالفة للدستور، وهو الأمر الذي يرجح اتخاذ موقف شبه إجماعي من الأغلبية بإعادته مرة أخرى للحكومة لدراسته وإحداث حالة من الحوار المجتمعي، والاستعانة بالمنظمات النسوية وكيانات المجتمع المدني.
تعصف التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية بمكاسب نضال امتد100 عاما للحركة النسوية المصرية،رغم إعداده في عهد نظام سياسي يدعي الدفاع عن حقوق النساء، وحكومات تضم عدد أكثر من الوزيرات وبرلمان ديكوري بعدد أكبر من النساء، ويزعم حرصه على تجديد الخطاب الديني! https://t.co/yupZBYsvxj
— Bahey eldin Hassan (@BaheyHassan) March 4, 2021
إيجابيات وسلبيات
يتضمن القانون بحسب النشطاء النسويات على العديد من المواد الإيجابية إلا أن في معظمه يهمل حق المرأة في كثير من بنوده، على رأسها المادة السادسة التي رغم أنها تعطي المرأة حق تزويج نفسها إلا أنه صادر هذا الحق في ذات الوقت حين أعطى ولي أمرها حق الطعن بعقد الزواج وبالتالي لا يعترف المشروع بحق النساء في اختيار الزوج.
كذلك المادة “89” والتي تمنع سفر الأم دون إذن الأب، وهو ما اعتبره البعض تمييزا واضحًا بين المرأة والرجل، خاصة وان القانون لم يضع قيودا على الأب في حال كان الطفل معه أو باستضافته، أما المادة “103” فتعطي الولاية للأب ثم الجد فيما يتعلق بالولاية على مال القاصر، دون ذكر الأم مطلقًا.
أما في الناحية الأخرى فهناك مواد إيجابية منها جعل الأب في المرتبة الرابعة بدلا من السادسة عشر في ترتيب الحاضنين للأطفال، هذا بجانب المادة المثيرة للجدل والخاصة بفرض غرامة 50 ألف جنيهًا على الزوج أو السجن حال زواجه الثاني دون إعلام الزوجة الأولى، وهي المادة التي تعتبرها الحقوقيات انتصارًا لحق المرأة.
التعديلات تشمل كذلك الإلزام بوجود ملحق لوثيقة الزواج أو الطلاق تتضمن حقوق والتزامات الطرفين وقت الزواج أو الطلاق تتضمن المسائل المتعلقة بالنفقة أو الأجور المستحقة للمرأة من الرجل عن الرضاعة والحضانة، إلى جانب المسائل المتعلقة بالرؤية والاستضافة للأطفال عند الطلاق، وهي المسائل التي كثيرًا ما أثارت الخلافات داخل المجتمع وفي أروقة المحاكم طيلة السنوات الماضية.
زعيم الأغلبية: 37 مادة بمشروع قانون الأحوال الشخصية بها شبهة عدم دستورية https://t.co/sEbLQQighR
— صدى البلد (@baladtv) March 2, 2021
خيبة أمل
العديد من المهتمين بالشأن النسوي يرون في القانون الجديد “خيبة أمل” كونه لا يلبي – من وجهة نظرهم – أحلام وطموحات المرأة المصرية، بخلاف أنه يعيدها إلى الوراء لما يزيد عن مائة عام، في ظل سلب حزمة من المكتسبات التي حصلت عليها مؤخرًا لصالح الرجل.
مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، المحامية جواهر الطاهر، ترى أن “مشروع القانون ينهي عمليًا الأهلية القانونية للمرأة، فبرغم من إنه أعطى المرأة حق تزويج نفسها، ولكن في نفس الوقت صادر هذا الحق وأعطى ولي أمرها حق الطعن بعقد الزواج وبالتالي لا يعترف المشروع بحق النساء في اختيار الزوج” فيما وصفته الناشطة عزة سليمان، بأنه “مخيب للآمال، وكأن روح المشرع لا تزال كما هي منذ مئة عام”، بحسب تصريحاتهم لـموقع “الحرة“.
