قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة “أحمد طعمة”، نعتقد أنَّ هناك إمكانية كبيرة لإقامة منطقة عازلة في سوريا، قد تقر في غضون الأشهر الأربعة المقبلة، ونحضر أنفسنا خلال هذه الفترة من أجل الانتقال بالحكومة إلى الداخل”.
جاء كلام طعمة هذا في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمدينة إسطنبول، بعد يوم من انتخابه رئيساً للحكومة السورية المؤقتة من قبل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أنَّ تحقيق المنطقة العازلة سيساهم بشكل كبير في تقديم الخدمات بشكل أفضل للسوريين في الداخل، إلى جانب الدعم المقدم من قبل دول أصدقاء سوريا، لافتاً أنَّ (75%) من موظفي الحكومة السورية المؤقتة موجودون في الداخل”.
وأشار رئيس الحكومة المؤقتة إلى أنَّ مكافحة الإرهاب، وفوضى السلاح، وبناء جهاز للشرطة، وإدارة المعابر الحدودية، واستصدار جوازات سفر للسورين، تأتي على رأس أولويات الحكومة بالنسبة للمواطنين السوريين في الداخل.
رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو” بدوره أوضح أن مطالبة أنقرة إقامة منطقة آمنة في سوريا هي ليست لحماية تركيا، بل لحماية المدنيين السوريين الفارين من قصف الطائرات وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، داعياً لعدم الخلط بين المنطقة الآمنة التي تدعو إليها تركيا، والمنطقة العازلة العسكرية التي لم تطالب بها تركيا أبداً، ولفت إلى أن بلاده عرضت هذا الأمر لدى بدايات الأزمة السورية عام 2011، “ولو أنه تم تطبيق هذه المنطقة وقتها لما تحول هذا العدد من السوريين إلى لاجئين”، حسب قوله.
وأعرب داود أوغلو عن قلقه من أن استمرار إمطار النظام السوري لمدينة حلب بالقنابل التي تتزامن مع العمليات التي تنفذها قوات التحالف ضد تنظيم داعش، قد يؤدي إلى موجات لجوء كبيرة وجديدة إلى دول الجوار، مشيراً إلى أن السبب الأكبر للجوء هو من جراء القصف الجوي.
وفي لقائه على قناة الجزيرة في برنامج “بلا حدود” مع الإعلامي “أحمد منصور” طالب أوغلو بإقامة “منطقة آمنة”، رافضاً وصفها بـ”المنطقة العازلة”، قائلا: “من الضرورة إعلان منطقة آمنة توفر الحماية للمدنين ومنطقة حظر جوي تحمي المدنيين من أي قصف جوي قد يقوم به النظام (السوري) بعد إبعاد داعش عن عين العرب”.
وأضاف داوود أوغلو: “لا نطالب بمنطقة عازلة، ولكن بمنطقة آمنة، لأن الحديث عن منطقة عازلة يكون له بعد عسكري والحقيقة أننا ليس لدينا أي أطماع في أراضي سوريا أو أي أراض أخرى.. نقصد منطقة آمنة تحت حماية المجتمع الدولي أو التحالف الدولي ويكون الناس آمنين تحت من القصف الجوي أو البري”.
وحدد طبيعة هذه المناطق بقوله إنها “تختلف في مواقعها وعمقها بحسب المكان الذي تقام فيه.. ومساحة وطبيعة هذه المناطق تتحدد حسب الكثافة السكانية لموقعها .. فهناك (مدينة) حلب (شمالي سوريا)، التي تعاني من هجمات النظام وداعش، وبالتالي ستكون هناك أكثر من منطقة بين حلب والحدود التركية، والأمر نفسه في إدلب وشمال اللاذقية وجرابلس وعين العرب”.
وعن الجهة التي تحدد المساحة وتفاصيل المناطق الآمنة، رأى أن “الأفضل أن تحددها الأمم المتحدة ليكون لديها مشروعية دولية قوية، وإن عجزت الأمم المتحدة، وللأسف فنحن دائما ننتظر مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قرارات وهو لا يتخذ مثل هذه القرارات، فإن التحالف الدولي قد يتخذ مثل هذا القرار ويؤمن الحماية لهذه المناطق”.
وأعرب رئيس الوزراء التركي عن استعداد بلاده لـ”الإسهام في هذه المناطق الآمنة إذا تقرر تشكيلها”، مضيفا أن “تركيا لا تريد التدخل في سوريا ولا نريد أن نتحمل بمفردنا كل هذه المخاطر.. وقد حان الوقت، بل وتأخر، لتسوية شاملة في سوريا”.
