لم تكن الثورة السورية المشروع الوحيد في المنطقة الذي لاح في الأفق منذ عشرة أعوام لرسم وبناء سوريا جديدة تجمع شمل السوريين، تحقق قضاياهم وتنهض بكرامتهم. وربما، هو الألم الأكبر الذي رافق جميع الثائرين حتى اليوم، أن هناك مشاريع أخرى تحاك وتبنى لسوريا جديدة، بعيدًا عن السوريين أنفسهم!
ليست مجرد مصالح ومطامع من أطراف إقليمية ودولية لتحفظ موطئ قدم لها في سوريا الجديدة، بل هي مشاريع كاملة لانتشال سوريا من حلم السوريين، ليكون السوريون على موعد مع فلسطين ثاني.
على حساب سوريا وأهلها وآمالهم، دول عدّة اتخذت من الساحة السورية أرضًا خصبةً، لإنفاذ مشاريع لها وفق رؤى وتطلعات استيطانية واستعمارية، ولعل من أبرز تلك المشاريع في المنطقة، المشروعان الإيراني والروسي، اللذان ترافقا مع تبعات سياسية واقتصادية وثقافية عديدة طيلة عشر سنوات من الحرب والنزيف للسوريين، ليؤكدا أن نظام الأسد المجرم ما هو إلا شماعة لتلك المشاريع وستار لتمريرها، ومن وجه آخر أن الثورة السورية لم يعتريها خطأ ولا باطل، حين صدحت، بسوريا للسوريين، وما زالت تصدح.
التغلغل الإيراني الثقافي في سوريا
لم يعد الخطر الإيراني يقتصر على نشاط الميليشيات العسكرية فقط، بل إن المؤشرات تؤكد أن إيران تحاول خلق واقع ثقافي جديد تحرسه أذرعها العسكرية في المنطقة، ويضمن لها أهدافها البعيدة.
مع استلام المجرم بشار الأسد للسلطة دخلت العلاقة السورية الإيرانية طورًا جديدًا، فنشطت إيران أضعاف ما كانت عليه زمن حكم الأسد الوالد
تعمل إيران في سوريا من خلال سياستها الناعمة في سوريا لاستهداف المجالات الدينية والاجتماعية والتعليمية السورية، وتستغل وجودها الخشن عبر ميليشياتها العسكرية لتكريس نفوذ اجتماعي ثقافي طويل الأمد في المنطقة.
إستراتيجية إيران داخل سوريا
تتصدر المنطقة العربية وفق الوثائق الإيرانية أهداف قوة إيران الناعمة، وتقع سوريا بمنزلة القلب بالنسبة إلى الإستراتيجية الإيرانية، إذ قال معمّم مقرب من الخامنئي: “إن فقدنا سوريا فلا يمكننا أن نحافظ على طهران”، فهي لإيران البوابة إلى العالم العربي والعالم بأسره، لأنها منفذ إيران للوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط وتحقيق الهلال الشيعي، وبهذا الاهتمام كان الاندفاع الإيراني باتجاه سوريا.
مع استلام المجرم بشار الأسد للسلطة دخلت العلاقة السورية الإيرانية طورًا جديدًا، فنشطت إيران أضعاف ما كانت عليه زمن حكم الأسد الوالد، وزادت حركة التشييع في مختلف المناطق بين السنّة وغيرهم، وألغى الأسد أي اعتبار للمؤسسة الدينية السنية وأفسح المجال للتعليم الديني الشيعي، وانطلقت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق بأنشطة ثقافية وتعليمية عديدة، توّجت بافتتاح أقسام ومراكز لتعليم الفارسية، وتوقيع اتفاقيات للتبادل الطلابي، وشهدت دمشق في عهد الأسد الابن فعاليات شيعية لم تعرفها من قبل برعاية حكومية وحماية أمنية.
مع انطلاقة الثورة السورية
عند انطلاق الثورة السورية سارعت إيران بالوقوف إلى جانب نظام الأسد، ومع امتداد الثورة وتطوّر تدخل إيران وهيمنتها على كثير من تفاصيل الدولة، ازدادت جرأةً لتحقيق ما كانت تتعطّش لإنجازه من تغلغل ثقافي، فتابعت ما كانت بدأته مسبقًا بزخم أكبر.
فكثرة الفاعلين في الساحة السورية، وتعالي نداءات المطالبة بخروج القوات الأجنبية، دفع إيران بعجلة التغيير الثقافي والديموغرافي الذي يحفظ وجودها في المنطقة، فما تهدف إيران له ليس ربح حرب عسكرية وحسب، ويتجاوز تثبيت أركان الأسد في الدولة، بل هو تغيير ثقافي اجتماعي في البلد برمّته.
