ترجمة وتحرير: نون بوست
في الصيف الماضي، انتشرت صورة للسيدة الأولى في سوريا على وسائل التواصل الاجتماعي. في ذلك الوقت، كانت القوات الحكومية في شمال غرب سوريا تقصف آخر جيوب مقاومة الثوار للنظام. وأظهرت الصورة أسماء الأسد وزوجها بشار الأسد وأطفالهما الثلاثة وهم واقفون على قمة تل ويحيط بهم جنود في ملابس مموهة. كانت هيأة بشار، الذي كان يرتدي معطفا واقيا وحذاء رياضيا وقميص بولو غير مدسوس، توحي بأنه شخص يصطحب الأطفال في نزهة يوم الأحد أكثر مما توحي بتعذيبه للمعارضين. وتقف أسماء بحزم أكبر، وذراعاها على جانبيها، مرتدية الجينز الأبيض وحذاء رياضيا ونوع النظارات الشمسية الخاصة بالطيران التي يحبها رجال الشرق الأوسط الأقوياء. تتواجد أسماء في وسط الصورة، بينما يقف بشار، رئيس سوريا، إلى جانبها في مشهد غريب.
إن هدوء المناظر الطبيعية خلف أسماء مخادع. بعد عشر سنوات من الربيع العربي، حيث انقلب ملايين الناس في الشرق الأوسط على أنظمة قمعية، احتفظت الأسرة الحاكمة في سوريا بالسلطة، ولكن بتكلفة باهظة. لقد قتلت قوات النظام مئات آلاف السوريين وعذبت أكثر من 14 ألف شخص حتى الموت. وقد فرّ نصف السكان من ديارهم، مما أدى إلى حدوث أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. خاضت إيران وتركيا، وكذلك الولايات المتحدة وروسيا، حروبا بالوكالة من أجل السيطرة على الأراضي السورية. وفي جميع أنحاء العالم العربي، سُحقت الأحلام التي كانت سائدة قبل عقد من الزمن، ولكن لم تُسفك دماء أكثر من تلك التي سُفكت في سوريا.
مع ذلك، فإن أسماء أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى. كانت رحلة وصولها إلى السيادة على هذه الأرض المنكوبة صعبة. كما لعبت أدوارا عديدة خلال طريقها هذا: فقد كانت مصرفية في بنك جيه بي مورغان تبرم صفقات في وقت متأخر من الليل؛ والسيدة الأولى الفاتنة التي اعتقدت أن الإصلاح الاجتماعي والقواعد الدقيقة ستحول دولة منبوذة إلى حديثة؛ وماري أنطوانيت الدمشقية التي تتسوق بينما بلدها يحترق؛ وأم للشعب، تكافح السرطان بينما تسحق قوات زوجها الثوار
أين ستنتهي الرحلة؟ صعودها في بلاط عائلة الأسد لم يعد مجرد مادة للدردشة بين مراقبي سوريا. في السنة الماضية، وصفت الحكومة الأمريكية أسماء بأنها من “أسوأ المستفيدين من الحرب” في سوريا. يدور حديث الآن حول إمكانية خلافتها لزوجها في يوم من الأيام في منصب الرئيس. قطعت أسماء الأسد بالتأكيد شوطا طويلا من المنزل شبه المنفصل في لندن حيث ترعرعت.
لقد كانت بداية غير محتملة لزوجة ديكتاتور. ولدت أسماء الأخرس سنة 1975 في أكتون، وهي منطقة في غرب لندن متاخمة للأحياء الأكثر ثراء. مثل معظم السوريين، كان والداها من المسلمين السنة، وهي المجموعة المهيمنة في سوريا حتى الستينات، عندما قامت طائفة صغيرة مهمشة تسمى العلويين بانقلاب. كان والد بشار، حافظ الأسد، جزء من المؤامرة، وأعلن نفسه زعيما سنة 1970.
وصل والدا أسماء إلى لندن في السبعينات بحثا عن فرص أفضل. وظلت الأسرة متدينة في المنفى، حيث كان والدها يحضر صلاة الجمعة ولم تخلع والدته حجابها إلا بعد زواج أسماء. يصف الأصدقاء الأسرة بأنها محافظة ثقافيا ولكنها حريصة على إدماج أطفالها في المجتمع. عُرفت أسماء في مدرستها الابتدائية بكنيسة إنجلترا المحلية باسم إيما. يتذكر أحد الجيران قائلا: “من الصعب حقا معرفة أنها سورية”.
فور بشار من الدم دفعه إلى التخصص في طب العيون، وهو أحد التخصصات الطبية الأقل هيبة
بدت أسماء كما لو أنها ستعيش بين النخبة الغنية في لندن. عندما كانت مراهقة، كانت تدرس في إحدى أقدم مدارس البنات الخاصة في بريطانيا، وهي كلية كوينز، على مقربة من عيادة والدها الطبية الخاصة في شارع هارلي. وحصلت على درجة علمية في علوم الكمبيوتر في كلية كينجز بلندن، حيث يتذكر كل من أصدقاءها ومنتقديها بأنها ذكية وتعمل بجد. لا أحد يتذكر أنها أبدت أي اهتمام بالشرق الأوسط. في زياراتها إلى دمشق مع والديها، كانت تقضي وقتها بجانب المسبح في فندق الشيراتون. قال صديق للعائلة: “كانت إنجليزية للغاية وبدت غير مهتمة إطلاقا بسوريا”.
فوجئ قليلون عندما حصلت أسماء على وظيفة في جي بي مورغان، وهو بنك استثماري. هناك، كان من المتوقع أن يعمل الموظفون لمدة تصل إلى 48 ساعة متتالية، وحتى النوم في المكتب. كان بعض المتدربين جريئين وطموحين بشكل واضح، لكن بول جيبس، الذي كان مسؤولا عن أسماء، يتذكرها أنها كانت “محترمة ومهذبة وخاضعة”، وترتدي بدلات سوداء أنيقة. تخصصت أسماء في عمليات الدمج والاستحواذ (وهي تجربة أثبتت فائدتها لاحقا في سوريا). وواعدت مصرفيا وحتى أنها تلقت عروضا للزواج. على الرغم من راتبها المرتفع، إلا أنها استمرت في العيش مع والديها أثناء عملها في لندن.
كان لدى سحر، والدة أسماء، خطط طموحة لابنتها. لقد ساعد عمها حافظ الأسد على الاستيلاء على السلطة. وبالتالي، استخدمت سحر هذه العلاقة للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. كما حرصت على ربط علاقة بين أسماء وبشار النجل الثاني لحافظ، حسب سام داغر، مؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد”، حيث التقى الاثنان عدة مرات عندما كان بشار طالب طب في لندن في التسعينات.
نشأ بشار في ظل والده القائد، وكان الوحيد من بين ستة أشقاء الذي درس في الخارج. إن نفور بشار من الدم دفعه إلى التخصص في طب العيون، وهو أحد التخصصات الطبية الأقل هيبة. ويقول مدرسه، إدموند شولنبرغ ، إنه كان بارعا في تجفيف الخراجات.
أما باسل، شقيق بشار الأكبر، فقد خدم في الجيش السوري وقاد سيارات سريعة ولاحق النساء. على النقيض من ذلك، كان بشار “مجتهدا ومنضبطا، ويذهب كل يوم إلى الكلية ويتجنب حياة المتعة”، حسب قول وفيق سعيد، وهو وافد سوري ثري. لقد كان يستمع إلى فيل كولينز وإلكتريك لايت أوركسترا، ويشرب الشاي الأخضر ويجول المدينة. على عكس والده، الذي احتفظ باللهجة القروية، كان بشار يتحدث باللغة الراقية للنخبة الدمشقية.
لقد كان مهتما بالنساء، وغالبا ما كان يواعد الفتيات اللاتي تخلى عنهن أخوه. لكن اختيار شريكة حياته لم يكن قراره بمفرده. عندما توفي باسل في حادث سيارة سنة 1994 (يقال إنه كان يتسابق إلى مطار دمشق بسيارته المرسيدس)، وقع مصير سلالة الأسد فجأة على أكتاف بشار.
