ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما كان طفلا، كان ماركوس الصابري يلعب مع ابنة خالته، الأميرة شمسة، في ساحة القصر حيث كانا يعيشان مع والدة شمسة، حورية، زوجة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الرجل الذي أصبح فيما بعد من الأثرياء وحاكم دبي الجبار. كان الطفلان يركبان الخيول ويلتقطان صورا لبعضهما البعض في سيارة رولز رويس التابعة للعائلة المالكة وينضمان إلى الرحلات الاستكشافية في الصحراء، كما يتذكر الصابري في مقابلات أجريت مؤخرا.
كانت شمسة شقية ومغامرة ومدللة إلى حد ما، ودائما ما كانت تتخطى الحدود، حسب قول الصابري. ثم تم إرسال الصابري بعيدا إلى مدرسة داخلية في بريطانيا، ولم يكن يعتقد أنه بعد سنوات عديدة، ستثير رفيقته في اللعب سلسلة من الأحداث الدرامية التي تجعل المآسي الحالية للعائلة المالكة البريطانية تبدو غير صادمة.
اختُطفت شمسة من التراب البريطاني، بينما قُبض على شقيقتها الصغرى، الأميرة لطيفة، في البحر أثناء سعيها للفرار من دبي. ووقع سجن الفتاتين من قبل والدهما، مما دفع زوجة أخرى للشيخ محمد، الأميرة هيا، ابنة ملك الأردن الراحل الحسين، للفرار إلى لندن مع طفليها بعد أن جعلتها حملة ترهيب زوجها تخشى على حياتها.
بينما أخذت هذه الأحداث الصادمة في الظهور الواحدة تلوى الأخرى، ومع ارتفاع الصيحات الدولية، تبنت الأمم المتحدة القضية. في الواقع، تتعرض بريطانيا لضغوط لإعادة تقييم علاقاتها مع أحد أهم شركائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط. وقد شعرت الملكة بالحرج بسبب صداقتها الطويلة مع رجل كان يعطيها خيولا بانتظام وشاركها مكان جلوسها الخاص في سباقات رويال أسكوت.
تشوّهت صورة دبي التي كان يسوّق لها على أنها مركز عالمي للأعمال والتمويل وأرضية للمشاهير الغربيين ونجوم كرة القدم، بقيادة الملك الكريم الذي حول منطقة صحراوية إلى مدينة من الأبراج المتلألئة ومراكز التسوق الجذابة. في الواقع، لقد كانت الرسالة المكتوبة بخط اليد التي أرسلتها شمسة، التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 18 سنة، إلى منزل الصابري في لندن في سنة 1999، بمثابة بداية لما يمكن تسميته “حكاية الأميرات الثلاث”.
تكشف الرسالة كيف رفض والد شمسة السماح لها بالذهاب إلى الجامعة، وكيف كانت تتوق للهروب من أسلوب حياتها الفخم والمقيَّد بشكل خانق. وكتبت أنها كانت تفكر في الهروب؛ فهي لم تكن تريد أن تبقى وتشعر بالندم على قرارها هذا مدى الحياة. وقالت: “لقد اتخذت قراري ولم يتبق لي شيء لأفعله هنا. لا أعرف من أين أحصل على هذه الثقة!! قبل أسبوعين فقط أردت أن أقتل نفسي!”.
بعد عشرة أشهر هربت شمسة. أثناء رحلة الشيخ محمد الصيفية السنوية إلى بريطانيا مع عائلته الكبيرة (لديه ست زوجات وما لا يقل عن 25 طفلا)، قادت شمسة سيارة رينج روفر سوداء إلى حافة مزرعته المؤمَّنة بشدة في لونغ كروس في مقاطعة سري وتسللت عبر بوابة إلى أرض تشوبهام كومون البرية. من هناك، شقت طريقها إلى نزل جنوب لندن وتوجهت إلى محامي الهجرة.
