عام 2011 عرضت شبكة نيتفليكس مسلسلًا بريطانيًا يدعى Black Mirror تدور أحداثه حول المستقبل المخيف للتكنولوجيا وتم الترويج للمسلسل على أنه نوع من الخيال العلمي.
في إحدى حلقات المسلسل تتواصل البطلة مع زوجها المتوفي من خلال روبوت يجسد شخصيته ويتحدث بأسلوبه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي جمعت بيانات الزوج المتوفي من منصات التواصل الاجتماعي.
لكن يبدو أن ما كان خيالًا علميًا في 2011، صار حقيقةً واقعةً في 2021، إذ طرحت شركة مايكروسوفت روبوتًا مخصصًا للدردشة “chatbot” يجري دردشةً عوضًا عن المتوفين.
روبوت مايكروسوفت الذي يعد تجسيدًا لبراءة اختراع تقدمت به مايكروسوفت عام 2017، يحيي الموتى رقميًا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، ويجعل من الممكن إجراء محادثة افتراضية مع شخص حي أو ميت، مثل صديق أو قريب أو أحد المشاهير أو شخصية خيالية او شخصية تاريخية.
فكرة عمل روبوتات الدردشة مع الأموات وأين يتم استخدامها؟
كل شخص منا يستخدم الإنترنت بصورة عامة وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص، يترك أثرًا رقميًا عنه من الصور إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل والبيانات الصوتية والرسائل المكتوبة.
تنتقي أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهذه الروبوتات بيانات الشخص المطلوب إعادة إحيائه (رقميًا)، وتستخدم هذه البيانات لتدريب الروبوتات على التحدث والتفاعل كما تفعل الشخصية المطلوبة، كما يمكن أن يعتمد الروبوت أيضًا على مصادر البيانات الخارجية، في حالة طرح المستخدم سؤالًا على الروبوت لا يمكن الإجابة عنه بناءً على البيانات الاجتماعية للشخص.
لا يقتصر استخدام هذه التكنولوجيا على الموتى وإن تم استخدامها مع الموتى في البدء، لكن يمكن كذلك استخدامها مع أي شخص، سواء كان من المشاهير أم الأقارب الأحياء أم الشخصيات الخيالية
كذلك يتم تدريب الروبوتات على استخدام سمات المحادثة للشخص بعينه مثل الأسلوب والإلقاء والنبرة والصوت والنية وطول الجملة والموضوع والاتساق، بالإضافة إلى استخدام السمات السلوكية للأشخاص مثل الاهتمامات والآراء والمعلومات الديموغرافية مثل العمر والجنس والمهنة، ما يجعل المحادثة تبدو واقعية.
لا يقتصر استخدام هذه التكنولوجيا على الموتى – وإن تم استخدامها مع الموتى في البدء – لكن يمكن كذلك استخدامها مع أي شخص، سواء كان ذلك من المشاهير أم الأقارب الأحياء أم الشخصيات الخيالية، طالما أن البرنامج لديه حق الوصول إلى المعلومات التي أنشأها هذا الشخص.
أشكال روبوتات الدردشة واستخداماتها
روبوتات الدردشة أو الروبوتات النصية والصوتية الآلية، موجودة منذ سنوات، معظمها للإجابة عن أسئلة عامة عبر الهاتف أو على موقع ويب، لكنها تزداد ذكاءً مع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
مؤخرًا ضمنت Microsoft إمكانية استخدام صورة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد للاشخاص، ما يحول هذا إلى محادثة أقرب إلى الحياة.
هناك صور ثلاثية الأبعاد لموسيقيين مشهورين متوفين مثل مايكل جاكسون وويتني هيوستن التي تحقق بالفعل أرباحًا ضخمة لشركات التكنولوجيا بسبب حنين المشجعين وفضولهم بفكرة رؤية فنان عائد من القبر.
قد يكون المكان التالي المتوقع استخدام مثل هذه الروبوتات هو الفصل الدراسي، إذا تم إحضار الشخصيات التاريخية إلى الحياة لإلقاء خطاب أو قيادة محاضرة.