في الوقت ذاته أعلن رئيس الوزراء الفرنسي “مانويل فالس”، تأييد بلاده لاقتراح تركيا الخاص، بتأسيس مناطق عازلة، داخل الأراضي السورية، وقال في هذا الشأن: “فرنسا تدعم المقترح التركي الخاص بتأسيس منطقة عازلة أو آمنة داخل الأراضي السورية”.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها، رئيس الحكومة الفرنسية، اليوم الأربعاء، في الجمعية العامة للبرلمان الفرنسي، وهو بصدد إجابته على عدة أسئلة متعلقة بالأزمة في سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط.
إلا أنه حتى الآن لا تبدي الإدارة الأميركية حماسة لإقامة منطقة عازلة في الحدود السورية التركية لأسباب عديدة أهمها تلك الأمنية، وعدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول بصراعات جانبية مع نظام بشار الأسد.
وأوضحت الإدارة الأميركية أنها منفتحة بخصوص نقاش إقامة منطقة عازلة، إلا أنها لا تفكر حالياً بتطبيق ذلك، حيث يشير مسؤولون أميركيون إلى ضرورة دراسة إقامة منطقة عازلة، إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه تنفيذها.
وأكد وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية “جون كيري”، ضرورة حماية المنطقة العازلة من هجمات النظام السوري في حال إقامتها، في حين ذكرت المتحدثة باسم الخارجية، “جين باسكي” أن مسألة نقاش إقامة منطقة عازلة ليس بالأمر السهل، أمّا خبراء أميركيون فيعتقدون أن إقامة المنطقة العازلة سيضع أميركا في وضع صعب من الناحية الأمنية.
وفي ذلك يقول الخبير الأمني في معهد “واشنطن” للأبحاث “جيفري وايت”: “إن أقامت أميركا منطقة عازلة فينبغي عليها حمايتها، كما تحتاج تلك المنطقة إلى حماية على الصعيد العسكري، في حال وقع هجوم من النظام السوري أو تنظيم داعش، وهذا ليس الوضع الذي تريده إدارة أوباما”.
من سيحمي المنطقة العازلة في حال إقامتها؟
وأشارت الخبيرة في برنامج الأمن الدولي بمؤسسة “نيو أميركا” للأبحاث ” ليلى هلال” أن الولايات المتحدة الأميركية أوضحت عدم استعدادها لإرسال قوات برية أو القيام بتدخل عسكري ضد تنظيم “داعش” في سوريا أو العراق، مضيفة “إلا أن إقامة منطقة عازلة تتضمن بالضرورة وجود قوات برية، كما أن أميركا اتخذت قرارها بشأن قضية تدخلها على الأرض، حيث أشارت أن فكرة قبولها بإقامة منطقة عازلة صعب في حال عدم وجود قوات برية لإحدى الدول في تلك المنطقة”.
ولفتت هلال إلى أن موضوع مكان إقامة تلك المنطقة يعد من أهم الصعوبات، قائلة “كان المقترح في البداية، إقامة تلك المنطقة العازلة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، إلا أن ذلك غير ممكن مع وجود داعش”.
وتابعت هلال “إن أحد العوامل الهامة والأساسية، وراء وقوف الولايات المتحدة ضد إقامة منطقة عازلة، هو خطر اضطرار أميركا وقوات التحالف للقتال ضد النظام السوري، أو إدخال الأخير في التحالف الدولي ضد داعش.
وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” بأن فكرة إقامة منطقة عازلة بين تركيا وسوريا، تستحق إجراء دراسة متأنية، إلا أنه أكد ضرورة ضمان حماية السكان في تلك المنطقة؛ من هجمات قوات النظام السوري.
من جانب أخر، يربط خبراء أتراك تحفظ الإدارة الأميركية على إقامة منطقة عازلة، بإمكانية استخدام العضوتين الدائمتين في مجلس الأمن الدولي روسيا والصين، حق النقض الفيتو ضد قرار بهذا الاتجاه، وسحب تلك الدولتين دعمهما للضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش.
وأوضح البروفسور “رمضان كوزين” رئيس معهد الأبحاث الاستراتيجية والعلاقات الدولية في جامعة “يلدرم بيازيد” التركية، أن التصريحات والبيانات الأخيرة للبلدان الغربية تشير وبشكل واضح جداً إلى أن هدفها هو مكافحة داعش وليس إقامة منطقة عازلة.
وأردف كوزين “إن هدف الدول الغربية بالدرجة الأولى هو القضاء على داعش. وروسيا والصين تدعمان العمليات ضد التنظيم التي يقودها التحالف، كما أن أميركا توجه ضربات جوية شمال سوريا بدعم وموافقة روسيا والصين، ولو أن الأخيرتين لم تسمحا بتلك العمليات لما كانت أميركا أقدمت عليها، لأنها لا تريد أن تقف في وجه روسيا والصين ونظام الأسد”.