ترجمة وتحرير: نون بوست
ربما لا تُعرف جمعية المحررين البريطانية بعبقريتها الكوميدية، إلا أن ادعاءها بأن وسائل الإعلام في المملكة المتحدة ليست متحيّزة أمر سخيف ومثير للسخرية.
أدلى المدير التنفيذي للجمعية، يان موراي، ببيان صريح للغاية اعترض عليه جميع محرري الغارديان وفاينانشيال تايمز وهاف بوست. وقد وقّع أكثر من 250 صحفيا وكاتبا ومذيعا من ذوي البشرة الملونة على رسالة مفتوحة تصف البيان بأنه عبارة عن دليل على أن “المؤسسة والصناعة في حالة إنكار”. منذ ذلك الحين، تعهدت الجمعية بأن تكون جزءًا من الحل، وهي على الأغلب على دراية بمدى وضوح محاولتها للفت الأنظار.
إن الأدلة كثيرة وليست مجرد تحليل محلي أو ملاحظة تشير إلى تحيّز وسائل الإعلام في المملكة المتحدة وتعصّبها. قبل عدة سنوات، كشف تقرير نشرته الأمم المتحدة بشأن أزمة اللاجئين أن وسائل الإعلام البريطانية اليمينية “كانت عدوانية بصورة استثنائيّة خلال الحملات التي شنّتها ضد اللاجئين والمهاجرين”. وهذه العدوانية هي إلى حد كبير بديل للعنصرية المفضلة لوسائل الإعلام: وهي التحيّز الأعمى ضد المسلمين.
الاستعارات الدائمة
بالنسبة للمسلمين، لا يقتصر تحيّز وسائل الإعلام في المملكة المتحدة على السخرية والشتائم والنفاق في تغطية وتحريف معتقداتهم. فمن خلال ترسيخ الاستعارات واختلاق القصص النابعة من حقد اليمين المتطرف عليهم، جعلت وسائل الإعلام ظروف عيش المسلمين باعتبارهم مواطنين أكثر صعوبة.
إذا كانت ثقافة الإلغاء موجودة فعلا، فإن وسائل الإعلام البريطانية هي أكبر مروّجيها نشاطا والمسلمون أكثر ضحاياها وضوحا، وهم يواجهون جميع أنواع المضايقات من إجبارهم على الاعتذار عن الهجمات الإرهابية إلى ربطهم بجرائم لا علاقة لهم بها.
تتوفر أمثلة كثيرة توثّق الإسلاموفوبيا المنتشرة بين الصحفيين. فعلى سبيل المثال، صدر يوم الثلاثاء اعتذار من 600 كلمة من كاتبة العمود جولي بورشيل إلى آش سركار، لكنّ الأمر لا يتعلّق فقط بالعبارات التي أطلقتها بورشيل على الصحفية الشابة، متهمة إياها بأنها “إسلامويّة” و”تعبد متحرّشا بالأطفال” من بين أوصاف أخرى، بل بحقيقة أن التغطية الإعلامية جعلت من بورشيل الضحية وهو ما كتبت عنه سركار أيضا. في الواقع، وصفت وسائل الإعلام المعاملة المسيئة التي بدرت عن بورشيل بأنها “تعليقات” بينما أُدرج الموقف كمثال عن ثقافة الإلغاء.
لعل مثالا آخر عن التعصّب قضية واج إقبال موظف ترخيص سيارات الأجرة الذي تعرض لهجوم حصري من صحيفة “مايل أون صنداي” التي اتهمته بأنه “وسيط” للمتحرّشين بالأطفال. وقد كلفته هذه المزاعم وظيفته وأبعدته عن أبنائه وتسبّبت في انهيار زواجه. وهو ليس الوحيد الذي اُتهم زورًا، فقد أدت حالات مختلفة أخرى خلال السنوات الأخيرة إلى تدمير حياة مسلمين آخرين.
