ذكر تقرير جديد نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن “إسرائيل” تشن حملةً سريةً من الهجمات على الناقلات الإيرانية التي تحمل النفط والأسلحة إلى سوريا منذ أكثر من عام، كرد فعل على هجمات عديدة تعرضت لها الناقلات الإسرائيلية قبالة سواحل “إسرائيل” في وقت سابق، إذ ألقت فيها “إسرائيل” اللوم على إيران، وحملتها مسؤولية هذه الهجمات.
وتصاعدت هذه التقارير التي تتحدث عن الحرب السرية بين إيران و”إسرائيل” في المياه، بعد انفجار/حريق على متن سفينة حاويات إيرانية في شرق البحر الأبيض المتوسط في 11 من مارس/آذار 2021، كانت متوجهة لسوريا، وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات رسمية عن الجهة التي تقف وراء الحادث، فإن المسؤوليين في إيران يرجحون فرضية وقوف “إسرائيل” خلف هذا العمل.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن “إسرائيل” شنت العديد من الهجمات على ناقلات النفط الإيرانية منذ عام 2019، واستهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة شحن إيرانية، كان يشتبه بنقلها للأسلحة والمعدات العسكرية لسوريا، وعلى الرغم من محاولة “إسرائيل” إرسال رسائل واضحة من هذه الهجمات، بأن الهدف من ورائها الحفاظ على أمنها القومي وممارسة جزء مهم من سياسة الضغط الأقصى التي كانت إدارة دونالد ترامب قد فرضتها على إيران منذ انسحابها من الاتفاق النووي في 2018، فإنها من جانب آخر أرادت أن تضعف حلفاء إيران اقتصاديًا وعسكريًا، عبر تعطيل تدفق الدعم من طهران إلى حلفائها في سوريا ولبنان.
حاولت “إسرائيل” الحفاظ على قواعد الاشتباك مع إيران، خلال عمليات الاستهداف التي تعرضت لها الناقلات الإيرانية، حيث لم تُغرق أي سفن إيرانية في أي من هذه الهجمات، كما لم ترد أنباء عن سقوط ضحايا، فكان الهدف من هذه الهجمات أما إحداث أضرار جانبية فيها وإما إجبارها على العودة إلى البلاد.
كما حرصت إيران على عدم الإعلان عن هذه الهجمات من أجل الحفاظ على سريتها والاحتفاظ بحق الرد في أي وقت تريده، وفيما يتعلق بالهجوم الأخير الذي تعرضت له ناقلة نفط إيرانية، قالت شركة الملاحة البحرية الإيرانية إن سفينة حاويات إيرانية تعرضت لأضرار في هجوم بالبحر المتوسط، وإنها ستتخذ إجراءً قانونيًا لتحديد الجناة، ووصفت الواقعة بأنها إرهاب وقرصنة بحرية.
ونقلت وسائل الإعلام الرسمية عن المتحدث باسم الشركة علي غياسيان قوله: “السفينة شهركرد تعرضت لأضرار طفيفة يوم الأربعاء، بشحنة متفجرة تسببت في حريق صغير، لكن لم يصب أحد على متنها”.
تصاعد الهجمات البحرية بين إيران و”إسرائيل” يشير إلى توجه حقيقي نحو توسيع خريطة المواجهة بين الطرفين
وفي هذا المجال، أشار تقرير نشرته شركة AMBREY لاستخبارات المخاطر البحرية على موقع تويتر، أن برنامج تتبع السفن عبر الإنترنت، أظهر أن “السفينة تباطأت وانحرفت في أثناء سيرها”، ما يشير إلى حدوث شيء ما بالفعل، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إنها لا تستطيع أن تحدد على الفور ما إذا كان هذا الحدث مرتبطًا بأي شكل من الأشكال بالحملة الإسرائيلية ضد سفن الشحن الإيرانية.
وكانت هناك أيضًا تساؤلات أثيرت عما إذا كان تقرير وول ستريت جورنال قد يورط “إسرائيل” في هجمات يزعم أن المسؤولين السوريين نفذوها على خطوط الأنابيب التي تربط نقاط الإرساء البحرية بالمصافي في بانياس في يونيو/حزيران 2019.
في ذلك الوقت، كانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قد أظهرت صورًا قالت إنها تظهر ثقوبًا في خطوط الأنابيب هذه، التي قالت السلطات السورية إنها ناجمة عن عبوات ناسفة، وإذا كانت تقارير وول ستريت جورنال دقيقة، فإن هذا يثير أيضًا احتمال أن يكون حادثان بحريان أخيران، ألقت “إسرائيل” باللوم فيهما على إيران، ربما كانا انتقامًا مباشرًا للهجمات على الناقلات الإيرانية.
وبشكل متصل في 25 من فبراير/شباط 2021، تعرضت سفينة الشحن الإسرائيلية “هيليوس راي” التي ترفع علم جزر البهاما، في خليج عمان لهجوم بالألغام البحرية، وزعمت السلطات الإسرائيلية أنه هجوم نفذه الحرس الثوري الإيراني، وأضاف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس: “موقع السفينة في أثناء الانفجار كان قريبًا من إيران إلى حدٍ ما، ما يرجح مسؤولية إيران عن الحادث، لكن الأمر لا يزال يحتاج إلى التحقق”، كما رجحت شركة درياد غلوبال للأمن البحري، أن إيران قد تكون وراء الانفجار، مؤيدة ذلك بأنه جاء وسط تصاعد التوترات بين “إسرائيل” وإيران.
إن تصاعد الهجمات البحرية بين إيران و”إسرائيل” يشير إلى توجه حقيقي نحو توسيع خريطة المواجهة بين الطرفين، ورغم عدم إعلان “إسرائيل” عن مجمل الهجمات التي شنتها على الناقلات الإيرانية، فإنها بكل تأكيد تأتي في سياق سلسلة من العمليات العسكرية التي تشنها ضد إيران، ولم تعلن عن مجملها، ومن أبرز هذه العمليات، الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، فضلًا عن الانفجارات والحرائق في مواقع نووية مختلفة في إيران، إلى جانب اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده.
وفي الوقت الذي تطمح فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة للاتفاق النووي مع إيران، تحاول “إسرائيل” فرض مزيدًا من الاستفزازات على إيران، من أجل جعل طريق العودة للاتفاق أمام إدارة بايدن لا يخلو من الصعوبات، كما تحاول إرسال رسالة واضحة أن لا استقرار في منطقة الشرق الأوسط، دون أن تكون هناك جدية أمريكية في أخذ مخاوف “إسرائيل” على محمل الجد، بذات المستوى الذي كانت عليه خلال إدارة ترامب، كما أن التصعيد البحري الأخير، يأتي في إطار توجه إسرائيلي لمنع إيران من تأسيس واقع جديد في سوريا، قبل العودة للاتفاق النووي، وهو ما يضفي مزيدًا من التعقيد على مسارات المواجهة بين إيران و”إسرائيل”.