“إن الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين يجب أن يحاسبوا الصين على ممارساتها الاقتصادية، كما على الجميع أن يلعبوا بنفس القواعد”.
هذا ما صرح به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن في أثناء خطابه بمؤتمر ميونيخ للأمن الافتراضي، الذي ألقاه من البيت الأبيض في 19 من فبراير/شباط 2021، وتناول المؤتمر أيضًا خطط هزيمة كوفيد 19 وإعادة بناء الاقتصاد العالمي.
جاء خطاب بايدن في الوقت الذي تسعى فيه إدارته للحفاظ على موقف متشدد من الصين مع الابتعاد عن علاقة الرئيس السابق دونالد ترامب مع بكين.
توشك الشمس على الغروب على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية الذي استمر ثمانية عقود باعتباره الاقتصاد المهيمن في العالم، ففي عام 2020 أصبح الاقتصاد الصيني الأول عالميًا وفق الناتج المحلي الإجمالي، واقتصاد الولايات المتحدة بالمرتبة الثانية.
ووفقًا لـصندوق النقد الدولي من المتوقع عالميًا أن الاقتصاد الصيني سيكون الأكبر خلال عقد من الزمان، كما من المحتمل أن يكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي ينمو في العام 2021.
أثر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي
الصين التي تعاملت مع الوباء بنجاح أكبر من الديمقراطيات الكبرى في العالم، ستشيد بهذا الانتصار كجزء من احتفالها عام 2021 بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي.
سترتفع نسبة النمو البالغة 6.5% على أساس سنوي التي أعلنتها للربع الرابع من عام 2020 بشكل أعلى في الربع الأول من عام 2021.
كما لا تخفي هذه الأرقام الرئيسية الوردية الصعوبات الكامنة في الاقتصاد الصيني التي من المرجح أن تقوض استدامة انتعاشه على المدى الطويل.
مع شيخوخة السكان وضعف شبكة الأمان الاجتماعي والادخار المحلي المفرط والاعتماد المتجدد على الصادرات، زاد الإنفاق الحكومي العام الماضي على البنية التحتية الثقيلة، لدعم تعافيها من تعقيد حاجة الصين لإعادة التوازن إلى اقتصادها.
وكذلك اقتصاد كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، من المرجح أن يكون الانتعاش في عام 2021 قويًا مع أسرع معدلات النمو منذ عقود.
توشك الشمس على الغروب على اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية الذي استمر ثمانية عقود باعتباره الاقتصاد المهيمن في العالم، ففي عام 2020 أصبح الاقتصاد الصيني الأول عالميًا وفق الناتج المحلي الإجمالي
كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن الندوب من المرجح أن تترك الاقتصاد العالمي أصغر بنسبة 6% عام 2025 مما كان يأمل قبل الوباء.
هذا أقل بكثير من الخسارة الدائمة في الدخل بنسبة 25% بحلول عام 2025، التي توقعها صندوق النقد الدولي وأعقبت معدلات النمو المنخفضة بعد الأزمة المالية العالمية.
كيف ترى الصين إدارة بايدن؟
عادة ما وصف بايدن سياسة ترامب تجاه الصين بالفشل، مُوضحًا للمسؤولين الصينيين أن الإدارة المُقبلة لن تتبنّى مواقف ترامب الصدامية كلها.
كما أن المحللين في مؤسسة الخارجية الصينية مرتاحون بفريق بايدن للسياسة الخارجية الذي يضم العديد من المحترفين المتمرّسين المعروفين بحسهم الدبلوماسي.
كما يُلاحظ على نحو واسع في كل من الصين والولايات المتحدة أن بايدن ورئيس الصين الحاليّ شي جين بينغ، احتفظا بعلاقة عمل طويلة ودية خلال فتراتهم المتداخلة في منصب نائب الرئيس في بلدانهم.
وبحسب دانيل راسل، وهو مسؤول رفيع سابق في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس باراك أوباما، فإن بايدن وشي التقيا ثماني مرات على الأقل، وقضيا نحو 25 ساعة معًا في اجتماعات فردية في غضون 18 شهرًا في 2011 و2012.
وبنظرة أوسع، أدرك المراقبون الصينيون للولايات المتحدة أن نظرتهم القائمة التي تعود إلى حقبة الرئيس ريتشارد نيكسون بأن الجمهوريين أكثر ودية والعمل معهم أسهل من الديمقراطيين لم تعد صائبة.
