قبل 10 سنوات من الآن انطلقت أول مظاهرة احتجاجية في العاصمة السورية دمشق، تلك اللحظة الفارقة في تاريخ البلاد التي كانت أساسًا لانطلاق الثورة وانتفاضة الشعب، هتف المشاركون بمطالب بسيطة، فقد نادوا بالحرية والعدالة، وبعد هذه المظاهرة بيوم واحد، اعتصم عشرات الناشطين وذوي المعتقلين السياسيين للمطالبة بالإفراج عن ذويهم، إلا أن قوى الأمن هاجمت المظاهرة واعتقلت بعض النشطاء.
سبقت هذه المظاهرات دعوات عدة للثورة على نظام بشار الأسد، وذلك للحاق بركب الربيع العربي والانعتاق من قيد العبودية، إلا أن أحدًا لم يكن لديه بارقة أمل في ظل حكم بالحديد والنار والقتل والقمع والإخفاء، لكن كلمة الشعب كانت أقوى وإرادته أكبر، فخرج ملايين الثائرين نصرة لأهل درعا ابتدءًا، قبل أن تستحيل فزعتهم إلى ثورة هادرة لا يقف بوجهها أي مستوى من القمع والوحشية مهما بلغ.
في التقرير التالي نرصد بعضًا من الفعاليات التي نظمها سوريون في الداخل والمهجر احتفاًلا بذكرى 10 سنوات على ثورتهم، إلى جانب عرض ابرز التصريحات الدولية التي صدرت بالمناسبة.
احتفالات مارس/آذار
في الشمال السوري، بدأت الاحتفالات بالذكرى العاشرة للثورة بالتحضير للمظاهرات والمهرجانات في كثير من القرى والبلدات المحررة من سيطرة الأسد، والتئمت مظاهرة إدلب في دوار السبع بحرات إحياءً للذكرى، فيما زين الناشطون بعض الميادين الرئيسية بأعلام الثورة كمدينة أعزاز استعدادًا للفعاليات، ورُسمت جدارية كبيرة تتضمن علم الثورة في مدينة إدلب تجهيزًا لإحياء الذكرى.
توزع برنامج المظاهرات الذي دشن فعالياته منذ أيام على أكثر من 15 نقطةً، ويشمل مدن الأتارب وأعزاز والباب وإدلب ورأس العين وسرمدا وأريحا وأخترين وكفرتخاريم وبزاعة والشيخ حديد وجرابلس وصوران ومارع وعفرين.
على صعيد متصل أنهى مجموعة من الرسامين لوحةً جداريةً كبيرةً على جدار مدرسة داخل مدينة إدلب بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة وتضمنت اللوحة رسمًا لعلم الثورة السورية كخلفية، رسموا فوقه 10 خرائط لسوريا تتضمن تفاصيل مختلفة تعبر كل خريطة عن حدث مفصلي أو رمزية من رموز الثورة والمعاناة التي عاشها الشعب السوري جراء العنف الذي تعرض له من قوات نظام الأسد.
إلى ذلك، نظم ناشطون سوريون وقفة في مدينة إسطنبول لإحياء الذكرى العاشرة للثورة السورية، وتجمع مئات الأشخاص مرددين هتافات الثورة ونصرتها، مشددين على أنها لم تنته مهما كانت الظروف، وألقى رائد الفضاء السوري محمد فارس، بيانًا أكد فيه ضرورة إسقاط نظام الأسد، لتحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة، وشدد البيان الذي أصدرته عدد من الجمعيات والمنظمات السورية على ضرورة بناء نظام ديمقراطي حر في سوريا، داعيًا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط على روسيا لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة، وإطلاق سراح المعتقلين، مشيرًا إلى أنه من دون رحيل بشار الأسد لن يكون هناك حل في سوريا.
إحياءًا للذكرى أيضًا، أصدرت 60 رابطةً وهيئةً ثوريةً سوريةً، بيانًا مشتركًا، بمناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية، مؤكدين من خلاله على مطالب رئيسية لا يمكن التخلي عنها، وبحسب البيان فإن الجهات رفضت أي مساومة تتعلق بإسقاط نظام الأسد ورموز أركانه، والتشديد على فتح مسارات العدالة لمحاسبة رموز النظام ومعاقبتهم على جرائمهم المرتكبة ضد الشعب السوري.
