ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبح حادث جنوح سفينة الحاويات الضخمة في قناة السويس واحدا من أكبر الأزمات الدولية خلال سبع سنوات من حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما جلب له تدقيقا غير مرحب به في مشروع بكلفة مليارات الدولارات نفذه لتوسعة القناة.
وكانت حكومة السيسي في 2015 قد افتتحت القناة بعد أشغال التوسعة، معلنة أن هذه الخطوة تمثل “نهضة مصر”. وكان مشروع قناة السويس الجديدة الذي كلف 8.5 مليار دولار يهدف لمساعدة البلاد على طي الصفحة نهائيا على التغيرات التي أحدثها الربيع العربي وحدث إمساك الجيش بالسلطة وإيصال السيسي للحكم. وكانت الحكومة تأمل أن هذا المشروع سوف يعزز حركة الملاحة ويجلب مداخيل إضافية، إلى جانب تعزيز صورة السيسي أمام العالم.
ولكن في الواقع لم تتحقق أي انتعاشة في مداخيل القناة، واليوم بات هذا الممر المائي، الذي يعتبر واحدا من أكثر طرق الشحن كثافة، في قلب أزمة عرقلة سلاسل التزويد في العالم، بعد أن جنحت في يوم الثلاثاء سفينة الشحن العملاقة “إيفير غرين” التي يبلغ طولها 400 مترا.
وتقبع الآن حوالي 300 سفينة في خط الانتظار على جانبي القناة، فيما تواجه شركات الشحن والتأمين خسائر بمليارات الدولارات.
وكنتيجة لذلك فإن السيسي وجد نفسه تحت ضغوط هائلة لإعادة فتح القناة في أسرع وقت ممكن، أو المخاطرة بمستقبل الملاحة البحرية في مصر، باعتبار أن انخفاض أسعار النفط يجعل الذهاب في رحلة طويلة عبر سواحل جنوب أفريقيا أمرا أقل كلفة.
ويقول أحمد درويش، الوزير السابق والرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تحت حكم السيسي: “يجب إظهار أننا نتميز بالفاعلية، وقادرون على تولي هذا الأمر. أعتقد أن الضرر الحقيقي يتعلق بالتسويق أكثر من الخسائر المالية الحقيقية.”
ولا يزال المحققون المصريون يعملون على تحديد السبب الذي أدى لجنوح السفينة، وقد أشار المسؤولون المصريون في البداية إلى أن السبب هو الطقس السيء، ولكنهم أعلنوا في يوم الخميس أن التحقيق لا يزال جاريا.
ويحذر خبراء الشحن البحري من أن الأمر قد يستغرق أياما أو ربما أسابيع، قبل استئناف حركة المرور في القناة بشكل طبيعي.
أما السيسي فإنه لم يدل بأي تصريح علني حول انسداد القناة، وبقي في أغلب الأوقات بعيدا عن الأنظار خلال هذه الأزمة.
وتأتي أزمة قناة السويس الحالية على إثر سلسلة من كوارث النقل الاخرى التي حدثت في عهد عبد الفتاح السيسي. ففي العام 2015 كان تنظيم الدولة قد أسقط طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء، ما أودى بحياة 224 شخصا. وفي 2016 تحطمت طائرة الخطوط المصرية في البحر الأبيض المتوسط ولقي 66 راكبا على متنها مصرعهم. وفي 2019 شهدت مصر حادث قطار تسبب باندلاع حريق أودى بحياة أكثر من 20 شخصا في محطة في وسط القاهرة. وفي يوم الجمعة الماضي وقع حادث تصادم آخر بين قطارين في جنوب البلاد، أدى لسقوط ما لا يقل عن 32 قتيلا وجرح العشرات بحسب ما أعلنته وكالة أسوشيتد بريس.
وتمثل أزمة انسداد القناة حاليا نوعا جديدا من التحديات يواجهه السيسي، منذ أن بات مهتما جدا بصورة مصر (وصورته هو الآن) أمام العالم.
وكان هذا الجنرال السابق قد وضع عملية توسعة القناة، التي قادها الجيش، في قلب برنامجه الاقتصادي. حيث أنه سعى لرفع الروح الوطنية من خلال الاحتفالات التي تضمنت زيارات رؤساء دول، واستعراضات جوية قامت بها طائرات مقاتلة.
مقطع يظهر جهود تحرير سفينة الشحن البالغ طولها 400 مترا التي تغلق قناة السويس، وهو ما أدى لتعطيل مرور قرابة 200 سفينة أخرى. وقد حذر خبراء الشحن من أن استئناف حركة الملاحة عبر القناة قد يستغرق أياما إن لم تكن أسابيع.