منذ بداية الثورة السورية كان لإيران مطامع مهمة باحتلال البوابات الخارجية لسوريا شرقًا وغربًا، إذ إنها عمدت إلى استمالة الكثير من القبائل والعشائر شرق سوريا إلى المذهب الشيعي بالإغراءات المالية، وضاعفت جهودها بذلك في البوكمال بدير الزور وهي المعبر الحدودي مع العراق، ولم يكن للشيعة وجود فيها حتى انطلقت الثورة السورية، وباتت اليوم إيران تحكم سيطرتها على المدينة وتؤمن مرور القوافل الإيرانية تحت غطاء منظمات المجتمع المدني.
وأيضًا لتأمين اتصال مناطق نفوذها كان عمل إيران في المقابل على بوابة سوريا من جهة لبنان غربًا في منطقة ريف حمص وتحديدًا القصير، لنشر التشيع، ومع انطلاق الثورة السورية وبداية الحراك المسلح، قاد المعارك في مدينة القصير حزب الله اللبناني عام 2013، ما أدى في النهاية إلى تهجير أهل المدينة وسيطرة الحزب عليها، حتى اتصلت هذه المناطق في ريف حمص بمناطق سيطرة الحزب في البقاع اللبناني.
طلائع إيران للتغلغل الثقافي
قبل الثورة كان توافد الشيعة إلى سوريا بصفة الزيارات الدينية هو الغالب، إذ تعتبر إيران أن الزيارات الدينية واحدة من ركائز ثقافة التشيع الفارسي، وواحدة من أدوات التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا، وبما يرافقها من مواكب وشعائر، وفيما يلي إحصاءات لعدد الوافدين من إيران إلى سوريا من الثمانينيات وحتى 2012.
لا تزال الزيارات الدينية الشيعية قائمة في سوريا حتى يومنا هذا، بوتيرة متصاعدة ومتزايدة
بلغ عدد الوافدين من إيران لسوريا عام 1979 (بعد ثورة الخميني) 200,000 زائر، وورد في تقرير الأمم المتحدة لعام 2006 أن الوافدين من العراق لسوريا بلغ أكثر من مليون عراقي شيعي.
وسنة 2008 زار سوريا 360,000 إيراني، فيما بلغ عدد الزائرين من شيعة إيران أكثر من مليونيّ زائر سنة 2012 (أيّ بعد انطلاق الثورة السورية) وهذا رقم كبير جدًّا مقارنةً بما سبق.
ولا تزال الزيارات الدينية الشيعية قائمة في سوريا حتى يومنا هذا، بوتيرة متصاعدة ومتزايدة، وتتم عن طريق دول عديدة بدعم إيراني، وتشترك أكثر من 15 منظمة في تنظيم هذه الزيارات عبر عدة حملات للترويج للنظام السوري المجرم، ولا يدّخر النظام جهدًا في تسهيل وتيسير هذه الزيارات، بل ويضعها تحت حماية الفرقة الرابعة
وتقوم هذه الزيارات على حملات عديدة وتستهدف بأنشطتها الثقافية والدينية المناطق ذات الغالبية السنية، وتأتي بالمتشيعين من مختلف المناطق لتوزيع المساعدات عليهم في المقامات الشيعية بدمشق.
احتلال المناطق الدينية
تعمل إيران أيضًا على إعمار المراقد والمقامات الشيعية، وهذه المراكز ليست مراكز دينية فحسب، إذ لا تلبث أن تعلن إيران عن إقامة مقام حتى يبدأ الحجّاج بالتوافد إليه من العراق ولبنان وإيران والخليج، وتنهض من حوله سوق ويزدهر الموقع بالمهرجانات والمواكب والاحتفالات والمسيرات، ليتحول إلى مركز تبشيري ووسط شيعي بامتياز وكأنه قطعة هاربة من أرض فارس.
وهذا هو حال الحسينيات التي تقيمها إيران جميعها، وقد تجاوزت في سنة 2014 الحسينيات قيد الإنشاء وفق إحدى الدراسات 500 حسينية، ووفقًا لمصادر أخرى فإن هذا الرقم يشمل دمشق فقط وليس سوريا كلها.
