أي دلالة لبقاء منصب “الدفاع” شاغرًا في حكومة الدبيبة؟

يأمل الدبيبة في توحيد الليبيين

تنفس الليبيون أمس الأربعاء الصعداء، بعد نيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ثقة نواب البرلمان في جلسة تاريخية لم تشهدها البلاد منذ سنوات، حكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ستكون المصالحة بين الليبيين وتوحيد البلاد أهم تحدياتها، لكن ما يلاحظ في هذه الحكومة أنها لم تتضمن اسم وزير الدفاع الجديد، ما جعل العديد من الليبيين يتساءلون عن السبب.

حكومة جديدة

نالت حكومة عبد الحميد الدبيبة (61 عامًا)، ثقة مجلس النواب الليبي بعد يومين من النقاشات، بتأييد 132 صوتًا من أصل 133 حضروا جلسة التصويت في مدينة سرت، وضمت الحكومة الجديدة 27 حقيبة، إضافة إلى 6 وزراء دولة.

ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة وزراءً من التكنوقراط لم يسبق لهم تولي أي منصب وزاري في السابق، ويمثلون كل فئات ومناطق ليبيا، وفق قول رئيسها، فيما تم اختيار وزراء المناصب السيادية وفق مبدأ التوازن العادل بين الغرب والشرق والجنوب.

يذكر أن حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الجديدين انبثقا عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي عقد مؤخرًا في جنيف، وهما يشكلان سلطة انتقالية يفترض أن تقود ليبيا حتى الانتخابات المقرر أن تجري 24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

أراد الدبيبة تهدئة الأمور وإرسال رسالة إيجابية إلى حفتر وقواته في الشرق، وأيضًا إلى قوات الغرب التي تمثل مصراتة عمادها

وصف رئيس الحكومة، منح البرلمان الثقة لحكومته بـ”اللحظة التاريخية”، متعهدًا بعدم تكرار الحرب في البلاد، ودعا دبيبة في كلمة متلفزة أمام مجلس النواب، المجلس إلى الالتئام والوحدة لتعويض سنوات مضت من الانقسام والحرب.

كما تعهد بدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وإنجاز الاستحقاق الدستوري والقانوني للانتخابات في الموعد المحدد، والحرص على الاستماع لشكوى المواطنين في جميع أنحاء البلاد قائلًا: “سأعمل بكل جهد لدعم المجلس الرئاسي وتحقيق العدالة الانتقالية، لإنجاح المصالحة الوطنية”.

وتعتبر هذه المرة الأولى منذ سنة 2014، التي يتمكن فيها الليبيون من الاجتماع تحت برلمان واحد واختيار حكومة واحدة، باعتراف الحكومتين المتنازعتين في الشرق والغرب، ما يعني بداية توحيد مؤسسات البلاد، والتوجه نحو إنهاء الحرب الأهلية، والاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات العامة.

وطبقًا لاتفاق جنيف، فإن بعد منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، تنتقل صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة للمجلس الرئاسي الجديد، ولحكومة الوحدة الوطنية وتنتهي في حينه جميع السلطات التنفيذية القائمة دون أن يكون هناك إجراءات أخرى.

دون وزير الدفاع

ما يلاحظ في حكومة عبد الحميد الدبيبة أنها خلت من اسم وزير دفاع، رغم أن سيادة البلاد منتهكة من أكثر من 20 ألف مرتزق، ينفذون أجندات الدول الطامعة في ثروات ليبيا وخيراتها الكثيرة بدعم من أطراف داخلية.

يعني هذا الأمر أنه سيتولى منصب الدفاع حاليًّا رئيس الحكومة إلى حين تعيين شخصية بالتشاور بين الدبيبة والمجلس الرئاسي، وهذه المسألة ليست بالأمر الهين، فالعديد من الصعوبات والعراقيل أمام الدبيبة لاختيار وزير للدفاع.

وسبق أن شرح الدبيبة ما وصفه بالانسداد والصعوبات التي تواجهه في تسمية وزير للدفاع من منطقة بعينها، وأن هناك أطرافًا دوليةً، لم يسمها، لها دور وتأثير متعلق بحقيبة وزارة الدفاع، وقال: “كل المتصارعين يريدون وزارة الدفاع، ولا يمكن أن نسمح بالحرب مرة ثانية، ولا بد من إيقاف الحرب”.

 

بدوره يرجع المحلل السياسي الليبي عصام الزبير في حديث لـ “نون بوست”، بقاء منصب وزير الدفاع شاغرًا إلى وجود تأثيرات خارجية وداخلية داعمة لأطراف معينة، فالشرق يريدها والغرب يريدها، أي أن كل طرف يريدها له، للحفاظ على القوة العسكرية عنده.

