في صبيحة الـ27 من مارس/آذار 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تحالف عربي ضد الحوثيين الذين انقلبوا على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وحددت ثلاثة أهداف رئيسية لإيقاف العمليات العسكرية وهي: استسلام الحوثيين وتسليم السلاح وعودة الشرعية إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وحددت فترة الحرب لإجبار الحوثيين على تنفيذ تلك الشروط بثلاثة أشهر فقط.
وبعد 25 يومًا من إعلان عاصفة الحزم، وتحديدًا في الـ21 من أبريل/نيسان 2015 أعلنت قيادة العملية توقفها وبدء عملية “إعادة الأمل”، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية “إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديدًا لأمن السعودية والدول المجاورة”، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين.
وبناءً على إعلان التحالف العربي أنه كسب المعركة سريعًا، يفترض أن يكون الحوثيون بعد سبع سنوات من الحرب، محاصرين في جبال صعدة أو في صنعاء على أقل تقدير، لكن سيطرتهم على المناطق توسعت كثيرًا وباتوا يتحكمون بمناطق شاسعة في اليمن.
غيرت الإستراتيجية العسكرية لدى الحوثيين الذين استغلوا تلك الاتفاقية، في إعادة ترتيب صفوفهم المنهارة، والتحول من الهجوم إلى الدفاع
حينما نقل التحالف العربي الحرب من جوية إلى برية، استطاع تحرير الجنوب اليمني بشكل كامل، وحرر محافظتي الجوف ومأرب، ووصلت القوات الحكومية والتحالف العربي إلى منطقة “نهم” على مشارف العاصمة اليمنية صنعاء، ازداد الحوثيون عزلةً وتقهقرًا بالحرب، بعد أن تخلصوا من حليفهم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، واتجه الكثير من أنصاره لقتال الحوثيين، وكوّن نجل شقيقه طارق صالح قوات بدعم إماراتي في الساحل الغربي لمجابهة الحوثيين.
غير أن الاتفاق السياسي الذي أبرمته الحكومة اليمنية مع الحوثيين في الـ13 من ديسمبر/كانون الأول 2018 في ستوكهولم السويدية برعاية الأمم المتحدة، لإيقاف تقدم القوات اليمنية المشتركة في مدينة الحديدة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من إنهاء المعركة لصالحها، غيرت الإستراتيجية العسكرية للحوثيين الذين استغلوا تلك الاتفاقية في إعادة ترتيب صفوفهم المنهارة والتحول من الهجوم إلى الدفاع بعد أن قضوا على كل خصومهم الداخليين من أبناء قبائل سوار في حجة أو البيضاء أو في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
استغلال الحوثيين
يتخذ الحوثيون ذات الأسلوب الإيراني في اقتناص الفرص واستغلال أخطاء الآخرين لصالحهم، فالتحالف العربي ارتكب العديد من الأخطاء وكانت تلك أسباب رئيسية في بقاء الحوثيين مسيطرين على المناطق الشمالية اليمنية ذات الكثافة السكانية، بداية بطريقة تحالف التحالف العربي مع المكونات السياسية اليمنية داخل البلاد، مرورًا بمحاولة إيجاد أرضية مناسبة لإجراء أي حوار مع الحوثيين بهدف إحلال السلام في اليمن، التي كان يستغلها الحوثيون دائمًا للمراوغة من أجل التقاط الأنفاس والعودة للمناورة العسكرية والسياسية مرة أخرى.
في بداية إعلان الحرب، ارتكب التحالف العربي أخطاءً إستراتيجيةً، عندما تحالف مع مكون سياسي يمني واحد، وحشر أكبر الأحزاب السياسية في زاوية مع الميليشيات الحوثية، التي استغلتها الجماعة للتعبئة المحلية، مستخدمة الآلة الإعلامية الداخلية أو ما يسمى “التعبئة الحربية” واستطاع من خلالها الحوثيون إقناع الغالبية أن الولايات المتحدة الأمريكية تقاتل مع المملكة العربية السعودية، وأن أدبيات الحوثيين هي مقاتلة الأجانب (أمريكا وإسرائيل)، ويتخذون اللقاءات والتصريحات المتبادلة بين القيادات الأمريكية والسعودية أدلةً لإثبات صدق حديثهم، وهو ما ساهم في توسعهم بمناطق قبلية عدة ترفض الوجود الأجنبي.