كان بشار أعزبا عندما توفي والده في حزيران/يونيو 2000. وأصبح رئيسا بعد شهرين، إثر انتخابات صورية. في هذه المرحلة، كانت أسماء منهمكة في العمل في مكتبها في بنك جي بي مورغان لمدة سنتين. فجأة، اختفت لمدة ثلاثة أسابيع دون سابق إنذار. وعند عودتها، أخبرت صاحب العمل أنها وقعت في حب سوري أنيق، اصطحبها إلى ليبيا حيث وقّعا عقد الزواج في خيمة في الصحراء. استقالت أسماء على الفور، وتخلت أيضا عن مكانة كانت قد فازت بها مؤخرا في كلية هارفارد للأعمال. سألها أحد المحاورين فيما بعد عما إذا كان هذا الاختيار قد جعلها تشعر بالندم، فكان ردها: “من سيختار هارفارد على الحب؟”
في الحقيقة، تصبح سوريا معقدة عندما تغادر فندق الشيراتون حيث تؤوي جبالها وصحاريها مزيجا من المجموعات العرقية والدينية، اضطهد معظمها بعضها البعض خلال فترة ما. خلّصت فرنسا البلد من العثمانيين الذين كان حكمهم بين الحربين العالميتين قصيرًا ومثيرًا للاستياء. وتميزت السنوات الأولى لاستقلال سوريا بصراعات داخلية لا هوادة فيها لاسيما في ظل توالي الانقلاب تلو الآخر.
خلال سنة 1970، انتهت الاضطرابات مع صعود حافظ الأسد، المسؤول الصارم في القوات الجوية الذي ينتمي إلى حزب البعث الحاكم. وخلال عهده الذي اتسم بتفشي الخوف والرعب، أدارت الأجهزة الأمنية شبكات مخبرين وتنصت على الهواتف وعذبت الناس بشكل عشوائي. عندما ثار المعارضون الإسلاميون السُنّة ضد الحكم البعثي في حماة سنة 1982، دمّر حافظ أجزاء كاملة من المدينة.
في نهاية سنة 2000، عندما توفي حافظ وانتقلت أسماء إلى دمشق، ظل إرثه سائدا في كل مكان، بداية من الهندسة المعمارية على الطراز السوفييتي وصولا إلى اللافتات الإعلانية التي تحمل صورته. بالإضافة إلى ذلك، أدى دعمه للمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة إلى عزل سوريا عن الغرب. من جهة أخرى، كان صعود بشار بمثابة فرصة لإعادة العلاقات.
في خطابه الافتتاحي، تعهد بشار بمحاربة الفساد وإجراء انتخابات نزيهة تشارك فيها جميع الأحزاب. بعد فترة وجيزة، أغلق أحد أكبر السجون في البلاد. وحتى في مقاهي دمشق، بدأ الناس في مناقشة بعض القضايا السياسية بحذر. من جهتها، بدت أسماء رفيقة واعدة للزعيم السوري الجديد. في الواقع، كانت ملكة الأردن، الملكة رانيا، وملكة قطر، الشيخة موزا، وحتى الأميرة ديانا في بريطانيا، نماذج من السيدات اللاتي تلعبن دور القوة دافعة للتغيير والإصلاح.
كان حزب البعث العلماني السوري أكثر تقبلا من معظم الدول العربية لتولي المرأة أدوارا عامة. في هذا السياق، صرح وفيق سعيد، الوافد السوري الثري الذي أقام صداقة مع الزوجين: “اعتقدت أن الجمع بين هذين الأمرين سيجعل سوريا جنة”. مثل العديد من النساء قبلها، كان ينبغي على أسماء أن تحسب ألف حساب لأهل زوجها. أرادت والدة بشار، أنيسة، أن يتزوج ابنها من بنات العشيرة لإنشاء سلالة طويلة الأمد مثل آل سعود في شبه الجزيرة العربية. كما اقترح بعض أفراد الأسرة أن يتنازل بشار عن منصب الرئاسة بسبب زواجه من سُنيّة.
بعد أن فشلت في إلغاء الزفاف، قررت والدة بشار إخفاءه، حيث لم تكن هناك نشرات إخبارية حول الحدث المتواضع. علاوة على ذلك، لم يقع نشر أي صور رسمية لهما على الإطلاق. كما قيل لأسماء خلال العديد من المناسبات أن وظيفتها تتمثل في إنجاب الورثاء والبقاء بعيدًا عن وسائل الإعلام. من جانبها، أصرت والدة بشار على الاحتفاظ بلقب “السيدة الأولى”. ولطالما أشارت وسائل الإعلام الحكومية إلى أسماء زوجة الرئيس، باسم “عقيلة الرئيس” حيث لم يعرف أحد شكلها.
أبقوها داخل المنزل لسنوات
كانت الحياة في المنزل بائسة. في هذا الصدد، أوضح مستشار بشار في ذلك الوقت، أيمن عبد النور قائلا: “لقد كانوا يكرهونها وأبقوها داخل المنزل لسنوات”. لم تكن أسماء تتحدث اللغة العربية بطلاقة. وعندما تجتمع الأسرة لتناول الطعام، حرص أفرادها على التحدث بلغتهم “الفوقية” التي لا يمكنها فهمها، كما لم تكن بقية النخبة الحاكمة أكثر ودا معها من العائلة.
كانت الرحلات التي تجريها إلى الخارج، المناسبات الوحيدة التي تتصدر فيها صورها عناوين الصحف. وحتى ذلك الظهور كان يغضب أهل زوجها
واجهت إصلاحات بشار الكثير من العراقيل لا سيما من حلفاء والده السابقين. وبحسب رجل أعمال عمل مع النظام في السابق: “كان حافظ الأسد مثل الأخطبوط الذي له الكثير من الأذرع التي يتحكم فيها”. وأضاف رجل الأعمال قائلا: “لكن عندما بدأ بشار كان مثل الأخطبوط الذي تسيطر عليه أذرع والده”.
في غضون أشهر، أصبح من الواضح أن وعود بشار بالإصلاح كانت واهية، خاصة وأنه لم يقدمها سوى من أجل حشد الدعم لخلافته. في شأن ذي صلة، أوضح وفيق قائلا إن “بشار سيخبرك بالضبط ما تريد أن تسمعه، ثم لا يفعل شيئًا على الإطلاق”. سرعان ما ما غيّر بشار سياسته وعمل على سجن الأكاديميين وتعليق ملصقات تحمل صورة أكبر من صورة والده. وأصبح الحق في عقد تجمعات عامة مقيدًا لدرجة أن الراغبين في الزواج يضطرون إلى الحصول على تصريح حكومي لإقامة حفل زفاف في أحد الفنادق.
ساهم ذلك في تبدد الآمال في إمكانية تغيير سوريا. وبعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابية، قدم بشار للأمريكيين تسهيلات لاستجواب الإرهابيين المشتبه بهم. في المقابل، رأت إدارة بوش بوادر تدل على انتشار الديمقراطية في البلاد. فضلا عن ذلك، دفعت الاقتراحات التي تفيد بأن سوريا ستكون الهدف التالي بعد العراق، النظام السوري إلى تغيير المسار حيث أرسل بشار جهاديين محليين عبر الحدود لدعم التمرد العراقي ضد الأمريكيين.
عندما عزز بشار سلطته، كانت أسماء قد أنجبت ثلاثة أطفال في تتابع سريع، منهم ولدان. وكانت لا تزال ترتدي زي الرسمي المحتشم الذي يلبسه الأشخاص العاملون في البنوك. كما كانت الرحلات التي تجريها إلى الخارج، المناسبات الوحيدة التي تتصدر فيها صورها عناوين الصحف. وحتى ذلك الظهور كان يغضب أهل زوجها.
