ترجمة وتحرير/ نون بوست
أعلنت المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع عن مبادرة لإنهاء حرب اليمن وتطبيق وقف إطلاق النار. وقوبلت هذه المبادرة بالرفض من قبل جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، التي تعد من الأطراف الرئيسية في هذا الصراع المستمر منذ ست سنوات.
وفقًا للحوثيين، لم يتضمن الاقتراح وعودًا برفع الحصار الذي فرضه السعوديون على مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، اللذين يستأثران إلى جانب ميناء الصليف بقرابة 80 بالمئة من واردات اليمن، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية والوقود.
يتخذ الحوثيون الآن وضعية الهجوم ومن غير المرجح أن يتراجعوا أو يستسلموا. ومن المرجح أيضا أنهم سيواصلون هجومهم في مأرب ويكتسحوا الأراضي المتقلصة والسلطة الهشة للرئيس المنفي في الرياض عبد ربه منصور هادي.
ويوم الأربعاء، قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إن إيران تدعم خطة سلام من شأنها إنهاء الحصار والعنف.
موقف ضعيف
يأتي إعلان السعودية نتيجة ضعف موقفها بعد انهيار التحالف العربي الذي دعم حملتها في البداية وتلاشي الموافقة الدولية على هذه الحرب الغادرة على حدودها الجنوبية.
على المستوى الدولي، ومنذ سنة 2015، قدّمت الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما الضوء الأخضر للسعوديين لشنّ الضربات الجوية ضد الحوثيين الذين اجتاحوا العاصمة في أيلول/ سبتمبر 2014، ليفرضوا سيطرتهم لاحقًا على معظم السكان اليمنيين. وفي 25 آذار/ مارس 2015، قادت المملكة العربية السعودية حربًا ضد اليمن بحجة مواجهة التوسع الإيراني في هذا الجزء الاستراتيجي من شبه الجزيرة العربية.
في وقت لاحق، واصلت إدارة ترامب دعم السعوديين دون تشجيعهم على البحث عن حل دبلوماسي لحل النزاع. ومع وصول إدارة بايدن الجديدة للسلطة، يجد السعوديون أنفسهم دون هذه الحماية الدولية حيث أوضحت بعض الأطراف في واشنطن أن إحدى ركائز سياسة الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط هو إنهاء الحرب في اليمن، واستئناف المفاوضات مع إيران – المؤيّد الرئيسي للحوثيين – بخصوص برنامجها النووي.
نتج عن التدخل الإماراتي بروز إقليم مستقلّ موالٍ لها. كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على مصر وباكستان، لكن كلاهما تردد في المشاركة في النزاع
على المستوى الإقليمي، انسحبت الإمارات – الحليف الرئيسي للسعودية – من الحرب لكنها ما زالت تحتفظ بمعقل على الساحل يضمن توسعها البحري وصولا إلى منطقة القرن الأفريقي، كما أحيت من خلال رعايتها لليمنيين الجنوبيين مشروعًا قديمًا يهدف لفصل المنطقة الساحلية الجنوبية عن اليمن الموحد.
نتج عن التدخل الإماراتي بروز إقليم مستقلّ موالٍ لها. كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على مصر وباكستان، لكن كلاهما تردد في المشاركة في النزاع، ما ترك السعوديين يخوضون حربًا دون إمكانيات حقيقية رغم قوتها الجوية المتقدمة بفضل الإمداد المستمر من الحكومات الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.
يتناقض موقف السعودية الضعيف مع موقف الحوثيين القوي، الذين لم يصنّفوا بعد الآن على قائمة الكيانات الإرهابية في واشنطن. وقد كثّف الحوثيون هجماتهم بالطائرات المسيرة على المرافق الاقتصادية السعودية خلال الأشهر الماضية، مستهدفين المنشآت النفطية والمطارات، لأنهم فهموا مدى ضعف الموقف السعودي. لم تتحقّق استراتيجية الهجوم السعودية الأولية التي تسعى لتأمين حدودها الجنوبية ودرء النفوذ الإيراني.
نهج سلمان
واجه ما يسمى بنهج سلمان لسنة 2015، وهو عبارة عن استعراض للقوّة موجه للجماهير المحلية السعودية التي تشكك في وصول محمد بن سلمان إلى أعلى المناصب في السلطة، عراقيل في اليمن. وقد احتاج ولي العهد ووزير الدفاع السعودي آنذاك إلى تحقيق نصر سريع في اليمن ليمنحه شرعية جديدة باعتباره المنقذ والقائد العسكري.
فشل محمد بن سلمان في تحقيق مساعيه. بدلاً من ذلك، تُرك بمفرده يستجدي الحوثيين لقبول مقترحه المتعلق بالسلام، الذي لا يمكنه التخفيف من محنة اليمنيين ولا يرقى إلى تطلعاتهم إلى إنهاء الحرب الأهلية.
