بدأت الحكاية حين وصل يوسف بن رحاميم ميوحاس هاربًا من اضطهاد اليهود في عدد من الدول الأوروبية عام 1880 إلى مدينة القدس طالبًا المساعدة، في ذلك الوقت لم يخطر ببال الفلسطيني عبد ربه بن خليل بن إبراهيم أن مسارعته إلى دائرة الطابو التركية آنذاك من أجل تحكير قطعة من أرضه في حي الشيخ جراح لمصلحة هذا اليهودي ستتحول لاحقًا إلى نقمة على أحفاده الذين وجدوا أنفسهم الآن مطرودين من أرضهم لمصلحة أحفاد ميوحاس.
هذه بداية الحكاية التي تتقاطع اليوم مع أكبر حملة إلكترونية فلسطينية تحت عنوان #أنقذوا_ حي_الشيخ_جراح، savesheikhjarrah#، مع وجود آلاف التقارير للمنظمات الحقوقية الدولية – يتبع كثير منها للأمم المتحدة – عن انتهاك حقوق الفلسطينيين في القدس، والإشارة إلى أنها مخالفة للقانون والأعراف الدولية، وهو ما لا يهتم به الاحتلال الإسرائيلي الذي يقدم نفسه كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتهاجم كل من يتهمها بالإرهاب أو انتهاك حقوق الفلسطينيين بمعاداة السامية، في حين تكشف الخرائط حجم الاستيطان والتغيرات الحاصلة في جغرافيا وديموغرافيا مدينة القدس تحديدًا لطرد الفلسطينيين منها.
يقدم الإنفوجرافيك التالي جرعة معلوماتية عن حي الشيخ جراح منذ ظروف نشأته حتى الآن، لتجيب هذه المادة – كأحد تقارير المصدر التي يقدمها “نون بوست” – عن التساؤلات بشأن ما يحدث في الشيخ جراح؟ وما سياسات التهويد في المدينة المقدسة؟ ولماذا يركز الاحتلال الإسرائيلي على تفريغ الأحياء الشعبية الفلسطينية من ساكنيها؟ كإطار معرفي سياسي للحدث.
ما نود الإشارة إليه أنه صدرت أحكام إخلاء غير قانونية بالقوة عن محاكم الاحتلال الإسرائيلي بحق عائلات فلسطينية تسكن في منازلها منذ أكثر من 50 عامًا في حي الشيخ جراح وحي سلوان بالقدس الشرقية، ويتم تسليم هذه العقارات لمنظمات المستوطنين مثل جمعية “إلعاد” الاستيطانية الصهيونية التي تعرف أيضًا باسم مؤسسة “إير ديفيد” و“عطاريت كوهانيم” و“صندوق الأرض الإسرائيلية” وغيرها، التي تعتبر رأس تمويل عمليات الاستيطان والتهويد في القدس بالشراكة مع مستثمرين وممولين يهود صهاينة من أمريكا.
ماذا يحدث؟
ما يحدث اليوم هو توطئة لفصل القدس القديمة عن امتدادها الشمالي عبر حزام استيطاني بدأ من هذه الأرض وأرض الشيخ جراح المحاذية مرورًا بكرم المفتي وفندق “شبرد” وصولًا إلى الجامعة العبرية التي ستصبح مرتبطةً بالقدس الغربية على حساب عشرات المنازل الفلسطينية في هذا الحي الذي أصبح الأكثر استهدافًا من جماعات المستوطنين.
ووفق ما تعرضه الخريطتان القادمتان يظهر موقع حي الشيخ جراح وحدوده فكرة الربط بين الجامعة العربية والقدس الغربية، ضمن توسعة الجزء الغربي الذي يحتله الإسرائيليون من المدينة تدريجيًا على حساب تهويد الجزء الشرقي الذي يسكنه أصحاب الأرض الفلسطينيين.
يمكن الانتباه أنه ضمن خطة الضم فإن كثيرًا من قرارات بناء الوحدات الاستيطانية لا يمر على لجنة المناقصة العامة للاحتلال الإسرائيلي، فمثلًا في 19 من مارس/آذار 2019 أعطت لجنة القدس للتخطيط والبناء الموافقة النهائية على مخططين لما مجموعه 13 كتلة استيطانية جديدة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، لكن قبل ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2018 عجّلت اللجنة بالتخطيط لهذه الوحدات التي بدأت مخططاتها من أطراف خاصة (المستوطنين)، ما يعني أن البناء سيتم بسرعة، وما يؤخره فقط إجراءات محكمة الاحتلال الإسرائيلي لإجلاء خمس عائلات فلسطينية وقتها تعيش في مبنى تدعو الخطة لهدمه.