وطالب البيان بالإفراج عن جميع المعتقلين وكشف مصير المفقودين والإسراع في بدء تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، تمهيدًا لبدء عملية انتقال سياسي في سوريا، مؤكدًا أن عودة المهجرين والنازحين مرتبطة بتحقيق بيئة آمنة وظروف مناسبة لعودة طوعية نحو بلد مستقر أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًّا، فيما شدد البيان على رفضه لجميع المساعي التي تهدف إلى التطبيع مع نظام الأسد وإعادة تعويمه سياسيًا وإعادة تأهيله من أي دولة أو كيان أو فرد.
بيانات دولية
أما على الصعيد الدولي فقد صدرت عدة بيانات بالتزامن مع الذكرى العاشرة لانطلاق الانتفاضة السورية، إذ أحيت الخارجية الأمريكية الذكرى من خلال حضورها لفعالية “الهولوكوست السوري”، وكشف مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى جودي هود، أن بلاده ستعمل على خطة من بندين لدعم الثورة في مواجهة نظام الأسد، وقال هود: “العدالة واحترام حقوق الإنسان يجب أن يكونا في طليعة جهودنا الجماعية الآن أكثر من أي وقت مضى من أجل التوصل إلى حل سياسي”.
وأكد أن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بشدة لتحقيق العدالة لضحايا الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد، وستعمل على متابعة المساءلة والمطالبة بالإفراج عن آلاف السوريين الذين اعتقلوا بشكل تعسفي.
مشاهد مهيبة لمظاهرة ساحة السبع بحرات في مدينة ادلب #الذكرى_العاشرة_للثورة_السورية #سوريا #ادلب pic.twitter.com/w44AjnfHNB
— انس المعراوي (@anasanas84) March 15, 2021
كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قد قدمت مشروع قرار بالتزامن مع الذكرى لتحديد سياسة واشنطن في سوريا، وينص المشروع على إدانة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، ويدعو إلى مواصلة الجهود لمحاسبته وداعميه، روسيا وإيران.
كما ينص على الاحتفال رسميًا بالذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة السورية، والعمل على تحميل نظام الأسد ومساعديه الدوليين مسؤولية الفظائع التي ارتكبوها بحق الشعب السوري ومحاسبتهم عليها، وتأمين المساعدات الإنسانية للشعب السوري، ومنع وصول نظام الأسد للموارد التي تساعد في دعم آلته الحربية العسكرية.
ويشيد مشروع القرار بالمدافعين عن حقوق الانسان وجهودهم لتوثيق جرائم الأسد وكشفها، ويرسل رسالة واضحة للمجتمع الدولي ضد تطبيع العلاقات أو تطويرها أو قوننتها مع نظام الأسد والدول المتحالفة معه، وإلى جانب ذلك، يدعو مشروع القرار حكومة الولايات المتحدة إلى تنشيط الجهود الدبلوماسية لحل النزاع على النحو المبين في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية للشعب السوري، حتى تكون سوريا خاليةً من العنف سواء من الدولة أم الجماعات المسلحة الأخرى.
بدوره كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقالًا لصحيفة بلومبيرغ الأمريكية بمناسبة عقد الثورة السورية، ودعا من خلاله إدارة نظيره الأمريكي جو بايدن، إلى العمل مع تركيا لإنهاء المأساة الإنسانية في سوريا، وقال أردوغان إن الشعب التركي يؤمن بأن إقامة نظام سياسي قادر على تمثيل جميع السوريين ضروري لإحلال السلام والاستقرار مجددًا، وشدد على أن الحل السلمي والدائم لن يكون ممكنًا إلا باحترام وحدة أراضي سوريا وكذلك وحدتها السياسية.
وكانت الخارجية التركية قد أصدرت بيانًا أكدت فيه وقوفها إلى جانب الشعب السوري في مطالبه المشروعة، بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة ضد بشار الأسد، وذكر البيان أن “نصف مليون من المدنيين الأبرياء فقدوا حياتهم خلال العقد الأخير الذي قابلت فيه قوات النظام بالقمع والعنف، التظاهرات السلمية التي أطلقها للشعب السوري للمطالبة بالديمقراطية والعدالة والحقوق والحرية”.
وأوضح البيان أن “هذا العقد شهد تشريد نصف سكان الشعب السوري”، مبينًا أن الآلام التي حلت على الشعب السوري طوال هذا العقد سيدوم تأثيرها طوال أجيال، وحيّا البيان الشعب السوري الذي لم يتنازل عن نضاله من أجل الحقوق والحرية حتى في ظل هذه الظروف، راجين من الله تعالى أن يتغمد برحمته أشقاءنا الذين فقدوا أرواحهم.
