ترجمة وتحرير: نون بوست
مع بلوغ الحرب الأهلية في اليمن عامها السادس، لا يزال القتال العنيف مستمرًا على عدة جبهات، سواء داخل البلاد أو على حدودها مع المملكة العربية السعودية. ولم ينجح أي اتفاق سلام في وقف الصراع، ليسقط المزيد من القتلى كل يوم.
في ظل غياب أي تطورات ملحوظة في الوضع العسكري أو السياسي أو الإنساني، اضطُرّ الناس إلى التكيف مع الظروف الجديدة التي تطغى عليها المعاناة والكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة. وفيما يلي، بعض الأمثلة الواقعية عن كيفية تغير حياة المواطنين اليمنيين.
استخدام السيارات القديمة بدلا من الحافلات وسيارات الأجرة
اعتاد الناس على التنقل داخل المقاطعات وفيما بينها باستخدام الحافلات الصغيرة أو الحافلات العادية أو سيارات الأجرة، لكن استخدام هذه المركبات أصبح مستحيلا الآن في العديد من المقاطعات، حيث تسبب القتال في إغلاق الطرق الرئيسية، ولم تعد سوى الطرق الجبلية مُتاحةً.
يشرح حامد غالب (23 سنة) من سكان مدينة تعز التغييرات التي طرأت على طرق التنقل. وقال حامد “في سنة 2015، وصل القتال إلى الحي الذي أعيش فيه في مدينة تعز، لذلك اضطررت إلى النزوح إلى قريتي الأصلية في محافظة إب. ولاحقا في سنة 2016، عدت إلى مدينة تعز عبر طريق جبلي وعر خطير لأنه لم يكن لدي عمل في إب وإنما كنت أعمل في مدينة تعز”.
أضاف حامد “ظننت أن سلك ذلك الطريق سيكون مؤقتًا خلال تلك الفترة، لكنه أصبح الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة تعز والمحافظات الشمالية. قبل الحرب، كنت أسافر على متن الحافلات المريحة من مدينة تعز إلى محافظة إب، ولكن الآن لا يمكن قيادتها على طول هذا الطريق الجبلي الضيق ولا يمكن سوى للسيارات القديمة الذهاب إلى هناك، وغالبا ما تسقط السيارات من تلك الجبال. سقط الكثير من الضحايا من تلك الطرق خلال السنوات الست الماضية”.
وتابع حامد “يمكن للسيارات العصرية والمرتفعة عن سطح الأرض التنقل في تلك الطرق الجبلية، ولكن لا يمكننا تحمل تكاليفها لأنها مِلك للشركات الخاصة التي تطلب حوالي 300 دولار للرحلة. لهذا السبب، يستخدم الأشخاص العاديون السيارات القديمة للتنقل”.
أشار حامد إلى أن “التنقل ينطوي على الكثير من المشقة والعناء حاليًا، إذ يستغرق السفر من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان حوالي ثلاث ساعات مقارنة بالسابق، حيث كانت الرحلة تستغرق 10 دقائق فقط سواء بالحافلة أو سيارة الأجرة. كما كانت تكلفة الرحلة لا تتجاوز 100 ريال يمني (أي 0.16 دولار) ولكنها أصبحت الآن تبلغ حوالي خمسة آلاف ريال يمني (أي 8.33 دولار)”.
وأكد حامد “كنت أزور عائلتي في القرية كل شهر لأن السفر كان ممتعا ولم يكن يكلفني الكثير من المال، ولكنني لم أزرهم منذ سنوات. فقد أصبح الوضع الآن خطيرا ومطوّلا ومتعبا. ولم أعد أستطيع زيارة عائلتي في العيد حتى” مضيفا أن “الكثير من الناس في مدينة تعز لا يستطيعون زيارة عائلاتهم خارج المدينة بسبب الطرق الوعرة وأنا واحد منهم، لذلك نأمل أن تنتهي الحرب ونتمكن من استخدام الطرق الرئيسية كما في السابق”.
المساعدات الإنسانية بدلا من الوظائف
يعمل عبد الجليل ناجي (45 سنة) خبازا منذ عقود، ولكنه مؤخرًا أصبح عاجزا عن إعالة أسرته. ونتيجة لذلك، بات ناجي مثل العديد من اليمنيين يعتمد على المساعدات الإنسانية. يقول ناجي “قبل الحرب، كان دخلي كافيا لإعالة أفراد عائلتي ولم أكن بحاجة إلى أي مساعدة من أي شخص، ولكن الآن أصبحت فرص العمل قليلة وحتى عندما أعمل يكون الدخل قليلا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب، كما أن الأسعار ترتفع كل يوم”.
وذكر ناجي أن “الدخل لم يكن يكفي لشراء المنتجات الأساسية لعائلتي، وأنا حقًا أعتمد على المنظمات لمساعدتي في توفير المواد الغذائية. ولولا هذه المساعدة التي أتلقاها، لما تمكنت عائلتي من الحصول على ما يكفي من الطعام والخدمات الأساسية الأخرى”.
