أنهى رئيس الوزراء السابق والقيادي الكبير في حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران علاقته مع حزبه، عقب مصادقة الحكومة، التي يقود الحزب ائتلافها، على مشروع قانون يقنن استخدام القنب الهندي (مخدر الحشيش)، للأغراض الطبية والصناعية.
هذه الاستقالة أثارت استغراب المغاربة، خاصة وأنها جاءت بعد تقنين “الكيف” الذي يزرع في مناطق متفرقة بجهة طنجة تطوان الحسيمة (شمال المغرب) ولم تأتِ بعد إقرار السلطات المغربية التطبيع مع الكيان الصهيوني نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فما الذي يفسّر قرار بنكيران؟
تجميد عضوية
نفّذ بنكيران تهديده وأعلن الاستقالة من الحزب، ففي مطلع مارس/ آذار الحالي، هدد بنكيران، بالانسحاب من حزب العدالة والتنمية؛ إذا وافق نواب الحزب في البرلمان على مشروع القانون الذي يسمح باستخدام القنب الهندي.
وفور مصادقة الحكومة التي يقودها خلفه سعد الدين العثماني على مشروع القانون المثير للجدل، استقال بنكيران من الحزب، حيث قال في بيان نشره عبر “فيسبوك”: “تبعًا لمصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون يقنن استخدام القنب الهندي، أؤكد تجميد عضويتي بحزب العدالة والتنمية”. كما أعلن بنكيران قطع علاقته “بكل من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير الطاقة عبد العزيز رباح، ووزير الشغل محمد أمكراز، والقيادي بالحزب لحسن الدوادي”.
يذكر أن بنكيران كان من أشدّ المعارضين لتقنين زراعة “الكيف” في البلاد، وقد عارض المشروع حين كان رئيسًا للحكومة قبل سنوات بدعوى أنه “يشرعن المخدرات”، ومطلع هذا الشهر هدد بالاستقالة من الحزب، في حال صادق ممثلوه في البرلمان على المشروع.
يتساءل العديد من المغاربة عن سبب انتفاض عبد الإله بنكيران ضدّ “العدالة والتنمية” بسبب قانون تقنين “الكيف”، ومهادنته حزبه الذي يقود الائتلاف الحاكم عند التطبيع
يعتبر الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، أن دعاوى تقنين زراعة “الكيف” “دمار لأمة بكاملها وخطر لفكر انفصالي لا قدر الله، مشددًا على أن هذه الأصوات هي “شرعنة للمخدرات ودمار مبيت لأمة بكاملها وخطر فكر انفصالي”.
كما يعتبر أن تقنين زراعة نبتة القنب الهندي ليس حلا، وأن “ادعاء إنهاء المتابعة القضائية في حق الناشطين في هذه الزراعة مجرد أوهام يروجها البعض”، موضحًا أنه “بالرجوع إلى الدراسات فإنه ليس هناك يقين بالاستعمالات المنفعية لهذه النبتة”.
في مقابل ذلك، تراهن الحكومة المغربية على الاستفادة من زراعة القنب الهندي في الاستعمالات الطبية والصناعية، واستغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، وتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، بينما يظل استعمالها لأغراض “ترفيهية” محظورًا.
تبرير التطبيع
يتساءل العديد من المغاربة عن سبب انتفاض عبد الإله بنكيران ضدّ العدالة والتنمية بسبب قانون تقنين “الكيف”، ومهادنته حزبه الذي يقود الائتلاف الحاكم عند تطبيع سلطات البلاد مع الكيان الصهيوني، ليس هذا فحسب بل تبريره إمضاء سعد الدين العثماني بمعية مستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنير ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات اتفاقية التطبيع، رغم أن الحزب أسس عقيدته السياسية، منذ نشأته، على رفض التطبيع.
فعلى إثر اتفاقية التطبيع، دعا بنكيران في كلمة بثها عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مناضلي حزبه إلى الكف عن انتقاد رئيس الحكومة الحالي، لافتًا إلى أن توقيع العثماني على الإعلان الثلاثي مع الإسرائيليين أمام الملك، قد لا يعجب البعض، لكن المطالبة بإقالته أمر غير منطقي.
