تدحرجت حادثة مستشفى السلط الحكومي بالأردن التي راح ضحيتها 7 مرضى كورونا بسبب تعطل إسطوانات الأكسجين، بصورة متسارعة لتتجاوز إطارها الضيق وتصبح قضية رأي عام بعدما تصاعد منسوب الغضب الشعبي حيال الواقعة رغم مساعي الاحتواء المكثفة.
العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، أمر بتشكيل لجنة طبية عسكرية من الخدمات الطبية الملكية، للوقوف على ملابسات الوفاة وتقديم تقرير شامل في أسرع وقت، فيما تم بصورة أولية قبول استقالة وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات الذي أعلن تحمله المسؤولية الأدبية، بجانب إقالة مدير الصحة العامة في محافظة البلقاء التي وقع فيها الحادث.
ورغم إعراب رئيس الوزراء بشر الخصاونة، عن شعور الحكومة بالخجل إزاء ما حدث، فإن حالة الغضب التي خيمت على الشارع هي من فرضت نفسها على المشهد بما يعكس تعاظم منسوب الاحتقان الشعبي تجاه الحكومة، بينما جاءت تلك الواقعة للتنفيس عنها في صورة احتجاجات ووقفات.
كرة الثلج المتدحرجة منذ كشف الحادثة تكبر بصورة لافتة للنظر، الأمر الذي يجعل كل السيناريوهات مفتوحة خلال الساعات الماضية، لا سيما بعد تصدر تلك الجريمة قائمة أولويات واهتمامات القيادة الرسمية بالبلاد من أعلى هرمها السياسي وصولًا إلى رجل الشارع.
اعتراف حكومي
أعلن رئيس الوزراء الأردني منذ الوهلة الأولى مسؤولية حكومته الكاملة بشأن الحادث، لافتًا إلى أن ما حدث “لا يمكن قبوله أو تبريره” متعهدًا بفتح تحقيق شامل، شفاف ونزيه، للوقوف على كل الملابسات المتعلقة بالواقعة، على أن يتم إعلان كل التفاصيل بعد الانتهاء من التحقيقات.
وطلب الخصاونة من رئيس المجلس القضائي إجراء تحقيق عن طريق النيابة العامة، بمشاركة كل الجهات الرقابية الأخرى، متوعدًا بتحمل كل المتورطين ومن تقع عليهم المسؤولية التبعات والعواقب وفق أحكام القوانين، حال ثبوت ذلك في التحقيق.
وتجنب رئيس الحكومة سياسة التبرير أو التقليل من شأن ما حدث، في سابقة قلما تتكرر حتى داخل المملكة ذاتها، الأمر الذي فرض نفسه على الشارع لتصبح الواقعة في ثوان معدودة قضية رأي عام تحركت كل الأجهزة في مختلف السلطات للتعاطي معها بجدية.
المشاركون في المسيرة استهجنوا تحميل وزير الصحة وحده مسؤولية الفاجعة، هاتفين بشعارات تطالب بإقالة حكومة الخصاونة، متهمين إياها بالفشل في إدارة ملف أزمة وباء كورونا
وبحسب المركز الوطني للطب الشرعي بوزارة الصحة الأردنية فإن عدد الوفيات بسبب انقطاع الأكسجين في المستشفى ارتفع إلى 7 من المرضى المصابين بكورونا، فيما أفادت مصادر طبية أن انقطاع الأكسجين استمر من الساعة السادسة وحتى الثامنة من صباح اليوم السبت، الأمر الذي دفع المستشفى للاستعانة بسيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني لإمدادها بالأكسجين، لكن الوقت لم يسعف لإنقاذ حياة المتوفين.
تلك المصادر كشفت أن أزمة نقص الأكسجين بمستشفى السلط الحكومي لم تكن الأولى من نوعها، إذ ترجع إلى أكثر من أسبوع، وتتواصل بشكل يومي، وأن الطاقم الطبي ناشد الإدارة أكثر من مرة لمعالجة تلك الأزمة قبل تفاقهما، لكن دون استجابة من أحد.