ويرى محدثنا أيضًا، أن الدبيبة يخشى أن تُستغل الوزارة ضده في هذا الظرف، فالوزارة سيادية ورئيسية ولها دور كبير في التشكيلة الحكومة ولإبعاد الجدل عنها وقصد تطويرها إلى وزارة لرسم الإستراتيجيات الدفاعية والانصياع تحت رئاسة الحكومة المدنية يجنبها الصراع والإشكال، قرر رئيس الحكومة تسييرها بنفسه.

ويعتقد الزبير أنه سيتم اللجوء إلى التشاور والتسوية وربما إلى التنازلات والتعويض لطرف ما حتى يرضى بتقلد الطرف الآخر للمنصب، نظرًا لحساسية الموقف، وحتى لا تشهد البلاد فصولًا جديدةً من الحروب بين الشرق والغرب.

سيكون أمام حكومة الدبيبة مهمة معالجة مشاكل الليبيين الاقتصادية والاجتماعية من ذلك مشكلة السيولة

أراد الدبيبة أيضًا تهدئة الأمور وإرسال رسالة إيجابية إلى حفتر وقواته في الشرق، وأيضًا إلى قوات الغرب التي تمثل مصراتة عمادها، حتى ينصرف في بداية عمل حكومته إلى التحديات والمصاعب اليومية التي يواجهها الليبيون منذ فترة طويلة.

ويأمل الدبيبة إلى مسك زمام الأمور بنفسه بعد سنوات من الانقسام على المستوى العسكري، لا سيما أن صلاحيات الوزير تتمثل في جميع الأمور العسكرية التي ترغب الأطراف المتنازعة جميعها في الحصول عليها.

تحديات كبيرة

حتى الآن تمكن عبد الحميد الدبيبة من كسب الرهان وجمع نواب ليبيا في مكان واحد بعد سنوات من الانقسام، كما تمكنت حكومته من نيل ثقة البرلمان عكس حكومة الوفاق السابقة التي كانت تشتغل دون موافقة البرلمان عليها.

هذا الأمر سيمكن الدبيبة من العمل بنوع من الأريحية في بداية مشواره على رأس حكومة الوحدة الوطنية، ما يتيح الفرصة لليبيين للخروج من هذا المشهد القاتم الذي ظل يلاحقهم طوال سنوات عديدة ويمكنهم من الوصول إلى السلام المنشود.

رغم هذا الأمل، تواجه حكومة الدبيبة تحديات كبيرة، فالمهمة الرئيسية لحكومة الوحدة الوطنية تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وسيسبقها الاستفتاء على مسودة الدستور، كما تعهد دبيبة بذلك أكثر من مرة، لكن هذا الأمر صعب من الناحية التقنية.

تنظيم الانتخابات في موعدها ليس المهمة الأصعب لحكومة دبيبة، فتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد مؤسسات الدولة أصعب من ذلك، فالبلاد منقسمة بين الشرق والغرب وكل طرف له مؤسساته الخاصة ومن الصعب أن يتخلى عنها بسهولة إلى طرف ثالث في حال لم يحفظ له مصالحه.

إلى جانب ذلك، تمثل مهمة توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية أمرًا صعبًا جدًا، فليس من السهل أن يتنازل اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن الامتيازات التي يتمتع بها ويتوارى عن الأنظار ويترك الليبيين يختارون مصيرهم بأنفسهم.

 

كما أنه من الصعب أن تتمكن حكومة عبد الحميد الدبيبة من إخراج المرتزقة (فاغنر والجنجويد) من البلاد، فإخراجهم ليس أمرًا هينًا، ويقول دبيبة إن ذلك يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم.

إلى جانب ذلك ينتظر عبد الحميد الدبيبة عمل شاق لإنهاء فوضى التدخلات الأجنبية في ليبيا، إذ يأمل الليبيون في أن ترجع بلدهم لهم، ويتم وضع حد لحالة الاستقطاب والتجاذبات التي تعمل قوى أجنبية على الاستثمار فيها.

فضلًا عن ذلك، سيكون أمام حكومة الدبيبة مهمة معالجة مشاكل الليبيين الاقتصادية والاجتماعية من ذلك مشكلة السيولة، وأيضًا الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء، والنقص الحاد في المواد الغذائية، دون أن ننسى أزمة فيروس كورونا.

تجاوز كل هذه المسائل يبدو صعبًا للغاية في فترة لا تتجاوز 10 أشهر، لكن سيكون أمام عبد الحميد الدبيبة وطاقمه الحكومي دعمًا كبيرًا من الليبيين حتى يخرج البلاد من المشاكل التي تعيش على وقعها طيلة السنوات الماضية، ومن المهم جدًا أن يستثمره حتى ينجح في عمله.