انعكست القسوة المسلطة عليها داخل أسرة الأسد على قوتها في الخارج. وفي عيد الحب سنة 2005، أودت سيارة مفخخة بحياة أحد أبرز السياسيين في لبنان، رفيق الحريري، إذ ظلت سوريا على صلة وطيدة بجارتها الصغيرة التي تعاني من خلل وظيفي، على الرغم من اتهام الكثيرين بشار بتنفيذ هذه العملية. وأمام التهديد بفرض عقوبات دولية وتظاهرات لبنانية حاشدة، أمر بشار بسحب القوات السورية من لبنان بعد 30 سنة من الاحتلال، الأمر الذي أثار حفيظة المتشددين السوريين.
بالإضافة إلى ذلك، لم يعد بشار بحاجة إلى حلفائه أكثر قط، فقد ساعدته زوجته البريطانية في استرضاء الحكومات الغربية. لقد وعد أسماء بأنه سيكمم أفواه أقاربه ووافق على تعيينها “السيدة الأولى” (مع العلم أن وسائل الإعلام الرسمية في سوريا لم تبدأ باستخدام مصطلح السيدة الأولى سوى بعد وفاة أنيسة سنة 2016). وفي نهاية المطاف، تمكنت أسماء من الفوز بمكانة وسط هذه العائلة.
بعد مرور شهرين على اغتيال الحريري، أي خلال شهر نيسان/أبريل سنة 2005، وقفت أسماء إلى جانب زوجها في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني. بالإضافة إلى ذلك، كان قلة من الأشخاص حريصين على مصافحة بشار.في المقابل، كانت أسماء، المتألقة بوشاح من الدانتيل الأسود، أكثر جاذبية. وقد التطقت لها الكثير من الصور، وهي تتواصل بشكل مباشر مع قادة العالم.
كانت هذه اللحظة محورية لصورة الزوجين. حتى تلك اللحظة، كانت تتعرض أسماء، الزوجة الأجنبية للتهميش. أما في الوقت الراهن، باتت أسماء تضطلع بدور مركزي في إعادة تشكيل مكانة بشار على الصعيد الدولي. في هذا الشأن، أشار عبد النور، مستشار بشار السابق قائلا: “لقد كانت بمثابة سفيرة له في جميع الدول التي لم يكن بإمكانه التواصل معها”.
خلال المقابلات التي أجرتها مع وسائل الإعلام الغربية، لطالما تفوقت أسماء على بشار (ففي محاولة لجذب المسيحيين، كان بشار يشير إلى اليهود على أنهم قتلة المسيح). كما كانت أسماء تلمّع أيضا صورة الزوجين في الوطن، فيما كان الأسد يُظهر تواضعهما.
بعبارة أخرى، رفض الثنائي العيش في القصر الرخامي الضخم، الذي تبلغ تكلفته مليار دولار، والذي شيّده السعوديون لعائلة الأسد، واختارا العيش بدلا من ذلك في منزل متواضع من ثلاثة طوابق مجاور للقصر. وكانت أسماء تُقلّ أطفالها من مدرسة مونتيسوري المحلية كل يوم. وعندما نزل وفيق سعيد ضيفا لدى عائلة الأسد، اندهش من افتقار منزلهم إلى البذخ، حيث قال “لم نر أي خدم. لقد قدم لنا هو وزوجته العشاء”.
بمساعدة خبير تجميل جديد، غيرت أسماء من مظهرها الخاص. أصبحت ترتدي الكعب العالي وتضع أقراطا بارزة، وتُقلّم أظافرها وتصبغها. وعلى الرغم من أنها لم تكن تضع خاتم زواجها، إلا أنها كانت ترتدي العقيق الملكي في رقبتها.
يتذكر موظفو الخطوط الجوية السورية في لندن سيلا لا ينتهي من الصناديق التي تحتوي على ملابس من أرقى المتاجر في لندن. وقد أطلق عليها دبلوماسيون سوريون اسم إميلدا ماركوس، السيدة الأولى في الفلبين المهووسة بالأحذية.
بعد أشهر قليلة من اغتيال الحريري، تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” عما إذا كانت سلمى تمثل “روح الإندماج العلماني بين الغرب والعرب”.
يقول دبلوماسي سوري موجود حاليا في المنفى، كان قد نظم في الماضي جولة أوروبية للزوجين السوريين: “لقد كنت مفتونا بها. فهي تجعلك تستلطفها من أول لقاء. أما بشار فهو مختلف عن الديكتاتوريين الآخرين في الشرق الأوسط، حيث يبدو عصريا ومتمرسا. وهذا ما يجعله خطيرا للغاية”.
سرعان ما وجدت أسماء طريقة جديدة لتوسيع نفوذها. فقد انخرطت في الأعمال الخيرية في بداية زواجها، وأصبحت تسعى حاليا لتوحيد مشاريعها داخل منظمة واحدة
كان مشروع أسماء التالي مُنصبا على سوريا نفسها. وبعد عقود من التخطيط المركزي والقيود المفروضة على الاستيراد، أرادت إنعاش اقتصاد سوريا. وغمرت أسماء زوجها بالمعضلات المالية وشجعت القطاع المصرفي على الانفتاح على الشركات الخاصة والأجنبية.
يتذكر أحد الخبراء الاقتصاديين السوريين المقربين جدا من العائلة الحاكمة قائلا: “لقد أرادت تحويل دمشق إلى دبي إقليمية، أي ملاذا ضريبيا خاليا من الضوابط المالية”. لسوء الحظ، هدد الإصلاح الاقتصادي مصالح بعض أوسع الأشخاص نفوذا في سوريا. ومن أجل تغيير كيفية إنجاز الأعمال التجارية، كان على أسماء مواجهة رامي مخلوف، ابن عم بشار من خلال عشيرة والدته الأرستقراطية.
وفقا لبعض التقديرات، سيطرت شركات مخلوف على أكثر من نصف الاقتصاد السوري. لذلك، حاولت أسماء تحدي هيمنته سنة 2007 من خلال إنشاء شركة قابضة خاصة بها، لكنها لم تتمكن من استقطاب ما يكفي من الشركات الكبرى في سوريا، فقد ظلت موالية لمخلوف إلى حد كبير. لهذا السبب، ظلت خططها المتعلقة بإنعاش الاقتصاد السوري على قائمة الإنتظار.
سرعان ما وجدت أسماء طريقة جديدة لتوسيع نفوذها. فقد انخرطت في الأعمال الخيرية في بداية زواجها، وأصبحت تسعى حاليا لتوحيد مشاريعها داخل منظمة واحدة، أطلقت عليها اسم “الأمانة السورية للتنمية”.
كانت أسماء تهدف إلى جعل منظمة “الأمانة السورية للتنمية” قناة التواصل الأساسية التي تلتقي سوريا من خلالها بالعالم، حيث عيّنت السوريين الناطقين باللغة الإنجليزية الذين يعيشون في الخارج، ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة، واستراتيجيين من “مونيتور غروب”، وهي شركة استشارات إدارية مقرها بوسطن، وحتى ابنة دبلوماسي ألماني.
يتذكر أحد الدبلوماسيين في دمشق آنذاك بأن “المنظمة كان حاصلة على ترخيص للتعامل مع الأجانب، على عكس الكيانات الأخرى”. بفضل مناظرها الطبيعية الوعرة وثرواتها الأثرية، اعتبرت أسماء أن سوريا يجب أن تكون وجهة سياحية مرغوبة. وبناء على ذلك، كلّفت القائمين على متحف اللوفر والمتحف البريطاني بإعادة تصميم وسط دمشق.
تَقَرّر تحويل مصنع الأسمنت إلى معرض، على غرار متحف “تيت مودرن” في لندن وإعادة تهيئة ضفاف نهر قذر يمر عبر المدينة حتى يُصبح متنزها ثقافيا. كما خططت لإنشاء خط جديد للسكك الحديدية لربط دمشق بالمدن الآشورية القديمة في الشمال الشرقي النامي.
