يوم أمسك الرئيس قيس سعيد بمقاليد الرئاسة أعلنت الفاشية أنها لن تلتقيه، فهو عندها قادم من الثورة التي ليست أكثر من مؤامرة عبرية على بن علي ونظامه، ولاحقًا طلبت مقابلة الرئيس فرفض لقاءها دون إفصاح عن السبب وفهمنا حينها أنها قطيعة الرجل الديمقراطي مع الفاشية.
وعندما كانت تعربد في البرلمان محاولة مس السلامة الجسدية لرئيسه لم يسمح الرئيس بتدخل الأمن الرئاسي داخل القاعة لحماية رئيس البرلمان وحسبناها على الديمقراطية، لكن والفاشية تقتحم مقر جمعية قانونية تعمل في التراب الوطني بكفاءات تونسية وطبقًا للقانون التونسي غطى الأمن الرئاسي الاقتحام وحماه ولم يسمح لمن بالمكتب وأنصارهم أن يمنعوا الاقتحام، وأفقنا على وجه آخر للخديعة.
الفاشيست القدامى والجدد
هناك تحالف فاشٍ يعلن عن نفسه ضد الديمقراطية بين شقوق فاشية أضفنا إليها البارحة الرئيس وفريقه، وكنا قد حددنا سابقًا كل من انحاز إلى الفاشية وحماها في البرلمان ووقع على عرائضها وسار في مشروعها اليتيم ترذيل الثورة التونسية ومنتجاتها مثل البرلمان وعمله التشريعي والرمزي.
لقد تحدث الفاشيست البارحة حديث التحالف وأسفروا عن وجوههم بلا حياء، فإذا نحن أمام نفس الفريق الذي التف حول بن علي سنة 1990 وخاض معه حرب استئصال الإسلاميين.
هذه التكوينات السياسية لم تتغير في الجوهر، غيرت أسماءها وعناوينها السياسية وتحايلت على الثورة والمسار الديمقراطي لتعود من أبواب خلفية وتجر البلد إلى نفس المعركة التي أخسرته ربع قرن.
نكتب كل يوم أن نهاية هذه المعركة هي بداية التأسيس الديمقراطي الحقيقي ويبدو أنهم يقرأون لنا ويصدقوننا، لذلك يمنعون هذا الاحتمال لأنهم يعرفون أن بداية الديمقراطية هي نهايتهم، فمن لم يبلور فكرة جيدة أو خطة حكم طيلة وجوده السياسي (نصف قرن) ولم يمر بخلده إلا أن يقتل خصومه ويمنعهم من الحياة لا يمكنه أن يعيش داخل الديمقراطية أو أن يقدر فوائدها له ولغيره.
نحن إذن نجر من جديد إلى نفس المعركة، لكن هذه المرة أعدنا اكتشاف الوجه الآخر من خديعتنا في الرئيس المنتخب ديمقراطيًا ونراه يكشف عن وجهه الاستئصالي.
الخطة واضحة وسخيفة دومًا
لا عبقرية في الخطة، هي فقط جر الإسلاميين وحزب النهضة بالتخصيص إلى معركة عنف ليقوم الخطاب/العمل بعد ذلك على توريط لإسلاميين أعداء الديمقراطية المتربصين بها وطبعًا نعرف في تونس ومنذ الثورة من يمسك بشكيمة الإعلاميين ويوسوس لهم.
العجز عن إثبات تهمة الاغتيال السياسي والعجز عن إثبات التسفير وإدانة شهود الزور في قضية أخرى ملفقة بالقتل كلها صبت في صالح حزب النهضة
لقد صدرت أحكام قضائية برأت حزب النهضة من تهم تسفير الشباب إلى بؤر الإرهاب في سوريا خاصة وهي رواية كاذبة عاش بها الإعلام عشر سنوات (منذ انطلاق الثورة السورية) وقد ألف الفاشيست من حزب النداء والشبيحة لجان التحقيق في البرلمان ودفعوا ملفات إلى القضاء، وبعد سنوات من التداول صدرت أحكام، فوجدنا أن من يتهم النهضة بالتسفير مورطون في التسفير وقبضوا عمولتهم.
