ترجمة وتحرير: نون بوست
إنّ الأزمة بين “إسرائيل” والأردن تتعمّق أكثر من أيّ وقت مضى، وذلك حسب ما يتسرب من معلومات من القدس وعمان. ووفقًا لمصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في القدس، تحدّث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني عبد الله مرة أو مرتين فقط منذ أن التقيا في حزيران/ يونيو 2018.
لم تعد “إسرائيل” تحاول إخفاء الخلاف القائم بين كبار صناع القرار فيما يتعلق بالعلاقات مع الأردن، الذي يدور حول ما إذا كان ينبغي لـ “إسرائيل” الاستمرار في دعم حكم النظام الملكي الهاشمي الذي يشهد ضعفا كبيرًا أو السماح بسقوطه والسعي لاستبدال المملكة بدولة فلسطينية تضم الإقليم منزوع السلاح الذي يتمتع بالحكم الذاتي في الضفة الغربية التي تسيطر عليها حاليًا السلطة الفلسطينية. ترى عمان أنّ تفكير “إسرائيل” في مثل هذا السيناريو يعدّ تجاوزا صارخا للخطوط الحمراء؛ وهو سيناريو لم يكن بالإمكان تصوره حتى وقت قريب ومن شأنه التسبب في حدوث توتّر في العلاقات الحالية.
تفاقمت الأزمة في ساعات صباح يوم 11 آذار/ مارس، عندما أمر نتنياهو هيئة الطيران المدني الإسرائيلية وهيئة المطارات الإسرائيلية بإغلاق المجال الجوي الإسرائيلي أمام الرحلات التجارية القادمة من الأردن والمتجهة نحوه. وقد أذهل هذا القرار كبار المسؤولين في كلتا الإدارتين إذ أنه لم يسبقه نقاش في الحكومة أو مجلس الوزراء الأمني. ولم يتم إبلاغ وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، اللذين لا يعرفان شيئًا عن ذلك. لم يتم استشارة الموساد أيضًا، ولا حتى جهاز الأمن العام (الشاباك) أو الجيش الإسرائيلي.
بعد أن أُحبطت خطته للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة والتقاط صورة تذكارية مع ولي عهدها، كشّر نتنياهو عن أنيابه بطريقة متعجرفة وأمر بانتهاك صارخ لاتفاقية السلام التاريخية لسنة 1994 مع الأردن.
كانت ردّة فعل نتنياهو بسبب الغضب من إدراكه أنه لن يتمكن من السفر إلى الإمارات لحضور حملة انتخابية تستغرق ساعتين في المطار مع ولي العهد الأمير محمد بن زايد آل نهيان. وعلى عكس التقارير التي ظهرت في ذلك اليوم، يتبين الآن أن الأردنيين لم يمنعوا طائرة نتنياهو من عبور مجالهم الجوي في طريقه إلى أبو ظبي. وبدلاً من ذلك، تبنوا حيلة أكثر ذكاءً: ببساطة قاموا بتأخير إقلاع الطائرة النفاثة المخصصة لكبار المسؤولين التي أرسلتها الإمارات لاصطحاب نتنياهو وحاشيته. وكانت الطائرة قد هبطت في عمان وتنتظر الإذن بالسفر إلى مطار بن غوريون الدولي في “إسرائيل” لنقل ركابها. وأفاد طاقم الطائرة بوجود عطل تقني. لكن في مرحلة ما أدرك نتنياهو أن المشاكل كانت سياسية ودبلوماسية وليست فنية، ورد بإغلاق المجال الجوي الإسرائيلي أمام الأردن.
لم تعد “إسرائيل” تحاول إخفاء الخلاف القائم بين كبار صناع القرار فيما يتعلق بالعلاقات مع الأردن
لحسن الحظ، بعد ساعتين من تمرير الأمر لهيئة الطيران المدني، وصل نبأ من مكتب رئيس الوزراء بإلغائه. أمضى كبار ضباط هيئة الطيران المدني والمطارات الساعتين الفاصلتين بالمماطلة. طلبوا أمرا خطيا، وحصلوا عليه؛ ثم طالبوا بتوضيحات، وتلقوها أيضًا. خلال ذلك الوقت، عاد نتنياهو إلى رشده. لكن السؤال السؤال هو ما إذا كان نتنياهو سيعود إلى رشده في الوقت المناسب في المرة القادمة.