في معظم الأحيان، أيد الدبلوماسيون الغرب في دمشق منظمة “الأمانة السورية للتنمية” الخاصة بأسماء. لقد أبهرت الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي وقطر، وحصدت ملايين الدولارات لتمويل رؤيتها. ومجّدت سلسلة من المقالات الصحفية “النهضة الثقافية” في دمشق، كما وصفتها أسماء. وقال بشار “هكذا يُحارب التطرف، بواسطة الفن”.
مع ذلك، كان لزملائها رأي مختلف. ففي أحد الأيام، كانت أسماء “فضولية للغاية” “ولطيفة المعاملة بشكل مذهل”، وذلك على حد تعبير الموظفين السابقين. ولكن يتذكر استشاري آخر قائلا: “كانت حادة الطبع. وكانت تصرخ وتسخط”. (يُذكر أنه استقال بعد ثمانية أشهر) مضيفا أنها “مهووسة بالسيطرة، وامرأة مرعبة”.
كانت أيضا مؤثرة. فقد قال أحد الأشخاص الذين عملوا لديها في دمشق لمدة ست سنوات: “كان من المدهش أنه في كل مرة تقول فيها ‘أود أن يحدث شيء ما’، ويحدث فعلا”.
التزم موظفوها بتوقيت العمل القاسي الذي اعتادت عليه في بنك “جي بي مورجان”: فتح المكتب على الساعة السادسة صباحا والاستمرار في العمل حتى المساء. وكان المسؤولون يقومون باستشارة أسماء، عوضا عن وزيرة الثقافة، بشأن المسائل الرئيسية.
علاوة على ذلك، عيّنت أسماء شركات علاقات عامة في بريطانيا والولايات المتحدة لتلميع صورتها. لقد جابت البرلمانات في جميع أنحاء العالم للمجاهرة بأعمالها الخيرية. وزار مشاهير دمشق من بينهم أنجلينا جولي وبراد بيت وستينغ ودامون ألبارن. كما ناشد المفتي العام اليهود السوريين الذين فروا من الاضطهاد قبل عقود بالعودة.
بالإضافة إلى ذلك، أعدّت شركة “براون لويدز جيمس”، وهي شركة علاقات عامة أمريكية، قصة نشرتها على غلاف في مجلة “فوغ” في شهر آذار/ مارس 2011، والتي صورت أسماء على أنها “وردة في الصحراء” كانت مصممة على تحويل سوريا إلى “علامة تجارية”.
كانت مهمة منظمة “الأمانة السورية للتنمية” محدودة. فقد قال أحد الموظفين إن “المنظمة لم تتطرق إلى أي شيء يتعلق بالمسجد والدين والسياسة”. وكان من الصعب مراقبة مثل هذه الحدود. يُذكر أن المدرسين قاموا بجولة في سوريا باستخدام كوخ كبير قابل للنفخ مصمم كمساحة لرواية القصص، وقع تشييده بمساعدة مدير تنفيذي سابق لمتحف العلوم في لندن.
كان من المفترض أن يركزوا على الأسئلة غير المثيرة للجدل، مثل حق الطفل في الهواء النظيف، لكن المحادثة تحولت إلى الانتهاكات التي يرتكبها النظام. وقال أحد المنظمين إن “أحد الأطفال قال إن لديه قصة عن حقوق الإنسان، وشرح كيف تم اعتقاله وتجريده من ملابسه وإجباره على الجلوس على زجاجة. كان علينا إعلام السيدة الأولى بالموضوع، وأدركت أن أحدهم قد فقد وظيفته في أجهزة الأمن المحلية”.
كان مستشارو منظمة “الأمانة السورية للتنمية” الأجانب يعيشون في ترف في دمشق: لقد كانوا يطلبون السوشي من خدمة الغرف ويتقاضون رواتب كبيرة بينما كانوا يثرثرون عن أهمية بناء القدرات.
قال سمير العيطة، مستشار وزارة المالية إن “العديد من القرى لم تكن تتمتع بنظام صرف صحي مناسب أو كهرباء حتى، رغم أن أسماء كانت قد تحدثت مع مستشاريها عن تنظيم المشاريع والمجتمع المدني والتنمية المستدامة والتدريب على صناعة الجبن”.
اعتقدت أسماء “أن مؤسسة “الأمانة السورية للتنمية” يمكن أن تنقذ كل شيء، ولكنها كانت تضم مجرد أناس أغبياء يتحدثون مع الفلاحين الفقراء باللغة الإنجليزية”.
وقد تساءل بعض الموظفين عما إذا كانت الأمانة مجرد وسيلة تستغلها أسماء لتعظيم الذات. كان يجب على المستشارين أن يخاطبوها بـ”صاحبة الفخامة” ويقفوا عندما تدخل الغرفة. يؤكد أحد الزملاء السابقين أن أسماء كانت ملتزمة بجعل سوريا بلدا ليبراليا، لكن البعض الآخر لا يعتقد ذلك. ويقول دبلوماسي غربي عمل في سوريا خلال تلك الفترة: “هل كانت [تلك الرغبة] حقيقية؟ هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي”.
كان والدها، فواز الأخرس، من بين أولئك الذين ساهموا في تعزيز مكانة أسماء. بعد فترة وجيزة من زواجها من بشار الأسد، أنشأ الأخرس الجمعية البريطانية السورية، وهي منظمة في لندن حشدت الدعم السياسي والمالي لسوريا، ونسّق أنشطة الجمعية مع مؤسسة أسماء، واستقطب عددا من الأثرياء السوريين.
خلال السنوات العشر التي سبقت الثورة، تضاءل نفوذ جنرالات الجيش السوري والمسؤولين في حزب البعث وفي أجهزة المخابرات، وقد استغلوا الفرصة بعد اندلاع الثورة للانتقام. كما ضغطت أنيسة، والدة بشار، على ابنها من أجل الرد بشكل حازم على الثوار
كان الأخرس صريحًا بشأن قربه من السلطة، وكان يذكّر دائما عند إلقاء الخطب بأنه والد زوجة الرئيس. ويقول يحيى العريضي، الذي كان يدير المركز الإعلامي السوري في لندن، “مقارنة به، كان السفير السوري عبارة عن غاسل”. وقد قيل إن رئيس الوزراء السوري ذاته كان يطلب من والد أسماء إيصال بعض الرسائل إلى بشار.
كان والد أسماء، طبيب القلب في مستشفى خاص في كنسينغتون، معروفا بجشعه. يقول المرضى إنه كان يطلب دفع المال مسبقا قبل أي عملية، بينما يؤكد المدافعون عنه أنه عاش لعقود في منزل متواضع بالقرب من طريق سريع مزدحم في غرب لندن. في الواقع، تعلم السوريون في ظل تاريخ طويل من السياسات القمعية أهمية إخفاء ثرواتهم.
كانت صورة سوريا على المستوى الدولي تتحسن تدريجيا مع بروز أسماء الأسد. بدأ المسؤولون الأمريكيون بزيارة دمشق مرة أخرى، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما سنة 2008، وترددت شائعات عن إمكانية دعوة الأسد لزيارة واشنطن، وقد زار الرئيس السوري باريس آنذاك، وطارد المصورون عائلة الأسد خلال الزيارة. وقد أشادت مجلة “باري ماتش” آنذاك بأسماء الأسد واعتبرت أنها مصدر لـ”الضوء في بلد يسوده الظلام”.
في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2010، خاطبت أسماء النخبة الفرنسية المجتمعة في الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، وتحدثت عن التغيير الذي يحدث في سوريا. بعد أيام قليلة، أضرم بائع خضار تونسي النار في جسده، مما أدى إلى اندلاع ثورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط عُرفت باسم ثورات الربيع العربي، واتضح أن القوة الناعمة لن تكون كافية لبقاء آل الأسد على رأس السلطة.
