يشتد الخناق يومًا تلو الآخر على أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، فبعد أقل من عام تقريبًا على استهدافها – مع بعض المقربين من عائلة رئيس النظام – بحزمة عقوبات أمريكية بموجب قانون قيصر، ها هي اليوم تواجه شبح المحاكمة واحتمالات فقدانها جنسيتها البريطانية التي تحملها.
صحيفة صنداي تايمز البريطانية كشفت عن مواجهة أسماء محاكمات محتملة، بعد أن فتحت شرطة العاصمة لندن تحقيقًا أوليًا في اتهامات موجهة لها بشأن تحريضها على أعمال إرهابية خلال السنوات العشرة الأخيرة، أسفرت عن مقتل نحو نصف مليون شخص، ونزوح 12 مليون آخرين.
وقد شهد العامان الماضيان تحديدًا تحركات مكثفة من قرينة رأس النظام السوري لتصدر المشهد عبر التخلص من حيتان النظام الذين كانوا يشكلون عصب الدولة الاقتصادي، وعلى رأسهم رامي مخلوف، ابن خال بشار، فقد سحبت منهم امتيازاتهم لتعزيز نفوذها الداخلي.
يبدو أن مساحيق التجميل السياسية والاجتماعية والخيرية التي اعتادت أسماء وضعها على مدار عدة سنوات لإخفاء وجهها الملطخ بدماء المدنيين والأطفال، وستائر البر والإحسان البلاستيكية التي كانت تستتر خلفها لمداراة سلسلة أفلام الإجرام التي كانت ترتكبها عبر تمويل ودعم ميليشيات الأسد في مواجهة الشعب وتأمين واجهة ناعملة للأسد، ستسقط قريبًا، لتواجه سيدة “سوريا الأسد” الأولى مستقبلًا غامضًا قد يهدد طموحاتها السياسية ويبقيها داخل منفاها السوري دون إمكانية مغادرة بلادها.
تحريض على الإرهاب
يعود قرار المحاكمة إلى فتح وحدة جرائم الحرب التابعة لشرطة العاصمة لندن، التحقيق في الملف الوثائقي المقدم من منظمة Guernica 37 (غرنيكا 37)، وهي مؤسسة للقانون الدولي مقرها لندن، الذي يكشف بالأدلة دعم أسماء لجيش الأسد في حربه ضد المدنيين.
رئيس المنظمة توبي كادمان، يرى أن هناك أدلةً وحججًا قويةً يمكن من خلالها تقديم قرينة الأسد للمحاكمة، لافتًا إلى أن الفريق القانوني التابع لمنظمته عمل على مدار عدة أشهر على دراسة وتقييم نشاط الأسد والأدوار التي قامت بها خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية.
وعلى ضوء تلك الأدلة التي جمعها هذا الفريق قدم كادمان رسالتين سريتين إلى قيادة مكافحة الإرهاب في خدمة شرطة العاصمة، لينتهي التحقيق إلى التثبت من تحريض أسماء الأسد على الإرهاب، وذلك من خلال دعمها العلني والخفي لقوات النظام السوري، الأمر الذي دفع (غرنيكا 37) إلى محاكمتها أمام القضاء وعدم اقتصار العقوبة على تجريدها من جنسيتها فقط.
التقرير أشار إلى أن أسماء، البالغة من العمر 45 عامًا والأم لثلاثة أطفال، وسعت إمبراطورية أعمالها منذ صعودها في سلم السلطة عقب تولي زوجها الحكم قبل عقدين، كما ساهمت في دعم القوات المسلحة التي استهدفت مناطق مدنية على مدى الحرب في سوريا، تشمل مستشفيات ومدارس، مستخدمة القنابل والضربات الجوية والمدفعية، وذلك من خلال إلقاء المحاضرات الداعمة للعسكر التي تحثهم على مواصلة جرائهم التي يعتبرها القانون البريطاني أعمالًا إرهابيةً.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يُطالب فيها بمحاكمة الأسد على دعمها لجرائم قوات النظام بحق السوريين
وأشارت الصحيفة أنه في حالة إدانة الأسد، من المقرر أن تنضم إلى قائمة من الشخصيات في أنظمة ديكتاتورية طالتهم العدالة في بريطانيا، على رأسهم على الجنرال أوغستو بينوشيه الذي حكم تشيلي لمدة 17 عامًا، وألقي القبض عليه في لندن 1998، كذلك رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة 50 عامًا في بريطانيا بعد إدانته من جانب محكمة العدل الدولية في لاهاي قبل تسع سنوات بارتكاب جرائم حرب في سيراليون.
وترجح الصحيفة عدم استجابة أسماء للمثول أمام المحكمة البريطانية، كما أنه من غير الواضح إن كان الادعاء سيضغط من أجل محاكمة غيابية، متوقعة أن يكتفي الأمر بتضمين اسمها في نشرة حمراء من الشرطة الدولية “الإنتربول” تمنعها من مغادرة سوريا وإلا قد تتعرض للاعتقال، لتقضي الفترة القادمة كلها داخل بلادها لا يمكنها الخروج.