غضب شعبي
رغم حظر التجوال المفروض منذ السابعة مساء، فإن العديد من المدن الأردنية شهدت مساء أمس مظاهرات ووقفات احتجاجية تنديدًا بواقعة السلط، حيث أشعل بعض الغاضبين إطارات السيارات فيما تم قطع بعض الطرق، ورددوا شعارات تطالب بمحاسبة المتورطين في تلك الجريمة.
محيط المستشفى والشوارع الرئيسية في محافظة البلقاء كانت الأكثر حضورًا في خريطة التظاهرات، حيث تجمع آلاف المواطنين من أبناء المنطقة وأقارب المتوفين، رافعين شعارات منددة بسياسات الحكومة وتتهمها بالتقاعس، فيما شهدت الساحة وجودًا أمنيًا مكثفًا.
وفي العاصمة عمّان، خرج المئات بعد صلاة العشاء من أمام مسجد جعفر بمنطقة الطفايلة في مسيرة باتجاه وسط البلد، تضامنًا مع ضحايا قطع الأكسجين ومشاطرة ذويهم الأحزان، رافعين عدد من المطالب أبرزها وقف العمل بقانون الدفاع على الفور، والاكتفاء بالقوانين النافذة، وعلى رأسها قانون الصحة العامة.
المشاركون في المسيرة استهجنوا تحميل وزير الصحة وحده مسؤولية الفاجعة، هاتفين بشعارات تطالب بإقالة حكومة الخصاونة، متهمين إياها بالفشل في إدارة ملف أزمة وباء كورونا الذي تعاني المملكة من ارتفاع عدد الإصابات به بشكل لافت للنظر مقارنة بالدول المجاورة.
وفي محافظة مادبا (جنوب) اعتصم العشرات من النشطاء في دوار ذيبان، مؤكدين أن الأزمة لا تتعلق بوزير أو حكومة، لكنها تتعلق بإستراتيجية إدارة الدولة برمتها، وأن النهج الذي تلتزم به المملكة ثبت فشله في كثير من المواقف، مطالبين بتغيير آلية تشكيل الحكومات.
مساعي الاحتواء
حالة الغضب الشعبي التي أحدثتها تلك الواقعة دفعت العاهل الأردني والحكومة إلى محاولة الاحتواء قدر الإمكان، فمن المرات النادرة يتفاعل الملك مع مثل تلك الأحداث، لتبدو عليه علامات الغضب، موجهًا بتشكيل لجنة من الأطباء العسكر لتولي التحقيق، وهو ما يحمل الكثير من الأبعاد السياسية في الأمر.
الملكة رانيا العبد الله هي الأخرى دخلت على خط الأزمة بصورة شخصية حين وصفت الحادثة بأنها فجيعة لا يمكن تبريرها، مطالبة بفتح تحقيقات شفافة لمحاسبة المتورطين بشأنها، فيما قال نائب عام عمَّان، حسن العبد اللات، إنه تم توقيف 5 مسؤولين في مستشفى السلط وإسناد تهمة التسبب بالوفاة بالاشتراك لهم مكرر 7 مرات.
موجات الاحتقان ضد الحكومة تتصاعد منذ أدائها اليمين الدستورية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب مستوى الأداء المتراجع الذي أدى إلى تفاقم الحالة الاقتصادية للأردنيين
وتم إيداع الموقوفين وهم مدير المستشفى ومساعده لشؤون الخدمات والتزويد ومساعده للشؤون الطبية ومساعده للشؤون الإدارية ومسؤول التزويد في المستشفى، في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، لمدة أسبوع، فيما أكد النائب العام أنَّ التحقيق ما زال جاريًا ومستمرًا لتحديد من ستثبت عليه مسؤولية هذا الجرم.
تكليف عبد الله الثاني مدير الخدمات الطبية الملكية العميد عادل الوهادنة بالتحقيق في ملابسات الحادث، وتزويده بتقرير شامل بعيدًا عن التقارير الرسمية التقليدية الصادرة عن الجهات الرقابية الأخرى أو حتى عن وزارة الصحة ذاتها، يعكس أهمية استثنائية للحادثة، وهو التحرك الذي أثار الكثير من التساؤلات على ألسنة المهتمين بالشأن الأردني.