كما أن عددًا هائلًا من استطلاعات الرأي العام الأمريكية تُظهِر أن الجمهوريين أكثر عداءً بكثير ضد الصين من الديمقراطيين.
حتى إذا كانت بكين أكثر ميلًا للعمل مع إدارة أمريكية ديمقراطية، فإن إعادة تشكيل العلاقات الثنائية بين البلدين ستكون شائكة.
بعد فترة وجيزة من انتخاب بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت الصين على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) مع 14 دولة آسيوية أخرى.
كما أن الرئيس الصيني شي أعرب عن اهتمامه بالانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية ذات القيمة الأعلى للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، وهي اتفاقية لتحرير التجارة بين كندا وعشر دول في آسيا والمحيط الهادئ.
وكانت رسالة شي الأساسية هي: ربما كانت الولايات المتحدة في يوم من الأيام ما وصفته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بـ”الأمة التي لا غنى عنها”، لكن الصين أصبحت الآن “الاقتصاد الذي لا غنى عنه”.
كيف ترى أمريكا وأوروبا الصين؟
أدت سياسية ترامب تحت شعار “أمريكا أولًا” إلى نفور بعض القادة الأوروبيين الذين كانوا منذ فترة طويلة متحالفين مع الولايات المتحدة.
بعد فوز بايدن اعتزم تحسين العلاقات مع شركاء أمريكا الدوليين، إذ التقى بقادة مجموعة الدول السبعة الكبرى التي تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، لبحث الاستجابة العالمية لوباء كوفيد 19، والعمل معًا ومع الآخرين لجعل عام 2021 نقطة تحول في التعددية، وتطرق اجتماع مجموعة السبع إلى الصين أيضًا.
كما ذهب بايدن أبعد من ذلك في خطابه، من خلال تصريحه: “يتعين على الشركات الأمريكية والأوروبية الكشف علنًا عن هياكل الشركات والالتزام بالقواعد لردع ممارسات الفساد والاحتكار، كما يجب أن تخضع الشركات الصينية لنفس المعيار”.
لم ترد السفارة الصينية في الولايات المتحدة على الفور على طلب CNBC للتعليق على خطاب بايدن، كما صرح بايدن: “قد تكون التحديات مع روسيا مختلفة عن التحديات مع الصين، لكنها حقيقية بنفس القدر:
أدت سياسية ترامب تحت شعار “أمريكا أولًا” إلى نفور بعض القادة الأوروبيين الذين كانوا منذ فترة طويلة متحالفين مع الولايات المتحدة
لا يتعلق الأمر بتحريض الشرق على الغرب، ولا نريد صراعًا نريد مستقبلًا تكون فيه جميع الدول قادرة على تحديد مسارها بحرية دون تهديد بالعنف أو الإكراه.
كما صرح البيت الأبيض “سيناقش الرئيس بايدن أيضًا الحاجة إلى القيام باستثمارات لتعزيز قدرتنا التنافسية الجماعية وأهمية تحديث القواعد العالمية لمواجهة التحديات الاقتصادية مثل تلك التي تطرحها الصين”.
المهام الاقتصادية لبايدن
يحتاج السيد بايدن إلى السير في خط دقيق، ويرى هو ومستشاروه أن العديد من الإجراءات التي اتخذها ترامب، التي كانت تهدف إلى قطع العلاقات بين الاقتصادين الصيني والأمريكي، خرقاء ومكلفة وغير إستراتيجية.
إنهم يريدون اتباع نهج أكثر ذكاءً يجمع بين العمل مع الصينيين في بعض القضايا مثل:
– الاحتباس الحراري والوباء، بينما يتنافسون معهم على القيادة التكنولوجية ومواجهتهم في قضايا أخرى مثل التوسع العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان.
– وعد بايدن بإجراء استثمارات كبيرة في الصناعة الأمريكية، بما في ذلك 300 مليار دولار في الصناعات التكنولوجية التي قال إنها ستخلق ثلاثة ملايين وظيفة “ذات رواتب جيدة”.
– مراقبة صناعة التكنولوجيا الكبيرة التي تزداد قوتها باستمرار، وتوسيع الفرص الاقتصادية للنساء والأشخاص الملونين.
– استخدام المنظمات العالمية لتبني برامج اقتصادية أكثر تنسيقًا مع الاقتصادات الرائدة الأخرى في العالم، وتحديدًا اقتصادات أوروبا وآسيا.
