بضعة آلاف من اليهود ما زالوا يعيشون في المغرب، لأن سيل هجرتهم لم ينقطع بعد النزوح الكبير نحو “إسرائيل”، إذ يفضل الجيل الشاب من أبناء الطائفة اليهودية المتبقية بالمغرب الهجرة إلى بلدان غربية أخرى عوض الاستقرار في الوطن حيث ولدوا.
مع بداية عهد الملك محمد السادس الذي تولى العرش منذ العام 1999، يبدو أن اليهود فقدوا نفوذهم السياسي والاقتصادي في المغرب، نظرًا لتراجع وجودهم بشكل حاد خلال العقود الماضية، حيث هاجر كثير منهم إلى “إسرائيل” فيما فضل بعضهم الاستقرار في فرنسا، وهاجرت فئة إلى كندا وأمريكا وأخرى أقل إلى إسبانيا.
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عددهم الحاليّ في المغرب، لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 2000 و2500، يتمركزون في مدينة الدار البيضاء، وأغلبهم شيوخ ورجال أعمال وبعض الشباب.
المستشار النابغة
في أوساط صناع القرار يسطع اسم آندريه أزولاي، هذا اليهودي النابغة الذي تحول من صحفي معارض، يرأس تحرير جريدة “ماروك أنفورماسيون” إلى مستشار اقتصادي في الديوان الملكي، له الكلمة المسموعة في القرارات الاقتصادية للمغرب.
وُجِهت اتهامات للمغربي اليهودي الوحيد في المربع الذهبي للحكم في بلاده منذ أربعة عقود، بأنه “متعاون صهيوني”، وفقًا لتقرير صدر عام 2013 عن المرصد المغربي لمناهضة التطبيع (منظمة غير حكومية)، حيث كشف قائمة بأسماء أشخاص ومؤسسات يتهمهم المرصد بالتعاون مع الدولة العبرية، واصفًا إياهم بـ”رموز الاختراق الصهيوني بالمغرب”، ومن بين الأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم، نجد أندريه آزولاي، بالإضافة إلى رجل الأعمال غابرييل بانون، العقيد الأسبق بجيش الكيان الصهيوني من أصل مغربي والمقيم حاليًّا بمدينة الدار البيضاء.
كما وصفه الكاتب الفرنسي المغربي جاكوب كوهين بـ”المتعاون مع الموساد”، حيث قال إنه “عراب سياسة الحوار بين المغرب و”إسرائيل”، التي لم تفض إلا إلى إضفاء الشرعية على استحواذ الصهاينة على كل فلسطين”، على حد تعبير المثقف اليهودي المناهض للحركة الصهيونية، الذي صدرت له رواية سياسية بفرنسا عام 2010 تحت عنوان “ربيع السايانيم”.
يعرف الكاتب السايانيم (مفردها السايان) بأنهم “يهود من الشتات يقبلون بدافع الوطنية التعاون ظرفيًا مع الموساد أو غيره من المؤسسات الصهيونية عن طريق تقديم العون الضروري في مجال تخصصهم”، ويشير إلى أن الموساد أنشأ هذه الشبكة في خمسينيات القرن الماضي واستخدمها في عمليات استخبارية ودعائية عديدة، وفقًا لكوهين الذي اعتنق الفكر الصهيوني في شبابه قبل أن يدير له ظهره وينضم لمنظمة يهودية فرنسية تناصر القضية الفلسطينية.
مستشار الملك الذي ذهب لحضور مراسيم جنازة شمعون بيريز، غالبًا ما يتحدث عن حوار الحضارات والتعايش المتسامح بين الأديان في لقاءاته الصحفية، وأوضح كذلك موقفه من القضية الفلسطينية، فهو معروف بدفاعه عن فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة “إسرائيل”.
وكمناضل يهودي كان لقاء آزولاي الأول مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع محمود عباس سنة 1973، “بالنسبة ليهودي من داخل المؤسسة اليهودية، كان هذا اللقاء نوعًا من الخيانة العظمى، وأؤكد على هذه الصفة، فقد كان ينبغي على المرء أن يتنكر خلف نظارات سوداء وشاربين اصطناعيين لكي لا يتم التعرف عليه” حسب ما حكاه آزولاي عن هذا اللقاء السري في شمال المغرب وكان الحسن الثاني هو من رتبه.