قال الموظفون السابقون للشيخ محمد إنه وصل بطائرة هليكوبتر من إسطبلات السباق في نيوماركت في اليوم الذي تلى اختفاء ابنته وبدء عملية بحث ضخمة. وقع إرسال الموظفين للبحث في المناطق الريفية المحيطة، لكنهم وجدوا فقط الهاتف المحمول الذي أسقطته شمسة.
تخلصت الأميرة الشابة من مطارديها لمدة شهرين تقريبا، وربما كانت لتهرب منهم نهائيا لو لم تتصل بصديق في دبي عدة مرات. في مقطع فيديو مشهور الآن صورته لطيفة سرا قبل محاولتها الهرب بعد 18 سنة، قالت إنها دعت أختها، التي تكبرها بأربع سنوات، إلى التوقف عن الاتصال لئلا يتعقب عملاء والدها مكالماتها، لكنها استمرت في ذلك. “لقد كانت وحيدة للغاية في المملكة المتحدة. لم يكن لديها أي شخص آخر تتحدث معه”.
في 19 آب/أغسطس 2000، بعد زيارة حانة في كامبريدج، وقع القبض على شمسة من قبل أربعة رجال مسلحين يتحدثون العربية، ووضعوها في سيارة واقتادوها إلى إسطبلات والدها في نيوماركت. ثم وقع تخديرها ونقلها فجرا إلى دوفيل في فرنسا، بواسطة مروحية. ومن هناك أعادتها إحدى الطائرات الخاصة لوالدها إلى دبي حيث وقع سجنها فعليا في غرفة في القصر على مدار السنوات الثماني التالية.
قامت لطيفة بزيارتها في نهاية تلك الفترة، حيث قالت: “كانت في حالة سيئة للغاية. كان يجب تحريكها في أنحاء المكان عن طريق مسكها من يدها. وهي لا تفتح عينيها – لا أعرف لماذا. كان الناس يمسكون بها ويجعلونها تأكل ويعطونها مجموعة من الحبوب للسيطرة عليها بشكل أساسي. تلك الحبوب جعلتها مثل الزومبي”. وقال مصدر آخر رأى شمسة بعد الإفراج عنها: “لم أتعرف عليها. كانت نحيفة، أشبه بالهيكل العظمي تماما … لم تكن نفس الشخص الذي اعتادت أن تكونه”.
لم يكن الشيخ محمد بالشخص السهل. لقد كان حليفا رئيسيا، وصديقا للملكة بفضل حبهما المشترك لسباق الخيل
لم يتعرض الشيخ محمد لأي عقوبة لاختطاف شمسة من التراب البريطاني. وبعد عدة أشهر من الحادثة، تمكنت شمسة من إرسال بريد إلكتروني إلى محامي الهجرة في لندن تقول فيه في البداية: “ليس لدي وقت للكتابة بالتفصيل، أنا مراقبة طوال الوقت لذا سأدخل في صلب الموضوع مباشرة…” ثم سردت مصيرها وتوسلت المحامي “لإشراك السلطات”.
عندما علمت الصحافة باختطاف شمسة، وجدت حكومة توني بلير نفسها في موقف صعب للغاية. لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة، التي تعد دبي جزءا منها، حليفا رئيسيا في شؤون الدفاع والاستخبارات ومشتريا رئيسيا للأسلحة البريطانية، ناهيك عن وجهة شهيرة للسياح البريطانيين.
علاوة على ذلك، لم يكن الشيخ محمد بالشخص السهل. لقد كان حليفا رئيسيا، وصديقا للملكة بفضل حبهما المشترك لسباق الخيل، وأحد أكبر ملاك الأراضي في بريطانيا، حيث يمتلك عقارا في إنفارينايت في اسكتلندا تبلغ مساحته 63 ألف فدان، فضلا عن ممتلكاته في سري البالغة 75 مليون جنيه إسترليني وعملا ضخما في مجال سباق الخيل – فريق جودلفين – ومقره نيوماركت. كما أطلق أيضا طيران الإمارات، وهي شركة الطيران التي ترعى ملعب أرسنال لكرة القدم وملعب أولد ترافورد للكريكيت.