حينما أخفق التحالف العربي في الحسم العسكري، ضغطت الدول الغربية على المملكة العربية السعودية، لإنهاء الحرب في اليمن بطريقة تحفظ ماء وجهها، لكن الحوثيين استغلوا الضغوط الدولية وبدأوا بطرح مطالب مبدئية من أجل قبول الدخول بحوار سياسي، وتلك كانت البداية الحقيقية في الصعود السياسي للحوثيين، والتحول من المقاتل إلى المحاور بعد إيجاد نقاط تفاوضية تقوي شروطه لوقف الحرب.
أول تلك الشروط، هو أن يسمح التحالف العربي لهم بنقل مرضاهم وجرحاهم من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن أو سلطنة عمان دون تفتيش الطيران أو معرفة من في داخله، عبر طيران الأمم المتحدة أو طائرات عمانية، وبعد جولات وضغوطات دولية، وافق التحالف العربي على ذلك الطلب.
استغل الحوثيون ذلك وأرسلوا نشطاءهم الحقوقيين والسياسيين وقاداتهم إلى العالم للترويج لما أسموه “مظلومية الحوثي”، وأيضًا لتهريب السفير الإيراني وقيادات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن، بالإضافة إلى أسلحة ومعدات عسكرية إيرانية.
رحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة السعودية، مقدمة بذلك تنازلات كبيرة، لكن الحوثيين رفضوا ورفعوا سقف مطالبهم بوقف كلي للحرب
ذهب الحوثيون حينها إلى مباحثات شكلية متخصصة في ملف الأسرى، وافرجوا عمن يرغبون من أفرادهم، ثم قطعوا تلك المباحثات، ورفضوا استكمالها بوضع عراقيل وخطوط حمراء تتمثل بشروط الحوثيين الذين حددوا الأسماء التي يجب التفاوض عليها، وعدم الحديث عن النشطاء والصحفيين الذين اختطفهم الحوثيون من منازلهم أو الشارع.
وحينما اشتد الضغط الدولي من أجل إنهاء الأزمة السياسية والعسكرية في اليمن، طالب الحوثيون، بفتح مطار صنعاء وتخفيف القيود المفروضة على موانئ الحديدة، من أجل الحضور لأي حوار سياسي.
وبسبب الضغوط الدولية على المملكة العربية السعودية، قدمت الرياض الإثنين 22 من مارس/آذار 2021، مبادرة بناء على مقترح الحوثيين الذين ظلوا لسنوات يتغنون بالأزمة الإنسانية التي قالوا إنها ناتجة عن إغلاق مطار صنعاء وموانئ الحديدة، ورحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة السعودية مقدمة بذلك تنازلات كبيرة، لكن الحوثيين رفضوا ورفعوا سقف مطالبهم بوقف كلي للحرب.
أسباب فشل التحالف
في بداية إعلان التحالف العربي، كان عدد الدول المشاركة فيه يقارب 10 دول عربية، لكن مع مرور الوقت، انسحب المغرب وطُرِدت قطر وأبقى الأردن ومصر مسافة بينهما وبين التحالف، وتسبّب الخلاف مع قطر بتدهور العلاقات السعودية-الإماراتية مع حزب الإصلاح اليمني، فعلى الرغم من أن الأخير فصيل محلي، فالتحالف يتهمه بالانتماء الإيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر.
في السنوات الأربعة الأخيرة لم يبق إلى جوار السعودية في تحالفها إلا دولة الإمارات، رغم ابتعادها إلى حد التناقض في بعض الأحيان عن الإستراتيجية السعودية، وفيما تواصل السعودية تقديم الدعم إلى حكومة هادي، ساهمت الإمارات في إنشاء كيان منفصل، المجلس الانتقالي الجنوبي، ليكون ذراعها العسكرية على الأرض.
فضلًا عن ذلك، اندلع نزاعٌ بين وكلاء التحالف في عدن وشبوة وسقطرى ومناطق أخرى، وتصاعدت التوترات في يوليو/تموز 2019، عندما أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن بعدما توصلت إلى تفاهمات مع الحوثيين قضت بعدم استهدافها في عملياتهم العسكرية، مقابل أن تفعل الإمارات المثل.
وعلى الرغم من إعلان الإمارات الانسحاب من اليمن، فإنها لم تترك الساحة خالية للسعوديين، بل أصبحت تعتمد على نحو 200000 جندي تابع للمجلس الانتقالي الجنوبي ووكلاء آخرين في الساحل الغربي لحماية المصالح الإماراتية وتأمين خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وهذه الخطوة أنتجت انقسامًا كبيرًا داخل القوات المناهضة للحوثيين.
