أزمة سنجار: سلاح منفلت وحل لا يلوح بالأفق

سنجار ذلك القضاء في نينوى الذي يعاني أزمات أكثر من غيره بسبب تعدد مصادر القرار فيه، فمن هنا الحكومة العراقية، ومن هنا أيضًا حكومة إقليم كردستان، ومن هناك حزب العمال الكردستاني، ولكلٍ من هذه الجهات الثلاثة سلاحٌ يلوحُ به في محاولة السيطرة المطلقة على القضاء، ولعل التركبية السكانية المتنوعة أسهمت بشكل أو بآخر في تقوية هذا الطرف أو ذاك، إذ لكل منهم ولاءٌ يختلف عن ولاء صاحبه، ناهيك بوجود صراعات إقليمية يُراد لها أن تُصفى على أرض سنجار بين تركيا وإيران وحزب العمال. هكذا وجد أهالي سنجار أنفسهم في معترك من الأحداث السياسية والإدارية، فما الحلول التي تلوح بالأفق؟
اتفاقية تطبيع
صحيح إنها تأريخية بحسب ما تحدث به مَنْ حضر توقيعها بين طرفي المعادلة في بغداد وإقليم كردستان، لكن قبل ذلك كانت سنجار بين قيادتين: الأولى المتحكمة الفعلية بالقضاء إداريًا وعسكريًا بغض النظر عن شرعيتها، والأخرى التي تحكم من خارجها، وتصف الأولى بأنها غير شرعية.
أبرز ملامح ما تم الاتفاق عليه يركز على وضع إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وبند آخر يتعلق بالترتيبات الأمنية، وأمر ثالث يتعلق بإعادة إعمار المدينة المدمرة بفعل داعش وعمليات التحرير، ولا شيء على أرض الواقع مما ذكر، فسطوة حزب العمال الكردستاني تحول دون البدء بالتنفيذ، رغم وصول الوفد السادس عالي المستوى من الحكومة إلى القضاء.
ماذا لو استقرت البوابة الغربية؟
يرى قائممقام سنجار الممنوع من دخول القضاء محما خليل أن الحياة لم تعد إلى طبيعتها في سنجار بعد، وتحتاج إلى جهود حثيثة، ليتمكن النازحون من العودة إلى المدينة المنكوبة، ثم من الممكن بعد ذلك الحديث عن التعايش السلمي، الشعار الذي يرفعه الجميع.
ويؤكد خليل أن سنجار هي البوابة الغربية لنينوى واستقرارها استقرار للعراق، لذا يراد لها الآن أن تعيش نوعًا من اللااستقرار بعد انتشار السلاح المنفلت بيد الفصائل المختلفة في القضاء، ويحمّل القائممقام الحكومة المركزية مسؤولية إحلال الاستقرار من خلال النهوض بدورها لحماية المدينة وفق الاتفاقيات التي تم عقدها بين الإقليم وبغداد.
95% من أهالي سنجار نازحون، وينتظرون خروج الـpkk ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم
وعن عدم سريان الاتفاقية يبين خليل أن السبب الرئيس هو حزب العمال الكردستاني الذي يحكم فعليًا الآن، ويملك مصادر القرار إن كانت دوائر رسمية حكومية وحتى عسكرية لتنسيقه مع بعض الفصائل المدعومة حكوميًا.
ويحذر من أجندات خارجية في القضاء أبرزها تحاول استغلال السطوة المسلحة لتكون المدينة محطةً لتهريب المخدرات خصوصًا كونها حدوديةً، وعن الوضع الإنساني يختم محما حديثه قائلًا: “هناك 95% من أهالي سنجار نازحون، وينتظرون خروج الـpkk ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم”.
الجيش العراقي الحل
نشرت وزارة الدفاع العراقية، بعد سريان مفعول الاتفاقية، فرقة من الشرطة الاتحادية، لأن الاتفاق يتحدث عن هذا الأمر، التكليف جاء للفرقة السادسة لمسك الملف داخل القضاء أما خارجه فسيكون ضمن مسؤولية الجيش.