حتى عندما كان من المفترض أن تتحد البلاد لمواجهة جائحة كوفيد-19، كانت العناوين الرئيسية للصحف تنشر الخوف من خلال الحديث عن تصاعد هائل لعدد الحالات “خلال شهر رمضان”
زعمت صحيفة التلغراف أنها تصرفت “عن حسن نية” عندما أساءت زورا إلى قائد كشفي مسلم وتداولت عنه جميع العبارات المعادية للمسلمين تقريبا: على غرار معاداة السامية واضطهاد النساء والتصدّي “للقيم البريطانية” والترويج للإرهاب. كما تحظى صحيفة التايمز، التي اشتهرت اليوم بأجندتها المعادية للمسلمين، بنصيبها الخاص من التشهير بالأفراد، بعد أن زعمت زورا أن مصرفيا مسلما يدعم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وذلك بعد أشهر فقط من توجيه اتهامات كاذبة لإمام بسبب تحديه لرئيس الوزراء بوريس جونسون.
لكن هذه العدوانية لا تبقى خارج غرف الأخبار، حيث وثّق بعض الصحفيين المسلمين ما تلقوه من مطالب تنم عن تحيّز أيضا. في الآونة الأخيرة، كشفت مراسلة بروكسل في فايننشال تايمز أن أحد كبار أعضاء مجلس إدارة جمعية المحررين طلب منها “الذهاب إلى المسجد الذي في منطقتها للعثور على بعض النساء الراغبات في أن تصبحن زوجات لأعضاء تنظيم الدولة”. إلى جانب عديد الأحداث الأخرى، يوضح هذا الوضع كيف يتم استخدام الاندماج الناجح للمسلمين في المجتمعات المتماسكة ضدهم.
ألعاب التصيد واللوم
يتم الترويج باستمرار لفكرة “العصابات الإسلاميّة لاستقطاب الزوجات”، على الرغم من البحث الأكاديمي وتقرير الحكومة الذي يظهر أنها مجرّد “فضيحة بلا مضمون“. وقد أدى ذلك إلى استفزاز الصحفيين المسلمين وتساؤلهم: “ماذا بشأن عصابات استقطاب الزوجات“.
ليست الصحف فحسب، بل حتى المحطات الإذاعية شاركت في لعبة تبادل الاتهامات تحت ستار التدقيق. يوم الأحد الماضي، اتُهمت الصحفية آينا خان في برنامج “بيغ كويستشينز” الذي يعرض على قناة “بي بي سي” بتهميش ضحايا الهجمات الإرهابية لمجرد أنها تجرأت على طرح مسألة المعايير المزدوجة للتدقيق التي يواجهها مسلمو بريطانيا.
لا يخضع كل المسلمين لمثل هذه الصرامة. يلتمس البعض الحصول على معاملة تفضيلية من وسائل الإعلام من خلال النأي بأنفسهم عن التعميمات وتقديم وعود بأن التطرف الإسلامي يمكن معالجته من خلال إصلاح الإسلام، وتحويل المنتقدين المحتملين إلى معجبين على طول المقابلة.
خلال السنة الماضية، قيل إن الصحفية الاستقصائية إيما بارنيت “صوّرت” الإمام تاج هارجي على أنه “منقذ للمسلمين البريطانيين” على إذاعة “بي بي سي” – وهو نفس الشخص الذي روج سابقًا لأساطير اليمين المتطرف مثل ظهور “جمهورية بريطانيا الإسلامية“، والذي اعتبر بيتزا الدجاج الحلال الذي تصنعه سلسلة مطاعم بيتزا إكسبرس في المملكة المتحدة من أحد أشكال التطرف الديني المتستر وأحد مظاهر تسلل النزعة الأصولية الإسلامية”.
حتى عندما كان من المفترض أن تتحد البلاد لمواجهة جائحة كوفيد-19، كانت العناوين الرئيسية للصحف تنشر الخوف من خلال الحديث عن “تصاعد هائل لعدد الحالات” خلال شهر رمضان. لم يكن هذا من قبيل الصدفة، بالنظر إلى أن أحد المروجين الرئيسيين للخطاب المعادي للمسلمين قد أعلن صراحة أنه لا بأس بوصف المسلمين بأنهم “مختلفون”.
وكأن كل ما حدث خلال هذه السنة لم يكن صعبًا بما فيه الكفاية، ظهرت الأسبوع الماضي مزاعم لا أساس لها من الصحة تفيد بأن المسلمين لم يتخذوا الإجراءات اللازمة من أجل منع انتشار الجائحة، وهو ادعاء لا يزال يلقى من يدافع عنه في صحيفة ميل أون صنداي.
