عقب التغييرات التي شهدها حزب العدالة والتنمية في رئاسة وكوادر دوائر الحزب الفرعية بجميع المدن التركية مؤخرًا، وبعد تجديد الثقة برئاسة أردوغان للحزب، شهد الحزب تعديلات جوهرية في هيكله التنظيمي ودوائر صنع القرار المركزية داخله، وذلك خلال المؤتمر العام الـ7 للحزب، الذي عقد في مدينة أنقرة، الأربعاء، تحت شعار “ثقة واستقرار من أجل تركيا”.
خلال المؤتمر استعرض أردوغان خريطة الطريق التي سيتبعها الحزب استعدادًا لخوض الانتخابات المقبلة عام 2023، وتأهبًا لأي انتخابات مبكرة قد تظهر على الساحة السياسية فجأة بسبب الضغط التي تحدثه الأحزاب المعارضة، بالإضافة لتجاوز الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وللحد أيضًا من تأثير الانشقاقات التي شهدها الحزب نفسه.
نجح حزب العدالة والتنمية في ترك بصمته على المشهد السياسي التركي بعد تسلمه إدارة البلاد لما يقرب من 19 عامًا بلا انقطاع (خُمس عمر الجمهورية التركية الحديثة التي تأسست عام 1923)، وذلك عقب تأسيسه في 14 من أغسطس/آب 2001، ويهدف المؤتمر الحاليّ إلى رص الصفوف داخل الحزب وضخ دماء شابة جديدة داخل دوائر صنع القرار، وذلك لتحقيق أهداف الحزب المنشودة لعامي 2023 و2053 تباعًا، لبناء تركيا القوية.
أبرز التعديلات
من أبرز الأمور التي تمخض عنها المؤتمر محافظة أردوغان على رئاسة الحزب من خلال حصوله على جميع أصوات المجمع الانتخابي للحزب الـ1428، في وقت كانت تطالب المعارضة بأن يتخلى أردوغان عن رئاسة حزب العدالة والتنمية ليقف على مسافة متساوية من جميع الأحزاب السياسية “بشكل غير منحاز”.
كما أُعيد رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدريم إلى الأضواء مجددًا، بعد خسارته انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019 أمام مرشح حزب الشعب الجهوري المعارض أكرم إمام أغلو، وذلك من خلال انتخابه رفقة نعمان قورتولموش ليشغلا منصب نائبي الرئيس لشؤون الحزب.
كما تم رفع عدد أعضاء اللجنة القيادية العليا داخل الحزب من 50 إلى 75، في الوقت الذي حافظ فيه 28 شخصًا فقط على مقاعدهم داخل اللجنة، إذ دخل اللجنة 47 اسمًا جديدًا، الأمر الذي يعد انعكاسًا للتجديد الذي حصل في انتخابات فروع الحزب في مختلف المدن التركية، من خلال إفساح المجال للفئات الشابة داخل الحزب.
فيما ارتفع التمثيل النسوي داخل اللجنة القيادية العليا إلى 19 امرأةً، وضمت اللجنة أيضًا ممثلين عن مختلف المكونات العرقية والدينية داخل المجتمع.
عقب التغييرات التي طرأت على الهيكل التنظيمي للحزب، سيجري في الأيام القادمة تعديلات وزارية
وفيما كان يتوقع البعض أن المؤتمر سيمهد لعودة صهر الرئيس أردوغان، وزير المالية والخزانة الأسبق بيرات البيرق، لشغل منصب مهم في الحزب، كشف غيابه أن الخلاف ما زال سيد الموقف وأن الوقت لم يحن بعد لرأب الصدع بين الطرفين.
وعقب التغييرات التي طرأت على الهيكل التنظيمي للحزب، سيجري في الأيام القادمة تعديلات وزارية بحسب القيادي في حزب العدالة والتنمية ماهر أونال، من خلال تصريحاته لقناة (NTV)، ورغم عدم إفصاح أردوغان وفريقه بعد عن التغييرات التي ستجري، فإن وسائل الإعلام المختلفة تتناول نية أردوغان إجراء تعديلات وزارية قد تطال التعليم والداخلية والصحة والخارجية والزراعة.