– إعادة تنظيم الضرائب، وفرض ضرائب على أرباح رأس المال بمعدلات ضريبة الدخل العادية بدلًا من المعاملة الخاصة التي يتلقونها الآن، للدخل الذي يزيد على مليون دولار.
– سن ضرائب دُنيا على الشركات التي تزيد أرباحها على 100 مليون دولار.
معضلة بايدن
في استطلاع أجري مؤخرًا على 67 مؤسسة دولية، رأى ما يقرب من 80% من المشاركين ما يلي:
– أن بايدن أزال جزئيًا أو كليًا رسوم استيراد ترامب، من خلال تخفيض الأسعار التي يدفعها المستهلكون الأمريكيون.
– هناك إجماع أقل بشأن القضية الشائكة سياسيًا الخاصة بالقيود التقنية، مثل تلك المفروضة على شركة Huawei.
– الاستعداد للمشاركة في القضايا الدولية الرئيسية مثل تغير المناخ.
– ستواصل الولايات المتحدة الضغط بشأن سرقة الملكية الفكرية، حيث يُنظر إلى الصين الآن على أنها منافس مباشر في التقنيات الناشئة التي ستحدد اقتصاد المستقبل.
لوحظ أن العديد من المشاركين في الاستطلاع وافقوا على رأي استجابة هذا الاستطلاع مثل الدكتور لويس دبليو روز، مدير الأبحاث والتحليلات والشريك المؤسس لمجموعة Rose Commodity: “من المرجح أن تتحسن العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين، لكن الولايات المتحدة والصين تصطدمان بالكثير من الفلسفات الأساسية في الحكم حتى يكون للدولتين علاقة وثيقة”.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين
يبدو أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لن تخمد نيرانها المتصاعدة بعد تنصيب الديمقراطي جو بايدن رئيسًا لأمريكا، لكن طبولها قد تُخفت قليلًا بحسب خبراء اقتصاديين.
صرح بعض الاقتصاديين أن بايدن لن يواجه بكين على الفور، لأنه يريد التركيز على فيروس كورونا والاقتصاد.
من غير المرجح تخفيف القيود التقنية لأن واشنطن تعتبر الصين منافسًا، وتخفيضات الرسوم الجمركية تبدو الخيار الوحيد قصير الأجل
لكنه يبدو أنه مستعد لتجديد الضغط بشأن المظالم التجارية والتكنولوجية التي دفعت الرئيس دونالد ترامب إلى رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية عام 2017، التي بسببها فقد الاقتصاد الأمريكي 245 ألف وظيفة، وفق دراسة أجراها مجلس الأعمال الأمريكي الصيني و Oxford Economics.
ناشد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، على واشنطن أن تتعلم من سياسات ترامب الخاطئة وأن تتبنى موقفًا بناءً، والتعاون هو الخيار الوحيد الصحيح لكلا الجانبين.
تواجه الصين معارضة أكثر من أي وقت مضى في واشنطن بسبب سجلها التجاري والنزاعات الإقليمية مع جيرانها والقمع على هونج كونج و التقارير عن الانتهاكات ضد المسلمين واتهامات سرقة التكنولوجيا والتجسس.
صرح كاثرين تاي ممثل التجارة الأمريكية : “إننا نواجه منافسة شديدة من الصين المتنامية والطموحة”، فالصين التي يدير اقتصادها مخططون مركزيون لا يخضعون لضغوط التعددية السياسية أو الانتخابات الديمقراطية أو الرأي العام”.
صرح تو شين تشيوان، مدير معهد دراسات منظمة التجارة العالمية في جامعة الأعمال والاقتصاد الدولية في بكين، إنه من غير المرجح تخفيف القيود التقنية لأن واشنطن تعتبر الصين منافسًا، وتخفيضات الرسوم الجمركية تبدو الخيار الوحيد قصير الأجل.
إن الظروف التي جعلت الولايات المتحدة تسمح للصين بالاندماج في الاقتصاد العالمي في السبعينيات من القرن الماضي تغيرت كثيرًا.
وقتها، كانت أمريكا تخوض حربًا باردة مع المعسكر الشيوعي الذي تقوده موسكو، كما أن الصين كانت دولة متخلفة تقنيًا، وبالتالي استغلت الشركات الأمريكية هذا التخلف والقوى العاملة الرخيصة للإنتاج بأقل كلفة وتحقيق أعلى الأرباح.
أما الآن، فجاء دور كبح التمدد الصيني بعد التقدم الهائل في مجالات التقنية والنمو الاقتصادي والعسكري.