وتابع ناجي حديثه قائلا “قبل الحرب، كنا نبيع عشر أرغفة خبز مقابل 100 ريال يمني (0.16 دولار) ولكن أصبح سعرها الآن ثلاثة ريالات فقط (0.005 دولار أمريكي). أما العائلات التي لديها أطفال، فلا يمكنها شراء الخبز لأفراد أسرها كما هو الحال بالنسبة لمعظمهم في ظل فقدان معيليهم وظائفهم ونادرا ما يملكون عملا مثلي”.
أشار ناجي إلى أن “الطلب على الخبز انخفض بعد الحرب إذ لم يعد لدى الناس المال الكافي لشراء الخبز من السوق، وكانت المنظمات تساعدهم من خلال مدّهم بالقمح، لذلك باتوا يطبخون في منازلهم ولم يعودوا بحاجة إلى شراء الخبز”.
وأضاف ناجي أن “المنظمات تلعب دورا رئيسيا في التخفيف من معاناة اليمنيين ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، لكن بالتأكيد عندما نعمل ونعيل عائلاتنا من الدخل الذي نكسبه، فإن هذا يختلف عن الاعتماد على المساعدات. جاءت المنظمات لمساعدتنا فقط للبقاء على قيد الحياة، ونأمل أن نتمكن من استئناف حياتنا كما كانت قبل الحرب والعثور على وظائف جيدة لتوفير ما يكفي من الطعام لعائلاتنا وبناء مستقبل جيد لأطفالنا”.
العمل بدلا من الدراسة
كان ماجد محمد (البالغ من العمر حاليا 16 سنة) يبلغ من العمر 10 سنوات فقط عندما اندلعت الحرب في اليمن.كان يُزاول تعليمه في المدرسة ولكن على إثر اندلاع الحرب، أُجبر على الانقطاع عن الدراسة والذهاب إلى العمل بدلا من ذلك.
يقول محمد “كنت في الصف الابتدائي الرابع عندما اندلعت الحرب في مدينة تعز، وكنت أذهب إلى المدرسة رفقة أشقائي الأربعة، لكن بعد ذلك أُغلقت المدارس في كل مكان واضطررنا إلى الهرب من منازلنا. كنت آمل إكمال دراستي وأن أصبح مهندسا، ولكن منذ سنة 2015 ونحن نكافح من أجل البقاء”.
وتابع كلامه: “عانى والدي من الصدمات النفسية ولم يكن هناك من يمدنا بالطعام والاحتياجات الأخرى، فبدأت أنا وإخوتي العمل في السوق لشراء الطعام لعائلتنا. من الصعب أن تنظر لوالدتك وإخوتك وهم جياع دون القدرة على مساعدتهم، فالدراسة ليست أهم من الطعام. لذلك نعمل الآن في نقل البضائع في السوق، أو مع البنائين، أو في أي عمل متاح. إن العمل شاق، ولكن علينا القيام به وإلا لن نجد ما يكفي من الطعام. بالطبع لم يكن حلمي أن أقوم بعمل مجهد كهذا، لكن لا خيار أمامي”.
ذكر هذا المراهق “هذه الأيام، ألمح زملائي السابقين في طريقهم إلى المدرسة صباحا، بينما تكون وجهتي نحو السوق. كل يوم، أغادر منزلي مع إخوتي في الصباح الباكر. أعتقد أنه من الصعب استئناف الدراسة بعد ست سنوات، لكننا ندعم تعليم شقيقنا الأصغر، وهو الوحيد في الأسرة الذي يرتاد المدرسة الآن. لا أحد يرغب في ترك المدرسة، لكن الكثيرين وجدوا أنفسهم بحكم الأمر الواقع مجبرين على ترك مقاعد الدراسة والعمل للتخفيف من معاناة أسرهم”.
العيش في الخيام بدلا من البيوت
اعتادت صفية سعيد، وهي أم لأربعة أطفال، العيش في منزلها، لكنها الآن تحتمي في خيمة بعد الفرار من مواقع القتال. قالت صفيّة سعيد إن “الأمن والطعام أصبحا أولوياتنا القصوى، وقد هربنا من منازلنا بحثًا عنهما، حتى لو انتهى بنا الأمر تحت أغطية بلاستيكية لا تقينا من المطر أو البرد”.
أكدت سعيد أنه “قبل الحرب، كنا نتمتع بحياة ميسورة في منزلنا بالقرب من عائلتي وأقاربي وجيراننا الذين نشأنا معهم، لكننا الآن نعيش في خيام مع أشخاص جدد، التقيت معظمهم لأول مرة في هذا المخيم. كان منزلنا يتألف من عدة غرف، أما الآن فيتشارك جميع أفراد الأسرة هذه الخيمة الصغيرة. لا يمكن أن تضاهي هذه الخيمة منزلنا بأي شكل من الأشكال، لكن الحرب أجبرتنا على العيش هنا”.