وفق المصادر الإيرانية بلغت مشاهد ومقامات آل البيت (كما يسمونها) نحو خمسين، نصفها في دمشق وحدها، وصار من يقف عند أبواب دمشق القديمة يستشعر أنه أمام مداخل الضاحية الجنوبية ببيروت، حيث معقل حزب الله اللبناني، وذلك لكثرة صور القتلى وتحتها شعار “لبيك يا حسين”.
وإلى جانب احتلال المقامات وإقامة الحسينيات، تقوم ميليشيات إيران باحتلال المساجد في المناطق التي تسيطر عليها، فقد رمّمت ميليشيا حزب الله اللبناني مساجد في مدينتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق وحوّلتها إلى مزارات تُنشر فيها صور قتلى الحزب الذين سقطوا في معارك الزبداني، ويأتون بذويهم لزيارة المساجد المرمّمة، في حين يُمنع أهالي المدينة المدنيون من الدخول إليها.
الجدير بالذكر هنا أن الحسينيات الإيرانية لا تُسجّل في وزارة أوقاف النظام السوري ولا تتبع لها، وإنما تتبع لمرجعياتها الدينية في إيران، مما يمنحها حرية مطلقة في نشاطاتها، بعيدًا عن التعليمات المشدّدة التي تخضع لها دور العبادة السنية في سوريا.
الحوزات العلمية تغلغل إيراني في التعليم
امتدادًا لبناء الحسينيات والمقامات والمزارات الدينية في سوريا، تحرص إيران أيضًا على نشر الحوزات العلمية، والحوزات هي مراكز تعليم ديني على المذهب الشيعي، وبمعنى أدق هي مراكز لإنتاج حملة الفكر الإيراني لتخريج أناس مؤهلين علميًا وفق المنهج الشيعي.
وقد تكشفت بعض أهداف نشر الحوزات العلمية الشيعية في الخطة التي وضعها رجل إيران السوري النافذ اللواء هشام بختيار، إذ إنها ترتكز على محورين: أحدهما إضعاف التعليم الشرعي السّنّي، والآخر تقوية المؤسسات التعليمية الشيعية، ومن خطواتها منح الشيعة 10 ثانويات شرعية تعترف بها وزارة التربية.
المرجعيات في الحوزات تفوق أحيانًا الدولة في أن أتباعهم الذين يدينون لهم بالولاء يتجاوزون حدود الدولة
يقول المرجع الشيعي محمد وحيدي: “توجد في سوريا نحو 20 حوزة علمية ونحن نرسل المدرسين الذين تخرجوا في جامعة المصطفى (إيرانية) إلى التدريس في هذه الحوزات”، فهو يؤكد تبعية هذه الحوزات وخدمتها للمشروع الإيراني.
ومع النظام التعليمي والتأهيلي الخاص الذي تلتزمه الحوزات الإيرانية، والهالة القدسية التي تُحاط بها كونها تُخرّج المرجعيات الدينية فإنها وكما وصفها الأستاذ فهمي هويدي تمثل دولًا داخل دولة، إذ لا سلطان عليها من أي باب، بل وإن المرجعيات في الحوزات تفوق أحيانًا الدولة في أن أتباعهم الذين يدينون لهم بالولاء يتجاوزون حدود الدولة.
لتتأكد المخاوف أكثر مما تمثله الحوزات الدينية التي تعمل إيران على نشرها في سوريا من الخطر على هوية سوريا وأهلها، مع تحطيم المرجعيات السنية وباقي الطوائف، فلا يكون في الساحة الدينية إلا المرجعيات التي تفرزها هذه الحوزات الإيرانية.
استثمارات إيرانية اقتصادية في سوريا
خلال عشر سنوات شهدت العلاقات بين النظام السوري وإيران توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية واسعة. في العام الفائت 2020 أعلن نائب غرفة التجارة السورية الإيرانية المشتركة فهد درويش الانتهاء من تجهيز المركز الإيراني في المنطقة الحرة بدمشق لاستقبال البضائع الإيرانية وتوزيعها في سوريا ودول الجوار، وأعلن إنشاء منطقتين حرتين مشتركتين بين سوريا وإيران في حسياء بحمص واللاذقية.
تستفيد استثمارات إيران في سوريا من خلال انخفاض أجور اليد العاملة السورية، وتتمتع بامتيازات الاستثمار في المناطق الحرة مثل إلغاء الرسوم الجمركية على منتجاتها، فقد أبرمت سوريا وإيران اتفاقية تجارة حرة في 2012 تضمن تخفيض الرسوم الجمركية على السلع المتداولة بين البلدين وإلغاء جميع القيود الكمية وإجراءات الحظر على الواردات.
