ترجمة وتحرير: نون بوست
يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: “السعادة هي عندما يتم فهمك، والسعادة العظيمة هي عندما تكون محبوبًا، والسعادة الحقيقية هي عندما تحب”. من الرائع أن تربط العلاقات مع العالم المحيط بك بهذه الطريقة المثالية، غير أن كثيرين لا ينجحون في تحقيق ذلك. يرغب المرء دائما في تغيير حياته نحو الأفضل، ومع ذلك يجد نفسه في كل مرة أمام موقف مؤلم.
تشكّل السلوك في مرحلة الطفولة
تتشكل معظم السيناريوهات السلوكية للإنسان في مرحلة الطفولة، المرحلة التي يمثل فيها الأم والأب عالم الطفل بأكمله، وتتحدد خلالها المبادئ التوجيهية وكيفية التفاعل مع الآخرين وكيفية الحصول على المبتغى، وكيفية تقييم الأمور، فضلا عن كيفية التعامل مع الشخص الأكثر أهمية في حياتك.
في الحقيقة، تؤثر العلاقات السائدة في الأسرة، بما في ذلك كيفية ارتباط الوالدين بالطفل، وكيفية التواصل بينهما، بشكل أو بآخر على نظرة الطفل للعالم. وقد تؤدي العلاقات المتوترة بين الوالدين، إلى ما يُعرف بـ”متلازمة نفور الوالدين” أو ” متلازمة الاغتراب الوالدي” التي تعني نفور الطفل من أحد والديه أو كليهما، ما يؤثر لاحقا على حياته الاجتماعية وعلاقاته بالآخرين. فما هي السيناريوهات التي قد تؤدي إلى مثل هذه الحالة.
السيناريو الأول.. كل شخص بمفرده
يتمثل هذا السيناريو في ابتعاد الوالدين عن بعضهما البعض وعن الطفل، حيث يعود الأب إلى المنزل مساء منهكا من العمل دون الاهتمام بشأن الأسرة، والأمر ذاته ينطبق على الأم التي تقضي معظم وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يشاهد الطفل الرسوم الكرتونية.
يقول قانون الطبيعة أن الشبل المستبعد من القطيع، يموت بسبب افتقاره إلى من يعلمه آليات البقاء على قيد الحياة. نفس الشيء ينطبق على الطفل على المستوى العاطفي، مما يولد في نفسه شعورا بالانفصال عن العالم من حوله.
إذا لم يراقب الطفل كيفية تواصل والديه مع بعضهما البعض والطرق المعتمدة في حل المشاكل، يكبر دون أن تتطور لديه مهارات التواصل مع الآخرين. نتيجة لذلك، يفضّل الطفل الذي يترعرع في مثل هذه الظروف التواصل مع الطبيعة والحيوانات.
السيناريو الثاني.. أبي وأنا
يتمثل هذا النوع من العلاقة في عزل الأم وتواصل الطفل مع والده فقط نتيجة سوء معاملة الأب للأم وعدم احترامه لها. بشكل عام، يشكل مثل هذا السلوك خطرًا على الطفل، بغض النظر عن جنسه. على سبيل المثال، تتخلى الفتاة في المستقبل عن أنوثتها دون وعي حتى لا تصبح هدفًا للقمع مثل الأم، بينما يقوم الولد بتقليد سلوك أبيه وأفعاله.
السيناريو الثالث.. أمي وأنا
يقوم هذا السيناريو على انشغال الأب بنفسه وتواصل الطفل مع الأم فقط، بسبب الفجوة بين الأم والأب. في مثل هذه الحالة، تعتبر الفتاة نفسها امتدادًا لوالدتها على المستوى العاطفي، مما يعني أنها لن تكون قادرة على تحقيق أنوثتها، ستجد صعوبة في بناء علاقاتها. في المقابل، يبقى الولد مثل الطفل عندما يكبر ويكون شديد التعلق بأمه.
السيناريو الرابع.. أمي وأبي دوني أنا
يقوم هذا السيناريو على تواصل الوالدين مع بعضهما البعض وابتعادهم عن الطفل. غالبا ما يكون هذا الوضع نتيجة الزواج في سن مبكرة وتكفل الأجداد بتربية الأطفال. يؤدي غياب الأب إلى بحث الطفل عن مرشد أو معلم، بينما يعتبر الحرمان من الأم مشكلة تعيق تشكل الجانب العاطفي عند الأطفال.
مصير الطفل في هذه الحالة
- إذا نشأ الطفل على يد أجداده، سوف يختار في وقت لاحق شريكًا أكبر منه أو يستغنى تمامًا عن علاقات الحب.
- يتحمل الطفل مسؤولية والديه الطفوليين، وينضج بسرعة كما لو أن طفولته سُرقت منه، ويحاول تعويض ذلك عبر قضاء وقت طويل على ألعاب الكمبيوتر أو وسائل التسلية الأخرى.
السيناريو الخامس.. نحن معا بسببك
يقوم هذا السيناريو على صراع الأبوين بشكل دائم ورغبتهما في الانفصال، غير أن وجود الطفل يبقيهما معا. رغم تواصل الوالدين مع بعضهما البعض، غير أن ذلك يولّد في نفس الطفل شعورا بالذنب كونه لا يستطيع إسعادهما ويرى أنه المسؤول عن الوضع القائم. في الوقت نفسه، قد يشعر بغضب عميق مكبوت تجاه والديه. جراء هذا النوع من العلاقات، يصبح الطفل لاحقا مفاوضا جيدا.
الاحتمال السادس.. أبي يدبّر كل شيء
يقوم هذا السيناريو على اعتبار الأب مركز العلاقة، حيث يتواصل مع الطفل والأم في ظل غياب علاقة حميمة بين الأم والطفل، مما يجعل من الأب شخصا مثاليًا في نظر ابنه. في ظل هذا العلاقة، وبشكل لا شعوري، تبدأ المواجهة الأنثوية بين الأم وابنتها لجذب انتباه الرجل الأساسي في حياتهما.
في المقابل، يمنع الأب ابنه لا شعوريا من أن يكون أفضل منه أو حتى مساويا له، مما يعزز المنافسة والعداوة بينهما، ليُظهر الطفل نفس الموقف العدواني تجاه كل الرجال من حوله عندما يكبر.
السيناريو السابع.. الأم هي الأفضل في العالم
يقوم هذا السيناريو على اعتبار الأم رباط الأسرة، حيث تتواصل مع الطفل والأب، غير أن تواصل الطفل مع الأب يتم فقط من خلال الأم. نشأة الفتاة في مثل هذه العائلة يولّد داخلها قيودا فيما يتعلق بالتواصل مع الجنس الآخر، بينما يكره الصبي أباه، كونه يرى نفسه الشريك الوحيد الجدير بأمه.
رغم أن هذه الأنواع من العلاقات لا توجد في الواقع بشكل مطابق للصور التي تم ذكرها، إلا أنها تؤثر بشكل كبير على نمو الأطفال وتشكل شخصياتهم. ومن أجل تفادي العواقب النفسية لتلك العلاقات غير الصحية، ينبغي التعامل مع الوضع بوعي تام عن طريق فهم العواطف والمشاعر المتعلقة بعلاقة الوالدين فيما بينهما، ومع الطفل.
بشكل عام، لا يمكن لأحد تغيير الطرف الآخر بشكل كامل، غير أننا قادرون دائمًا على تغيير مواقفنا ومحاولة فهم الشريك بشكل أفضل لبناء علاقات أسرية متناغمة، ما يضمن للأطفال في مرحلة لاحق إنشاء علاقات بناءة مع العالم الخارجي.
المصدر: ماري كلير