في أول شهرين من سنة 2011، كان الوضع في الشرق الأوسط مضطربا. بعد عقود من الركود والقمع، اندلعت المظاهرات من تونس إلى ليبيا، ومن الجزائر إلى البحرين، ومن الأردن إلى اليمن، وأطاحت احتجاجات حاشدة في القاهرة بالرئيس حسني مبارك، الديكتاتور الذي حكم مصر حوالي 30 سنة، وبدا أن مد الثورة لا يمكن إيقافه.
كان الكثير من السوريين منتشين بما حدث في الدول العربية الأخرى، لكن الخوف منع معظمهم من النزول إلى الشوارع. وفي إحدى الليالي في شهر شباط/ فبراير، أطلق مجموعة من طلاب المدارس في درعا شرارة الثورة عندما كتبوا على أحد الجدران: “جاييك الدور يا دكتور”.
كان مدير الأمن في المنطقة أحد أقارب بشار الأسد، وهو “بلطجي” حتى بمعايير أجهزة المخابرات السورية. جمع رجاله الأطفال الذين كتبوا الشعار وعذبوهم، ورفض مطالب الإفراج عنهم. تجمعت الحشود أمام مساجد درعا للمطالبة بالكرامة والحرية، وقام الجنود بإطلاق النار على المتظاهرين.
لم يكن واضحا في البداية – حتى لأسماء الأسد على الأرجح – كيف ستكون ردة فعل بشار. نصحه أحد جنرالاته باعتقال مدير الأمن والاعتذار عن إراقة الدماء في درعا. كانت المدن الكبرى في سوريا لا تزال هادئة، لذا فإن الاعتذار العلني والوعود بالتغيير ربما كانت كافية للسيطرة على الوضع.
في واشنطن، ساعد السفير السوري بشار الأسد في صياغة خطاب يعلن إصلاحات جديدة، وتم إخبار أصدقاء الأسد في الغرب بذلك. يبدو أيضا أن أسماء كانت تتوقع أن يرحب الشعب بهذه الخطوة. مع انتشار ثورات الربيع العربي، قالت زوجة الرئيس السوري إن النظام يعرف أنه يجب أن يتغير، وكشفت زميلة سابقة أن أسماء حاولت التحدث إلى المعارضة.
في 30 آذار/ مارس، ألقى بشار خطابا أمام البرلمان السوري وأكد أن “سوريا تواجه مؤامرة كبيرة”، مخالفا كل التوقعات. وصف بشار اللقطات التي تُظهر إطلاق قوات الأمن النار على المتظاهرين بأنها “مزيفة”، ورفض الدعوات للإصلاح قائلا إنها غطاء لمؤامرة أجنبية.
يقول أحد أعضاء مجلس إدارة مؤسسة أسماء الأسد (غادر سوريا بعد الخطاب مباشرة): “لقد كان النظام القديم يكرر نفسه. لم تكن هناك كلمة واحدة للإصلاح، ولم يكن هناك اعتراف بأن الأمور يمكن أن تُعالج بشكل مختلف. عندما التقيت بشار كان يتحدث عن الإصلاح، وكان من المحبط اكتشاف أن ذلك كان مجرد خدعة”.
بعد الخطاب، زادت المظاهرات الأسبوعية -عقب كل صلاة جمعة – من حيث العدد والحجم، وتوسعت دائرة العنف والقتل. على مدار شهر، أصبح رد فعل النظام أكثر شراسة، باستخدام البلطجية والقناصة والمدفعية الثقيلة.
صرحت الحكومة البريطانية مرارا وتكرارا أنها لا تستطيع منع أسماء من دخول البلاد نظرا لأنها مواطنة بريطانية
خلال السنوات العشر التي سبقت الثورة، تضاءل نفوذ جنرالات الجيش السوري والمسؤولين في حزب البعث وفي أجهزة المخابرات، وقد استغلوا الفرصة بعد اندلاع الثورة للانتقام. كما ضغطت أنيسة، والدة بشار، على ابنها من أجل الرد بشكل حازم على الثوار، وكانت تذكّره بمواقف وقرارات والده الصارمة.
عندما اندلعت انتفاضة سنة 1982 في حماة، قمعها حافظ الأسد بوحشية. وقد أفاد سفير فرنسي سابق في دمشق أن مقربين من بشار نقلوا عنه قوله: “كان والدي على حق. لقد منحنا قتل الآلاف في مدينة حماة الاستقرار لثلاثة عقود”.
عندما عمّت الفوضى والاضطرابات في سوريا، ذهبت مخططات أسماء أدراج الرياح، وتم إلغاء حفل بمناسبة إعادة افتتاح المتحف الوطني. بعد سبع سنوات من التخطيط، لم يتحقق المشروع، وظل المتحف الذي تم تصميمه على غرار متحف العلوم في لندن، عبارة عن هيكل خرساني. توقف التمويل وغادر المستشارون الأجانب البلاد، وحذفوا من سيرهم الذاتية أي ذكر للعمل الذي قاموا به في “الأمانة السورية للتنمية”. أصبح الزائرون الغربيون منبوذين وغير مرحب بهم في سوريا، على غرار نيك غريفين، الذي كان آنذاك زعيم الحزب الوطني البريطاني، ذو التوجهات اليمينية المتطرفة.
قال وفيق سعيد إنه ناشد بشار أن يتبع منهجا معتدلا، حيث قال له: “إنهم يحبونك أنت وزوجتك، فأنت لست مثل مبارك. لا تفوّت هذه الفرصة لتصبح أعظم زعيم في العالم العربي. يتمثل كل ما عليك فعله في منحهم بعض الحقوق والقليل من الكرامة حتى تتمكّن من أن تصبح محبوبا إلى الأبد”. لكن مسار بشار سبق وأن تحدّد. ففي خطاب ثان، في حزيران/يونيو، شبّه بشار المتظاهرين بأنهم “جراثيم”، الأمر الذي مثّل بداية الفصل المظلم.
في شباط/فبراير سنة 2012، بعد مرور سنة على الربيع العربي، دربت الفرقة الرابعة السورية مدفعيتها على استهداف حمص في غرب سوريا، بقيادة شقيق بشار الأصغر، ماهر. نشأ والدا أسماء في تلك المدينة، واليوم تصاعدت الاحتجاجات هناك لتتحوّل إلى ثورة مسلحة، حيث انشق الجنود وانضموا إلى الثوار وتوفي بالفعل حوالي سبعة آلاف مدني في جميع أنحاء البلاد.
عندما توغلت الدبابات باتجاه مسقط رأس عائلتها، كانت أسماء تراسل صديقا عبر البريد الإلكتروني قائلة: “هل هناك ما لفت انتباهك؟” بينما كانت تتحدّث عن مجموعة حصرية من أحذية كريستيان لوبوتان. بالكاد ظهرت أسماء بشكل علني منذ بداية الاحتجاجات، مما أثار بعض التكهنات، حول ما إذا كانت أسيرة أو داعمة لأفعال زوجها أو فرّت إلى خارج البلاد.
أشار الأشخاص الذين تحدثوا معها على انفراد خلال أولى أيام الأزمة إلى أنها كانت متمسّكة بصرامة بالرواية الرسمية: وهي أن الانتفاضة كانت مؤامرة أجنبية. قالت إحدى صديقاتها السابقات: “لطالما كان الأمر مجرّد كذبة، فلقد استغلّتني” ومع ذلك، يصر آخرون على أن أسماء كانت مصدومة من تزايد وحشية بشار. لسائل أن يسأل؛ من يستطيع أن يشهد على مصير معمر القذافي الذي وقع جرّ جثته المشوّهة في شوارع ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2011 دون أن ينتابه الخوف؟
من الناحية النظرية، كان من الممكن أن تذهب أسماء إلى لندن، حيث عُرضت عليها بعض الأماكن الآمنة، بالإضافة إلى مكافآت رائعة من دول الخليج. من جانبها، صرحت الحكومة البريطانية مرارا وتكرارا أنها لا تستطيع منع أسماء من دخول البلاد نظرا لأنها مواطنة بريطانية، وهو ما فسره بعض المراقبين على أنه عرض سري لحمايتها. في المقابل، كان الجوّ، حتى في لندن، منفّرا، إذ تجمع المتظاهرون خارج منزل عائلة أسماء في أكتون ولطّخوا الباب بدهان باللون الأحمر، كما حذفت كلية كوينز اسمها من قائمة الخريجات المكرمات.
