عقدت الحكومة المغربية العزم أخيرًا وعملت على تقنين زراعة القنب الهندي، في اتجاه حسم النقاش القديم الذي يثار مع اقتراب موعد كل انتخابات، في بلد يحتل المركز الأول عالميًا في زراعة هذه النبتة التي يستخرج منها مخدر الحشيش، لتتحول إلى ورقة انتخابية تلعب بها الأحزاب السياسية لاستمالة أصوات الناخبين في منطقة الشمال حيث تنشط هذه الزراعة.
بنكيران ينفذ تهديده
بعد سلسلة من التأجيلات صادق مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 11 من مارس/آذار 2019 برئاسة سعد الدين العثماني، عبر تقنية المناظرة المرئية، على مشروع القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، الذي ينص على أنه لا يمكن ممارسة الأنشطة المتعلقة بهذه النبتة إلا بعد الحصول على رخصة مسلمة من مؤسسة عمومية، وبموجبه لن يكون إصدار رخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي، إلا في حدود الكميات الضرورية لتلبية الحاجيات الطبية والصناعية.
تقنين القنب الهندي خلق صدامًا جديدًا داخل حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة، إذ قرر رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران تجميد عضويته في الحزب، منفذًا تهديده المعلن في وقت سابق في حال ما تم تمرير القانون المتعلق بالقنب الهندي.
كما أعلن بنكيران قطع علاقته مع سعد الدين العثماني وقيادات بارزة في الحزب، منهم وزير حقوق الإنسان المصطفى الرميد، ووزير الطاقة والمعادن والبيئة عزيز رباح.
كأول رد فعل من الأمانة العامة على قرار بنكيران، أورد الموقع الرسمي للحزب توجيهًا من العثماني، يدعو الأعضاء إلى عدم التعليق على الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدم تقديم أي تصريح بشأنه.
هرولة اللاعبين
في الوقت الذي ينشغل هذا الحزب – الفائز بالانتخابات التشريعية مرتين على التوالي – بمشاكله الداخلية المتفاقمة، يهرول اللاعبون المنافسون لاستخدام قانون القنب الهندي كورقة انتخابية، في غمرة الاستعداد للاقتراع الذي سيجري أواخر العام الحاليّ، بينما دشنت الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية السابقة لأوانها، كما هي العادة دائمًا.
القانون لم يدخل بعد حيز التنفيذ، إذ من المنتظر أن يتم عرضه أمام غرفتي البرلمان، مجلس النواب ومجلس المستشارين، وبعدما يتم التصويت عليه بالأغلبية، ينشر في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول، ويبدو أن هناك توجهًا رسميًا لتقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
تستعد فروع أحزب سياسية بمنطقة الشمال لتنظيم لقاءات تواصلية مع السكان من أجل تقريب مضامين هذا القانون المرتقب إلى مزارعي القنب الهندي، كما يراهن حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) على هذا القانون من أجل تحقيق غايات سياسية في المنطقة حيث أفل توهجه.
ثنائية الحشيش والسياسة
أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية 2016 حصول حزب الأصالة والمعاصرة على أكثر من 24% من الأصوات (977 141) في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة (شمال البلاد) متفوقًا بفارق 7726 صوتًا على حزب العدالة والتنمية الذي حل ثانيًا في المنطقة.
واجهت قيادة حزب الأصالة والمعاصرة اتهامًا خطيرًا من طرف عبد الإله بنكيران حينما كان رئيسًا للحكومة، بجمع الأموال عن طريق المخدرات لاستخدامها في شراء أصوات الناخبين في الانتخابات الجماعية والجهوية 2015، فيما تجنب الأصالة والمعاصرة الرد على هذا الاتهام، لكنه دعاه إلى فتح تحقيق بشأن استعمال المال باعتباره المشرف الأول على سير الانتخابات.
وكان حزب الأصالة والمعاصرة قد اكتسح الانتخابات البلدية والجهوية لعام 2015 في منطقة الشمال بالخصوص، وعلى المستوى الوطني أيضًا، بينما حل العدالة والتنمية في المركز الثاني.