هذه البراءة أثارت جنون الفاشية فهاجمت مقر الاتحاد العام للعلماء المسلمين لأنها رأت أن براءة الإسلاميين من العنف ستظهر ساطعة ولا يمكن بعدها إعادة النقاش إلى هذه النقطة، أي سيفرض الأمر اختراع تهمة أخرى تستوجب خيالًا خلاقًا ومن أين للفاشية بالخيال الخلاق.
العجز عن إثبات تهمة الاغتيال السياسي والعجز عن إثبات التسفير وإدانة شهود الزور في قضية أخرى ملفقة بالقتل كلها صبت في صالح حزب النهضة بحيث يوشك أن يدخل الانتخابات بخطاب براءته من كل سوء لذلك وجب جره من جديد إلى العنف.
لم تفلح الفاشية في توريط نواب الحزب في العنف داخل البرلمان رغم تهجمها الشخصي على رئيسهم، فنقلت المعركة إلى الشارع حيت تتوقع وجود انفلات من شباب الحزب، فلم تظفر به في انتظار معركة أخرى.
السؤال الآن: لماذا انضم الرئيس إلى الفاشية وحماها؟ وهو الذي غنم تصويت الإسلاميين في الانتخابات وقد كان بإمكانه أن يصرح بعدم حاجته إلى أصواتهم.
نفس المنطق الفاشي، أصوات الإسلاميين حلوة في الصندوق لكن التعامل معهم كطرف سياسي ذي حقوق ممنوع، يصبح السؤال هل كان الرئيس خارج الحلف الفاشي قبل أن يصير رئيسًا؟ يبدو أنها خصلة أخرى نكتشفها بعد أن خبرنا لغته وشجاعته وطبيعة جملته (حول الخيانة العظمى)، لكن ماذا يكون مستقبل الفاشية في تونس؟
تقديرنا أن صبر الإسلاميين يدفع الفاشية إلى الجنون، صحيح أنهم يظهرون بمظهر الجبناء الهاربين لكن بين الصبر والتورط في العنف تبدو مكاسبهم الحزبية أفضل، لكن ما وضعنا نحن الذين ننتظر بناء الديمقراطية.
جر الإسلاميين إلى العنف ليس معركة الإسلاميين وحدهم، لقد خاضوها يومًا وحدهم فخسر البلد ربع قرن، واستدامتها هو جر البلد إلى معركة بن علي ويساره الفاشي والآن ينضم الرئيس إلى الحفل، حفل منع البلد من التقدم وفرض الأجندات الاستئصالية عليه.
الحريات والديمقراطية ليست مغنمًا للإسلاميين وحدهم بل هي لمن يؤمن بها مهما كان انتماؤه لذلك وجب الدفاع عنها وليس بالضرورة أن يكون ذلك بجنب الإسلاميين بل بالتوازي معهم
إن انتظارنا أن يحسم الإسلاميون المعركة لندخل نحن على ساحة بلا فاشية يتحول إلى خيانة لا تختلف كثيرًا عن (اذهب أنت وربك فقاتلا)، المعركة ضد الفاشية هي معركة من أجل الديمقراطية لذلك فهي ليست معركة الإسلاميين وحدهم أو معركتهم قبل غيرهم، فهم بعض مكونات المشهد وإن كانوا الهدف الأول، لكننا نتذكر أنه لما استهدفهم بن علي في التسعينيات كان يمهد للقضاء على الديمقراطية وقد فعل ومن لم يحفظ ذلك الدرس يقف الآن مع الفاشية.
إن الحريات والديمقراطية ليست مغنمًا للإسلاميين وحدهم بل هي لمن يؤمن بها مهما كان انتماؤه لذلك وجب الدفاع عنها وليس بالضرورة أن يكون ذلك بجانب الإسلاميين، بل بالتوازي معهم، لذلك ندعو الذين يؤمنون بالديمقراطية أن يبرزوا للفاشية، فقد ركضت في الساحة وحدها طويلًا وقد آن الأوان للجم هذا الجموح الفاشي وإن كان معه الرئيس الذي لم يصدقنا في أي كلمة قالها منذ ظهر في السوق.