في الواقع، كانت هناك شائعات تفيد بمغادرة أسماء للبلاد. ويتذكر مسؤول كان يعمل في السفارة السورية بلندن في ذلك الوقت أن المسؤولين الأمنيين كانوا يستعدون لاستقبال أو إرسال شخصية مهمة في نهاية سنة 2011 (على الرغم من أن هذه الشخصيّة ربما لم تكن أسماء). ويقول أطراف آخرون إن أتباعها أوقفوها عندما كانت في طريقها إلى مطار دمشق وافتكّوا منها أطفالها، ما دفعها إلى رفض السفر من دونهم.
توقفت أسماء عن إجراء المقابلات، كما أشار أصدقاؤها السابقون إلى أنها كانت تبدو هزيلة خلال خروجها في زيارة عامة نادرة إلى تجمع مؤيد للحكومة في كانون الثاني/يناير سنة 2012. وفي مرحلة ما، انتقلت هي وأطفالها إلى القصر الصيفي الذي تملكه العائلة بالقرب من الساحل، بعيدا عن أي قصف أو غاز مسيل للدموع.
في ظلّ عدم اضطلاعها بأي دور عام، ركزت أسماء بدلا من ذلك على تجديد تصميم المنزل. وخلال السنة الأولى من الانتفاضة، عبّرت أسماء عن إعجابها بعمل أحد البستانيين، كما أنفقت 250 ألف جنيه إسترليني على تجديد الأثاث. وللتحايل على العقوبات، أرسلت مصففة شعرها للتسوق في دبي واستخدمت اسما مستعارا عند التسوّق من هارودز، كما تقدم وكيل عائلة الأسد في لندن بطلباتها لاقتناء الثريات. في هذا السياق، أشارت أسماء مازحة إلى أنها هي “الديكتاتور الحقيقي” في منزل الأسد.
وقع الكشف عن رحلات التسوق التي أجرتها أسماء في مجموعة من آلاف الرسائل الإلكترونية التي تشاركها أطراف مقرّبون من عائلة الأسد، والتي سربها نشطاء المعارضة السورية سنة 2012 إلى صحيفة الغارديان، بالإضافة إلى رسائل أخرى نشرتها ويكيليكس. وتشير الرسائل إلى أن أسماء ربما كانت مترددة. ففي كانون الأوّل/ديسمبر سنة 2011، تبادلت رسائل البريد الإلكتروني مع ابنة أمير قطر آنذاك، التي كانت صديقتها إلى حين تحالف القطريين مع الثوار السوريين، حيث أخبرتها أنه “لم يفت الأوان على إعادة التفكير والخروج من حالة الإنكار”، ثم اعتذرت في حال كانت قد تجاوزت حدودها، إذ من الممكن أنها كانت تشجع أسماء على الانشقاق.
كان الرد الذي قدمته أسماء غامضا بشكل غريب، حيث كانت قابلة في البداية بمبدأ التحدّث “بصراحة” ثم بدت وكأنها تراجع نفسها، حيث قالت “الحياة ليست عادلة يا صديقي. وفي النهاية، هناك حقيقة يجدر بنا جميعا أن نتعامل معها!!!” في تلميح منها إلى وجود قوى تجبرها على البقاء.
للتحايل على العقوبات، أرسلت مصففة شعرها للتسوق في دبي واستخدمت اسما مستعارا عند التسوّق من هارودز
تكشف رسائل البريد الإلكتروني بعض الحقائق حول زواج الأسد، إذ يعتقد الكثيرون أن التحالف كان يهدف في المقام الأول إلى تأمين مصالح العائلتين. كان بشار الأسد معروفا بخداعه، وهو انطباع عززته رسائل الإعجاب على البريد الإلكتروني المسرّبة التي تلقاها من مساعداته الشابات. وعلى الرغم من ذلك، كان بشار وأسماء يُعرفان بمودّتهما. ففي 28 كانون الأول/ديسمبر سنة 2011، عندما قصفت الدبابات مسقط رأس عائلتها حمص، كتبت أسماء إلى بشار: “إذا كنا أقوياء معا، سنتغلب على هذا معا … أنا أحبك”. لكن لم يكن واضحا ما إذا كانت المشاكل التي كانوا بحاجة إلى “التغلب عليها” تتعلق بسوريا أو بزواجهما.
بعد أيام قليلة، أرسلت أسماء بريدا إلكترونيا إلى “بطةّ”، وهو اسم تطلقه على زوجها، الذي ردّ بإرسال صورة قلب، فأجابته: “أحيانا في الليل، عندما أنظر إلى السماء، أفكّر فيك وأسأل نفسي، لماذا؟ لماذا أحبك؟ ثمّ أبتسم، لأنني أعرف أن القائمة يمكن أن تستمر لأميال”. في شباط/فبراير سنة 2012، بدا وكأن بشار يقدم اعتذارا سريا عن مغازلاته، فأرسل لها أغنية ريفية غربية تقول كلماتها: “لقد أحدثت فوضى في حياتي/ الشخص الذي كنت عليه مؤخرا/ ليس الشخص الذي أريد أن أكون مثله”.
بعد فترة وجيزة، أصدرت أسماء أول بيان رسمي لها منذ بداية الانتفاضة: “الرئيس هو رئيس سوريا بأكملها، وليس رئيس إحدى الفصائل السوريّة، والسيدة الأولى تدعمه في هذا الدور”. وبهذه الطريقة، كانت أسماء تعبّر عن مساندتها لزوجها.
إذا صدق المعارضون، قامت أسماء، في إطار محاولة تصالحها مع بشار، بالترتيب لعودتها إلى الحياة السياسية بمساعدة والدها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شريكا كاملا في الرئاسة. في صيف سنة 2012، فرّت شقيقة بشار، بشرى، إلى دبي بعد مقتل زوجها في حادث انفجار. أعلن الثوار مسؤوليتهم عن التفجير، لكن الحادث كان يتجاوز ما أظهروه من مقدرة حتى تلك اللحظة. كانت بشرى وزوجها يمثلان أحد أكبر مصادر المشاعر المعادية لأسماء في الدائرة المقربة، وافترض الكثيرون أن الاغتيال كان نتيجة تدبير من الداخل.
على مدى السنة التالية، تحسنت آفاق بشار أيضًا، إذ كبح تقدم الثوار وطردهم من معقلهم في حمص. ومع أن القوات المناهضة للحكومة كانت لا تزال تسيطر على بعض ضواحي دمشق، وتطلق القذائف على وسط المدينة، إلا أنها لم تتمكن من الإطاحة بعائلة الأسد.
مع استمرار الحرب، أصبح بشار أكثر قسوة. وفي هذا الصدد، يشير دبلوماسي غربي إلى التصعيد البطيء لأعمال العنف، حيث استخدمت المدفعيات ضد المدنيين، ثم الغارات الجوية، ثم البراميل المتفجرة. وقال الدبلوماسي: “كان استخدامهم لسلاح معين مرة واحدة تسبب باحتجاجات عنيفة، ولكن ليس لدرجة التدخل الدولي. وفتح هذا الأمر المجال للتوسع في استخدامه، حتى بات هذا الوضع الطبيعي الجديد”. تنامت الإدانة الدولية لجرائم بشار، لكن تضييق الخناق التدريجي على سوريا بدلاً من اللجوء لهجوم شامل، ساعد في درء التدخلات.
