بينما كانت الأحزاب والمنظمات الوطنية بتونس، تنتظر إعلان الرئيس قيس سعيد موعد انطلاق حوار وطني يجمع مختلف الأطراف في البلاد لحلحلة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في تونس، اختار سعيد مجددًا أن يسبح عكس التيار ويعمق الأزمة برمي مقترح اتحاد الشغل جانبًا والدعوة لمؤتمر شبابي “ضبابي” وفق العديد من المتابعين.
مؤتمر يقول بعض السياسيين إن هدفه انتخابي وليس بحث حل لأزمات تونس، فيما يقول آخرون إن سعيد يسير على خطى بورقيبة وبن علي – رؤساء تونس السابقين – في استغلالهم الشباب لتسجيل نقاط ضد منافسيهم.
حوار شبابي
خلال لقاء جمعه بوزير المالية المقال من الحكومة نزار يعيش، كشف رئيس تونس استعداد رئاسة الجمهورية للإشراف على تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة، بما يُمكن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلي نحو الوطني.
وفق سعيد، فإن الأمر يتعلق بتصور اقتصادي واجتماعي، ينبع من إرادة الشعب، وعلى ضرورة توافر الإرادة الصادقة لاتخاذ قرارات جريئة للخروج سريعًا من هذه الأزمة، والانطلاق نحو أفق أرحب ومستقبل أفضل، يجني ثماره الجميع.
يرى العديد من التونسيين أن الرئيس سعيد من خلال دعوته الأخيرة لحوار شبابي يواصل استغلال الشباب لتسجيل نقاط سياسية ضد خصومه
أضاف سعيد “الاختيارات واضحة اليوم، إما أن نكون مع الشعب وإما نكون ضده، وأقولها للتونسيين، لا أقبل أبدًا بالمناورات، ولن أدخل في حساباتهم المعهودة، السياسة ليست مآدب ولا تحالفات ظرفية، السياسة قيم وتعبير عن إرادة الأغلبية، والأغلبية اليوم مسحوقة، وهؤلاء الذين سحقوها، ما زالوا مصرين على الاختيارات التي أثبت التاريخ فشلها، لا تعنيني الأموال، لكني لست زاهدًا في الدولة”.
بهذه الدعوة، يتجاوز سعيد أجهزة الدولة والهياكل المنتخبة من أحزاب وسياسيين وأيضًا تجاوز منظمات المجتمع المدني والمنظمات الوطنية والانطلاق من القاعدة إلى القمة أي من المحلي إلى المركزي.
التنكر لاتحاد الشغل
هذه المبادرة جاءت في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية بتونس تنتظر ردًا من قيس سعيد على المبادرة التي تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) منذ أشهر لوضع حل لأزمات البلاد المتعددة.
وسبق أن أعلن الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مبادرة لإطلاق حوار سياسي واجتماعي واقتصادي شامل، قدمها لرئيس الجمهورية، من أهم بنودها إرساء “هيئة حكماء” تقودها شخصيات وطنية مستقلة، للخروج من الأزمة، إلا أن الرئيس لزم الصمت إزاء هذه المبادرة، قبل أن يعبر عن قبولها المشروط ومن ثم تجاوزها وإعلان مبادرته الخاصة.
هذا الأمر مثل خيبة أمل كبيرة لقيادات اتحاد الشغل، حتى إنهم اعتبروا الاتحاد غير معني بمبادرة الحوار الوطني التي اقترحها سعيد، حيث قال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري: “نحن غير معنيين بمبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد إذا كانت بديلًا عن مبادرة منظمة الشغيلة”.
أوضح الطاهري، في تصريحات إعلامية، أمس الجمعة، أن الاتحاد سيتقدم قريبًا بمبادرة جديدة للحوار الوطني “بعد انتهاء حالة الانتظار مع رئيس الجمهورية قيس سعيد بشأن المبادرة الأولى. وسيتوجه بالمبادرة الجديدة لطيف سياسي واجتماعي معين بشأن كيفية إنقاذ تونس، بعيدًا عن المهاترات التي أدت إلى الأزمة الحاليّة”.
وأكد القيادي في الاتحاد أن ما قام به سعيد “غير لائق وليس فيه احترام لهيبة الدولة ورئاسة الجمهورية وكل الشركاء الاجتماعيين”، معتبرًا أن “الرئيس أهدر على تونس نحو أربعة أشهر ودفعها إلى حافة الهاوية”، حسب تعبيره، وأوضح الطاهري “كما أعطينا قيمة لرئيس الجمهورية وقدمنا له مبادرتنا ولم نسلمها لأحد آخر، كان من المفروض على الأقل أن يعلمنا بأنه تراجع عن مبادرتنا وغير رأيه”، مشددًا على أن الرئيس “خرق الأعراف”، حسب رأيه.
استغلال الشباب
إلى جانب ذلك، يرى العديد من التونسيين أن الرئيس سعيد من خلال دعوته الأخيرة لحوار شبابي يواصل استغلال الشباب لتسجيل نقاط سياسية ضد خصومه في الوقت الذي تعرف فيه البلاد أزمات خانقة في معظم المجالات.