سليمان شددت على أن القانون المقترح “يعتبر النساء ناقصات عقل ودين، وبأنهن غير أهل ودون مرتبة الرجل، وخير دليل على ذلك حق الولي بفسخ عقد الزواج إذا رأى أن الرجل الذي اختارته غير كفوء، ومن حالات الكفاءة هي دفع المهر، وكأن المرأة سلعة” لافتة إلى أنه “يجب أن يكون القانون للأسرة بكامل أفرادها وليس فقط للنساء أو الرجال مع مراعاة مصلحة الأطفال التي يجب عدم ترجيحها على حق الأم كما بات معتادًا منذ سنوات طويلة”.
حقوقيون أخرون ذهبوا إلى أن تجاهل مشروع القانون المقدم للبرلمان لأبناء الطائفة المسيحية، رغم معاناتهم في مسائل الأحوال الشخصية لغياب القانون الموحد لديهم، نقطة سلبية تؤخذ على التعديلات المقدمة، وتتطلب العودة للدراسة والنقاش مرة أخرى.
المرأة المصرية.. واقع مذري
تعاني المرأة المصرية من واقع متدني على كافة المجالات، فبعيدًا عن حقوقها المهدرة في مسائل الأحوال الشخصية، فهي تعاني من انتهاكات صارخة تصل إلى درجة “جرائم ضد الإنسانية” سواء داخل السجون والمعتقلات أو خارجها، الأمر الذي وضعها في مؤخرة نساء العالم من حيث الحريات والحقوق.
منظمة “كوميتي فور جستس” في تقرير صادر عنها تزامنًا مع إحياء اليوم العالمي للمراة العام الماضي، كشفت أن السلطات المصرية تتفنن في إلحاق الضرر بالمرأة، مستعينة في ذلك بشتى أنواع التنكيل، لافتة إلى أنه خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني، إلى سبتمبر/ أيلول 2020، رصدت 443 انتهاك مختلف، تم بحق 154 امرأة، من خلال مشروع مراقبة أماكن الاحتجاز في مصر.
كما رصدت” 150 حالة احتجاز ذو ظروف سيئة (غير مناسبة)، تمت بحق نساء معتقلات، واحتل شهر يناير/ كانون الثاني 2020 الصدارة بعدد 55 سيدة، يليه شهر مارس/ أذار بعدد حالات بلغ 52 سيدة”، هذا بخلاف رصد “حرمان 145 سيدة من الحرية خلال الفترة ذاتها، حيث تم اعتقالهن تعسفيًا في قضايا مختلفة، 45 منهن في شهر يناير/ كانون الثاني فقط، كذلك تم رصد عدد 37 حالة تعذيب وقعت بحق سيدات داخل مقار الاحتجاز، 36 حالة وقعت في شهر يناير أيضًا، والذي شهد أكبر قدر من الانتهاكات بحق النساء في مصر خلال العام الماضي”.
وتحت عنوان “القصة لم تنته.. كشوف العذرية.. جريمة فتحت الباب لانتهاكات متواصلة بحق المرأة المصرية” أصدرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تقريرا عن الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة المصرية خلال عقد كامل، بداية من جريمة “كشوف العذرية”، التي ارتكبها قادة وضباط وجنود القوات المسلحة المصرية، بحق 17 فتاة مصرية بميدان التحرير إبان ثورة يناير 2011 وحتى 2021.
التقرير اعتبر أن ماحدث للمرأة خلال تلك الفترة يعد وصمة عار في جبين النظام العسكري الذي كان يدير البلاد، سواء أيام ثورة يناير وحتى واليوم، وأن الانتهاكات التي تعرضت لها المصريات لم تشهدها البلاد بتاريخها المعاصر، لافتًا إلى أن “منظمات حقوقية مصرية ودولية وثقت آلاف الانتهاكات بحق المرأة المصرية على مدار 10 سنوات، شملت القتل والاختفاء القسري، والاعتقال، وأحالت المئات منهن للمحاكم المدنية والعسكرية، والحكم على العشرات منهن بالسجن والإعدام والضرب، والسحل، والتحرش الجنسى، وغيرها من الانتهاكات”.
وفي المحصلة فإن معاناة المرأة المصرية تفوق في كارثيتها وآلامها الكثير من المجتمعات التي يشار لها بالبنان في هذا المجال، فهي تقع – خارج السجن- بين مطرقة قوانين تجهض حقوقها المدنية والدستورية والاجتماعية، وسندان انتهاكات وتعذيب مستمر داخل السجون والمعتقلات.