في 21 آب/ أغسطس 2013، ظهرت لقطات جديدة تصور الناس في ضواحي دمشق الخاضعة لسيطرة الثوار والفقاعات تخرج من أنوفهم وأفواههم، وأطرافهم ترتعش؛ في هجمة أسفرت عن مقتل المئات. لاحقا، أكدت تحقيقات تابعة للأمم المتحدة أنهم قُتلوا بغاز الأعصاب المسمى بغاز السارين. كان ذلك أسوأ هجوم بالأسلحة الكيماوية يشهده العالم منذ سنة 1988؛ حينما أطلق صدام حسين الغازات ضد الأكراد في حلبجة.
في اليوم التالي، وبينما كان العالم يحاول استيعاب فظاعة المشاهد المصورة، نُشرت صور أخرى تستعرض الأنشطة الرسمية للسيدة الأولى بتفاصيلها الدقيقة على “فيسبوك”. في إحداها، ظهرت أسماء مع زوجها جالسين على شرفة مزينة بالورود مع منشور جاء بنصه أن “الحب بلد يقوده أسد قضى على المؤامرات، وسيدة أولى مخلصة لوطنها”. ونشر أحد المستخدمين تعليقا على ذلك مفاده: “ألا تخجلين من نفسك؟ شعبك يُذبح وأنت تشاهدين ذلك فحسب، بل وتقومين بالأسوأ من ذلك.. تشترين الأحذية أيضا”.
من الصعب إدراك نطاق الدمار الفعلي في سوريا على مدى السنوات التي تلت ذلك. في سنة 2014، استغل تنظيم الدولة الفوضى في البلاد لتأسيس ما سماه بالخلافة التي تمتد عبر سوريا والعراق. وشكلت ضراوة التنظيم تهديدًا خطيرًا لقوات بشار، لكنها في الوقت ذاته، أضعفت من الدعم لمعارضته وسوّغت دعم إيران وروسيا له.
لقد تم التنازع على كل شبر من البلاد تقريبا. على الرغم من أن بشار استعاد حلب، آخر المدن الكبرى، في سنة 2016، إلا أنه استمر في إلقاء القنابل، حتى تحول ما يقرب من نصف البلدات والمدن السورية إلى مجرد ركام وأنقاض. وفي السنة ذاتها، توقفت الأمم المتحدة عن محاولة إحصاء عدد قتلى الحرب، بعد تسجيل ما يقرب من نصف مليون. والآن، ينتشر حول العالم أكثر من عشر ملايين لاجئ سوري.
إن فساتين “شانيل” والأحذية ذات الكعب العالي لا تتماشى مع أنقاض الحرب الأهلية. وبات الواقع الجديد في سوريا يتطلب نسخة جديدة من أسماء. نتيجة لذلك، تركت السيدة الأولى الكعوب وتجميل الأظافر والمعاطف الثمينة والمجوهرات، واستبدلتها بالأحذية المسطحة والقمصان والسراويل التي كشفت ذراعاها الهزيلين وقوامها الصغير. وعندما توفيت والدة بشار أنيسة في شباط/ فبراير 2016، فقدت أسماء أقوى خصم لها. لكن التغيير الأكبر كان مرورها بمحنة شخصية مضنية.
في سنة 2018، تم تشخيص إصابة أسماء بسرطان الثدي. لكن المرض لم يمنعها من إدارة صورتها العامة بحرص، أو التأكد من أن يعرف الجميع أنها بقيت في سوريا لتلقي العلاج. تم توثيق نضالها بالتفصيل من قبل وسائل الإعلام الحكومية وعلى قنوات التواصل الاجتماعي التابعة للرئاسة، حتى أنها صُورت وهي تنقل إلى غرفة العمليات.
عندما تساقط شعرها، صوّرتها العدسات مرتديةً أغطية رأسٍ أنيقة، للدلالة على الضعف والقوة في الآن ذاته، وهو ما مثل استعارة على نضال زوجها ضد الثورة. وعندما قال أحد المحاورين التلفزيونيين لها: “تهانينا على انتصارك على السرطان”، أجابته أسماء: “شكرًا لك. آمل أن نحتفل بانتصار سوريا قريبا”.
حتى قبل أن تتعافى كليا، عرضت وسائل الإعلام الموالية للحكومة مشاركة أسماء في حزن سوريا، حيث قامت، برفقة طواقم التصوير، بطرق أبواب بيوت قرى المرتفعات الفقيرة، وعانقت أمهات الشهداء المندهشات وقدمت لهنّ المعونات.
بذلت أسماء جهودًا واعيةً لإخفاء هويتها البريطانية. حيث عملت بجد على تحسين لغتها العربية لدرجة أن السوريين لم يعد بإمكانهم ملاحظة لكنتها الإنجليزية، وتجاهلت طلبات وسائل الإعلام الغربية لإجراء المقابلات، ولم تقبل سوى العروض المقدمة من وسائل إعلام روسية ومحلية. على الرغم من أن أسماء أدارت ظهرها للغرب، إلا أن مؤسستها التي تعتمد على المانحين الدوليين ظلت قائمة.
تضاءل دخل مؤسستها الخيرية “الأمانة السورية للتنمية”، بعد فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات في سنة 2012. لكن المساعدات الإنسانية الدولية تتدفق الآن لدعم السوريين الذين عانوا من ويلات الحرب، وكان جزء كبير من تلك الأموال على وشك أن يكون لصالح أسماء.
بالنسبة لوكالات الأمم المتحدة التي تسعى إلى تقديم المساعدة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، كانت الأمانة السورية محاورًا قيّما: حيث كان موظفوها الناطقون باللغة الإنجليزية على دراية باللوائح الدولية، وكانت أسماء قادرة على فتح الفرص ونقاط التفتيش. بحلول سنة 2017، كانت أموال الأمم المتحدة التي تُنقل عبر الأمانة السورية للتنمية تفوق المبالغ التي تمر عبر أي منظمة سورية أخرى تقريبًا.
عمليات الاندماج والاستحواذ التي تقوم بها أسماء لا تزال متواصلة.
كثيرًا ما تتعامل الأمم المتحدة مع الجهات النظيرة الفاسدة والوحشية، لكونها الطريقة الوحيدة لتقديم المساعدة في العديد من البلدان. على الرغم من ذلك، حتى كبار العاملين في الأمم المتحدة صُدموا من درجة تعاون المؤسسة مع المنظمات الحكومية السورية.
في الفترة التي تتراوح بين سنتي 2016 و2019، تلقّت الأمانة السورية للتنمية مبالغ مالية متزايدة سنويا من وكالات الأمم المتحدة. (تبرعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لوحدها بمبلغ 6.5 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2018). وبحلول سنة 2020، أصبح لدى الأمانة ما يقرب من 1500 موظف، بزيادة قدرها عشرة أضعاف خلال عشر سنوات، بالإضافة إلى خمسة آلاف متطوع.
بفضل ترأسها منظمة “الأمانة السورية للتنمية”، تمكنت أسماء الأسد من جني ثروة طائلة. من خلال توجيه المساعدات القادمة من الأمم المتحدة، تمكنت أسماء الأسد من تكوين شبكة واسعة من المحسوبية التي شملت أيضًا أمراء الحرب السوريين. وتفيد التقارير بأن الناس عبروا عن امتنانهم للحماية التي تقدمها وإحسانها من خلال تسليم حقائب مليئة بالنقود إلى المنظمات المرتبطة بها.
استفادت أسماء الأسد أيضًا من اقتصاد الحرب بشكل مباشر. فقد فازت شركة مرتبطة بها بعقد حكومي لإدارة مدفوعات البطاقات الذكية، وأطلقت أيضًا شركة “إيماتيل” للأجهزة الذكية – وهو اسم كانت تُنادى به في طفولتها – لكن الشركة مسجلة باسم خضر علي طاهر، الذي قال أحد رجال الأعمال إنه يمثل “واجهةً لكل أعمال أسماء”.