اللافت للنظر أن بريطانيا خلال السنوات الماضية وبينما قدمت العديد من المنظمات عشرات الوثائق على تورط عائلة الأسد في جرائم حرب في سوريا، إلا أن الحكومة الإنجليزية هناك لم تسحب جنسية أي من أفراد تلك العائلة بما فيهم أسماء، كما فعلت على سبيل المثال مع الطالبة شميمة بيغوم التي تم تجريدها من جنسيتها بسبب انضمامها إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2015 رغم حداثة سنها.
وكانت صحيفة لوموند Le Monde الفرنسية قد نشرت تقريرًا في يوليو/تموز 2020 اتهمت فيه زوجة الديكتاتور السوري – كما وصفته الصحيفة – بأنها “واحدة من أسوأ المستفيدين من الحرب في بلادها”، مستعرضة جهود أسماء لتجميل صورة نظام زوجها من خلال العديد من الإستراتيجيات، تعاون معها في ذلك صحف أوروبية وأمريكية، فيما وصفها البروفيسور الفرنسي الخبير بشؤون الشرق الأوسط جان بيير فيليو، بأنها “السيدة الأولى في القمع والفساد”.
وفي افتتاحية صحيفة “الغارديان” البريطانية في مارس/آذار 2012 التي جاءت تحت عنوان “القتل والتسوق” تحدثت عن تبادل الأدوار بين بشار وأسماء، فبينما هو يتابع تدمير مدينة حمص، كانت تهتم هي بالتسوق على الإنترنت وتزيين مقر إقامتها الصيفية على الساحل السوري.
الصحيفة كشفت أن جمعية أسماء الأسد الخيرية، المعروفة بالصندوق السوري للتنمية، كانت وسيطًا إلزاميًا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعليهما التعاون معها إن أرادا الحفاظ على أنشطتهما في الأراضي السورية، وكانت أحد أبرز المنافذ لتلميع النظام دوليًا من جانب، ونهب أموال الشعب من جانب آخر.
ليست المرة الأولى
لم تكن تلك المرة الأولى التي يُطالب فيها بمحاكمة الأسد على دعمها لجرائم قوات النظام بحق السوريين، ففي أبريل/نيسان 2017 دعا عدد من النواب البريطانيين حكومة بلادهم إلى سحب الجنسية من زوجة رئيس النظام السوري لضلوعها في الانتهاكات الممارسة ببلادها.
المتحدث باسم الشؤون الخارجية عن حزب الديمقراطيين الأحرار النائب توم بريك، اتهم الأسد باستغلال مكانتها الدولية من أجل الدفاع عما وصفه “نظام همجي”، لافتًا إلى أن وزير الخارجية – إبانها – بوريس جونسون (رئيس الوزراء الحاليّ) حث بعض الدول على اتخاذ مواقف حازمة بشأن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري.
وألمح أن على الحكومة البريطانية أن تحدد موقفها بوضوح مع زوجة رئيس النظام السوري، فإما أن تتوقف عن استخدام مكانتها الاجتماعية والسياسية للدفاع عن تصرفات بربرية بحق المدنيين وإما أن تُسحب منها الجنسية البريطانية كحد أدنى للعقوبات التي يجب أن تُتخذ ضدها.
التحرك البرلماني وقتها جاء بعد وصف جونسون لبشار بـ”الإرهابي الأكبر” في مقال نُشر بصحيفة صنداي تلغراف، داعيًا الدول الداعمة له، لا سيما روسيا، لإعادة النظر في موقفها ووقف الدعم له، الدعوات ذاتها أطلقها النائب عن حزب المحافظين ناظم زهاوي قائلًا: “حان الوقت لنلاحق الأسد بكل طريقة ممكنة، بما في ذلك من خلال أشخاص بمن فيهم السيدة الأسد، الذين يشكلون جزءًا من الآلة الدعائية التي ترتكب جرائم حرب”.
ما أهمية هذا التحرك؟
حزمة من الدلالات حملتها العقوبات المفروضة على الأسد ابتداءً، وصولًا إلى مقاضاتها لسحب الجنسية البريطانية منها، وهي عقوبات تحمل الكثير من الرسائل المعنوية والسياسية والاقتصادية، تذهب في النهاية إلى إجهاض حلمها في أن تكون خليفة لزوجها على حكم سوريا.
المعارض السوري بسام جعارة يرى أن أول هدف من وراء تلك التحركات التأكيد على أن أسماء الأسد مجرمة حرب، كونها زوجة مجرم حرب، وشريكته الأساسية في الجرائم التي ارتكبها وما زال بحق شعبه، هذا بخلاف عرقتها جهود الحل السياسي وإنهاء أمد الصراع ومعاناة السوريين.