قمع الحقوق المدنية
مع تركيز معظم القصص المتعلقة بالمسلمين على موضوع الإرهاب، فقد تبع ذلك بالفعل قمع لحقوقهم المدنية. وقد استُخدمت هذه العبارة بشكل مبكر في الحملة الموجهة ضد ميغان ماركل عندما أطلقت حملتها الجديرة بالثناء لتأليف كتاب طبخ جديد إلى جانب نساء من مسجد في غرب لندن ستذهب مداخيله لصالح ضحايا حريق برج غرينفيل، في تقرير بعنوان: “مسجد الدوقة الذي له علاقة بحوالي 19 إرهابياً”. بصرف النظر عن حقيقة أن الرجال المشتبه بهم لم يدانوا بالإرهاب، فإن الرسالة التي يراد الترويج لها واضحة وهي أن ماركل على علاقة بأشخاص سيئين.
لا شك أن هناك تسلسلا هرميا للعنصرية، حيث أنه لا يقع التسامح مع مظاهر الإسلاموفوبيا فحسب، بل باتت معيارا تعتمده الكثير من الصحف والهيئات الإذاعية. نحن نعيش في عالم حيث السجناء المسلمون “التابعون للتيار الإسلامي” لا يعاملون مثل بقية السجناء الآخرين، وحيث الآباء المسلمون الذي يدعون لنفس التعاليم التي يدعو لها المسيحيون واليهود الذين “لا يشكلون تهديدا للمجتمع البريطاني” يُصوّرون على أنهم جهاديون؛ وحيث لا يمكن مقارنة الإسلاموفوبيا في حزب المحافظين مع معاداة السامية المزعومة في حزب العمل دون توجيه اتهامات بالنفاق.
إنه عالم يمكن القول فيه، دون أي دليل، على التلفزيون الوطني أن التطرف يحدث في المدارس الإسلامية والمساجد وغيرها من الأماكن التابعة للمسلمين، وأن “محاكم الشريعة” تدير نظامًا قانونيًا موازيًا تغض السلطات الطرف عنه.
تستمر مؤسسات المتعصبين البيض في النجاح لأنها تعمل دائمًا على تغيير هدف العنصرية
يخلق هذا التحيّز بيئة يمكن فيها الإشارة إلى صبي مسلم يبلغ من العمر أربع سنوات في الاستراتيجية الحكومية لـ “مكافحة التطرف”، ويمكن لرئيس تنفيذي لشركة طيران أن يدعو علنًا إلى إجراء فحوصات إضافية على المسافرين الذكور المسلمين. لقد أدى ذلك إلى وضعية عبثية، حيث يكون لدى الأشخاص الذين يستهلكون لحوم الحيوانات التي غالبًا ما يتم تربيتها في ظروف مروعة بأنهم أفضل من إخوانهم آكلي اللحوم، لأنهم بطريقة ما يقتلون الحيوانات بشكل أفضل.
المساءلة
ما تكشفه هذه الحلقة الأخيرة من جمعية المحررين البريطانية هو أن المهنيين أصحاب البشرة الملونة لديهم الآن القدرة على محاسبة المؤسسات الكبرى. ومع أن صلاحياتهم لا تزال محدودة، إلا أن هناك وعيا متزايدا وإرادة لتحدي السلوك الجماعي لوسائل الإعلام. لا يمكن السماح لوسائل الإعلام البريطانية بتحويل طاقاتها نحو المسلمين.
تستمر مؤسسات المتعصبين البيض في النجاح لأنها تعمل دائمًا على تغيير هدف العنصرية. بالنسبة لهم، حتى إذا لم يعد بإمكانك ازدراء الناس علنًا بسبب لون بشرتهم، فإن مهاجمة قيمهم ومعتقداتهم المفترضة هي الطريقة الجديدة لإبراز تفوقك. لكن لا تكن أحمقا، فما هذا إلا شكل آخر من أشكال التحيّز العنصرية.
المصدر: ميدل إيست آي