وحينما جاءت الدعوات الشعبية لإعلاء مصلحة اليمن أولًا، وطالبت بأهمية المصالحة اليمنية بين حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، تدخل الكثير من قيادات الأخير الفارة في الخارج، وحرضت على رفض تلك المصالحة، مع أنها مهمة في الوقت الحاليّ لتوحيد الجهود من أجل إنهاء الحرب بعد إجبار الحوثيين على السلام.
يفترض على الحكومة اليمنية أو من يتحكمون بقرارها العسكري، أن تعلن توحيد الجهود، بل العمل على احتواء كل المكونات السياسية والعسكرية
التجاذبات داخل المكونات السياسية اليمنية المناهضة للمشروع الإيراني في اليمن، تعد أحد الأسباب، بل السبب الرئيسي في بقاء الحوثي وانتصاره في الجبهات، فالشرعية اليمنية أو من يتحكمون بقرارها العسكري، ترفض توحيد الجهود العسكرية مع قوات دربتها الإمارات، وبدء عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين لإجبارهم على الجنوح للسلم والدخول بمفاوضات سياسية.
يفترض على الحكومة اليمنية أو من يتحكمون بقرارها العسكري، أن تعلن توحيد الجهود، بل العمل على احتواء كل المكونات السياسية والعسكرية، إذا أرادت الانتصار على المشروع الإيراني في اليمن والقضاء على الحوثيين أو إجبارهم على الدخول في تفاوض سياسي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن فيما يخص اليمن، ودون ذلك سنرى خلال الأيام أو الأسابيع أو السنوات القادمة تفكك الشرعية اليمنية وإنشاء مكونات سياسية وقبلية وعسكرية محلية مناهضة للمشروع الإيراني في اليمن، وحينها سنرى خفوت نجم الشرعية التي حتمًا ستصل إلى مراحل الكهل واليأس من بقائها سواء من المجتمع الدولي أم المحلي، ولهذا لا بد أن تتدارك الوصول إلى تلك المرحلة.
السعودية تتودد
الصاعقة الكبيرة، أنه وبعد سبع سنوات من الحرب، تبدو الأمور متغيرة، فالدولة التي تقود 10 دول أخرى في تحالف عربي وكانت تضع الشروط على الحوثيين، أصبحت اليوم تتودد لهم، والحوثيون هم من يضعون الشروط والملاحظات.
أعلنت المملكة العربية السعودية مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن، لكن عبد الملك الحوثي اشترط على التحالف العربي والحكومة اليمنية، أن يعلنوا ويعترفوا بفشلهم ويثبتون ذلك قبل أن يكون هناك أي حديث للسلام، وهو ما يوضح أن الأمور تغيرت بشكل كامل أو أن الحوثيين يستغلون التودد والضعف السعودي الناتج عن الضغوط الدولية لإنهاء الحرب في اليمن.
كانت الكارثة الكبيرة في الفضائيات التابعة للمملكة العربية السعودية التي اجتزت كلمة من متحدث الحوثيين محمد عبد السلام، الذي تحدث أن جماعته على استعداد بأن تفتح علاقة مع السعودية في حال قبلت الملاحظات التي أوصلها عبر الوسيط العماني، والاحتفال بتلك التصريحات، أن هناك ردود إيجابية من الحوثيين، لكنها لم تنقل حديثه لقناة الميادين بشكل كامل، الذي تعهد فيه بمواصلة قصف عملاق النفط السعودي “أرامكو”، حتى تخضع السعودية للشروط الحوثية.
خلاصة
إذا أرادت المملكة العربية السعودية نجاح العاصفة التي أعلنتها، لا بد أن ترعى مصالحة وطنية يمنية بين مختلف المكونات السياسية المناهضة للمشروع الإيراني في اليمن، والعمل بنية صادقة وحاسمة لإنهاء الحرب في اليمن إما سياسيًا وإما عسكريًا.
ولا بد أن تحدد المملكة العربية السعودية لمبادرتها سقفًا زمنيًا، لرد الحوثي عليها بالرفض أو القبول، وفي حال وافق الحوثيون على المبادرة السعودية يتم مراقبة ردودهم على الأرض وسياسيًا، أما في حال رفضهم لها، لا بد أن تعمل على الضغط عسكريًا وسياسيًا بدعم دولي والتخلي عن اتفاق ستوكهولم وتحريك الجبهات للضغط عسكريًا على الجماعة للقبول بالحلول السياسية، فالمبادرات التي تقدمها السعودية هي هدية انتصار تقدمها للحوثي وإيران.