بدأت شرطة كامبريدجشير تحقق في اختطاف شمسة، لكنها لم تنجح في الكشف عن حيثيات القضية لأن دائرة الادعاء الملكية رفضت السماح لها بإجراء مقابلة مع شهود محتملين في دبي. في سنة 2019، رفضت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث الإفصاح عما إذا كان الشيخ محمد قد طلب إغلاق الملف، بحجة أن الكشف عن مثل هذه المعلومات “من شأنه أن يقلل من قدرة حكومة المملكة المتحدة على حماية وتعزيز مصالح المملكة المتحدة من خلال علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة”.
أما بالنسبة للشيخ، فبعد مرور 19 سنة على الحادثة، أخبر محكمة بريطانية أن شمسة كانت شابة ضعيفة شعرت بأنها مقيدة بسبب الترتيبات الأمنية الخاصة بها، و”عندما تم العثور عليها، شعرنا بالارتياح الشديد لأنها كانت في أمان. ولم يصبها أي مكروه”.
كان من الممكن أن ينسى الشيخ محمد اختطاف شمسة لولا اختطافه للأميرة لطيفة، وهي طفلة أخرى من أطفال حورية الأربعة والشيخ محمد.
نشأت لطيفة منذ ولادتها على يد عمتها في مكان آخر في دبي، وكانت تزور والدتها الحقيقية مرة واحدة في السنة. عندما كانت في العاشرة من عمرها، تمكنت شمسة من إعادتها إلى أسرتها، واعتبرت شمسة “بمثابة أمها” لأنها “كانت تهتم بها بالفعل”.
فشل شمسة في الهروب وسجنها جعل لطيفة تدرك مدى محدودية الحرية التي تتمتع بها. كان بإمكانها الذهاب إلى المدرسة وإلى إسطبلات العائلة لركوب الخيل، لكن نادرا ما كان يُسمح لها بالخروج. لذلك في تموز/ يونيو 2002، عندما كانت تبلغ من العمر 17 سنة، حاولت الفرار. لكونها “ساذجة للغاية”، فقد ذهبت ببساطة إلى معبر حدودي في دبي حيث تم إيقافها وإعادتها إلى المنزل.
إثر ذلك، وقع حبسها وضربها، كما تذكر في مقطع الفيديو الذي نشرته. تم احتجازها لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، حتى من قبل والدتها. كانت تعيش تحت التعذيب المستمر. وقالت إنه “حتى عندما يتوقفون عن ضربي كانوا يعذبونني نفسيا. كانوا يطفئون كل الأضواء، كنت في الحبس الانفرادي لا توجد نوافذ، ولا ضوء، وعندما يطفئون الأنوار كان الظلام يسود المكان. لم أكن أعرف متى ينتهي يوم ويبدأ اليوم التالي. كانوا يصدرون أصواتا لمضايقتي ثم يأتون في منتصف الليل لسحبي من السرير وضربي”.
لم تتلق أي مساعدة طبية لأنهم “لم يكترثوا، لقد أرادوا قتلي على أي حال”. كما حرمت من ارتداء ملابس نظيفة. وكان فراشها متسخ مع بطانية رقيقة. في الأشهر الأخيرة فقط، مُنحت فرشاة أسنان وبعض من مسحوق غسيل “تايد” لتتمكن من تنظيف نفسها.
أطلق سراحها في سنة 2005، حيث قالت: “كرهت الجميع، لم أكن أثق بأحد على الإطلاق”. لكنها تعافت ببطء، وفي سنة 2010 تواصلت مع تينا جوهياينن على فيسبوك. كانت جوهياينن، التي كانت تبلغ من العمر 34 سنة آنذاك، من الفنلنديات الشقروات الجميلات، عاشت في دبي لمدة تسع سنوات، وعملت في مجال السياحة والعقارات. أدارت فريق يمارس الفنون القتالية البرازيلية تسمى كابويرا، التي رغبت لطيفة في تعلمها.
