وقعت إيران والصين يوم السبت الموافق 27 من مارس/آذار 2021، اتفاق تعاون إستراتيجي مدته 25 عامًا، يعالج القضايا الاقتصادية وسط عقوبات أمريكية قصوى على إيران، تغطي الاتفاقية التي أطلق عليها اسم “الشراكة الإستراتيجية الشاملة” مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية، من النفط والتعدين إلى تعزيز النشاط الصناعي في إيران، فضلًا عن التعاون في مجال النقل والزراعة، ولم يتم كشف تفاصيل إضافية عن الاتفاقية بالكامل، وشارك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الصيني وانغ يي في حفل توقيع الشراكة.
تشكل هذه الصفقة المرة الأولى التي توقع فيها إيران على اتفاق طويل الأمد مع قوة دولية كبرى، ففي عام 2001، وقعت إيران وروسيا اتفاقية تعاون مدتها 10 سنوات، خاصة في المجال النووي، تم تمديدها إلى 20 عامًا، عبر تمديدين لمدة خمس سنوات، وقبيل توقيع الشراكة، التقى وزير الخارجية الصيني بالرئيس الإيراني حسن روحاني وعلي لاريجاني – المسؤول الإيراني عن هذه الصفقة -.
وصف سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الاتفاق بأنه “عميق ومتعدد المستويات وشامل”، وفي هذا الإطار تجدر الإشار إلى أن الاتفاق بدأ النقاش بشأنه في أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في يناير/ كانون الثاني 2016، كما تأتي عملية التوقيع عليه، متوافقةً مع الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيران.
الاقتصاد المؤمن هو ركيزة الشراكة
ترتبط الدولتان بعلاقات وثيقة جدًا، وشاركتا في مناورات بحرية مشتركة في ديسمبر/كانون الأول 2019، مع روسيا في شمال المحيط الهندي، إذ حققت إيران والصين تبادلات تجارية وصلت إلى 20 مليار دولار في الآونة الأخيرة، وهذا أقل مما يقرب من 52 مليار دولار عام 2014، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الأمريكية المفروضة منذ مايو/آيار 2018.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادي لهذه الشراكة أيضًا، تتحدث المصادر عن أن الصين ستستثمر نحو 400 مليار دولار في إيران، مقابل تصدير النفط كجزء من الصفقة، إلى جانب تعزيز التعاون العسكري والأمني، من خلال التدريب والبحوث والتنسيق المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
في الوقت الذي تطمح إدارة بايدن في تشكيل إجماع دولي بالضد من إيران، فإن الحاجة الإيرانية تتشكل عبر ضرورة إعادة ضبط مسار الاستدارة الإستراتيجية نحو الصين
وفضلًا عما تقدم، يستهدف البعد الاقتصادي لهذه الشراكة، تثبيت ركائز مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي يستهدف تسهيل المهمة الصينية في تعزيز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا، وفي مقابل ذلك، تسعى إيران لتشكيل مصدة إستراتيجية تكون قادرة على إيقاف عجلة التصعيد الأمريكي ضدها، عبر مزيد من العلاقات الوثيقة مع الصين.
وفي هذا المجال، أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني قبيل توقيع الشراكة، إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، والتدخل في شؤون دولها، يؤديان إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وأضاف أن تعاون إيران والصين لتنفيذ الاتفاق النووي، وحث الدول الأوروبية على تنفيذ تعهداتها، سيؤدي لإحداث تغيير.
ضرورة صينية وحاجة إيرانية
يبدو أن الصين تحاول أن تستبق أي انفراجة محتملة في الأزمة بين إيران والغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بتمتين حضورها في إيران وعلاقاتها معها، لجني ثمار هذه الانفراجة، بالإضافة إلى أنها أيضًا تهدف من خلال هذه الخطوة إلى توطيد أقدامها في الشرق الأوسط، لمزاحمة السياسة الأمريكية، على ضوء تصاعد خلافاتها مع واشنطن، وتأكيد الإدارة الأمريكية الراهنة أنها ستعطي الأولوية لمواجهة المنافس الصيني.
كما أن توقيع الاتفاق في هذا الظرف الزمني، فيه رسالة للولايات المتحدة، ففي ظل التردد الذي يبديه الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن معالجة تداعيات الانسحاب من الاتفاق النووي، فالصين وإيران تؤكدان من خلال الاتفاق أنهما بصدد تعزيز العلاقات.
يبدو واضحًا في هذا المجال، أنه في الوقت الذي تطمح إدارة بايدن في تشكيل إجماع دولي بالضد من إيران، وتماهي الجانب الأوروبي شيئًا فشيئًا مع الموقف الأمريكي، فإن الحاجة الإيرانية تتشكل عبر ضرورة إعادة ضبط مسار الاستدارة الإستراتيجية نحو الصين، فهناك حاجات متبادلة بين الطرفين الصيني والإيراني لتعزيز أمن كل منهما، الصين لقطع الطريق على الولايات المتحدة من منافستها في مجالها الجيوسياسي، وكذلك وضع موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، وإيران عبر تأمين نفسها من خلال علاقات وثيقة مع حليف دولي، ومنفذ إستراتيجي للإفلات من الضغوط الاقتصادية الأمريكية.
وما يعزز الحاجة الإيرانية أيضًا، أن هناك إجماعًا داخليًا بين التيارين المحافظ والإصلاحي على أهمية هذه الشراكة، كما أن قيادات الحرس الثوري اعتبروا هذه الشراكة أحد مجالات المواجهة مع الولايات المتحدة، ومن ثم فإن توافق الرؤى السياسية في الداخل الإيراني، أدى إلى وحدة الخطاب الإيديولوجي الإيراني نحو أهمية توثيق الشراكة مع الصين، كبديل إستراتيجي قادر على انتشال إيران من واقعها الاقتصادي الصعب الذي خلفته سياسة الضغط الأقصى الأمريكي.
إجمالًا، رغم أهمية هذه الشراكة في تعزيز أمن واقتصاد كلا البلدين، فإنها بالمقابل ستصطدم برغبة أمريكية كبيرة في تعطيلها، خصوصًا في ظل استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، إلى جانب سعي الولايات المتحدة إلى خلق واقع إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط، عبر اتفاقات التطبيع بين دول عربية و”إسرائيل”، فضلًا عن التحول الذي بدأت تشهده ملفات إقليمية معقدة، وقربها وبعدها من إيران والصين، وهو ما يضع هذه الشراكة أمام تحدٍ حقيقي، في إمكانية تحقيق غرض كل من إيران والصين منها.