كما تعهدت الحكومة حينها بأن هذا المشروع سيدر عوائد استثمار ضخمة. وفي 2015 كان الرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس قد أعلن أن مشروع التوسعة سوف يرفع المداخيل إلى أكثر من الضعف، وبالتحديد من 5 مليار دولار سنويا إلى أكثر من 13 مليار بحلول العام 2023.
ولكن في الواقع كانت الدراسات الداخلية التي أجرتها الحكومة المصرية في ذلك الوقت قد توقعت عوائد متواضعة على الاستثمار في هذا المشروع، وهو ما تحدث عنه تقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال.
وتمثل مداخيل القناة حوالي 1.5 بالمائة فقط من الإنتاج الاقتصادي الجملي في مصر، ولكنها مصدر هام للعملة الأجنبية بالنسبة لهذا البلد الذي يعاني من عجز كبير في الميزان التجاري.
ومنذ توسعة القناة تزايدت المداخيل، ولكنها لم تقترب أبدا من نسبة الزيادة التي توقعتها الحكومة. وكانت مصر قد حصدت 5.6 مليار دولار من القناة خلال العام الماضي، وهو ما يمثل انخفاضا عن 5.8 مليار التي حصدتها خلال 2019، باعتبار أن التجارة العالمية شهدت تباطؤا خلال أزمة فيروس كورونا.
وهنالك تفسير آخر لهذه الأرقام، يحذر من أن المنافسة بين الممرات المائية في العالم أدى لتقويض المكانة المربحة التي كانت القناة تحظى بها في التجارة الدولية. كما أن انخفاض أسعار النفط أدى لتراجع كلفة النقل البحري عبر الطريق الأطول التي تمر قبالة جنوب أفريقيا. وقد أدى الاحتباس الحراري إلى فتح الطريق في بحر القطب الشمالي، ولذلك يحذر بعض الخبراء من أن مصر في المستقبل لن تحصل أبدا على نفس المداخيل كما كان الأمر في الماضي.
ويقول يزيد صايغ، الباحث في مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط ومؤلف العديد من التقارير حول الاقتصاد المصري: “في اللحظة التي تنخفض فيها أسعار النفط، أي شخص بإمكانه الانتظار لأسبوع إضافي سيفضل الذهاب عبر جنوب أفريقيا والاستفادة من النفط الرخيص. وأفضل شيء يمكن لمصر القيام به هو أن تخفض هي أيضا من كلفة المرور عبر القناة لمعادلة الكلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن تراجع مداخيل قناة السويس سوف يفاقم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، ومنها تفشي الوباء الذي أجبر كثيرين من المصريين إلى العودة للبلاد وترك وظائفهم في دول الخليج، بعد أن كانوا يرسلون الأموال من هناك. كما أن انهيار السياحة يزيد من الضغوط المسلطة على الاقتصاد المتهالك.
وينبه ميشيل دون، الخبير في الشؤون المصرية والمختص السابق في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن “مصر قد تعاني بشكل كبير من التغيرات في أنماط التجارة الدولية.”
وكان مشروع قناة السويس الجديدة يهدف لاستيعاب المزيد من السفن، التي تنقل النفط والملابس والأجهزة الإلكترونية وباقي السلع، بين أوروبا وآسيا. وقد تضمن المشروع توسعة أجزاء في القناة وحفر ممر ثان على امتداد الجزء الشمالي منها بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة المرة الكبرى، وهي حوض مائي يربط بين جزئي القناة.
ولكن سفينة إيفير غيفن جنحت في الجزء الجنوبي من القناة، الذي لا يتوفر فيه حاليا إلا ممر واحد. ولم تقم الحكومة المصرية بحفر ممر ثان في هذا الجزء الجنوبي من القناة أثناء مشروع التوسعة، لأنها قررت أن هذا الأمر لا يستحق الأموال الإضافية التي سيتم استثمارها، وذلك بحسب ما صرح به أحمد درويش، الرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
إذ أن عوائد الاستثمار في مشروع التوسعة في 2014 كانت ستستغرق سنوات لتعويض ما تم صرفه، ولذلك فإن المسؤولين قرروا القيام باستثمار محدود، وترك بعض التحسينات الأخرى للمستقبل، حيث أعلن أحمد درويش في ذلك الوقت أنه لا يوجد عائد على الاستثمار في إنجاز ممر ثان في الجزء الجنوبي من القناة.
المصدر: وول ستريت جورنال