بدأت جوهياينن في زيارة لطيفة بشكل شبه يومي في نادي زعبيل للسيدات، المملوك للعائلة المالكة في دبي. في البداية، كانت لطيفة شديدة التحفظ وتتجنب مواجهة الآخرين، كما قالت جوهياينن لصحيفة “تايمز”، لكنهما أصبحتا صديقتين مقربتين تدريجيا وفي سنة 2013 بدأتا في ممارسة لعبة القفز الحر بالمظلات سويا.
كان القفز بالمظلات مبهجا، لكنه وضع حدا لحرية لطيفة. لم تستطع السفر، لم تستطع مغادرة مجمع قصرها بدون سائق ومرافق. ومع مرور الوقت، أصبحت العائلة تثق بجوهياينن بما يكفي لتمكين المرأتين من زيارة مراكز التسوق أو المقاهي دون مرافق.
في سنة 2017، أخبرت لطيفة جوهياينن أنها تريد الهروب، وأنها كانت على اتصال عبر البريد الإلكتروني مع هيرفي جوبير، ضابط سابق في البحرية الفرنسية كان قد هرب من دبي في زورق قبل عقد من الزمان بعد اتهامه بالاختلاس.
وافقت جوهياينن على مساعدتها، وقالت: “أنا من الأشخاص الذين يعيشون اللحظة الراهنة، لذلك عندما سألتني لطيفة لم أفكر في الأمر. كنت في دبي لفترة طويلة وأنا سعيدة جدا بالمغادرة، وكانت مغادرتها معي بمثابة أمر مثالي… لقد رأيت ذلك بمثابة مغامرة صغيرة”.
طيلة الأشهر التالية، التقت جوهياينن بجوبير في الفلبين وسريلانكا وإندونيسيا لوضع خطط واشترت معدات بما في ذلك زورق قابل للنفخ مع محرك خارجي ودراجات بخارية تحت الماء ومعدات السفر.
ذات يوم في شباط/ فبراير 2018 قابلت لطيفة في دبي مول. بمجرد أن غادر مرافقو الأميرة ذهبت إلى شقة جوهياينن، حيث سجلت لطيفة قصتها في مقطع فيديو كوثيقة تأمين أرسلتها إلى العديد من جهات الاتصال الغربية حتى يتمكنوا من الإفراج عنها إذا فشلت محاولة الهروب. وقالت للكاميرا “إذا كنت تشاهد هذا الفيديو، فهذا ليس بالأمر الجيد، فهو يعني إما أنني ميتة أو في وضع سيء للغاية”.
في السابعة من صباح يوم 24 شباط / فبراير 2018، التقت بجوهياينن في مقهى، وخلعت عباءتها التقليدية وأغلقت هاتفها المحمول. ثم توجهت المرأتان إلى عمان، مع اختباء لطيفة أثناء عبورهما الحدود. من هناك اصطحبهما أحد الأصدقاء عن طريق الزورق إلى يخت جوبيرت الذي يبعد 16 ميلا على الشاطئ. كان البحر مضطربا، ووصلتا في الظلام في حالة رثة.
أبحرتا إلى سري لانكا. في اليوم السادس، عندما اقتربتا من الساحل الهندي، لاحظتا وجود سفينة خلفهم وطائرة مراقبة فوقهما. في العاشرة مساءً من اليوم الثامن، اقتحم عشرات الكوماندوز الهنود المدججين بالسلاح على متن زورقين سريعين اليخت الذي يرفع العلم الأمريكي، وضربوا أفراد الطاقم وخطفوا لطيفة. وقالت جوهياينن: “لم أكن متأكدة من نجاح مهمتنا. لقد كان ذلك مرعبا”.