وتتركز معظم الاستثمارات الإيرانية على الصناعات المتعلقة لإعادة الإعمار كمواد البناء، في محاولة للولوج بعملية إعادة الإعمار في سوريا إذا بدأت، فتكون إيران بالمواد التي أنتجتها متاحة وقريبة من سوق التصريف، وبالتالي غرق السوري بالبضائع الإيرانية.
تأثر الميزان التجاري الإيراني بشكل إيجابي بالعلاقات التجارية مع سوريا خلال فترة الحرب، حيث ارتفعت قيمة التجارة الإيرانية من 361 مليون دولار عام 2011 إلى نحو 869 مليون دولار في عام 2017.
في الوقت الذي يجوع فيه جميع القاطنين في مناطق سيطرة الأسد، تستثمر إيران وتنعش اقتصادها
وفي مايو/أيار 2015 وقع بشار الأسد قانونًا يقضي بالتصديق على اتفاقية خط تسهيل ائتماني قيمته مليار دولار من إيران.
وفي يناير/كانون الثاني 2019 وقع رئيس مجلس الوزراء عماد خميس مع النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية إسحاق جهانغيري 11 اتفاقية بمجالات مختلفة، شملت مجالات السكك الحديدية والإسكان والأشغال العامة والجيوماتيك والاستثمار ومكافحة غسيل الأموال والتعاون الثقافي والتعليمي، إضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون السينمائي بين المؤسسة السينمائية السمعية والبصرية في إيران والمؤسسة العامة للسينما في سوريا، بحسب وكالة الأنباء سانا.
والكثير من الاتفاقيات التجارية الأخرى عملت عليها إيران، تأتي في ظل تصدّع الاقتصاد السوري وانهيار العملة السورية، في الوقت الذي يجوع فيه جميع القاطنين في مناطق سيطرة الأسد، تستثمر إيران وتنعش اقتصادها.
التغلغل الروسي في سوريا
روسيا، إحدى أكبر الفواعل الدولية تأثيرًا في الساحة السورية، فمع بدء التدخل الروسي في سوريا منذ سبتمبر/أيلول في عام 2015، تغيرات كبيرة حصلت أهمها عند الساحل السوري، إذ تحولت بوصلة الولاء الشعبي في تلك مناطق الساحل السوري تدريجيًا تجاه موسكو وجنرالاتها وجيشها، بدلًا من نظام بشار الأسد.
نفوذ اقتصادي
عام 2016 قررت روسيا توسعة القاعدة العسكرية التي كانت معدة لاستقبال الطائرات المروحية في حميميم، بعد أن وقعت اتفاقًا مع النظام السوري حصلت فيه على حق استخدام هذه القاعدة دون مقابل ولأجل غير مسمى، عرفت هذه الاتفاقية التي وقعت في أغسطس/آب 2015 باتفاقية تسليم سوريا لموسكو.
وفي عام 2017 تم الإعلان عن توقيع اتفاقية بين موسكو ونظام الأسد تقضي ببقاء القاعدة الروسية في مدينة طرطوس السورية لمدة 49 عامًا قابلة للتمديد.
في الساحل السوري عدد كبير من الضباط السوريين تلقوا العلوم العسكرية في الأكاديميات الروسية، وتلك إستراتيجيات كانت تعمل عليها روسيا من زمانٍ مضى، لتثبيت أركانها وتغولها في سوريا، وتحديدًا في الساحل السوري، حلم روسيا في المياه الدافئة على المتوسط.
تدير روسيا ميناء طرطوس بشكل كامل، متحكمة بالصادرات والواردات السورية، بالإضافة لمرفأ اللاذقية. وقد تم إنشاء شركة شحن بري تربط جمهورية القرم مع سوريا، حيث تشحن الحبوب الروسية إلى سوريا ونقل الحمضيات التي تنتج بكثرة في الساحل السوري على السوق الروسية.
وافدت الكثير من الشركات الروسية للعمل دون أي شروط وقيود، مع تأمين حماية كاملة لها وتسهيل لأعمالها على الأرض
وإلى جانب إدارة روسيا للموانئ السورية، أعطت روسيا لشركاتها امتيازات لتطوير المشاريع السياحية في الساحل السوري.