إضافة إلى المواقف الدولية في ذكرى الثورة السورية، أكد وزير الخارجية الكندي مارك غارنو، ووزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، التزام بلديهما بدعم النظام الدولي لوضع النظام السوري تحت المحاسبة، وقال الوزيران: “بعد عشر سنوات من الاحتجاجات في سورية لا تزال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة حتى يومنا هذا”.
وأضاف البيان “في مواجهة هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، ستتخذ كندا ومملكة هولندا خطوات إضافية معًا لمحاسبة سوريا، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب على وجه الخصوص، سنحاسب نظام الأسد على انتهاكاته لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ونطالب بالعدالة لضحايا جرائم النظام المروعة”.
العقوبات مستمرة
كما أعلن الاتحاد الأوروبي تجديد العقوبات الاقتصادية ضد شخصيات وكيانات ضمن نظام الأسد، وقال الاتحاد الأوروبي في بيان له بمناسبة ذكرى الثورة: “الصراع في سوريا لم ينته بعد، ولا يزال الاتحاد الأوروبي حازمًا، ويواصل المطالبة بإنهاء القمع والإفراج عن المعتقلين، وأن يشارك النظام السوري وحلفاؤه بشكل هادف في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وفي موقف واضح من عزم النظام السوري على إقامة انتخابات رئاسية جدد الاتحاد الأوروبي رفضه للانتخابات الرئاسية مؤكدًا أن “الانتخابات التي ينظمها النظام السوري، مثل الانتخابات البرلمانية العام الماضي أو الانتخابات الرئاسية في وقت لاحق من هذا العام لا تفي بالمعايير الدولية، ولا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع ولا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام”، مجددًا دعمه لانتخابات حرة نزيهة في سوريا وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي، وتحت إشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254.
ميلاد كل العرب
في الإطار ذاته، تفاعل صحفيون ومشاهير عالميون مع الذكرى العاشرة للثورة السورية على وسائط التواصل الاجتماعي، حيث قال الباحث والكاتب القطري جابر الحرمي في تغريدة له على تويتر: “الذكرى العاشرة للثورة السورية تؤكد أن تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة لا يمكن أن تسقطها أنظمة القمع مهما استخدمت من القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة قد تتأخر أزهار الثورة ، بفعل القمع وتكالب الأعداء، لكنها حتمًا ستزهر يومًا ما”.
#الذكرى_العاشرة_للثورة_السورية تؤكد أن تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة .. لا يمكن أن تسقطها أنظمة القمع مهما استخدمت من القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة ..
قد تتأخر أزهار الثورة ، بفعل القمع وتكالب الأعداء ، لكنها حتما ستزهر يوما ما ..#الثورة_السورية
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) March 15, 2021
الصحفي ماجد عبد الهادي حيّا الثورة السورية بكلمات صباحية قال فيها: “صباح الحرية والكرامة للثورة التي تعرضت لأبشع أشكال القتل والخطف والنفي والغدر والتشويه، لكن نبضها ما زال حيًا في عروق من اختاروها طريقًا لإنسانيتهم.. وما بدلوا تبديلًا”.
صباح الحرية والكرامة للثورة التي تعرضت لأبشع أشكال القتل والخطف والنفي والغدر والتشويه، لكن نبضها مازال حياً في عروق من اختاروها طريقاً لإنسانيتهم.. وما بدلوا تبديلا#الذكرى_العاشرة_للثورة_السورية
— ماجد عبد الهادي Majed Abdulhadi (@majedabdulhadi) March 15, 2021
بدوره نشر لاعب كرة القدم الإسباني الشهير سيرخيو راموس تغريدة مضمونها دعوة لدعم الأعمال الإنسانية لأطفال سوريا بعد 10 سنوات من الحرب.
Hoy es el día de vestir el 10. Porque hoy se cumple una década de guerra en Siria. 10 años de sufrimiento para millones de niños y niñas. Súmate tú también a #Mi10xSiria de @unicef_es para seguir llevando a los niños y niñas sirios ayuda humanitaria https://t.co/97YbFyawPg pic.twitter.com/XskHMtycLa
— Sergio Ramos (@SergioRamos) March 15, 2021
كانت انطلاقة الثورة السورية لحظةً حاسمةً في تاريخ النضال الوطني على طريق التحرر من العبودية والاستبداد ليس لسوريا فحسب، وإنما لكل العرب، وكما قال الباحث والمؤرخ الفلسطيني بشير نافع “آذار سورية، 2011، تاريخ ميلاد جديد للعرب، كل العرب!”.