“كانت آخر مرة شاهدت فيها الأميرة وهي في حالة هيستيرية، وتصرخ قائلة: “أطلق النار علي هنا! لا أريد العودة إلى هناك!” وتلاشت أحلامها في طلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة والعيش في فلوريدا.
بعد تسعة أشهر من اختطاف لطيفة، صرح الديوان الملكي في دبي بأنها “على قيد الحياة وفي مأمن تحت رعاية أسرتها المحبة”. قال الشيخ محمد في وقت لاحق: “كنا نخشى أن تكون ابنتنا بين أيدي مجرم قد يحجزها مقابل فدية ويؤذيها. إلى يومنا هذا أعتبر أن عودة لطيفة إلى دبي كانت مهمة إنقاذ”.
الأميرة هيا بنت حسين، البالغة من العمر 46 سنة، هي الزوجة السادسة للشيخ محمد – الأخت الجميلة غير الشقيقة للملك الأردني الحالي عبد الله، التي تلقت تعليمها في أكسفورد، والفارسة الأولمبية السابقة وسفيرة النوايا الحسنة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
عندما نُشر فيديو لطيفة على اليوتيوب بعد أسبوع من أسرها في آذار/ مارس 2018، اختارت هيا تصديق رواية زوجها القائلة إن الأميرة كانت تعاني من اضطراب عقلي واختُطفت من قبل أشخاص لدوافع مجهولة.
في شهر كانون الأول/ ديسمبر من تلك السنة، مع تصاعد الغضب جراء اختفاء لطيفة بعد فيلم وثائقي نشرته قناة “بي بي سي” بعنوان “الهروب من دبي: لغز الأميرة المفقودة”، رتبت هيا موعدا مع ماري روبنسون، الرئيسة الأيرلندية السابقة ومفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لمقابلة لطيفة وتناول الغداء معها والتقاط الصور التي من شأنها أن تظهر للعالم أن الأميرة كانت على قيد الحياة وأنها بصحة جيدة. وقد وصفت روبنسون، لطيفة بأنها “شابة مضطربة” كانت تتلقى رعاية نفسية.
لكن الشكوك باتت تساور هيا حيال كلام الشيخ محمد. وبدأت بزيارة لطيفة في المنزل المغلق والخاضع للحراسة حيث كانت تعيش في ظروف وصفتها هيا لاحقا بأنها “شبيهة بالسجون”. في ذلك الوقت، كان زواج هيا يمر في مأزق، لأسباب ليس أقلها أنها كانت على علاقة مع حارس شخصي. وفي 15 نيسان/ أبريل 2019، خوفا على حياتها، فرت هيا إلى منزلها الذي تبلغ تكلفته 85 مليون جنيه إسترليني بالقرب من قصر كنسينغتون في لندن مع طفليها – الجليلة البالغة من العمر 11 سنة، وزايد ذو السبع سنوات.
في غضون شهر، ارتكب الشيخ محمد خطأ فادحا بالمطالبة بإعادة الأطفال لدى قسم شؤون الأسرة في المحكمة العليا. في الواقع، تكبدت الجلسات اللاحقة بتحطيم صورة الطاغية المسن التي تمت رعايتها بعناية كقائد شرق أوسط متنور.
بقيادة البارونة شاكلتون، التي مثلت الأمير تشارلز أثناء طلاقه من الأميرة ديانا، أكد فريق هيا القانوني أن زوجها قد استخف بها علنا، وطلّقها بموجب الشريعة دون إخبارها، ونشر قصائد تهديدية عنها، بما في ذلك قصيدة قال فيها: “يا خاينة أغلى أمانة… ما يهمني عشتي أو متي”.