وتابعت حديثها: “لقد حرمتنا هذه الحرب من كل شيء، بما في ذلك المأوى الآمن، وغيرت حياتنا من سيء إلى أسوأ. لم نكن لنظن أبدا أننا سنأوي إلى الخيام، لكن هذا هو الحال. لا يوجد في هذه الخيمة مطبخ ولا حمامات ولا أبواب، ولا شيء صالح هنا. وأنا أرملة مريضة وأكافح لمساعدة أطفالي والحصول على العلاج. يصعب على أشخاص مثلي التمكن من استئجار منزل، إلا أنه يصعب علينا العيش في مثل هذه المخيمات أيضًا”.
استخدام الحطب بدلا من الغاز
في الثلاثينيات من عمرها، اعتادت أم لأربعة أطفال تدعى نجود سالم أن تطهو على الموقد باستخدام أسطوانات الغاز، لكن ذلك كان قبل أن تصبح مكلفة للغاية بالنسبة للعديد من اليمنيين في أعقاب سنة 2015.
تتذكر سالم: “قبل الحرب، كان سعر اسطوانات الغاز رخيصًا وكان لدينا دخل لدفع سعرها. أما الآن، فلا يوجد دخل منتظم للعائلة وأصبحت أسطوانات الغاز متوفرة في السوق السوداء فقط وبأسعار مرتفعة تصل إلى حوالي 8 آلاف ريال يمني [ما يعادل 13.33 دولارًا]”.
قالت سالم “لم يعد بإمكاننا تحمل تكلفة الغاز ولا أذكر آخر مرة قمت فيها بالطهي باستخدامه. أظن أن آخر مرة كانت قبل سنة 2015، ثم توجب علينا بيع الأسطوانة الفارغة لشراء الطعام. يقتصر جل اهتمامنا الآن على توفير ما يكفي من الطعام، والذي دائما ما نقوم بطهيه باستخدام الحطب والصناديق الكرتونية التي نجمعها من الشوارع.
أكدت سالم أنهم يعانون “حتى للحصول على الحطب. فقد اعتدنا جمعه من المناطق المحيطة بلا مقابل، لكننا نشتريه الآن لأن الكثير من الناس يستخدمونه للطهي مما خلق طلبا عليه. لا شيء مجاني في هذه البلاد، علينا أن ندفع مقابل كل شيء. في هذا المخيم، جميعنا نازحون تركنا منازلنا وأتينا إلى هنا للحفاظ على حياتنا. إن رحلة الحصول على الطعام شاقة، بدءًا من تلقيه من المنظمات أو الأناس الكرماء، ثم الحصول على المياه النظيفة، إلى إيجاد الحطب لطهيه. حاليا، لم يعد استئناف الحياة الطبيعية واستخدام أسطوانات الغاز كما سبق سوى مجرد حلم. ولا أعتقد أنه حلم يمكن تحقيقه، لأن كل سنة تمر تكون أسوأ من سابقتها”.
استخدام الطاقة الشمسية بدلا من الكهرباء
قبل اندلاع الحرب، لم يكن معظم اليمنيين على دراية بالطاقة الشمسية، إلا أنها أصبحت المصدر الرئيسي للإنارة بعد ذلك. يوضح مجاهد عبد الله هذا التغيير، قائلا: “قبل سنة 2015، لم نسمع عن الطاقة الشمسية قط، لكن تلك السنة شهدت انقطاع الكهرباء، وغرِقت معظم المحافظات في الظلام. في تلك الفترة، ظهرت الطاقة الشمسية كحل مؤقت وبدأنا استخدامها لإضاءة منازلنا وشحن الهواتف والأمور الأساسية الأخرى”.
في وقت لاحق، “قمنا بشراء أجهزة تلفزيون تعمل من خلال الطاقة الشمسية، وخطوة بخطوة، أصبحت الطاقة الشمسية بديلاً دائمًا للكهرباء التي لم يعد لها وجود منذ سنة 2015. صحيح أنه يوجد مولدات خاصة تبيع الكهرباء للسكان، لكنها مكلفة ولا يستطيع الكثير من الناس تحمل ذلك”.
يقول عبد الله إنه “قبل الحرب، كنا نستخدم الغسالات والثلاجات والآلات الإلكترونية الأخرى. أما الآن، فلا يمكننا فعل ذلك باستخدام الطاقة الشمسية فقط، التي نستخدمها بشكل أساسي للإضاءة فحسب. هذه الأيام، بات الكثير من الناس يعتمدون كليًا على الطاقة الشمسية، التي تعود بفائدة حقيقية، إلا أنها لا ينبغي أن تكون بديلاً للكهرباء. لا شك أننا نفتقد الكهرباء ونأمل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها”.
المصدر: ميدل إيست آي