صوت البرلمان البريطاني قبل عدة أيام للاعتراف بدولة فلسطين، القرار لن يغير أي شيء على الأرض في الضفة الغربية أو قطاع غزة، كما أنه ليس ملزمًا لحكومة ديفيد كاميرون الائتلافية، لكن رغم كل ذلك، تُعد تلك اللحظة شديدة الأهمية، ليس فقط بسبب الرباط التاريخي العميق بين بريطانيا وفلسطين، لكن أيضًا لأن القرار فتح نافذة على ما يعتقده أصدقاء إسرائيل بخصوص المأزق الدائم في الشرق الأوسط.
لم تكن هذه السنة جيدة لبنيامين نتنياهو، فقد ألقت الولايات المتحدة باللائمة على رئيس وزراء إسرائيل بسبب تدميره محاولتها الأخيرة لإنقاذ عملية السلام، في الحقيقة، كانت هناك عقبات وعناد من كلا الجانبين، لكن في تصريحاتهم العلنية أو في أحاديثهم السرية، اعتبر المسئولون الأمريكيون استيلاء إسرائيل على أراضي في الضفة الغربية والقدس الشرقية السبب الرئيسي للانهيار.
وهذا الشهر أيضًا، استنكر “فيليب هاموند” وزير خارجية بريطانيا التخطيط لبناء أكثر من 2000 منزل إضافي للمستوطنين الإسرائيليين في القدس الشرقية الفلسطينية، وقال وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” إن ذلك التوجه يضع “الالتزام الإسرائيلي تجاه السلام موضع تساؤل”، الأوروبيون بدأوا في رؤية التوسع الاستيطاني باعتباره استراتيجية إسرائيلية محسوبة لقتل الآمال التي تتلاشى سريعًا بحل الدولتين.
حصلت حرب الصيف ضد حماس في غزة على دعم قوي من معظم الإسرائيليين، لكن لأصدقائها في العالم، جاء الهجوم الإسرائيلي وحجمه بنتائج عكسية، كما اجتذب احتجاجات دولية واسعة النطاق بسبب عدم تحقيق الحرب أي نجاحات استراتيجية محددة.
لا يمكن لأحد أن ينفي حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد الصواريخ التي تُطلق من غزة، لكن مقتل 2000 شخص معظمهم من المدنيين، وقصف مدارس الأمم المتحدة، كان صوابًا اعتباره عملاً غير متناسب، فقدت إسرائيل سبعين جنديًا، لكن ماذا كسبت إسرائيل؟ يوفال ديسكين، والذي عمل سابقًا كرئيس للشين بيت، قال لصحيفة دير شبيغل الألمانية إن إسرائيل حولت نفسها لأداة في يد حماس.
كان النجاح العسكري المؤقت أقل كثيرًا من المكاسب السياسية التي حصلت عليها حماس والأضرار التي لحقت بالسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، كانت الحكومات الأوروبية قد دعمت مبادرة عباس لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، تمهيدًا لمحادثات سلام جادة، لكن الأوروبيين الآن يفترضون أن عملية غزة كانت محاولة من نتنياهو لتقويض تلك الخطوة.
كل هذه الحلقات في مسلسل الفعل الإسرائيلي لم تؤثر في التزام حلفاء إسرائيل تجاه حقها في العيش بسلام وأمان، لكنها من ناحية أخرى استنزفت الصبر والثقة، ودفعت الكثيرين للاعتقاد بأن نتنياهو يفضل حالة دائمة من الحرب عن خيار السلام الصعب، البديل الذي سمعته في إسرائيل لحل الدولتين، هو دولة واحدة نظامها يشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (الأبارتهيد).
لقد خسرت إسرائيل جمهورها العالمي، عندما يحذر نتنياهو من التهديد النووي لإيران، حتى أولئك الذين يشعرون بقلق عميف تجاه نوايا طهران، يستجيبون لنتنياهو في ضجر لا مبال، إذ تُرى تحذيرات نتنياهو كمحاولة للفت الأنظار عن رفضه إقامة دولة فلسطينية، وليست نتيجة تقييم واضح للخطر الحالي الذي تشكله إيران، وهذا كله لا يكون جيدًا لإسرائيل.
وبالمثل كان تصويت هذا الأسبوع في مجلس العموم البريطاني، وقد قام هذا الحدث بتلميع سمعة السياسيين، وهذا شيء نادر للغاية في هذه الأيام، فقد وصل الحزبان اللذان كان يقود علاقتهما الحقد والتطرف في الخصومة إلى حجة منطقية للقرار، وكانت إسرائيل قد ضغطت بشدة ضد هذا الاقتراح، لكن سرعان ما كان واضحًا أنها فقدت أقرب أصدقائها.
السير “ريتشارد أوتاواي”، عضو البرلمان عن الحزب المحافظ، قال إن عائلة زوجته كانت محورية في “الكفاح من أجل قيام دولة إسرائيل”، وأوضح: “كنت صديقًا لإسرائيل لفترة طويلة قبل أن أنضم للمحافظين، لكن الآن، لتكون صديقًا لإسرائيل، لا يجب أن تكون عدوًا لفلسطين”، وفي تعبير عن الغضب من التوسع الاستيطاني والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية قال بأسى: “أود أن أقول لحكومة إسرائيل إنهم يخسرون من هم مثلي، وسيخسرون الكثير من الناس”.
الحجة الإسرائيلية التي رددها حفنة من النواب الداعمين لتل أبيب، هو أن عملية الاعتراف بفلسطين كدولة، والتي بدأت في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين، هي كوابح لعملية السلام، الحصول على دولة يجب أن يكون جائزًا “تُكتسب”، وإعطاؤه الفلسطينيين الآن سيكون تقليلاً للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات صعبة.
لم يكن هناك أي منطق في هذا! وكما أشار العديد من النواب، فإن الصياغة تعطي لإسرائيل حق الاعتراض الاستثنائي (الفيتو) ضد خيارات الدول الأخرى ذات السيادة، وحتى إذا كان ذلك الاقتراح منطقيًا بشكل تكتيكي، فإن الاقتراح تم تجريده من منطقه من قبل نتنياهو: إذ لا يمكن للفلسطينيين أن يُحرموا من حق إقامة دولتهم بسبب تعنت إسرائيل.
“جاك سترو” وزير الخارجية العمالي السابق التقط السخرية! وقال إذا كان الضغط مطلوبًا ضد أي شخص، يجب أن يكون ضد نتنياهو، وبخصوص إقامة الدولة الفلسطينية، اقتبس السيد سترو كلمة قالها “ويليام هيغ” وزير الخارجية البريطاني في 2011: “ترى المملكة المتحدة أن السلطة الفلسطينية تفي إلى حد كبير بمعايير عضوية الأمم المتحدة، بما في ذلك حق إقامة الدولة”.
كانت نتيجة التصويت هي 274 صوتًا للاعتراف، و12 صوتًا رافضًا، وكان “ديفيد كاميرون” قد طلب من نحو 100 من وزراء الحكومة الامتناع عن التصويت، كاميرون لديه انتخابات العام المقبل، وقد بقي النواب الآخرون بعيدًا، لكن 136 دولة من الـ 193 أعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك السويد التي انضمت مؤخرًا، قبلت فلسطين الآن على ما هي عليه: دولة.
بالتأكيد سوف تتبع بريطانيا ذلك قريبًا جدًا، وسيغضب نتنياهو، لكن إسرائيل ليس لديها ما تخشاه، فالضمان الأكيد لأمنها، هو التعايش السلمي مع دولة فلسطينية.
المصدر: فاينانشال تايمز