هل تستقيل الحكومة؟
تعاني حكومة الخصاونة من تراجع في شعبيتها مقارنة بما كانت عليه عند التشكيل، ففي استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، في فبراير/شباط الماضي، بعد مرور مئة يوم أداء الحكومة اليمين الدستورية، أظهر تراجعًا ملحوظًا في ثقة الشارع بها.
الاستطلاع كشف أن 57% من الأردنيين يرون أن الأمور تسير بالاتجاه السلبي، وأن 46% من العينة الوطنية و52% من عينة قادة الرأي العام يثقون بالحكومة الحاليّة مقارنة مع 52% من العينة الوطنية و56% من عينة قادة الرأي العام أفادوا بثقتهم بالحكومة في استطلاع التشكيل، فيما قال 47% من العينة الوطنية انهم يثقون بأن الحكومة كانت قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة الماضية مقارنة ب 53٪عند استطلاع التشكيل.
موجات الاحتقان ضد الحكومة تتصاعد منذ أدائها اليمين الدستورية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب مستوى الأداء المتراجع الذي أدى إلى تفاقم الحالة الاقتصادية للأردنيين والفشل في التعامل مع التحديات التي أفرزتها تداعيات فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
الحكومة لم تنجح بالوفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها منذ اليوم الأول لعملها حين تعهدت بإسراع الخطى لحل الأزمات المعيشية للمواطن، لكن بعد مرور ما يقرب من 5 أشهر لم تنجح الوزارة في تحقيق أي نجاحات تحسب لها، وهو ما انعكس في تفاقم معدلات البطالة وتعاظم الخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد العام الماضي.
ربما تكون حادثة السلط الأخيرة هي القشة التي ستقصم ظهر البعير، لتجد حكومة الخصاونة نفسها مجبرة على تقديم استقالتها بالكامل أو إقالتها من العاهل الأردني في محاولة لامتصاص غضب الشارع
في تقرير سابق لـ”نون بوست” كنا قد أشرنا إلى المزاج العام داخل الحكومة الأردنية في مجمله يعاني من تشققات وعدم اتساق، وهو ما جسدته بعض المواقف والتصريحات الصادرة عن بعض الوزراء التي صدرت صورة سلبية لدى الشارع، ما جعل جدران مجلس الوزراء عرضة لمزيد من الخروقات التي ربما يكون لها تداعياتها السلبية لاحقًا.
التقرير استعرض بعض الثقوب الغائرة في جسد الحكومة التي ربما يكون لها دور كبير في الإسراع بإحداث تعديل موسع وسريع، أبرزها الخلافات المتصاعدة بين الوزراء بخصوص عدد من الملفات لا سيما المتعلقة بالحياة المعيشية للمواطنين، بجانب الضغوط الشعبية لتقليل عدد الحقائب الوزارية (32 وزيرًا داخل الحكومة الحاليّة).
ربما تكون حادثة السلط الأخيرة هي القشة التي ستقصم ظهر البعير، لتجد حكومة الخصاونة نفسها مجبرة على تقديم استقالتها بالكامل أو إقالتها من العاهل الأردني في محاولة لامتصاص غضب الشارع حال استمر الاحتقان والاحتجاجات الغاضة في الشوارع والميادين.
تأتي تلك الواقعة لتتوج فشل الحكومة في التعاطي مع الملفات الحيوية، وهو الأمر الذي سيعجل من عمرها، فقطار الاستقالات لن يتوقف عند محطة وزير الصحة فحسب، إذ سبقه قبل ذلك وزيرا الداخلية سمير المبيضين والعدل بسام التلهوني، الذين أجبرا على تقديم استقالتهما بعد مخالفتهما إجراءات السلامة العامة المتخذة للتصدي لفيروس كورونا في البلاد، إذ حضرا وجبة عشاء في أحد مطاعم عمان المشهورة في الأول من مارس/آذار الحاليّ.