عادت مجددًا دعوات بعض القيادات السياسية لرئيس الجمهورية قيس سعيد لتفعيل الفصل 80 من الدستور، لتجاوز حالة الانسداد التي تعرفها البلاد في أغلب المجالات، لكن العديد من التونسيين يشككون في نوايا هؤلاء السياسيين والهدف من راء تفعيل هذا الفصل الدستوري في هذه الظرفية التي تعيشها البلاد، حتى إن البعض وصف هذه الدعوات المتكررة بـ”محاولة الانقلاب الناعم على اختيارات الشعب”، فما الذي ينص عليه هذا الفصل؟ وما حدوده؟ ومن الأطراف التي تتحرك لتفعيله؟
الأطراف الداعية لتفعيل الفصل
آخر الداعين لتفعيل هذا الفصل من دستور البلاد، القيادية بالتيار الديمقراطي (يسار اجتماعي) سامية عبو، حيث دعت أول أمس الخميس، رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تفعيل الفصل 80 من دستور 2014، وبررت عبو دعوتها بأن تونس لم تعد تحتمل أي مناورات سياسية حزبية جديدة وتعطيل الاقتصاد الذي وصفته بالكارثي.
وأضافت النائبة في البرلمان التونسي: “نحن في وضعية إفلاس غير مُعلن ولا يمكن أن نواصل في هذا الوضع، ورئيس الجمهورية هو من سيتخذ القرار”، ويُعرف عن عبو معارضتها الشديدة لحكومة هشام المشيشي والحزام السياسي الداعم لها، واصطفافها إلى جانب الرئيس قيس سعيد.
قبل ذلك، حث الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو الرئيس سعيد على التوجه نحو تأويل فصول الدستور وفق ما يراه مناسبًا، ومنها تفعيل الفصل 80، داعيًا إياه إلى قطع قنوات الحوار مع كل من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، وتطبيق القانون ضدهم.
يخول هذا الفصل وفق الداعين لتفعيله، للرئيس اتخاذ تدابير من اختصاص المشرع أو رئيس الحكومة
لم تكن قيادات التيار الديمقراطي الوحيدة التي دعت لتفعيل هذا الفصل، فقيادات حركة الشعب (قومي) تأمل ذلك أيضًا، فقد سبق أن دعا رئيس لجنة المالية بالبرلمان النائب عن حركة الشعب هيكل المكي، رئيس البلاد إلى التوجه نحو تفعيل هذا الفصل الدستوري، كون البلاد أصبحت تواجه خطرًا داهمًا، والحكومة باتت عاجزة عن احتواء موجة الاحتقان.
قيادات الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري) أيضًا دعت لنفس الشيء، حيث سبق أن دعا القيادي في الجبهة الشعبية والنائب في البرلمان التونسي منجي الرحوي رئيس الجمهورية إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، بعد تعطل أعمال البرلمان.
يتبين من هنا أن الأطراف الداعية لتفعيل هذا الفصل الدستوري، ينتمون إلى حركة الشعب والتيار الديمقراطي والجبهة الشعبية، وجميع هذه التيارات السياسية تعمل على إسقاط حكومة هشام المشيشي مهما كلفها الأمر، لذلك تضغط على الرئيس سعيد الذي يُقاسمهم التوجه حتى يفعل هذا الفصل بحجة إنقاذ تونس من منظومة الحكم الحاليّة.
الفصل 80 من الدستور
هذا الإصرار الكبير لتفعيل هذا الفصل الدستوري، يؤكد أهميته، لكن على ماذا ينص بالتحديد؟ بالرجوع إلى دستور فبراير/ شباط 2014، نرى أنه يعطي رئيس الجمهورية حق التدخل في حال الخطر الداهم المهدد لأمن البلاد وتعطيل دواليب الدولة واتخاذ جميع التدابير التي يراها مناسبة، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية.
ويتيح الفصل 80 من الدستور التونسي أيضًا، لرئيس الجمهورية تعليق العمل بمبدأ الفصل بين السلطات وتأويل أحكام الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية، والإعلان عن التدابير في بيان إلى الشعب، ويجب أن تهدف هذه التدابير، وفق الفصل، إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال.
بعد مُضي 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه، وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه 15 يومًا، ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانًا في ذلك إلى الشعب.
نوايا انقلابية؟
يرى الداعين إلى إعمال هذا الفصل، أنه سيمنح الرئيس قيس سعيد هامش مهم من السلطة التقديرية خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية، فهو ينظم حالة الاستثناء وهي مختلفة عن حالة الطوارئ وحالة الاستثناء هي حالة “فريدة من نوعها”.
كما يخول هذا الفصل وفق الداعين لتفعيله، للرئيس اتخاذ تدابير من اختصاص المشرع، أو رئيس الحكومة بما معناه أن تفعيل هذا الفصل يمكن أن يُعلق العمل لفترة بمبدأ الفصل بين السلطات وتركيزها بالتالي عند الرئيس.