كما وصف الفريق هبوط طائرة هليكوبتر بشكل غير متوقع في مسكنها، حيث قال الطيار إنه سينقلها إلى السجن؛ وعثورها مرتين على مسدس تم نزع صمام أمانه ملقى على سريرها؛ وتلقيها رسائل مجهولة تفيد بأن حياتها قد انتهت. وبعد هروبها إلى لندن، دبّر عملاء الشيخ حملة شرسة ضدها في وسائل الإعلام الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، تذرّع محامو هيا باختطاف شمسة ولطيفة لإيضاح سبب وجوب حرمان الشيخ محمد من حضانة أطفالها. من ناحيته، رفض الشيخ الإدلاء بشهادته شخصيا، وادعى في إحدى إفادات الشهود أن شمسة ولطيفة كلاهما لا ترغبان في المشاركة في القضية.
في آذار/ مارس الماضي، نشر رئيس قسم شؤون الأسرة السير آندرو ماكفارلين النتائج التي توصل إليها بعد أن فشل الشيخ في إقناع محكمة الاستئناف بإبقائها طي الكتمان. وقد كانت تداعياتها وخيمة. لقد حكم ماكفارلين بأن الشيخ بالفعل أمر بالإختطاف القسري لشمسة ولطيفة، وسعى إلى ترهيب هيا بوسائل من المرجح أنها انتهكت القوانين الإنجليزية والدولية.
بالإضافة إلى ذلك، قال ماكفارلين إن الشيخ “يواصل الحفاظ على نظام تُحرم شمسة ولطيفة بموجبه من حريتهما” واستنتج أن “هذه النتائج مجتمعة تُظهر انتهاجا ثابتا على مدى عقدين من الزمن لسلوك يقتضي استغلال الشيخ للصلاحيات الواسعة المتاحة له لتحقيق أهدافه الخاصة، متى ما ارتأى ضرورة ذلك”. وفي رد له، أصدر الشيخ محمد بيانا قال فيه إنه لم يتمكن من الشهادة كرئيس دولة، لذا فإن الحكم “لا يروي سوى جانبا واحدا فقط من الحكاية”.
بعد اختطاف الأميرة لطيفة من اليخت، أعاد الجنود الإماراتيون جوهياينن وجوبير إلى دبي. وهناك سُجنا ووقع استجوابهما وحُرما من أي تمثيل قانوني أو سبل الاتصال بالعالم الخارجي. قالت جوهياينن إنه قيل لهما إنهما في سجن مخصص “لأمثال أعضاء القاعدة وتنظيم الدولة”. وسُئلا عما إذا كانا يعملان لصالح قوة أجنبية؛ “كانوا يقولون لي إنني سأواجه عقوبة الإعدام، وأن لا أحد يعلم أنني هناك”.
في النهاية، تم إطلاق سراحها بعد أن وعدت بعدم إخبار أي أحد بما حدث لها ولطيفة – إلا أنه كان وعدا سرعان ما أخلفته. اكتشفت أن معظم أصدقائها في دبي قد وقع استجوابهم، أو أُجبروا على مغادرة الإمارة. ومنذ ذلك الحين وهي تتنقل بين لندن وفنلندا قائمة بوظائف متنوعة، لكنها كرّست معظم وقتها في النضال من أجل حرية لطيفة. وفي ذلك، تلقت مساعدة من قبل فاعل خير مفاجئ لن تكشف عن هويته.
في آذار/ مارس 2019، بينما كانت تقضي عطلتها في فنلندا، تلقت جوهياينن رسالة من شخص يقول إنه على اتصال بلطيفة. وفي وقت لاحق، استخدمت جوهياينن ذلك الوسيط لتهريب هاتف محمول إلى صديقتها، وبدأتا في تبادل الرسائل النصية ومقاطع الفيديو. وتقول جوهياينن: “كنت في غاية السعادة. كان الأمر عاطفيا للغاية.. كان لدينا الكثير لنتحدث عنه، وأمورا كثيرة لنتبادلها”. كما قامت بلم شمل لطيفة مع الصابري، صديق طفولتها.
