“علمت أن تفاصيل بيع قناة المحور التي كان يمتلكها الدكتور حسن راتب تقضي ببيع 50% لمحمد منظور، عضو مجلس الشورى عن حزب مستقبل وطن ورئيس جمعية من أجل مصر، وأيضًا 38% لإحدي الجهات الإعلامية الرسمية، و12% للنايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامي، إذ تولى عمرو الخياط، رئيس تحرير أخبار اليوم رئاسة القناة”، كانت هذه تدوينة عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، الصحفي المقرب من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك في الـ4 من مارس/آذار الحاليّ.
التدوينة التي كشفت بعض تفاصيل صفقة بيع قناة “المحور” أثارت الكثير من التساؤلات عن الدوافع والأهداف، لا سيما أنها جاءت في وقت كانت تخطط فيه القناة لإطلاق “المحور 2” فيما تكثف تحركاتها للعمل على إعادة الهيكلة وتطويرها فنيًا وتحريريًا خلال المرحلة المقبلة.
التسريبات لم تفسر ما المقصود بـ”الجهة الرسمية” التي شاركت في شراء القناة، وسواء كانت جهة إعلامية أم سياسية أم غير ذلك، لكن ما استقر يقينًا في أذهان الناس، ووفقًا للتجارب السابقة مع عدد من وسائل الإعلام الأخرى التي تم بيعها مؤخرًا، فإن تلك الجهة تشير إلى جهاز أمني سيادي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
اللافت للنظر أنه وبعد أيام قليلة من تدوينة البرلماني المصري خرجت بعض المصادر تشير إلى بيع صحيفة “المصري اليوم” الخاصة إلى جهة سيادية دون كشف تفاصيل بهذا الشأن، فيما لم يرد نفي أو تأكيد لذلك، سواء من الحكومة أم رجل الأعمال صلاح دياب، مالك الصحيفة الذي تعرض للحبس خلال الفترة الماضية قبل الإفراج عنه بعد سداد مبلغ 270 مليون جنيه مقابل التصالح في قضية اتهامه ورجل الأعمال محمود الجمال، بشراء أراضي الدولة بأسعار بخسة.
الغريب أن القناة والصحيفة لم يكونا يومًا ما في صف المعارضة، ولم يحسبا مطلقًا على التيار المناوئ للنظام، فكانا أحد أكبر الداعمين له على طول الخط، وهو ما أثار التساؤل عن دوافع شرائهما والأهداف التي يسعى النظام لتحقيقها من وراء إحكام القبضة على المنظومة الإعلامية برمتها، المؤيدة منها والمعارضة، بل والمحايدة كذلك.
تحت عنوان “كيف سقط الإعلام المصري في قبضة نظام السيسي” نشر “نون بوست” تقريرًا تطرق إلى الحديث عن كيفية نجاح السيسي في فرض حالة من السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي برمته (تليفزيون وإذاعة وصحافة وإنترنت) من خلال حزمة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية، في محاولة لتحقيق حلمه القديم الذي طالما حلم به في استنساخ “إعلام عبد الناصر” حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
صباح الخير ، علمت أن تفاصيل بيع قناة المحور التي كان يمتلكها د حسن راتب تقضي ببيع ٥٠ ٪ لعضو مجلس الشوري عن حزب مستقبل وطن ورئيس جمعية من اجل مصر السيد محمد منظور ، وأيضا ٣٨٪ لإحدي الجهات الإعلاميه الرسميه ،و١٢٪ للنايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامي ، حيث تولي الكاتب
— مصطفى بكري (@BakryMP) March 4, 2021
تساؤلات عن الدوافع
معروف أن حسن راتب، مالك القناة، هو أحد الداعمين الأقوياء للنظام الحاليّ، كما تربطه علاقات استثمارية قوية مع القوات المسلحة، وهو ما توثقه مشروعاته في مجال صناعة الأسمنت في سيناء التي يتعاون فيها مع الجهات الأمنية، بجانب “جامعة سيناء” التي يرأس مجلس إدارتها.
القناة ذاتها التي بيعت مؤخرًا كانت تقدم واحدًا من أكثر البرامج المؤيدة على طول الخط لسياسات الحكومة والنظام معًا، وهو “90 دقيقة” الذي يقدمه الأكاديمي الإعلامي محمد الباز، صاحب المواقف المناوئة للمعارضة والهجوم الشرس ليل نهار على كل من يغرد خارج السرب، سواء داخل مصر أم خارجها.