المحلل السياسي الموصلي عبد الجبار الجبوري كانت له رؤية مفادها معادلة الخلاص من تهديدات تركيا المستمرة باجتياح الأراضي العراقية مقابل القضاء على حزب العمال.
وشدد الجبوري على أن الحكومة العراقية يجب أن تأخذ زمام الأمور وتحسم الوضع هناك، مؤكدًا أن إنهاء حزب العمال لن يكون دون إدخال الجيش العراقي إلى داخل المدينة ومسك الملف الأمني في الداخل والأطراف وإدخال الشرطة المحلية مع حشد يزيدي (مسيطر عليه)، لأن الحشد اليزيدي ينتمي للحشد الشعبي بالاسم وهواه مع حزب العمال الكردستاني حسب قوله.
ويستطرد الجبوري قائلًا: “الـpkk يمثل الآن خطرًا وعقبةً أمام تنفيذ اتفاقية التطبيع الموقعة بين كردستان وبغداد، التي تسمح بعودة النازحين وإعمار المدينة، وتفرض الأمن وهذا أهم شيء، وبغير ذلك ستبقى سنجار مهددة بفوضى بين القوات الأمنية والفصائل المنتمية للحشد الشعبي”.
تركيا وعملياتها المستمرة
عمليات المخالب بأعدادها التي جرت قبل أكثر من سنة بالتنسيق مع الحكومة العراقية، ودون التنسيق لم تفلح – حتى كتابة المقال – بالقضاء على حزب العمال ناهيك بالحد من نشاطه الداخلي والخارجي.
الباحث في الشؤون الإقليمية محمد صادق أمين تحدث عن سلسلة عمليات تشنها تركيا على فترات متباعدة بين الفينة والأخرى، ويوضح أمين أن ملاحقات الكردستاني لا تقتصر على الداخل، وإنما تجاوزت الحدود التركية لتصل سوريا والعراق، مبينًا أن طبيعة حرب حزب العمال الكردستاني تقوم على أسلوب العصابات، وهو يقدر على تشكيل نفسه، وكلما وجهت له ضربات يعيد التموضع العسكري على الجبال الحدودية.
قضية تطبيق اتفاقية تطبيع سنجار باتت صعبةً على الأرض، ومجموعة تحديات تقف حائلًا دون أن ينزل الأمر على أرض الواقع
وتابع “العمليات الأخيرة كانت استباقية لدخول فصل الربيع، بعد أن تذوب الثلوج في غضون شهر أو شهرين”، ويرجح أمين أن هناك تنسيقًا وصفه بالوثيق بين الحكومة العراقية والتركية لأن هذا الأمر يصبُ في مصلحة الجانب التركي خصوصًا مع المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين.
الحلول الممكنة
قضية تطبيق اتفاقية تطبيع سنجار باتت صعبة على الأرض، ومجموعة تحديات تقف حائلًا دون أن ينزل الأمر على أرض الواقع، فأسباب وجود الفصائل المسلحة الشرعية وغير الشرعية والتدخل التركي الإيراني بالتأكيد سيؤخران تطبيق الاتفاق.
الصحفي اليزيدي مراد الخالتي يؤكد وجود الجيش العراقي والشرطة المحلية داخل مركز القضاء، لكن المدينة تشهد بين الحين والآخر تظاهرات مؤيدة للحكم الذاتي، متعلقة بدرجة كبيرة بقوات الأمن الداخلي التي تعتبرها القوات العراقية قوات غير شرعية.
وفي تعليقه على اتفاقية أربيل وبغداد يرى الخالتي أنها تجري على قدم وساق رغم بطئها والأحداث السريعة التي تجري في القضاء، واختتم الصحفي حديثه قائلًا: “لا يزال هناك إهمال حكومي، فلم تمتد إليها – يعني سنجار – يد الإعمار، والخدمات فيها شبه معدومة”.
يُذكر أن اتفاق سنجار سبق أن حظي بدعم أممي ومباركة من ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت التي كانت حاضرةً في مراسم التوقيع، واصفة اليوم بالتاريخي لسنجار بعد المجازر التي عاشها القضاء إبان سيطرة داعش عليه وما تبعه من مأساة.