مايكروسوفت ليست الشركة الوحيدة التي أبدت اهتمامًا بـ”البعث الرقمي”، إذ أعلنت شركة Eternime المختصة بالذكاء الاصطناعي بناء روبوت محادثة مزود بتقنية الذكاء الاصطناعي يجمع المعلومات بما في ذلك تحديد الموقع الجغرافي والحركة والنشاط والصور وبيانات Facebook ما يتيح للمستخدمين إنشاء صورة رمزية لأنفسهم بعد وفاتهم.
قد تكون مسألة وقت فقط حتى تتاح للعائلات خيار إعادة إحياء الأقارب المتوفين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تقنيات Eternime.
هل يوجد قانون يسمح باستخدام بيانات المتوفين؟
يتم التحكم في بياناتنا في الغالب بواسطة منصات خاصة على الإنترنت مثل Facebook وGoogle ويعتمد هذا التحكم على شروط الخدمة التي نشترك فيها عندما ننشئ ملفات تعريف على هذه الأنظمة الأساسية.
هذه الشروط تحمي بشدة خصوصية الموتى، لكنها لا تتيح للورثة غلق الحساب نهائيًا أو حذف البيانات.
في المستقبل، قد تُقدم الشركات الخاصة لأفراد العائلة خيارًا مؤلمًا وهو: التخلي عن أحبائك حتى ما بعد الموت، أو الدفع بدلاً من ذلك لإحيائه رقميًا.
قد يكون برنامج الدردشة الآلي الخاص بـMicrosoft مزعجًا للغاية في الوقت الحاليّ، لكنه مثال على ما سيحدث في المستقبل.
القوانين الوطنية غير موجودة بشأن استخدام بياناتك بعد وفاتك، في الاتحاد الأوروبي مثلًا، يحمي قانون خصوصية البيانات حقوق الأحياء فقط
بينما لا نزال على قيد الحياة، تمثل روبوتات المحادثة شكلًا مغريًا من أشكال الراحة وطريقة لإزالة العبء المعرفي لدينا لمساعد يُدير علاقاتنا، تكمن المشكلة في أن علاقاتنا عبر الإنترنت هي علاقات شخصية، لذا نحن لا نتمتع بالخصوصية في أي من منشوراتنا عبر الوسائط الاجتماعية ومكالماتنا على الإنترنت وهي عرضة للسرقة بعد وفاتنا.
القوانين الوطنية غير موجودة بشأن استخدام بياناتك بعد وفاتك، ففي الاتحاد الأوروبي مثلًا، يحمي قانون خصوصية البيانات حقوق الأحياء فقط، وهذا يترك مجالًا للدول الأعضاء لتقرير كيفية حماية بيانات الموتى، فأصدرت بعض الدول مثل إستونيا وفرنسا وإيطاليا ولاتفيا، تشريعات بشأن بيانات ما بعد الوفاة.
تتمثل إحدى الطرق لتحسين تشريعات بيانات ما بعد الوفاة في اتباع مثال التبرع بالأعضاء، لأنه يتعامل مع أعضاء الموتى على أنها متبرع بها ما لم يحدد ذلك الشخص غير ذلك عندما كان على قيد الحياة.
قال إيدينا هاربينيا، المحاضر الأول في قانون الإعلام بجامعة أستون في المملكة المتحدة: “يمكن أن يساعدنا هذا النموذج في احترام خصوصية الموتى ورغبات ورثتهم، كل ذلك مع مراعاة الفوائد التي يمكن أن تنشأ من البيانات المتبرع بها، إن المتبرعين بالبيانات يمكن أن يساعدوا في إنقاذ الأرواح مثلما يفعل المتبرعون بالأعضاء”.
سنحتاج إلى قوانين جديدة تحكم خصوصية بيانات الموتى لأن القوانين الحاليّة تحمي حقوق الأحياء فقط.
وقال سكوت شيفر، كبير مسؤولي أمن المعلومات في شركة Blade Technologies: “الشخص الذي لديه بصمة رقمية أكبر سيكوّن الروبوت محادثة أفضل، وقد وصف أحد الباحثين روبوتات المحادثة بأنها ظل الشخص”.