اكتسبت عائلة أسماء ذات نفوذًا كبيرًا في الاقتصاد السوري. وحسب مواقع إخبارية سورية (بعضها تابع للمعارضة)، فإن شقيقها فراس أخرس وابن خالتها مهند الدباغ يديران شركة البطاقات الذكية بشكل فعال نيابة عنها. ووصف تقرير حديث لموظف سابق في السفارة الأمريكية في دمشق طريف الأخرس، ابن عم أسماء، بأنه “أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية للنظام”. وفي ديسمبر/ كانون الأول، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على أفراد من عائلة الأخرس.
يقول مساعدون سابقون إن بشار الأسد سعيد بالنجاح المالي الذي حققته زوجته أسماء وممتن لمساعدتها. إن نظامه منهك من الحرب التي دامت عقدًا من الزمان، ولم يكن الاقتصاد قط سلاحه القوي. ووفقا لشخص من جماعة ضغط تابعة لعائلة الأسد في أوروبا، فقد أصبحت أسماء “كبيرة مستشاريه الاقتصاديين”.
بحلول سنة 2019، كان الروس يضايقون بشار لسداد قروض سوريا وكانت الولايات المتحدة تشدد العقوبات. كانت الحكومة السورية بحاجة ماسة إلى المال وكان الأسد يبحث عن هدف. وعلى مدى عقود، استخدم رامي مخلوف، ابن خال بشار، صلاته بالعائلة الحاكمة لتكوين إمبراطورية من الشركات واحتكار سوق الاستيراد وطرق التهريب. ومن بين أصوله شركة “سيريتل” للاتصالات. كان مخلوف على الورق مجرد رجل أعمال ناجح، وعمليًا كان يتصرف مثل الرئيس التنفيذي لسوريا. وقد قيل إنه كان بإمكانه إقالة أي وزير بمكالمة هاتفية واحدة.
مع وفاة أم بشار أنيسة، فقد مخلوف حاميه. استحوذت منظمة “الأمانة السورية للتنمية” على المؤسسة الخيرية التي استخدمها مخلوف لإثراء العلويين. كما وضعت الحكومة شركة “سيريتل” تحت الحراسة القضائية، مع تجميد حسابات مخلوف المصرفية وتعيين أفراد من عائلة أسماء في مجالس إدارات شركاته.
حاول مخلوف الإطاحة بأسماء. في أيار/ مايو 2020، نشر رامي مخلوف مقطع فيديو على فيسبوك اتهم فيه “مجموعة من الموجودين على رأس السلطة” بالتآمر ضده. في الوقت نفسه، نشرت وسائل الإعلام الروسية تقارير، نقلاً عن مصادر عربية، تفيد بأن بشار أنفق 30 مليون دولار على لوحة لديفيد هوكني أهداها لزوجته (كانت القصة كاذبة). لكن دون جدوى. ولا يزال مخلوف رهن الإقامة الجبرية الجزئية، ويشاع أنه ظل على قيد الحياة فقط لأنه يحمل كلمات السر وسندات الأصول الخارجية التي تقدر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار.
إن عمليات الاندماج والاستحواذ التي تقوم بها أسماء لا تزال متواصلة. كما دخلت ثاني أكبر شركة للهواتف المحمولة في سوريا تحت الحراسة القضائية. وخلال الشهر الماضي، تم تعيين مقربين من أسماء في مجلس إدارتها. وبات لشركة “إيماتيل” الآن فروع في جميع أنحاء البلاد (حتى في المناطق التي لا يسيطر عليها زوجها).
لقد أدى النجاح المالي والمكائد القاسية إلى تآكل الصورة التي حاول أسماء لسنوات التسويق لها. قال أحد رجال الأعمال السوريين: “لا يزال البعض يحبها، حتى إنهم يضعون صورتها على حساباتهم على إنستغرام. لكن معظم الناس باتوا يعتبرونها الآن شخصًا جشعًا”. مع ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة أن أسماء تفهم جيدًا كيفية عمل سوريا.
في أواخر السنة الماضي، لاحظ سكان حي دمشق حيث تعيش أسماء تغيرًا سرياليًا في المشهد العام. فقد استبدل تمثال قديم لأحد القادة العسكريين بتمثال ضخم لرأس حصان، بتوجيه من شركاء أعمال أسماء. اشتكى السكان المحليون من الإسراف في زمن الحرب. وحسب تقارير صحفية خليجية، قامت السلطات بإزالة التماثل لكنه أعيد إلى مكانه بعد ساعات، وفي ذلك رسالة واضحة: في سوريا ما بعد الحرب، أسماء هي صاحبة القرار.
كما تخصص وسائل الإعلام الحكومية لـ “سيدة الياسمين” المزيد من وقت البث. وقد رُصدت ملصقات كبيرة لصورتها في مسقط رأس والديها في حمص تغطي مجمعات سكنية بأكملها. بالنسبة لهذه السيدة السورية الأولى التي لم تحظ سواها بهذه المكانة، فقد اعتاد الوزراء على عرض صورتها في مكاتبهم إلى جانب صور زوجها بشار.
مع انقلاب النظام على مخلوف ورحيل أخت بشار ووالدته، لم يعد يقف في طريق أسماء سوى عدد قليل من المنافسين الأساسيين ضمن الدائرة الداخلية في السلطة. ويشغل العديد من مستشاريها المقربين المناصب العليا في مكتب الرئيس. وحسب رجل أعمال يسافر بين دمشق وأوروبا، فإن أسماء “تسيطر على التعيينات في القصر. ويمكنها أن ترشح من تريد”.
في كل من دمشق والعواصم الأجنبية، يتساءل السوريون علانية عما إذا كان لأسماء طموحات سياسية في الصعود إلى القمة. إذا وصل بشار إلى وضع حرج لا يمكنها الدفاع عنه، هل يمكن لأسماء أن تخدع الأغلبية السنية في البلاد لتحافظ على استمرارية النظام؟ تفيد شائعات بأن أحد أفراد الأسرة التقى مؤخرًا بمسؤولين أمريكيين للحصول على دعم لمثل هذا المخطط. ويقول دبلوماسي سوري سابق: “بشار وأسماء يفكران في هذا الأمر. إنها تود أن تكون رئيسة وكلاهما يعتبره حلاً ثوريًا لإنقاذ النظام”.
بمجرد أن تعرب بريطانيا عن استعدادها لدعم تطلعات أسماء، فإنها ستضيف بذلك قائدا جديدا لمجموعة قادة الشرق الأوسط الذين تربطهم علاقات بالمملكة المتحدة. رغم الإدانة الصارخة لعائلة الأسد، لم تسحب الحكومة البريطانية جنسية أسماء أبدًا، لكنها لم تتوان عن فعل ذلك مع شميمة بيغوم، طالبة شرق لندن التي سافرت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة في سنة 2015 عندما كانت لا تزال مراهقة.
في المقابل، لا يبدو أن الشق المحافظ في الطائفة العلوية سيدعم محاولة أسماء الوصول للرئاسة. ولعل أقوى خصم محتمل لها هو ماهر، الأخ الأصغر لبشار، الذي لا يزال قائد الفرقة الرابعة المُدرعة التابعة للجيش السوري. وفقا رجل أعمال سوري في دبي على صلة بالنظام: “سيتآمر الجيش والطائفة لمنعها من ترشيح نفسها رئيسةً للبلاد”.
يبدو أن أسماء باتت أقوى من أي وقت مضى، لكنها أيضًا أكثر ضعفًا. ذلك أن الحديث عن طموحاتها الرئاسية يمكن أن يشكل خطرًا عليها. وعلى الرغم من أن العديد من أصدقاء أسماء نأوا بأنفسهم عنها منذ سنوات، إلا أنهم ما زالوا قلقين بشأن سلامتها. ففي سعيها للحصول على أكبر جائزة، يمكن لفتاة من غرب لندن أن تتجاوز الحدود. يقول وفيق سعيد: “أنا قلق عليها”. لكن كما أدركت أسماء منذ فترة طويلة، لم يعد هناك مجال للعودة إلى الوراء.
المصدر: ذي إيكونوميست