كان يمكن أن يكون لإغلاق المعبر الجوي بين القدس وعمان تداعيات وخيمة وبعيدة المدى، ففيه انتهاك لمعاهدات الطيران الدولية، وخرق صارخ وجوهري لمعاهدة السلام التي تنص على حرية السفر الجوي في سماء الدولتين، وكان يمكن أن يوقع “إسرائيل” في ورطة مع مختلف شركات الطيران الدولية التي تستخدم هذا المسار، وغيرها من المشاكل.
مشترطا عدم الكشف عن هويته، قال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى لموقع “المونيتور” إن خطوة نتنياهو “تسببت في إلحاق ضرر هائل بالعلاقات مع الأردن”، إلى جانب انقطاع شبه كامل للعلاقات بين الملك ورئيس الوزراء. إن المسؤولين الإسرائيليين الوحيدين الذين يملكون صلاحيات التحدث مع الملك من حين لآخر هم وزير الدفاع بيني غانتس (المنافس السياسي لنتنياهو) ورئيس الموساد يوسي كوهين. لا يزال التنسيق الأمني المكثف بين الجانبين مستمرا، إلا أنه غير مضمون إلى الأبد. وأوضح المصدر الأمني أنه “بهذه الوتيرة، سيكون التعاون الأمني تحت التهديد أيضًا”.
في سنة 2021، أصبح نتنياهو رجلا مختلفا تمامًا عما كان عليه من قائد مخضرم حذر الذي ابتعد عن المغامرات والمخاطر على مدار 12 سنة في منصبه، والذي كان ذو خبرة بقواعد اللعبة. في هذه الأيام، بات يتلاعب بالسلام مع الأردن، أحد أهم الأصول الاستراتيجية لـ “إسرائيل”، مثل طفل يلعب بدمية قماشية. يكرس نتنياهو الآن معظم طاقاته في تنمية العلاقات مع دول من الدرجة الثانية والثالثة في الخليج، حيث يوجد المال الوفير، بينما يتجاهل المصالح الأكثر حساسية للأمن القومي الإسرائيلي.
يفتقر الملك عبد الله إلى أي نفوذ كبير على نتنياهو، وإذا كان يتوقع من الأمريكيين أن ينقذوه، فسينتظر وقتًا طويلاً
يبدو أن نتنياهو مستعد للمجازفة بركائز الأمن القومي الإسرائيلي في سبيل ترتيب رحلة ضمن حملته الانتخابية – قبل انتخابات 23 آذار/ مارس – إلى مطار أبو ظبي. وحتى في وقت كتابة هذا التقرير، حاول نتنياهو بشكل محموم إقناع الإمارات بالسماح له بالسفر إلى أبو ظبي في وقت لاحق من هذا الأسبوع (في 18 آذار/ مارس) للاجتماع مع ولي العهد “حتى لو لمدة نصف ساعة” في المطار.
إنه على استعداد للتضحية بكل شيء وأي شخص، بما في ذلك الملك عبد الله، في سبيل إعادة انتخابه. في 16 آذار/ مارس، قام رجال نتنياهو بتسريب معلومات تفيد بأنهم كانوا يعدون مسار طيران بديل للتحايل على الأردن تحسبًا لإحباطه رحلة رئيس الوزراء إلى الإمارات مرة أخرى.
يدرك الأردنيون ما يفعله نتنياهو. لقد كانوا يراقبون بقلق تدهور العلاقات مع “إسرائيل” منذ فترة طويلة، وهم قلقون للغاية من احتمال فقدان حليفهم الاستراتيجي الحذر والمستقر. يفتقر الملك عبد الله إلى أي نفوذ كبير على نتنياهو، وإذا كان يتوقع من الأمريكيين أن ينقذوه، فسينتظر وقتًا طويلاً.
المصدر: المونيتور