رسائل داخلية وخارجية
خلال خطابه في المؤتمر، بعث أردوغان رسائل إيجابية داخليًا وخارجيًا، كما استعرض حزم الإصلاحات السياسية والحقوقية والاقتصادية، التي يعتبرها خريطة طريق لتحقيق أهداف ورؤية الحزب للجمهورية التركية في عامها الـ100، وتحدث أيضًا بشكل موسع عن إنجازات حكومته الداخلية والخارجية خلال فترة الـ19 عامًا من تولي الحزب للسلطة في البلاد.
وعلى الصعيد الداخلي، دعا جميع الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية للمشاركة في إعداد دستور جديد، بمعزل عن التوجهات والأيديولوجيات، حيث قال: “هذا الدستور يجب أن يكون بمثابة وثيقة الرؤية المستقبلية لتركيا، وأن يستند إلى القاعدة التي نكررها دائمًا: إعلاء شأن الإنسان شرط لديمومة الدولة”.
ودعمًا لتحالف الشعب، أكد مجددًا أن تحالف الشعب يتميز بروابطه الحميمية والصادقة، وهو ليس مجرد تحالف على الورق، وأضاف قائلًا: “عام 2023 سيكون عام نصر جديد لتحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية”.
وفي رسائله للخارج، أعلن أردوغان أن بلاده مصممة على زيادة عدد أصدقائها وإنهاء حالات الخصومة في الفترة القادمة لتحويل منطقتها إلى “واحة سلام”، وشدد على أن حزب العدالة والتنمية تمكن منذ توليه السلطة من تعزيز وتنويع الأدوات التي تمتلكها تركيا في السياسة الخارجية، مضيفًا: “سنواصل صياغة علاقاتنا مع جميع الدول بدءًا من الولايات المتحدة وحتى روسيا والاتحاد الأوروبي والعالم العربي بما يتماشى مع مصالح تركيا وتطلعات شعبنا”.
أهداف مرجوة
كشفت استطلاعات الرأي المختلفة تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وتحالفه “تحالف الشعب” مؤخرًا، الأمر الذي جرى تأكيده خلال الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، وما لحقها من خسارة الحزب للبلديات الكبرى لصالح تحالف المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه يُنظر إلى التغييرات الحاصلة في هيكل الحزب التنظيمي وحزم الإصلاحات السياسية والاقتصادية على أنها الطريقة المثلى للاستعداد للانتخابات المقبلة، من خلال المحافظة على الحاضنة الشعبية للحزب والعمل على كسب حواضن شعبية جديدة قومية وإسلامية.
يسعى أردوغان من خلال ضخ دماء شابة في مفاصل الحزب القيادية لاستمالة الشباب الذين سيصوتون لأول مرة نحو حزبه، والبالغ عددهم نحو 7 ملايين شخص
كما تهدف التعديلات الجديدة من خلال زيادة نسبة التمثيل النسوي داخل اللجنة القيادية العليا لكسب ود المرأة التركية، خصوصًا بعد إلغاء معاهدة حماية الأسرة والمرأة المعروفة بـ”معاهدة إسطنبول”، الأمر الذي لاقى معارضة نسوية حادة.
وتهدف التغييرات التي تمت لكسب دعم الأكراد في شرق البلاد بالانتخابات المقبلة، من خلال زيادة المكون الكردي داخل اللجنة العليا، كل ذلك بعد مساعي أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
ويسعى أردوغان من خلال ضخ دماء شابة في مفاصل الحزب القيادية لاستمالة الشباب الذين سيصوتون لأول مرة نحو حزبه، والبالغ عددهم نحو 7 ملايين شخص، إذ يجد حزب العدالة والتنمية صعوبة في مخاطبتهم، بسبب معايشتهم للحزب الواحد منذ ولادتهم، ولرغبتهم في التغير والتجديد.
وفي النهاية فإن الصعوبات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد وزادت حدتها منذ بدء جائحة كورونا، وملفات حقوق الإنسان، والتحديات التي أعقبت الخروج من معاهدة إسطنبول “معاهدة حماية الأسرة والمرأة”، واحتمالية إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بالإضافة للانشقاقات التي طالت حزب العدالة والتنمية حاله كحال الأحزاب السياسية الأخرى، كلها أمور تجعل المهمة صعبة على أردوغان، وتستدعيه لحشد الصفوف داخل الحزب وترتيب تحالفاته بالشكل الأمثل لخوض المعركة الانتخابية المقبلة، أمام تحالف المعارضة الذي يسعى جاهدًا للإطاحة بأردوغان وتحالفه.