#بنكيران جميل ان تثور لهذا السبب⬅️”تبعاً لمصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون يقنن استخدام القنب الهندي، أؤكد تجميد عضويتي بحزب العدالة والتنمية”
ولكن الم تكن #فلسطين و #الاقصى أحق ان تثور من أجلها وتجمد عضويتك في حزبك عندما وقع رئيس حزبك على اتفاقية العار والتطبيع مع الأعداء pic.twitter.com/XUU8MXly9x
— قناة تقرير (@tqriir) March 11, 2021
شدد الأمين العام السابق للعدالة والتنمية على أنه من حق حزبه أن يستاء من قرار التطبيع، بعدما شكلت هذه القضية لعقود من الزمن نقطة أساسية في عقيدته، لافتًا إلى أنه “من غير المناسب أن يقف هذا الحزب الذي يترأس الحكومة ضد قرارات الدولة، وأنه لا يمكن له أن يؤيد قرارًا ويرفض آخر”.
وتابع قائلا: “وجوده في الحكومة يفرض عليه القبول بكل القرارات، وإذا كان سيرفض أي قرار فالمفروض أن يظل في المعارضة، وحينها يمكن أن يقول ما يشاء، أما والحال أن الحزب يترأس الحكومة وأمينه العام هو الرجل الثاني في الدولة، فلا يمكن للرجل الثاني أن يخرج عن الرجل الأول”.
التحرّك في حدود المسموح
يفسّر الصحفي المغربي يوسف بناصرية امتناع بنكيران عن الاستقالة عندما وقع رئيس العدالة والتنمية سعد الدين العثماني اتفاق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإقدامه على ذلك الآن بسبب قانون القنب الهندي إلى البراغماتية التي يتعامل بها الرجل مع الأحداث.
يقول بناصرية في حديثه لـ “نون بوست” إن بنكيران لم يرد مخالفة الملك محمد السادس خاصة وأن قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني جاء من الملك مباشرة وليس من الحكومة التي يقودها حزبه العدالة والتنمية، فالتطبيع قرار سيادي لا يُمكن لأحد أن يرفضه، ووجب على بنكيران تلميعه.
بناء على هذا الأمر، سيجد حزب العدالة والتنمية نفسه، قريبا، خارج الحكم وخارج الإرادة الشعبية
ويضيف أن بنكيران لم يُرد مواجهة الملك برفضه التطبيع، لذلك كان مجبرًا بالقبول به، حتى أن خروجه في ذلك الوقت للتبرير لم يكن بإرادته فالقرارات السيادية مقدّسة، أما القرارات التي لا تعارضها الدولة ولا تدعمها صراحة فلبنكيران الحرية في موقفه.
الكلمة العليا للملك
يؤكّد قرار بنكيران الأخير، هذه المسألة، إذ تملك الأحزاب وقياداتها الحرية في الانحياز إلى أي صف أرادوا، ذلك أن الدولة يمكن لها أن تتسامح معها بخلاف ملف التطبيع الذي كان واضحًا من البداية أن الملك لا يتسامح في هذا الموضوع، ويتبيّن من هنا أن قيادات العدالة والتنمية مستعدة للقيام بأي شيء من أجل البقاء فقط في الحكومة.
بنكيران من أكبر السياسيين المغاربة في العقود الأخيرة ولكن حتى إذا أراد فك ارتباطه بأهم قيادات حزبه فإن ذلك جاء متأخرا وكان يجب أن يكون من أجل موضوع أهم من تقنين القنب الهندي…
وتلك الأيام نداولها بين الناس …
— Zakaria Garti – زكرياء ݣارتي (@Zakaria_Garti) March 11, 2021
يبيّن هذا الأمر أن الأحزاب والسياسيين – في دائرة الحكم- أصبحوا أداة في يد القصر يحركها كيفما شاء، فهم لا يملكون القرار ويشتغلون داخل منظومة النظام لا إرادة سياسية لهم ولا قرار، ويؤكّد هذا الأمر حزب العدالة والتنمية وحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.
يتحرك العدالة والتنمية وقيادات الصف الأوّل ضمن المساحة المسموح لها أن تتحرك فيها، فالنظام وضع لها -كبقية الأحزاب- خطوط محددة يمنع عليهم تجاوزها، بناء على ذلك، سيجد حزب العدالة والتنمية نفسه، قريبا، خارج الحكم وخارج الإرادة الشعبية، فالشعب اختاره ليحكم وليس ليلمّه إخطبوط النظام ويبرّر سياسات خاطئة اتخذها الملك، في حقّ البلاد والشعب.