لم تكن هذه الحرب الأهلية قدرا محتوما، لكن التدخل العسكري الأجنبي لكل من السعودية والإمارات لم يساعد في إنجاح مشروع توحيد اليمن على أسس ديمقراطية فحسب، بل لم يسهم أيضا في إرساء مستقبل مستقر لكل من المعسكر الجنوبي والشمالي لليمن، كما كان الحال على مرّ التاريخ.
أدى التدخل الأجنبي والضربات الجوية إلى ظهور العديد من الكانتونات والميليشيات التي تسيطر على مناطق شاسعة، وتتنافس وتتعاون في الوقت ذاته من أجل القضاء على أي فرصة لتوحيد اليمن، فما بالك مستقبل يمكن التعايش فيه تحت مظلة حكومة ديمقراطية.
كارثة إنسانية
تاريخيًا، فضلت المملكة العربية السعودية الحفاظ على شبكات المحسوبية مع القبائل اليمنية الشمالية التي كان شيوخها يتلقون بانتظام الإعانات والمنح لإبقائهم موالين للعائلة المالكة السعودية. في صنعاء، دعم السعوديون الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، لكنه انقلب عليهم وأقام تحالفًا جديدًا مع الحوثيين، أعداءه اللدودين السابقين.
بعد ذلك، أوقف محمد بن سلمان شبكة المحسوبية القديمة ولجأ إلى خيار الحرب المباشرة، معتقدًا أنه سيصبح حاكم اليمن بكل طوائفه. بالإضافة إلى صالح، حوّلت معظم القبائل الشمالية ولاءها للحوثيين.
وُلدت من رحم الحرب في اليمن قوى جديدة يبدو أنها قوتها تفوق المملكة العربية السعودية، التي تسببت في هذا الدمار وفشلت في احتوائه أو إصلاحه
في الوقت الحالي، يواجه اليمن أزمة إنسانية واقتصادية لم يسبق لها مثيل منذ العقود السابقة. ووفقًا للأمم المتحدة، يواجه ما يقارب 16 مليون يمني المجاعة، ويعاني 2.5 مليون طفل من سوء التغذية. دمرت الحرب البنية التحتية المهترئة في اليمن إلى درجة تجعل أي جهود محتملة لإعادة إعمار البلاد طويلة الأمد ومكلفة للغاية.
على هذا النحو، سوف يسجل التاريخ الملك سلمان ونجله باعتبارهما المسؤولين الرئيسيين عن تدمير بلد وشعبه وكل موارده. دون بذل أي جهود جادة للمساهمة في إعادة إعمار اليمن، ستسقط البلاد في دوامة من الاضطرابات والبؤس لعدة عقود.
كما هو الحال في جميع الحروب الأهلية التي ترعاها جهات أجنبية والتي تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي، حمل اليمنيون السلاح وحصلوا على مكافآت مالية مقابل تنفيذ أجندات قد لا تتوافق مع مصالحهم الوطنية. لهذا السبب، عندما تختفي جميع الأنشطة الاقتصادية وفرص العمل، لن يكون بإمكان المواطن اليمني توفير قوت أطفاله إلا إذا أصبح مقاتلا يتلقى راتبًا من أحد الجهات الأجنبية الراعية.
إنهاء الحرب
في حال توقفت الحرب دون وضع برنامج إعادة إعمار مفصّل، فهناك خطر أن يفقد الكثيرون مصدر رزقهم ودخلهم. قد لا ترى الجهات الفاعلة المحلية مزايا من وقف إطلاق النار في غياب بدائل حقيقية تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة في بلد طاله الخراب بشكل كامل.
فشل العرض السعودي في توضيح كيف يمكن أن تبدأ حقبة السلام وإعادة الإعمار الاقتصادي بمجرد توقف الضربات الجوية. اليوم، وُلدت من رحم الحرب في اليمن قوى جديدة يبدو أنها قوتها تفوق المملكة العربية السعودية، التي تسببت في هذا الدمار وفشلت في احتوائه أو إصلاحه. ومع قطع المجتمع الدولي مساعداته الخارجية وبرامجه التنموية – على غرار ما قامت به الحكومة البريطانية – فإن احتمالات السلام في اليمن تبدو بعيدة المنال.
ينبغي منح الأمم المتحدة تفويضًا دوليا لإطلاق مبادرة سلام جديدة ينبغي أن تكون أهدافها الرئيسية ذات صبغة سياسية واقتصادية بحتة. على المستوى السياسي، ينبغي تشجيع اليمنيين على إحياء تلك اللحظة التاريخية في سنة 2011 عندما نادت جميع الفصائل والجماعات بإرساء الديمقراطية في “ساحات التغيير” في معظم المدن اليمنية.
أما على الصعيد الاقتصادي، ينبغي على المجتمع الدولي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، أن يتعهد بالمساهمة في تمويل صندوق يساعد اليمن في رحلته الطويلة والمُضنية للتعافي من مأساته.
المصدر: ميدل إيست آي