Nabil al-Kurd, a Palestinian resident of Sheikh Jarrah neighborhood, and whose house is to be demolished soon by the Israeli occupation, tries to explain his distress and helplessness in facing the court’s order.#SaveSheikhJarrah pic.twitter.com/NkSe2wnEq5
— PALESTINE ONLINE ?? (@P_ONLINE9) March 15, 2021
يشير مصطلح “كتلة استيطانية” بشكل عام إلى مجموعات فضفاضة من المستوطنات تكون عادة على طول الخط الأخضر أو جدار الفصل، وهو مصطلح ليس له تعريف قانوني أو رسمي، لذلك معناه مرن ويتوسع باستمرار، وهنا الخطورة.
المقدسية منى الكرد من حي الشيخ جراح: “إن استولوا على منازلنا في الشيخ جراح، سيُواصلون الاستيلاء على البيوت في كافة الأحياء المقدسية، حتى لا يبقى أي بيت فلسطيني في القدس”#انقذوا_حي_الشيخ_جراح#savesheikhjarrah pic.twitter.com/Bq2A468TnH
— حنان العبد الله #فلسطين_قضيتي ? (@AlabdullahHanan) March 14, 2021
ما سياسات تهويد المدينة المقدسة؟
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي نفسه ارتكب خطأ كبيرًا حين لم يهجر الفلسطينيين بالكامل من مدينة القدس عام 1967، إذ إن بقاءهم أصبح يشكل عبئًا على مخططاته الاستعمارية والصهيونية اليهودية في ظل دولة تدعي القانون، يكشف زيفها عصر العولمة والتكنولوجيا.
ووفق مخطط القدس لعام 2000 فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وضعت هدفًا رئيسيًا يتمثل في الحفاظ على أغلبية يهودية قوية في المدينة والحد من السكان الفلسطينيين، إذ يشكل الفلسطينيون وفق مكتب الإحصاء الإسرائيلي لعام 2015 قرابة 37%، فيما فشلت الاتجاهات الديمغرافية في جعل المدينة 70% يهود إلى 30% عرب، وتم التعديل ليكون 60% يهود إلى 40% عرب.
واتخذ خط التهجير والتهويد عدة سياسات صامتة خشنة وناعمة من بينها: إلغاء إقامات آلاف المقدسيين تحديدًا ممن يتزوجون من الضفة الغربية أو العكس، وقد سحب الاحتلال الإسرائيلي الهويات الدائمة من 14710 فلسطينيين من الشطر الشرقي للمدينة المقدسة بين الأعوام 1967-2020، ما يعتبر ترانسفير صامت، إضافة لرفع الضرائب على المقدسيين لرفع التكلفة الاقتصادية لبقائهم في المدينة إلى أقصى حد ممكن، وتدمير المؤسسات الفلسطينية في القدس.
وفي تفريق عنصري كبير يعمل الاحتلال الإسرائيلي على نقل أصحاب الهويات المزدوجة – فلسطيني من خارج القدس متزوج من القدس والعكس – وترحيلهم إلى خارج المدينة في المناطق الجديدة بجانب الجدار في شريط حدودي لا يتجاوز عرضه 300 متر التي تخضع أيضًا لبلدية القدس، في حين يخشى كثير من الفلسطينيين الذين يحملون هويات الضفة الغربية أو العكس من زيارة أقاربهم في مدن الضفة فيمنعهم الاحتلال الإسرائيلي من العودة للقدس.
لماذا يركز الاحتلال على تهويد الأحياء الشعبية في القدس؟
يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلال سياسة الإخلاء وعدم الإعمار والتوسعات داخل الأحياء الشعبية الفلسطينية في مدينة القدس إلى تحويل هذه الأحياء من إعمار مقاوم يستطيع أن يحرك ثورة شعبية أو يقاوم التهويد إلى إعمار عابر من الممكن السيطرة عليه بسهولة.
لذا تشمل خطة تهويد الأحياء الشعبية نقل صلاحياتها بالكامل للاحتلال الإسرائيلي ونسف ما ينسب أنه حي تابع للأونروا مثل حي الشيخ جراح أي نسف دلالته السياسية، إضافة لمحاصرة هذه الأحياء الشعبية بالكتل الاستيطانية الممتدة من كل جانب، وتطويق المدينة عسكريًا للتحكم في الدخول والخروج منها وإليها بشكل مطلق.
ختامًا، سيظل مركز الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي حاضرًا في المدينة المقدسة التي تختلط فيها الوصايات والديانات، فيما تشهد الفترة القادمة تصاعدًا في التهويد ومقاومته كأيقونة إسلامية عربية وفلسطينية مشتركة.