التساؤل كذلك عن صحيفة “المصري اليوم” الذي أرجع البعض بيعها – لم يعلن عنه رسميًا حتى الآن – إلى رضوخ مالكها للضغوط الممارسة عليه منذ 5 سنوات وحتى اليوم، من أجل بيعها وانضمامها لقائمة الوسائل المملوكة لجهاز المخابرات.
الضغوط مورست على دياب منذ حبسه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مع نجله و12 رجل أعمال آخرين، وذلك بعد اتهامهما بالفساد وحيازة أسلحة، وهي التهم التي نفاها رجل الأعمال المصري، إلا أن القضاء قرر فيما بعد التحفظ على أمواله قبل أن يتم التصالح بعد سداد عشرات الملايين لخزانة الدولة.
وبعد ماراثون من لعبة “القط والفأر” يبدو أن دياب قد رضخ أخيرًا للضغوط، وباتت عملية البيع في مراحلها الأخيرة، وفق شهادة بعض المصادر، التي كشفت أن الصحيفة والجهة السيادية غير المعلومة اتفقتا على وضع اللمسات الأخيرة قبل توقيع العقود المتوقع أن تكون خلال الأيام القادمة.
البعد الاقتصادي ربما يكون حاضرًا بقوة في هذه المرحلة الجديدة، فلم يكتف النظام بالسيطرة على الفضاء الإعلامي فحسب، بل يسعى كذلك إلى السيطرة على السوق المالية لهذا الفضاء
تأميم أم احتكار؟
ربما يكون من المنطقي والمقبول في أبجديات الأنظمة الديكتاتورية إحكام السيطرة على الإعلام المعارض، ومحاولة تفريغه من مضمونه، تجنبًا للتداعيات السلبية المحتملة من الرسالة الإعلامية التي يقدمها للشارع، وتأليبه للرأي العام ضد النظام، بما قد يقوض نفوذه ويهدد أركانه، لكن المثير للدهشة هو الرغبة في امتلاك الإعلام المؤيد كذلك، رغم التزامه بالخط المرسوم، وما يشهده من ملكية أكثر من الملك ذاته.
في الحالة المصرية الوضع مختلف نسبيًا، إذ يبدو أن هناك رغبةً حقيقيةً في السيطرة المطلقة على الخطاب الموجه للناس، وعدم ترك أي احتمالات مستقبلية، تحت أي ظروف استثنائية، أن تشذ تلك الوسائل عن اللحن الموزع على الجميع، ومن ثم كان إحكام السيطرة على الفضاء بأكمله خطوةً احترازيةً ضمانًا لأي شذوذ مستقبلي.
السنوات الخمسة الماضية تحديدًا تجاوزت فيها السلطات المصرية حاجز السيطرة على حرية الرأي والتعبير بعدما أحكمت قبضتها تمامًا على المناخ بشتى طقوسه الفصلية، لتصل اليوم إلى مرحلة جديدة من تأميم المنظومة بشكل نهائي، وهو ما قد يثير تساؤلات جدلية لدى البعض عن دوافع أخرى كامنة وراء هذا التوجه.
فريق ذهب إلى أن البعد الاقتصادي ربما يكون حاضرًا بقوة في هذه المرحلة الجديدة، فلم يكتف النظام بالسيطرة على الفضاء الإعلامي فحسب، بل يسعى كذلك إلى السيطرة على السوق المالية لهذا الفضاء، واحتكارها بشكل رسمي، والمقصود هنا سوق الإعلانات التي تقدر قيمتها بالمليارات تذهب للقنوات والصحف.
احتكار خريطة القنوات والصحف سيمنح الدولة عائدًا سنويًا كبيرًا من سوق الإعلانات الذي يتعاظم بشكل كبير في موسم رمضان على سبيل المثال، لتكتمل منظومة القبضة الحديدية بعد احتكار شبه كامل من تامر مرسي وشركة المتحدة التابعة لجهات سيادية على المشهد الدرامي والفني خلال العامين الماضيين.
