يرتبط التقاعد عند موظفي القطاع العام في الدول العربية بمعاش تقاعدي حكومي لمدى الحياة، في المقابل، ثمة الملايين من العاملين في القطاع الخاص، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، ممن يعملون أغلب سنوات العمر بدون معرفة حقيقية لأهمية الادخار للتقاعد، ولا شك أن الذين يتوجهون للأعمال حرة (Freelancing) هم الأقل حظًا في هذه العملية، إذ يُحرمون من التأمين الصحي وبطبيعة الحال من التأمين التقاعدي، وبالتالي قد يضطرون إلى العمل حتى آخر سنوات العمر، إن أسعفتهم الصحة، أو يصبحون معوزين في شيخوختهم.
إلى جانب الفئة الأخيرة، تعد المرأة، وحتى يومنا الحاليّ، مهددة اقتصاديًا أيضًا لأنها تحصل على دخل أقل من نظيرها الرجل، بسبب عدم المساواة في الأجور، ونتيجة لهذه المكاسب المنخفضة على مدى الحياة، فإن دفعات الضمان الاجتماعي للنساء أو إجمالي مدخرات التقاعد تكون قليلة مقارنة مع الرجال.
يضاف إلى الفجوة بين الأجور، حقيقة أن النساء أكثر عرضة للتوقف أو الانسحاب من سوق العمل، بسبب التزاماتها الأخرى المتعلقة بالمنزل والأطفال والرعاية. ومؤخرًا، كان للوباء تأثيرًا سلبيًا على الشؤون المالية للمرأة، حيث أجبرت العديد من النساء على مقايضة العمل المأجور بالتزامات تقديم الرعاية الأسرية، وذلك ما يعني مدخولات أقل وبالتالي مدخرات تقاعد أقل أيضًا.
الاستفادة من سياسات العمل الصديقة للأسرة مثل إجازة الأمومة المدفوعة وساعات العمل المرنة، فبحسب الإحصائيات الرسمية إن الشركات التي تمنح إجازة عائلية مدفوعة تزايدت بشكل كبير
لا يوجد حل سحري لهذه المشكلة، إلا إذا اتخذت الحكومات وأصحاب القرار إجراءات جذرية وحاسمة لتغيير المعادلة ومنح النساء العاملات أجور مساوية لتلك التي يحصل عليها الرجال في المقابل، ولأن هذه التغيرات تسير ببطء في وقتنا الحاليّ، فيمكن للنساء المهتمات في تحسين أوضاعهن المالية، تجهيز خطة مستقبلية للتقاعد تساعدهن على المحافظة على مستوى معيشي معقول، دون أن يقعن ضحية الفقر والحاجة في آخر 20 عامًا من حياتهن. ويمكن البدء بذلك من خلال الخطوات التالية:
1. المساهمة في صندوق التقاعد مبكرًا
لا تتمتع النساء دائمًا بالسيطرة الكاملة على ظروف العمل أو على مسؤولياتها المتعلقة بالمنزل والرعاية، ولكن بقدر الإمكان، يجب على النساء اللاتي يتوقعن أن تتأثر مسارات عملهن لاحقًا بوظائف الأمومة إعطاء الأولوية للعمل والاستفادة من سياسات العمل الصديقة للأسرة مثل إجازة الأمومة المدفوعة وساعات العمل المرنة، فبحسب الإحصائيات الرسمية إن الشركات التي تمنح إجازة عائلية مدفوعة تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة نظرًا لأعداد العاملين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تقديم الرعاية لأحد أفراد الأسرة.
إلى جانب ذلك، تظهر البيانات أيضًا أن دخل المرأة يصل إلى الذروة في وقت أبكر من دخل الرجل، ويمكن أن نعزو ذلك إلى أن إجمالي السنوات المهنية للنساء أقل من الرجال، وبالتالي يبرز ذلك مزايا تعظيم مساهمات النساء في السنوات الأولى من العمل، عندما يكون بإمكانهن الاستفادة على أفضل وجه من مدخولاتهن، والاستفادة من فرص ادخار التقاعد في سنوات الدخل المبكرة.
أما النساء المتزوجات وغير العاملات، فيمكنهن المساهمة في إحدى صناديق التقاعد الفردية بشرط أن تكون قادرة على الالتزام بتسديد المساهمة الشهرية (من دخل الزوج مثلًا).
بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء اللواتي قللن من العمل أو توقفن عن رعاية الأطفال أو الوالدين المسنين أو كليهما لديهم خيار اللحاق بالركب، بشرط أن تتوقف التزامات الرعاية الخاصة بهم في نهاية المطاف ويكون لديهن دخل إضافي للمساهمة في زيادة مدخراتهن بمعدل مرتفع إذا عادوا إلى القوى العاملة في وقت لاحق من حياتهن.
2. أتمتة المدخرات
تشير الدراسات إلى أن النساء يستثمرن بشكل أكثر تحفظًا من الرجال، أو يضاربن بشكل أقل، أو يتحلين بالصبر أكثر لأنهن يوجهن كل تركيزهن نحو تحقيق أهداف معينة، وقد يكون السبب في ذلك المسؤوليات الأسرية والمنزلية التي تتحملها المرأة والتي تجعل من فكرة استقرارها المالي أكثر تعقيدًا من الرجل، فتصبح خياراتها أكثر تحفظًا وحرصًا ضد المخاطر العالية.
وما يؤكد هذه النظرية، بحث آخر يشير إلى أن المرأة، وبمجرد أن تتحكم في الدخل وتصبح أمورها المالية أكثر استقرارًا ووضوحًا، فإن سلوكيات الاستثمار لديها تشبه إلى حد بعيد سلوكيات الرجال.
يمكن للمرأة أن تتخذ خطوات إضافية إن أمكن لضمان أن الرعاية الصحية العالية وتكاليف الرعاية طويلة الأجل لا تعرض للخطر استدامة خطط التقاعد الخاصة بهن
وبما أن إحدى أهم المشاكل التي قد يقع الانسان في براثنها هي إغراءات اليوم على حساب المستقبل، لأن الإنسان يميل إلى الاستهلاك والإنفاق، سواء على أغراض أساسية أو كمالية، في الوقت الحاضر على أن يستثمر هذه الأموال لمدة 10 سنوات، إذ إن إغراءات الحاضر والتزاماته أبدى في نظره، ولكن ذلك غير صحيح فكل من عاشو بمبدأ “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” لم تنته بهم الحياة نهاية سعيدة، ولكي تنقذي نفسك من عبء اتخاذ القرار مع كل راتب، قومي بأتمتة مدفوعات مساهمتك في صندوق التقاعد مع تاريخ استلام الراتب لتقتطع تلقائيًا بدون أن تفكري حتى في الموضوع.
3. مدخرات التقاعد خط أحمر
عليكِ أن تتعرفي على قاعدة اقتصادية بسيطة تسمى الأرباح المركبة، وهي ببساطة التي تسمح لمساهمتك في صندوق التقاعد بالنمو، والسر وراء هذه القاعدة هو الزمن، فكلما زاد الوقت الذي تضاعف فيه صندوق تقاعدك دون اللجوء إليه، كلما كانت المكافئة أكبر وكلما حصلتِ على مخصصات أعلى توفر لك حياة أكثر رخاء في سنوات التقاعد.
4. ضعي خطة لتكاليف الرعاية الصحية
بسبب ارتفاع متوسط العمر المتوقع للمرأة، تتحمل النساء رسوم وتكاليف رعاية صحية أعلى من الرجال بسبب حاجتها إلى رعاية طويلة الأجل مدفوعة الأجر، وفي هذا الوقت بالتحديد تظهر فائدة مدخرات التقاعد.
ولكن يمكن للمرأة أن تتخذ خطوات إضافية لكي تضمن عدم تعرض هذه المدخرات إلى خطر الاستنزاف بسبب التكاليف الصحية الكثيرة، وذلك من خلال الحصول على تأمين صحي مستدام.
وصحيح أن التأمين الصحي الحكومي في بعض الدول يوفر رعاية وخدمات صحية ذات جودة عالية، ولكن ومع الأسف أن النظام الصحي في كثير من الدول العربية غير فعال ولا يقدم للمواطنين والمتقاعدين إلأ خدمات رديئة الجودة مصحوبة ببيروقراطية غير منتهية، وإذا كنتِ تريدين لنفسك رعاية أفضل فيمكنك البحث عن تأمين صحي خاص بأقساط ثابتة معقولة يضمن لك الحصول على تغطية جيدة في مشافي القطاع الخاص.