وكان للعقوبات الاقتصادية المفروضة تأثيرها الاقتصادي الملموس في منع تحويل زوجة الأسد وعائلتها أي أموال من أوروبا أو الخليج للنظام وميليشياته التي تقتل السوريين من دول أوروبا أو الخليج، وهو ما تضمنه بيان الخارجية الأمريكية لتبرير فرض عقوبات عليها، حيث جاء نصًا “ثروات عائلة أسماء الأسد غير المشروعة تراكمت على حساب الشعب السوري من خلال السيطرة على شبكة واسعة غير مشروعة مع روابط في أوروبا والخليج وأماكن أخرى”.
وكان جعارة قد كشف خلال تصريحات له أن أسماء نقلت إلى بريطانيا عقب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 قرابة 50 مليون دولار، لتأمين مستقبل ما أسماه “العصابة” وذلك في طائرة خاصة أقلتها ومعها حقائب الدولارات دفعة واحدة.
العقوبات التي جاءت بالتنسيق بين واشنطن ولندن بحق أسماء وعائلتها ستقطع الطريق عليها لتهيئة نفسها بديلًا لزوجها لدى الأوساط الغربية
التحرك ضد أسماء أزعج الحليف الروسي بالطبع، الحاضن الأول لبشار وميليشياته والداعم الأكبر له في جرائمه بحق أبناء شعبه، إذ وجه البرلماني الروسي دميتري سابلين – منسق المجموعة المعنية بالروابط مع سوريا داخل مجلس الدوما الروسي – انتقادات شديدة اللهجة إلى السلطات البريطانية.
وفي تصريحات صحفية له قال: “مع دخول النزاع المسلح في سوريا عامه الـ11، اكتشف البريطانيون أن زوجة رئيس الدولة تحظى بنفوذ في الطبقة الحاكمة وتدعم السوريين في صراعهم من أجل بلدهم، وأطلقوا تحقيقًا بحقها، في تلك اللحظة تحديدًا التي تكافح فيها المرأة التي خضعت مؤخرًا لعلاج السرطان فيروس كورونا”.
البرلماني الروسي اعتبر أن ما يحدث هو جزء من الضغط النفسي على قيادة سوريا قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام الحاليّ، في محاولة لإزاحتها عن المشهد خلال المرحلة المقبلة، مضيفًا “لا جدوى من الحديث عن أي أخلاق لدى زملائنا الغربيين”.
مستقبل عائلة الأسد.. إلى أين؟
على طريقة تبادل الأدوار السينمائية لنفس الوجوه والشخصيات، أو كما يسميها خبراء البيئة والصناعة “إعادة تدوير المخلفات”، تهدف أسماء إلى القفز على كرسي الحكم بدلًا من زوجها بعد الضغوط الغربية والدولية الممارسة عليه خلال العامين الماضيين.
قرينة الرئيس كثفت في الآونة الأخيرة من إستراتيجيات التلميع لنفسها عبر حملات علاقات عامة مركزة، هدفت من خلالها إلى تعزيز حضورها الداخلي من خلال عدد من الزيارات المتكررة لقرى الساحل ذات الغالبية العلوية (الطائفة التي ينتمي إليها بشار) هذا بجانب زيارة الأماكن الفقيرة والبحث عن اللقطة الإعلامية عبر عدد من المساعدات والمشروعات الخيرية التي تعيد بها تسويق نفسها مجددًا.
وصلت مرحلة التلميع إلى غزو صور أسماء الأسد المكاتب والدوائر الحكومية بما فيها مكاتب وزراء، وعلقت منها بأحجام كبيرة في مناسبات شبه رسمية، بعضها إلى جوار زوجها والآخر بمفردها، هذا بجانب إزاحتها شيئًا فشيئًا أقارب زوجها عن الدائرة الضيقة للنظام.
وعليه فإن العقوبات التي جاءت بالتنسيق بين واشنطن ولندن بحق أسماء وعائلتها ستقطع الطريق عليها لتهيئة نفسها بديلًا لزوجها لدى الأوساط الغربية، لا سيما بعدما استقر في يقين العشرات من المنظمات الدولية ضلوعها في جرائم حرب بحق شعبها وهو ما وثقته العديد من الملفات والتقارير.
تحركات ربما لا تُفضي إلى إجراءات رادعة – لاعتبارات سياسية – كما يتوقع البعض، لكنها بلا شك ستضيق الدائرة أكثر وأكثر على زوجة الأسد، المرأة الأقوى نفوذًا في السنوات الأخيرة، والتي باتت على بعد خطوات من النفي داخل بلادها، لا يمكنها الخروج، ليبقى السؤال: هل آن الأوان لتدفع أسماء ثمن مشاركتها بقتل الأبرياء من أبناء شعبها؟ سؤال ربما من المبكر الإجابة عنه رغم توافر الأدلة والوثائق.