يؤكد هذا الأمر، وجود رغبة مبيتة عند الداعين لتفعيل هذا الفصل الدستوري إلى الانقلاب الناعم على البرلمان والحكومة وبالتالي على اختيارات الشعب، واستغلال الحالة الاستثنائية لتمرير إجراءات عجزوا عنها في الحالة الطبيعية، وفق الناشط السياسي يحي بن عبد الله.
يبين ابن عبد الله في حديث مع نون بوست، أن محاولات تفعيل الفصل 80 بطرق مختلفة، هي محاولات تهدر وقت التونسيين فيما لا يعني وتبتعد عن مشاغل المواطن الحقيقية ولن تكون لها أي جدوى إلا تأزيم الوضع العام في البلد الذي يشهد بطبيعته حالة من الانسداد.
في ظل هذه الأزمة التي تعيشها تونس، مطلوب من كل الفاعلين السياسيين في البلاد التوجه المباشر لهموم الشعب الحقيقية واحتياجاته العاجلة
يؤكد يحي بن عبد لله، أن الأحزاب التي تقف وراء هذا التمشي، تسعى إلى استهداف السلطة التشريعية وحل البرلمان، إلى جانب استهداف حكومة هشام المشيشي، وهو ما يتماشى مع مساعي الرئيس سعيد منذ فترة، حيث يعمل على الإطاحة بحكومة المشيشي والتقليل من شأن برلمان البلاد.
كما أن الرئيس المُعول عليه لاتخاذ التدابير اللازمة لحلحلة أزمات البلاد، هو طرف مباشر في هذه الأزمات، فهو من يرفض أن يستقبل الوزراء الجدد لتأدية اليمين الدستورية حتى يبدأوا في عملهم وينظروا في مشاغل الناس ومطالبهم قصد معالجتها.
حدود الفصل
لكن لهذا الفصل حدود لا يجب التغافل عنها، فلهذا الفصل شروط واضحة لتطبيقه وأهم شروطه وجوب وجود المحكمة الدستورية التي لم يقع انتخابها بعد، أضف على ذلك حالة الخطر الداهم التي تحدث عنها الفصل وتسمح بتدخل رئيس الجمهورية، لا نعتقد أنها موجودة في البلاد حتى لو أراد بعض الأطراف إيهام الشعب بهذا، وفق يحي بن عبد لله.
أضف إلى ذلك أنه في حال تفعيل هذا الفصل، لا يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان، والمجلس يكون في حالة انعقاد دائم أي لا يمكن أن يدخل في عطلة برلمانية ولا يمكن توجيه لائحة لوم تجاه الحكومة، وهو عكس ما يطمح له الداعون لتفعيله.
يُفهم من هذا الأمر أن تفعيل هذا الفصل الدستوري سيُعزز من دور مجلس نواب الشعب التشريعي، وهو عكس ما يطمح له التيار الديمقراطي وحركة الشعب والجبهة الشعبية، فضلًا عن رئيس الجمهورية الذي لا يُخفي عداءه للبرلمان.
ضرورة الحوار
يؤكد الناشط السياسي التونسي يحي بن عبد لله أن الوضع العام في تونس صعب ومتأزم لكن ذلك لا يخول للبعض “الانقلاب” على شرعية السلطات الموجودة في البلاد، ويرى بن عبد لله أن الحل يكمن في تكاتف الجهود من جميع المتداخلين في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد من أجل الخروج من هذا الأزمة المركبة.
يعتقد محدثنا أن تونس تحتاج للحوار والجلوس على طاولة واحدة وحل كل المشكلات، وأضاف “الحل لا يمكن أن يكون إلا بالحوار والتنازل المشترك من أجل تونس وأبنائها، فمن يريد المضي في خيارات بلا أفق واضح لمستقبل البلاد، لن ينجح في ذلك لأن تونس أصبحت متمرسة في إدارة مثل هذه الأزمات وإفشال هذه الرغبات الهجينة”.
ويأمل بن عبد لله أن يُنظم حوار وطني واقتصادي واجتماعي يجمع الحكومة والبرلمان والمنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية من أجل تحقيق المطالب الحيوية للتونسيين، في أقرب وقت ذلك أن البلاد لا تتحمل أكثر.
في ظل هذه الأزمة التي تعيشها تونس، مطلوب من كل الفاعلين السياسيين في البلاد التوجه المباشر لهموم الشعب الحقيقية واحتياجاته العاجلة، فتونس لا تحتاج تفعيل فصول استثنائية بقدر ما تحتاج تفعيل فصول السير العادي لدواليب الدولة، فالتونسيون ينتظرون حلولًا اقتصاديةً واجتماعيةً ملموسةً ولها أثر مباشر على حياتهم اليومية، ولا يحتاجون صراعات إيديولوجية.