ترجمة وتحرير نون بوست
قوبل مقطع فيديو لجنود إسرائيليين مسلحين يعتقلون خمسة أطفال فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بإدانة واسعة النطاق من نشطاء ومنظمات حقوق الإنسان، إذ اعتبروا أن الحادث كان “عدوانيا للغاية”.
صوّر مقطع الفيديو ناشط ميداني من منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية الحقوقية، في منطقة مسافر يطا جنوبي الخليل، وهي منطقة تضم عشرات التجمعات والقرى الفلسطينية، بالإضافة إلى العديد من المستوطنات الإسرائيلية والبؤر الاستيطانية غير القانونية.
في حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”، قال الباحث الميداني والناشط الحقوقي الفلسطيني في منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية، نصر نواجعة: “بعد الظهر، تلقيت مكالمة بأن هناك مستوطنين يطاردون مجموعة من الفتيان الفلسطينيين بالقرب من قرية التواني، وأنه ينبغي عليّ الذهاب إلى هناك بأسرع ما يمكن”.
وتابع: “حينما وصلت، كان عشرات من الجنود الإسرائيليين المسلحين والملثمين يجرّون الأطفال باتجاه مجموعة من سيارات الجيب العسكرية. أخرجت الكاميرا على الفور وبدأت في تصوير المشهد”.
وفي مقطع الفيديو الذي صوره نواجعة ونشرته “بتسيلم”، يمكن رؤية عشرات الجنود الإسرائيليين الذين يرتدون الملابس العسكرية، يمسكون بالأطفال المذعورين ويدفعونهم باتجاه المركبات العسكرية.
كما يمكن مشاهدة العديد من المارة الفلسطينيين الذين حاولوا التدخل ولكن دون جدوى. ويُظهر الفيديو محاولة فتى فلسطيني إنقاذ أحد الأطفال الذين تم اعتقالهم، وعندئذ أمسك به جندي وجرّه مع باقي الصبية.
ذكر نواجعة لموقع “ميدل إيست آي” أن “الأطفال كانوا يصرخون ويبكون ويتوسلون للجنود أن يتصلوا بأهلهم، وأن ينتظروا وصول عائلاتهم قبل اعتقالهم”، وأكد أن الجنود كانوا “عدوانيين للغاية” مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و13 سنة. وأضاف: “كان الجنود يعاملون الأطفال كما لو أنهم من كبار المجرمين، أو كأنهم ارتكبوا جريمة شنعاء. لقد اقتادوا الأطفال باستخدام القوة”.
ووفقا للناشط الفلسطيني، تم نقل الأطفال إلى مستوطنة “كريات أربع” القريبة، حيث تم احتجازهم داخل المركبات العسكرية واستجوابهم لعدة ساعات قبل إطلاق سراحهم في المساء، وقال: “لم يكونوا إلا مجموعة من الأطفال المسالمين. ما التهديد الذي بوسعهم أن يشكّلوه لتبرير هذه المعاملة؟”.
الجريمة.. قطف العكوب
أثارت ملابسات اعتقال الصبية إدانة واسعة، إذ تبين أن الأطفال كانوا يقطفون بعض الأعشاب البرية عند اعتقالهم. وفقًا لنواجعة، كانوا يقطفون نباتات برية تسمى “العكوب”، وهي نبتة تثمر في فصل الربيع في فلسطين.
وأوضح نواجعة أن “العديد من العائلات في مسافر يطا تعاني جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سيئة. وبما أن العكوب يباع بسعر جيد في السوق الفلسطينية، تخرج العديد من العائلات مع أطفالها لقطف هذه النبتة البرية في هذا الوقت من السنة لجني بعض المال”.
وأشار نواجعة إلى أن “إسرائيل” حظرت قطف العكوب في السابق، لكن هذا القانون أُلغي السنة الماضية، مما يعني أنه يُسمح لكل فرد في تلك المنطقة قطف 5 كيلوغرامات، وبالتالي “لم يكن هناك أي مبرر قانوني لاعتقالهم”.
كان الأولاد الخمسة – جميعهم أبناء عمومة – يقطفون ويجمعون العكوب في ضواحي “خافات ماعون”، وهي مستوطنة إسرائيلية جنوبي الخليل. وتؤكد الشهادات أن مستوطنين من “خافات معون” بدؤوا بمضايقة الصبية وحاولوا طردهم خارج المنطقة.
في حديثه مع “ميدل إيست آي”، قال محمد أبو حميد، وهو أب لاثنين من الصبية الذين تم اعتقالهم: “هذا ما يفعله المستوطنون عادة عندما يرون فلسطينيين بالقرب من المستوطنة. بل إنهم أحيانًا يطلقون النار بالذخيرة الحية على الرعاة الفلسطينيين الذين يرعون الأغنام في المنطقة، إذا اقتربوا من حدود المستوطنة”.
وأضاف: “أنا سعيد بأن الأولاد تمكنوا من الفرار من المستوطنين. وحده الله يعلم ما كان ليحدث لو لم يهربوا”. وأوضح أبو حميد أن ولديه جبر (13 سنة) وصقر (10 سنوات)، وأقربائهما الثلاثة فروا من المستوطنين وتركوا وراءهم الدلاء والبراميل والعكوب، وتوجهوا نحو منزل جدهم بالقرب من قرية التواني.
وهناك، قامت مجموعة من الجنود الإسرائيليين المسلحين بإلقاء القبض على الصبية وتم اعتقالهم.