لكن عودة الأصالة والمعاصرة إلى هذه المنطقة لن تكون بنفس القوة خلال الانتخابات المقبلة، خاصة بعدما أظهر دورًا باهتًا في الاستجابة لمطالب “حراك الريف”، كما أن الصراعات الداخلية التي عاشها أدت إلى نزوح أعيان وشخصيات انتخابية بارزة في المنطقة من هذا الحزب إلى أحزاب أخرى منافسة، استغلت فترة الضعف التي مر منها لتتقوى على حسابه.
“الأحرار” استمال الأعيان
أول المستفيدين من أزمة الخلافات داخل الأصالة والمعاصرة هو حزب التجمع الوطني للأحرار، هذا الأخير يسعى لتقوية وضعه التنظيمي من خلال استمالة الأعيان تحضيرًا للانتخابات المقبلة، كما يعمل على ملء الفراغ الذي سيتركه الأصالة والمعاصرة خصوصًا أن قيادات الأحرار مقتنعة بنجاحها في مواجهة العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.
بعض الأعيان لم يتخذوا بعد موقعًا حزبيًا لهم لخوض غمار الانتخابات، وسيحاول الأصالة والمعاصرة استمالتهم، خاصة في منطقة الشمال التي اعتاد أن يكتسح فيها أعلى عدد من الأصوات، وما زال يعتبرها معقلًا له.
في العام 2014 قدم حزب الأصالة والمعاصرة مقترح قانون في مجلس النواب، لكن لم تتجاوب معه الحكومة، كما قدم حزب الاستقلال المغربي أيضًا مقترح قانون مماثل في 2013، يدعو إلى رفع التجريم عن زارعة القنب الهندي، لكن رفضته الحكومة.
دعاية صالحة لكل زمان
شكلت دعوة الأحزاب المتكررة إلى تقنين القنب الهندي في حد ذاتها دعاية انتخابية صالحة لكل زمان ومكان، حيث لا يخلو هذا الموضوع من مزايدات سياسية، فكل حزب يتهم منافسه بالاستغلال السياسي لزراعة القنب الهندي، وغالبًا ما تلحق هذه التهمة بحزب الأصالة والمعاصرة.
كثيرًا ما تحدث المستشار البرلماني العربي المحرشي، عن زراعة القنب الهندي، وهو أحد أقطاب الأصالة والمعاصرة الذين طالما أثاروا الجدل كلما تعلق الأمر بالدعوة إلى تقنين زراعة الحشيش، وهو الذي يوصف بالسياسي الذي بنى مجده من تجارة الحشيش، وهذا اتهام مردود عليه من طرف المحرشي نفسه، معتبرًا ذلك مجرد إشاعة يصدقها الناس بسرعة، حيث قال: “من حق جميع الخصوم أن يلفقوا التهم كما أرادوا، لكن لدينا مؤسسات إنفاذ القانون لمعاقبة المخالفين”.
سبق لهذا البرلماني أن كشف سنة 2015، في عز الحمى الانتخابية وسط حشد جماهيري، ضواحي مدينة وزان التي يمثلها في البرلمان، امتلاكه أشرطة مسجلة لرجال سلطة ورجال الدرك الملكي يتلقون الرشوة مقابل غض البصر عن زراعة الحشيش.
وتابع مضيفًا “الدولة على علم بزراعة القنب الهندي هنا، فهل هي قادرة على تحمل مسؤوليتها؟ هل لدينا طرق معبدة مثل الرباط والدار البيضاء كي لا نزرع الحشيش؟ هل أبناء هذه المنطقة يلجون الوظائف؟ هل لدينا مستشفيات؟ ماذا ستعملون إذا لم تزرعوا القنب” وسط حشد هائل كان يقاطعه بالتصفيقات قال هذا الكلام الذي يشجع بشكل صريح على زراعة القنب الهندي.
هناك قانون صدر عام 1974 يعاقب على إنتاج النبتة بغرامات باهظة وبحبس قد يصل إلى 10 سنوات، غير أنه من شأن تقنين القنب الهندي أن ينهي عقودًا من المتابعات القضائية في حق كثير من أبناء منطقة الشمال، الذين يعانون من الفقر والرعب، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن عدد المزارعين المطلوبين للعدالة يقدر بعشرات الآلاف منهم من اعتقل وُحكم عليه بالفعل.