يقول الباحث التونسي عامر الحاجي: “قيس سعيد صعد إلى سدة الرئاسة بفضل أصوات مئات الآلاف من الشباب الحالمين الذين صدقوا شعاراته المناهضة لمنهجية وأسلوب حكم قائم على إقصاء الطبقة الشابة من إدارة الدولة بل حتى من برامجها التنموية، فالشباب مجرد أرقام في دفاتر الدولة ومجرد شعارات رنانة على أفواه السياسيين”.
يضيف الحاجي في حديثه لنون بوست “كان سعيد يدرك هذا الأمر جيدًا وهو الذي قضى ثلاثين سنة من التدريس بصفة مساعد على علاقة مباشرة بآلاف الطلبة، وبذلك صاغ خطابًا سياسيًا مختلفًا عن منافسيه تمكن من خلاله من ترويض أصابع الشباب لتختلط بالحبر الأزرق وتبصم أمام اسمه، فكان رئيسًا”.
سعيد يسعى إلى ترذيل النظام السياسي والدستور والأحزاب والمنظمات الوطنية أمام عموم التونسيين
يستدرك محدثنا قائلًا: “لكن الرئيس قيس سعيد منذ أكثر من سنة بقي في نفس خطاب الحملة الانتخابية ولم يتجاوزه، فنفس الشعارات والمقولات عن أهمية الشباب تتكرر، لكن على أرض الواقع كان فعله مناقضًا تمامًا”.
استمر سعيد في تسفيه أحلام الشباب بل قام بترذيلها، وفق عامر الحاجي، فقد صدر لنا في الساحات الإعلامية أسوأ نماذج شباب تونس كناطق باسم الرئاسة في الإعلام شاب فاشل دراسيًا ويشتغل تحت الطلب دون أفكار أو أطروحات.
يتابع الحاجي “لم نر الرئيس يستقبل يومًا نخبًا شبابية فكرية، ولم نره يقدم برنامجًا ولا طرحًا لإنقاذ الفئة الشابة ولم نره يومًا يعين منهم في ديوانه ولا في السفارات التونسية ولا حتى يثمن مجهودات المتميزين منهم”.
ويؤكد الباحث التونسي أن قيس سعيد استغل الشباب وعمل على توظيفهم في سياق سياسي مليء بالصراعات السياسوية، وهو مستمر في ذلك ما يجعل ثقة الشباب فيه تتراجع، وكأن الهوة بينهم تزداد يومًا بعد يوم ما سيفضي إلى خسارة الرئيس رصيده الشبابي قبل انتهاء العهدة إن واصل على هذا المنوال.
النهج على خطى بورقيبة وبن علي
يرى العديد من السياسيين أن قيس سعيد يتبع نفس نهج الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في استغلال الشباب لتسجيل نقاط سياسية ورفع مكانته في صفوف هذه الفئة المهمة، حيث سبق لكلا الرئيسين اللعب على هذا الوتر.
في هذا الشأن قال النائب في البرلمان صافي سعيد في حوار تليفزيوني ليلة أمس الجمعة: “كل ديكتاتوريي العالم يشتغلون بالشباب، على غرار بورقيبة”، وأضاف “بن علي كذلك عمل حوارًا للشباب وفي السنة التي كان من المنتظر أن تخرج التوصيات سقط النظام”.
تابع “هذه حوارات مغشوشة، وهذا كلام انتخابي.. يوجد حوار واحد وهو الحوار الإستراتيجي يكون فيه كل الفئات وكل الاختصاصات والمجالات الداخلية والخارجية، الباقي كلها أكاذيب مغشوشة وهي عبارة عن حروب صغيرة”.
وأوضح النائب التونسي أن الشباب يريد المشاريع والعمل والحرية والمساواة والحياة الكريمة وليس مجرد شعارات، وأضاف “كيف ندعي خدمة شباب الأرياف والفلاحين ونجلب لذلك برجوازيًا (في إشارة لوزير المالية السابق نزار يعيش) لا يعرف مشاكلهم”.
واعتبر صافي سعيد أن المبادرة الرئاسية تتنزل في إطار المناورات، حيث قال: “عنده مجلس الأمن القومي وله أن يضع السياسات والبرامج التي يمكن لها أن تضع حلولًا لأزمات تونس، إلا أن سعيد رفض تفعيله”.
بدوره أكد عامر الحاجي أنه لا ينتظر من قيس سعيد الذي فشل طيلة ثلاثين سنة في الارتقاء من رتبة مساعد بالجامعة التونسية، أن تكون له حلول وبرامج لشباب تونس الحالم، فهو مجرد أستاذ جامعي بسيط يبيع الأوهام لشباب سرعان ما سيدرك أنه مجرد تاجر أحلام وشعارات.
أضاف “الرئيس يرفض كل الحلول الممكنة لإنقاذ البلاد وتجاوز الأزمة السياسية الخانقة، فقد رفض وساطات عديدة ورفض مبادرات الاتحاد والبرلمان والحكومة ويرفض أداء اليمين لكل مسؤول تعينه الحكومة، إنه رئيس العقبات لا الحلول”.
وأكد محدثنا قائلًا: “سعيد يسعى إلى ترذيل النظام السياسي والدستور والأحزاب والمنظمات الوطنية أمام عموم التونسيين – الذين أصبحوا على وعي شديد بألاعيب الرئيس – حتى يتسنى له في النهاية إرساء النظام الرئاسي والاستفراد بالسلطة وبناء ديكتاتورية من كوكب آخر لا توجد إلا في أحلام السيد الرئيس”.