وحسب أبو حميد، فإن المستوطنين هم الذين اتصلوا بالجنود الإسرائيليين وطلبوا منهم اعتقال الصبية، وأضاف أن “المستوطنين اتهموا الصبية بمحاولة سرقة بعض طيورهم وتدمير ممتلكاتهم.. إنهم يختلقون قصصا لمجرد إلقاء القبض على الصبية وترهيبهم”.
وتابع أبو حميد: “كل ما كانوا يفعلونه هو قطف العكوب، وهذه ليست جريمة”، مؤكدا أن الجنود “صادروا دلاء الصبيان والبراميل والمحصول الذي اقتطفوه. لم يشكلوا خطرا على أي شخص، ولم يقترفوا أي فعل خاطئ”.
رغم أن القوانين العسكرية والمدنية الإسرائيلية تنص على أن السن الأدنى للمسؤولية الجنائية هو 12 سنة، تؤكد “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين” إن القوات الإسرائيلية تعتقل بشكل روتيني الأطفال الفلسطينيين في سنّ أقل من ذلك
الاستجواب والتهديد والإكراه
يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة في ظل القوانين العسكرية الإسرائيلية، وعند إلقاء القبض عليهم يُحاكمون في محاكم عسكرية، وتتجاوز معدلات إدانة الفلسطينيين في هذه المحاكم 99 بالمئة. وفي المقابل، فإن المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية – بشكل مخالف للقانون الدولي – يخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، ولا يُحاكمون مطلقا في المحاكم العسكرية.
رغم أن القوانين العسكرية والمدنية الإسرائيلية تنص على أن السن الأدنى للمسؤولية الجنائية هو 12 سنة، تؤكد “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين” إن القوات الإسرائيلية تعتقل بشكل روتيني الأطفال الفلسطينيين في سنّ أقل من ذلك. ووفقا للمنظمة، تعتقل إسرائيل حوالي 700 طفل فلسطيني سنويا، ويوجد حاليا 168 طفل معتقلا “لأسباب أمنية” في السجون الإسرائيلية، ومع بداية سنة 2020، كان هناك 27 طفلا محتجزا في الحبس الانفرادي.
وفقا للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فقد صادقت “إسرائيل” على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تنص على أن “الحرمان من الحرية يجب أن يكون تدبيرا لا يُتخذ إلا كملجأ أخير، ولأقصر وقت. ويجب عدم احتجازهم بشكل غير قانوني أو تعسفي، كما يجب عدم تعريضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
وحسب المنظمة، تحتجز “إسرائيل” بشكل منتظم وتعسفي أطفالا فلسطينيين، وتُخضعهم لعمليّات استجواب مطوّلة دون حضور أحد الوالدين أو الوصي القانوني أو المحامي. وغالبا ما ما يتمّ إجبار الأطفال على توقيع اعترافات كاذبة، في وثائق مكتوبة باللغة العبرية، التي لا يفهمها معظم الأطفال الفلسطينيين.
وتضيف المنظّمة أنه “منذ لحظة اعتقالهم، يتعرض الأطفال الفلسطينيون لسوء المعاملة والتعذيب على أيدي القوات الإسرائيلية. إذ يتعرّض ثلاثة من كل أربعة أطفال للعنف الجسدي أثناء الاعتقال أو الاستجواب”.
محمد أبو حميد: الأطفال خائفون ومذعورون للغاية، ولا أعرف ما يجب فعله لتهدئتهم. بصفتي أبا فلسطينيا، فإن هذا الوضع هو أحد أسوأ الكوابيس
تشبه عملية الاعتقال والاحتجاز التي وصفتها المنظّمة ما حدث للصبية الخمسة في جبل الخليل، بناء على ما ورد في شهادة نواجعة وأبو حميد، واللذين يؤكدان أن الصبية تعرضوا للتهديد من قبل جنود الاحتلال أثناء استجوابهم، لمحاولة إجبارهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها.
ويقول أبو حميد في هذا السياق: “عندما أُطلق سراح الصبية كانوا في حالة صدمة كبيرة. لم يكونوا قادرين على إخبارنا بما حصل إلى أن أخذناهم إلى المنزل وهدؤوا قليلا. أخبرني أبنائي أن الجنود أبقوهم محشورين في سيارة الجيب طوال فترة احتجازهم، واستمروا في تهديدهم ومضايقتهم”.
يُزعم أن الجنود أبلغوا الأولاد بأنه تم اعتقال عائلاتهم، وأنهم إذا لم يعترفوا بمحاولة سرقة المستوطنين أو الإضرار بممتلكاتهم، فإن الجنود “سيوسعونهم بضربهم”. وأوضح أبو حميد قائلًا: “لقد فعلوا كل ما بوسعهم لتخويف الأولاد وحملهم على الاعتراف، لكنهم أصرّوا على أنهم أبرياء ولم يفعلوا أي شيء”، مضيفًا أنه تم استدعاء الصبيين الأكبر سنا في المجموعة – أحدهما هو ابنه جابر – لاستجوابهم مرّة أخرى من طرف الجنود الإسرائيليين يوم الأحد.
وقال أبو حميد لموقع “ميدل إيست آي” إنه على الرغم من عدم تعرض أي من الصبية للتعذيب الجسدي أثناء الاستجواب، إلا أن الأضرار النفسية التي ألحقتها عملية الاعتقال بالأطفال كانت بالغة. وأضاف: “الأطفال خائفون ومذعورون للغاية، ولا أعرف ما يجب فعله لتهدئتهم. بصفتي أبا فلسطينيا، فإن هذا الوضع هو أحد أسوأ الكوابيس. في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكننا حتى حماية أطفالنا”.
المصدر: ميدل إيست آي