“رسالة مفتوحة إلى رئيس تحرير مصر” .. المقال المحذوف للدكتور أيمن منصور ندا .. ماذا جاء فيه؟ #المسائية pic.twitter.com/JTarmLcqo5
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) March 18, 2021
أزمة الإعلام المصري
خلال الأيام الأخيرة شهدت الساحة الإعلامية سجالًا كبيرًا بين الدكتور أيمن منصور، أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى، وذلك على خلفية سلسلة مقالات للأكاديمي المصري تناول فيها أزمة الإعلام المصري الذي يعاني من السطحية والتجهيل وهو ما تكشفه الأسماء التي تتصدر المشهد وعلى رأسهم موسى.
الرموز المؤيدة للنظام لم تستسغ توجيه انتقاد لأحد أعلامها، فهب الجميع في حملات ممنهجة انتقادًا للأستاذ الجامعي وتقليلًا من شأنه وتشكيكًا في رؤيته رغم أنه يرأس قسم التليفزيون بأعرق كليات الإعلام في مصر، وتخرج على يديه عشرات الإعلاميين على مدار السنوات الماضية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن منصور لم يكن يومًا معارضًا، بل على العكس، فكثيرًا ما أعلن تأييده للسيسي والسلطة الحاليّة، ومع ذلك لم يسلم من الهجوم من الإعلاميين المؤيدين على طول الخط، الذين يعتبرون أنهم فوق المساءلة والانتقاد، وأن أي محاولة اقتراب منهم ومن مهنيتهم – المشكوك فيها بشهادة الجميع – خط أحمر ربما يهدد الأمن القومي للبلاد.
لا يريد أنصار السيسي أن يقتنعوا أن استعادة استنساخ “إعلام عبد الناصر” عام 2021 أمر غاية في الصعوبة، إن لم يكن مستحيلًا، في ظل تنوع الفضاءات الإلكترونية وعدم القدرة على غلق كل النوافذ
تزامنت الحملة ضد أستاذ الإعلام المصري والأحاديث بشأن السيطرة على المشهد الإعلامي برمته، مع تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمام مجلس النواب (البرلمان) حين أشار إلى أن مصر بحاجة إلى نافذة إعلامية تستطيع أن تصل للآخرين، وأن يكون لها تأثير قوي.
الوزير أشار إلى أن الإعلام المعارض الذي يبث من الخارج يحقق نجاحات ميدانية أكبر من تلك التي تحققها المنظومة الإعلامية الهائلة المملوكة للأجهزة السيادية، وهو ما استفز الكثير من الخبراء الذين أشاروا إلى تجاهل شكري لأسباب الأزمة الحقيقية للإعلام المصري، التي تتجاوز التسطيح الذي عرضت به.
لكن يمكن قراءة تصريحات الوزير في ضوء اعتقاله داخل زنزانة رؤية السيسي في أن الإعلام يجب أن يكون على قلب رجل واحد، وأن الحديث عن تنوع وجودة ومهنية واحترام القارئ كلها مثاليات لا علاقة لها بتأثير الإعلام من عدمه، رغم شهادته بنفسه وغيره عن فشل مئات القنوات المصرية التي ينفق عليها عشرات المليارات سنويًا في تحقيق ما تحققه حفنة من القنوات المعارضة في الخارج، ربما لا تتجاوز 5 على أقصى تقدير.
وفي النهاية لا يريد أنصار السيسي أن يقتنعوا أن استعادة استنساخ “إعلام عبد الناصر” في عام 2021، كأحد الأحلام التي تراود الرئيس، أمر غاية في الصعوبة، إن لم يكن مستحيلًا، في ظل تنوع الفضاءات الإلكترونية وعدم القدرة على غلق كل النوافذ، خاصة مع طفرة السوشيال ميديا التي لا تعرف الانكماش.
هذا بجانب أن إعلام الستينيات كان يمتلك باقة من “أسطوات المهنة، فكان حسنين هيكل وليس أحمد موسى في “الأهرام” وأحمد بهاء الدين وليس عبد الرازق توفيق في “الجمهورية”، ورغم تلك الأسماء الرنانة، فإنها لم تنجح في الحفاظ على الاستقرار، كمهمة قومية، كما كان يردد البعض وقتها، فوقعت الهزيمة رغم العزف المتواصل ليل نهار تحميدًا وتسبيحًا بالنظام، ليقنع الجميع بعد ذلك أن تغيير الواقع هو كلمة الفصل في التطوير وليس تغيير الخطاب.