أبرز العقود التي سبق وقد وقعتها روسيا هو عقد “عمريت” الذي يتيح لشركة سبوز الروسية التنقيب عن النفط والغاز لمدة 25 عامًا جنوب مدينة طرطوس، وعقد آخر يتيح للشركة نفسها التنقيب عن النفط والغاز في حقل قارة بريف حمص وهو أحد أغنى المناطق بالغاز الطبيعي في سوريا.
يذكر أن تلك الاتفاقيات والعقود هي عقود من طرف واحد، بشروط تصب في صالح الشركات المستثمرة بشكل كامل، ومدة الكثير من العقود تستمر لعشرات السنين دون أي مقابل يذكر لنظام الأسد، أو للدولة السورية.
وبالفعل، توافدت الكثير من الشركات الروسية للعمل دون أي شروط وقيود، مع تأمين حماية كاملة لها وتسهيل لأعمالها على الأرض.
ميليشيات علوية مع تبعية روسية
عمدت روسيا ضمن إستراتيجيتها لتوسيع نفوذها وتثبيت أركانها في سوريا لتشكيل ميليشيات من أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري، وقد أوكلت روسيا مهمة الإشراف عليها للعميد سهيل الحسن المعروف بـ “النمر”.
تفكر روسيا من خلال شراء الولاءات في منطقة الساحل السوري ببقاء طويل الأمد في سوريا، وهذا الأمر لا يتم إلا عن طريق ضمان البيئة المحلية، فما يعني روسيا هو الساحل السوري.
نفوذ اجتماعي وثقافي
على الصعيد الاجتماعي، فإن روسيا تستغل حاجة الأهالي والأوضاع الاقتصادية المتردية لتنشط داخل المجتمع السوري في الساحل من خلال توزيع الحصص والمعونات الإغاثية.
إضافة إلى المعاهد التي افتتحتها روسيا لتعليم اللغة الروسية، وقد انتشرت كثيرًا في الساحل السوري، ولاقت إقبالًا متزايدًا من الأهالي في الساحل السوري، حيث أقام المركز الثقافي الروسي (مقره دمشق) العديد من النشاطات الثقافية كإحياء فرقة يارمركا الموسيقية الروسية، وإقامة احتفالات ومهرجانات للرقص الشعبي.
ومصادر كثيرة باتت تؤكد أن الثقافة الروسية باتت هي المسيطرة على عقول الشباب واليافعين في الساحل السوري، بدءًا من الاستماع للموسيقى الروسية وصولًا لتقديم الوجبات الروسية في معظم المطاعم السورية، التي تحمل أسماء روسية أيضًا.
هل باتت سوريا حلمًا للسوريين؟
باتت الساحة السورية في معزل عن السوريين بعد الغزو الاجتماعي والثقافي والتوغل الكبير من أطراف عديدة في صلب الواقع السوري، وأبرز من ذكرنا هم الإيرانيون والروس، ناهيكم عن الامتداد الأمريكي المتزايد شرق سوريا، الذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية ويسيطر على موارد سوريا الطبيعية في تلك المنطقة.
لا صوت يعلو فوق وحدة الأراضي السورية، للسوريين وحدهم، حق تقرير مصيرهم، حقهم في تأسيس وإدارة دولتهم، وهذا ما صدحت به حناجر من خرجوا في المظاهرات
أوضاع معيشية هي الأسوأ يعيشها السوريون بعد عشر سنوات من الحرب في مناطقهم، حتى بتنا نرى الجموع التي كانت تخرج في المسيرات الموالية للأسد تقف اليوم قوافل طويلة للحصول على ربطة خبز أو لتعبئة القليل من المازوت والبنزين في الوقت الذي تحكم روسيا وإيران سيطرتها على مقدرات سوريا ومواردها، وتزيد من تغولها في الواقع السوري.
مع تمام العقد الأول للثورة السورية، لا صوت يعلو فوق وحدة الأراضي السورية، للسوريين وحدهم، حق تقرير مصيرهم، حقهم في تأسيس وإدارة دولتهم، وهذا ما صدحت به حناجر من خرجوا في تظاهرة كبيرة في مدينة ادلب، معقل الثورة والأحرار في شمال سوريا، والكثير من المناطق المحررة.
ما زال السوريون ينتظرون من كل من وقع يومًا على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وتزعم كفالة حقوق الإنسان والعيش الكريم والحياة بأمان وسلام، أن يقرّوا بعدم شرعية الأسد على الدولة السورية، وعدم شرعنة وجود القوات الأجنبية فوق الأراضي السورية.
دمشق التي كانت مهد الأديان والحضارات، ستثبت للعالم يومًا بأنها مهد الحريات أيضًا.