لكن في تموز/ يوليو الماضي، توقفت رسائل لطيفة على نحو مفاجئ. بدا من الواضح أنه قد وقع اكتشاف هاتفها. مرت أشهر عديدة، وبعد قدر كبير من الحيرة، قررت جوهياينن مع الصابري وناشط آخر- محام يُدعى ديفيد هاي – نشر بعض رسائلها. وبينما كانوا مدركين أن ذلك قد يسفر عن معاناة لطيفة من مزيد من العقوبات، تقول جوهياينن: “أود تصديق أن اهتمام وسائل الإعلام العالمية سيحول دون أذيتها”.
وبالفعل، حظيت الرسائل المصورة التي التقطتها لطيفة سرا في حمام موصد، باهتمام واسع. في الشهر الماضي، قام برنامج “بانوراما” في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ببثها. وفي تلك المقاطع، بدت لطيفة نحيفة وشاحبة، وكشفت عن تخديرها ونقلها إلى دبي بعد اختطافها من اليخت، وقالت “أنا رهينة. لست حرة. أنا مستعبدة، ومحتجزة في هذا السجن.. أجلس في الحبس الانفرادي، بلا محاكمة، بلا تهمة، بلا شيء”.
أشارت لطيفة إلى أنها حُبست في فيلا وقع “تحويلها إلى سجن، حيث كل النوافذ مغلقة.. هناك خمسة من رجال الشرطة في الخارج وشرطيتان داخل المنزل ولا يمكنني حتى الخروج لاستنشاق الهواء النقي. في كل يوم أخشى على أمني وحياتي. لا أعرف إن كنت سأنجو. هددتني الشرطة بأنني سأظل في السجن طوال حياتي ولن ألمح ضوء الشمس مرة أخرى”.
في المقابل، رد الديوان الملكي في دبي ببيان جاء فيه أن لطيفة “تتلقى الرعاية في المنزل، بدعم من عائلتها والأخصائيين الطبيين”، لكن البث قد يشكّل نقطة تحول فعلي، فإلى جانب الحكم الدامغ من المحكمة العليا السنة الماضية، قد تكون المقاطع نهاية إفلات الشيخ محمد من العقاب، وتوقف العالم عن تجاهل أعماله الشنيعة.
منذ ذلك الحين، طالبت الأمم المتحدة بإثبات أن لطيفة ما زالت على قيد الحياة. وكذلك فعلت الحكومة البريطانية، التي وصفت مقاطع الفيديو بأنها “مقلقة للغاية”. من جهتها، اعترفت ماري روبنسون بأنها “خُدعت بشكل فظيع” و”ارتكبت خطأ كبيرا”. وأعادت شرطة كامبريدجشاير فتح تحقيقها في اختطاف شمسة. كما يقال إن الملكة رفضت الظهور بأي صور أخرى مع الشيخ. وحتى الهيئة البريطانية لسباق الخيل – التي يبذل الشيخ الكثير لدعم قطاعها المتعثر – أعربت عن قلقها وطلبت توجيهات من الحكومة.
لا تزال جوهياينن ترغب بإجراءات أكبر. إذ تريد فرض عقوبات على دبي، ومقاطعة السائحين للإمارة، ومنع خيول الشيخ من المشاركة في سباقات بريطانيا. كما تريد إلغاء الأحداث الاستعراضية مثل منتدى المرأة العالمي الذي استضافته دبي في السنة الماضية، والذي تحدثت فيه إيفانكا ترامب وتيريزا ماي. وللحفاظ على وطأة الضغط، تخطط حملتها “حرروا لطيفة” لنشر المزيد من رسائل لطيفة. وتقول جوهياينن: “بدأت الأمور تتقدم إلى الأمام. لقد أحرزنا الآن أهم تقدم، تجاوز ما حققناه في السنوات الثلاث الماضية”، لكنها تعترف أنه “في النهاية، وحده الشيخ محمد من يمكنه إطلاق سراحها. في نهاية المطاف، هو وحده من يحمل المفتاح”.
المصدر: صنداي تايمز