فخ خطاب التسامح
يرى الناشط المناهض للصهيونية كوهين أن “خطاب التسامح، وكلنا إخوة عشنا يهودًا ومسلمين فخ ممتاز ومن طرق الدخول الصهيوني إلى المغرب”.
صيف عام 2019 شرعت منظمة ألمانية في تشييد نصب الهولوكست في مكان يقع على بعد 26 كيلومترًا من مراكش (وسط البلاد)، قبل أن تسارع السلطات المحلية إلى هدمه بعدما تسرب الخبر عبر الصحافة العبرية، ولم تحصل هذه المنظمة الألمانية، التي يرأسها شخص ذو خلفية ماسونية، لا على ترخيص من سلطات تلك المنطقة، كما لم تستشر الطائفة اليهودية بشأن هذا المشروع، الذي اعتبره مراقبون اختراقًا صهيونيًا للمغرب.
وما التطبيع مع الكيان العبري إلا إستراتيجية للاختراق الصهيوني للمغرب، إذ يسعى الإسرائيليون إلى استعادة نفوذهم في مجال الاقتصاد بإقامة مشاريع استثمارية وتوسيع التبادل التجاري مع بلد يملك واحدًا من أهم المواقع الإستراتيجية في طرق التجارة العالمية.
هل العلاقات الاقتصادية مع “إسرائيل” ستفيد المغرب على مستوى التجارة والاستثمار والسياحة؟ ينفي الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي صوابية هذا الخطاب، مؤكدًا أن المملكة ستكون الخاسر الأكبر من أي تطبيع اقتصادي مع الدولة العبرية التي تمتلك إمكانات تجعلها قادرة على غزو السوق المغربية من الناحية التجارية، بينما لا يملك المغرب الأشياء التي تستوردها “إسرائيل”.
علاوة على ذلك، لن يدعم السياح الإسرائيليون من أصل مغربي الحركة السياحية في البلد لأن عددهم 800 ألف، وحتى لو قدم نصفهم على أقصى تقدير فإن هذا الرقم لا يساوي شيئًا أمام 12 مليون سائح زاروا المغرب في 2019.
أقلية انتخابية
في المشهد الحزبي، ظهر اسم سيمون سكيرا بعدما أعلن حزب الأصالة والمعاصرة نيته تزكية هذا الناشط اليهودي الذي يترأس جمعية الصداقة المغربية الإسرائيلية، ليترشح في الانتخابات المحلية والجهوية 2021، قبل أن يحسم الحزب ويعلن تراجعه عن هذا القرار، مخيبًا أمل سكيرا الذي كان يضع نصب عينه رئاسة جماعة الدار البيضاء خلفًا لرئيسها الحاليّ عن حزب العدالة والتنمية عبد العزيز العماري.
خلال انتخابات 2011 كافحت ماغي كاكون لتكون أول امرأةً يهوديةً في برلمان بلد مسلم، بعد أن ترشحت للمرة الثانية على رأس اللائحة النسائية باسم حزب الوسط الاجتماعي، ورغم أنها لقيت دعمًا وسلطت كثير من وسائل الإعلام المحلية والدولية الضوء على قصتها متوقعين وصولها إلى البرلمان، فإنها لم تتمكن من ذلك.
صحيح أن اليهود يمثلون تاريخًا، لكنهم قلة في الخريطة الانتخابية وغير ممثلين في البرلمان، إلى جانب قلة عددهم تنضاف قلة عدد من يهتمون بالترشح في الانتخابات من بينهم.
ومع ذلك فإن تجربة النخبة السياسية اليهودية متجذرة في المجتمع المغربي، وفق دراسة أكاديمية، اعتبرتها أصيلةً ومتميزةً ساهمت في إغناء الحياة السياسية للمغرب قبل وبعد الاستقلال، نظرًا للكفاءة والخبرة التي يتميز بها اليهود المغاربة في عدة مجالات، خولتهم تبوء مكانة رفيعة في بنية السلطة السياسية والاقتصادية.